SlideShare une entreprise Scribd logo
1  sur  82
Télécharger pour lire hors ligne
‫(معهد الدوحة)‬

‫‪www.dohainstitute.org‬‬



‫ة‬
‫ة والقابمية لمثور‬
                ‫في الثور‬
       ‫ة‬
       ‫عزمي بشار‬




         ‫د اسة‬
           ‫ر‬
‫الدوحة، آب/ أغسطس – 2201‬




      ‫سلسة (دراسات وأوراق بحثية)‬




‫حقوق النشر والطبع محفوظة للمركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات © 2201‬
‫املحتوى‬



‫ة ................................ ................................ ..............................‬
                                                                                                 ‫ة والقابمية لمثور‬
                                                                                                                 ‫في الثور‬

‫في مفيوـ الثو ة ........................................................................................................................... 2‬
                                                                                                                              ‫ر‬

‫ج والتغمب ليس نظرية في الثو ة.................................................................................... 9‬
                                                                                      ‫ر‬                            ‫الخرو‬

‫مفردة "ثو ة"................................................................................................................................. 18‬
                                                                                                                                     ‫ر‬

‫ثو ة، انقالب، إصالح.............................................................................................................. 22‬
                                                                                                                                ‫ر‬

‫الجدة والتجديد ............................................................................................................................ 92‬
                                                                                                                                          ‫ّ‬
‫الحرية والثو ة.............................................................................................................................. 18‬
                                                                                                                                 ‫ر‬

‫في الحالة الثورية أو القابمية لمثو ة ........................................................................................ 99‬
                                                                                            ‫ر‬

‫الثو ة كحالة قابمة لالنتشار ..................................................................................................... 5:‬
                                                                                                                              ‫ر‬

‫الثو ة الديمق اطية واأليديولوجية.............................................................................................. 85‬
                                                                                                                  ‫ر‬        ‫ر‬
‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬                         ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬




                                                                                      ‫ة‬
                                                                                      ‫في مفيوم الثور‬


‫يقوؿ أرسطو في كتابو "السياسة" إف أنماط الحكـ كميا معرضة لمثو ة، بما‬
     ‫ر‬        ‫َّ‬
‫فييا نمطا الحكـ األساسياف وىما: األوليغاركية والديمق اطية، وكذلؾ ما يسميو نظاـ‬
       ‫ّ‬                ‫ر‬
‫ي، أو األرستق اطي؛ والمصطمحات الثالثة تكاد تكوف‬
                                ‫ر‬              ‫الحكـ المتوازف، أو الدستور‬
                                                         ‫ر ٍ ر‬
‫عنده مت ادفات. و أى أرسطو أف في األوليغاركية والديمق اطية عناصر مف العدالة،‬
                     ‫ر‬
‫ولكف ِّ منيما يصبح معرضاً لخطر الثو ة عندما ال يتالءـ نصيب الحكاـ أو‬
     ‫ّ‬                         ‫ر‬              ‫ّ‬              ‫كال‬
‫ىـ المسبؽ عنو. ال بد مف أف نضيؼ إلى استخداـ‬
                       ‫و ّ‬                ‫الشعب مف الحكـ مع تصور‬
‫أرسطو مفيوـ " التصور المسبؽ" ىذا، أننا أصبحنا نعرؼ أيضاً أنو التصور الذي‬
                                                                           ‫أدى إليو النظاـ القائـ نفسو.‬
                                                                                                     ‫ّ‬


‫ويقسـ أرسطو الثّو ات إلى نوعين: ع يؤدي إلى تغيير الدستور القائـ،‬
                                    ‫نو‬            ‫ر‬               ‫ُ‬
                                                ‫ٍ‬        ‫ٍ‬
‫فينتقؿ مف نظاـ حكـ إلى نظاـ آخر؛ ع يغير الحكاـ في إطار بنية النظاـ القائـٔ.‬
                                          ‫ونو‬
‫ات المعاص ة التي سوؼ نتطرؽ إلييا‬
                     ‫ر‬         ‫وربما يكوف ىذا التقسيـ األرسطي أساس التمييز‬
           ‫ٍ ٍ‬                                      ‫ٍ‬
‫ة مف جية أولى وبين اإلصالح واالنقالب مف جية ثانية. ويشار ىنا‬
                                                           ‫الحقا بيف الثور‬
    ‫رٍ‬                                 ‫ٍ‬
‫إلى أف أرسطو يعتبر االنتقاؿ مف نظاـ إلى آخر عمميةً دائريةً، أو متكر ات شبو‬
       ‫ّ‬


‫ٔ‬
    ‫.‪Aristotle, Politics, Translated by Benjamin Jowett with introduction, Analysis, and Index by H.W. C‬‬
     ‫.11ٔ ‪Davis, (Dover Publications Inc., Mineola, NY: ٕٓٓٓ), P‬‬
                                                   ‫ْٔٙ إػادج إصذاس نطثؼح أكغلٕسد َلغٓا انرٙ صذسخ كٙ انؼاو ٘ٓ0ٔ.‬

                                                                                                             ‫2‬
‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬            ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬



 ‫ٍّ‬                        ‫ٍ‬                                 ‫ٍ‬
‫حتمية، وىي بيذا المعنى ال تؤدي إلى جديد، أي ليست ءاً مف عممية تطور‬
                ‫جز‬
                                                                                 ‫وتقدٍـ.‬
                                                                                    ‫ّ‬


‫تبدو الديمق اطية لدى أرسطو أقؿ تعرضاً لمثو ات مف األوليغاركية، ألف‬
                      ‫ر‬             ‫ّ‬                ‫ر‬
‫الص اعات أو الن اعات في الحكـ األوليغاركي قد تكوف بيف الشعب والطبقة الحاكمة،‬
                                                           ‫ز‬           ‫ر‬
‫أو داخؿ الطبقة الحاكمة نفسيا. أما في الديمق اطية فإف الن اع الممكف ىو مع الطبقة‬
                     ‫ز‬            ‫ر‬
‫الحاكمة فحسب، ال يوجد ص اع يذكر داخؿ الشعب نفسوٕ. وىو تصوير غريب‬
‫ٌ‬     ‫ٌ‬                              ‫ر ُ‬            ‫و‬
                                                          ‫ٍ‬
‫لواقع مختمؼ. فأرسطو يسمّـ طبعاً بالتجانس عمى مستوى ىوية الشعب في حالة‬
                                                                ‫ٍ‬
‫الديمق اطية، ما يذكرنا بأف ديمق اطية الػ"بوِس" اليونانية لـ تكف سوى ديمق اطية‬
   ‫ر‬                             ‫ل‬          ‫ر‬                        ‫ر‬
‫أىمية. ولكنو يعود فيجعؿ الفروؽ عمى مستوى ما يسميو بالعرؽ (‪ )race‬أحد أسباب‬
‫الص اع عندما تتعدد األع اؽ في الدولة الواحدة، ويذكر أمثمة عدة مف تاريخ المدف‬
                ‫ّ‬                                  ‫ر‬       ‫ّ‬           ‫ر‬
                              ‫والمستوطنات اليونانية عمى شواطئ شرؽ المتوسطٖ.‬


‫تقوـ الجماىير بالثو ات في ظؿ األوليغاركية عندما تتممّكيا فك ة أنيا ال‬
        ‫ر‬                                       ‫ر‬
                      ‫ً‬     ‫اً‬          ‫ر ّ‬         ‫ّ‬       ‫ٍ‬     ‫ٍ‬
‫تُعامؿ بشكؿ عادؿ. وتتممكيا الفك ة ألف لدييا شعور مسبقا بأنيا متساوية، ويفترض‬
                                                                       ‫َ‬
                                              ‫رٍ‬
‫بالتالي أف يعامؿ أف ادىا كأف اد متساويف. بينما ينتفض الوجياء أو النبالء في‬
                                                        ‫ر‬     ‫ُ َ‬
‫ٍ‬      ‫ٍ‬
‫الديمق اطيات ألف لدييـ شعور بأنيـ متميزوف، في حيف أنيـ يحوزوف حصة مساوية‬
                        ‫ّ‬             ‫ّ‬          ‫اً‬                  ‫ر‬
         ‫ّ‬
‫لمف يتفوقوف عمييـ بالفضيمة واألىمية. ويبرز في الحالتيف شر ٌ ىو افت اض أف‬
    ‫ر‬        ‫ط‬                        ‫ّ‬
‫التساوي بيف البشر في إطار جماعة محددةٗ يبرر المساواة، وأف عدـ التساوي‬
            ‫ّ‬              ‫ّ‬
‫يدحضيا. ويحرؾ افت اض التساوي السعي إلقامة نظاـ ديمق اطي، أو يدفع لمقبوؿ‬
                   ‫ر‬                                  ‫ر‬      ‫ّ‬
                                                        ‫ٍ‬            ‫ٍ‬
‫بنظاـ ديمق اطي قائـ. وىذا ما يفسر العالقة بيف قياـ الجماعة واالنتساب إلييا‬
                                                               ‫ر‬
                                          ‫ّ‬

                                                                                        ‫ٕ‬
                                                                ‫انًصذس انغاتن، ص ٓ0ٔ.‬
                                                                                         ‫ٖ‬
                                                                  ‫انًصذس َلغّ، ص ٗ0ٔ.‬
                                                                                         ‫ٗ‬
                                                         ‫ُْٔا َجذ األعاط نغٛاعاخ انٕٓٚح.‬

                                                                                        ‫3‬
‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬                                 ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬



‫والعضوية المتساوية فييا، وبيف فك ة الديمق اطية كما انتقمت إلى العصور الحديثة مع‬
                                    ‫ر‬        ‫ر‬
‫الوطنية. فقد انتقؿ معيا ذلؾ األساس المعنوي القائـ عمى التساوي عبر العضوية في‬
    ‫ّ‬
                            ‫ّ‬           ‫ّ‬                       ‫ٍّ‬
       ‫الجماعة كيوية٘ في إطار الجماعة المتخيمة، أي اليوية الوطنية أو القومية.‬


‫لقد كانت الثو ة الفرنسية ثو ةً وطني ً ال ثو ةً ديمق اطيةً فحسب. وليس ذلؾ‬
                      ‫ر‬    ‫ر‬       ‫ة‬       ‫ر‬             ‫ر‬
    ‫ٍ‬
‫مصادفة، فقد نشأت الديمقرطية الحديثة مف خالؿ وعي األمة بسيادتيا كأمة عبر‬
                                                   ‫ا‬
      ‫ّ‬            ‫ّ‬
‫حقوؽ المواطنيف في مقابؿ الصيغة السابقة التي ال تؤلّؼ فييا امتيا ات‬
 ‫ز‬
‫االرستق اطية/ األقمية مف جية، وانعداـ الحقوؽ لدى عية مف جية ى أمةً بأي‬
‫ّ‬     ‫أخر ّ‬        ‫الر ّ‬                                     ‫ر‬
‫معنى. وقد افؽ ذلؾ صعود ترسيخ الشعور القومي، ونشر المغة القومية، وتيميش‬
                                                           ‫ر‬
‫المغات والميجات المحمية، وتوحيد نظـ التعميـ واإلدا ة، والقضاء عمى االستقالؿ‬
                       ‫ر‬
‫اإلقميمي والمحمي لألسقفيات، ونسؼ الييئات الوصائية التقميدية اإلقطاعية الطابع،‬
             ‫ّ ٍ‬
‫وتعميـ التجنيد اإلل امي والنشيد الوطني ... وغير ذلؾ مف مركبات تحولت إلى‬
                                                     ‫ز‬
        ‫ّ‬
‫ممي ات الحركات القومية الحقاً. وقد ارتبطت ثو ات ٕٓٛٔ- ٛٗٛٔ بعممية تنمية‬
                         ‫ر‬                                        ‫ّز‬
                                      ‫ٍ‬
‫الشعور الوطني وبمو ة القومية نفسيا في حاالت مثؿ اليوناف وبولندا وأيرلندا وىنغاريا‬
                                                             ‫ر‬
‫ىا، أي أف ىوية الثو ات الديمق اطية ساىمت في بمو ة القومية‬
         ‫ر‬                  ‫ر‬        ‫ر‬      ‫ّ‬           ‫والصرب وبروسيا وغير‬
                                                                     ‫ٍ‬
‫كجماعة لحممة الحقوؽ السياسية، أو العكس، إذ قادت الحركات الوطنية أحياناً إلى‬
                                                                 ‫َ‬
‫تبني الديمق اطية. وفي أينا أف الثو ات الديمق اطية العربية سوؼ تساىـ في بمو ة‬
‫ر‬                                ‫ر‬         ‫ر‬          ‫ر‬          ‫ر‬
                                      ‫ٍ‬     ‫بشر ٍ‬
‫اليوية الوطنية التي لـ تحظ عية كافية حتى اآلف في الكيانات التي اعتبرت د ال‬
‫وً‬
‫قطريةً، حيثما تنجح في بناء المؤسسات الديمق اطية. واذا ما قامت الديمق اطيات‬
     ‫ر‬                        ‫ر‬            ‫ّ‬
‫ٍّ‬
‫فعالً فمف يحصؿ ىذا عمى حساب القومية العربية، بؿ سيتغير مفيوميا إلى ىوية‬
                            ‫ٍ‬         ‫ٍ‬              ‫ٍ‬       ‫ر ٍ‬     ‫ٍ‬
‫ثقافية، وش اكة وجدانية، ومصالح سياسية واقتصادية تكمؿ اليوية الوطنية، وىو في‬
                 ‫ّ‬      ‫ّ‬

                                                                                                                          ‫٘‬
‫َزكش ُْا أٌ انٕٓٚح كٙ أصهٓا كًلٕٓو كهغلٙ أٔ درٗ كٙ انًُطن انشكهٙ ذؼُٙ انرغأ٘ ػكظ انلشم أٔ انخالف. ٔتانؼشتٛح ُْٕٚح‬
‫(تضى انٓاء) يٍ ْٕ ْٕ ، أ٘ انشٙء ٚغأ٘ راذّ. ٔنكٍ انًؼُٗ ضاع كٙ ككشج االَرًاء نجًاػٛح كٕٓٚح، يغ أٌ ككشج االَرًاء نجًاػح‬
                                                ‫ذذًم ككشج ذغأ٘ جًاػح األكشاد انًُرًٍٛ نٓزِ انجًاػح تصلرٓى انرٙ ذجًؼٓى ْزِ.‬

                                                                                                                         ‫4‬
‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬             ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬



‫أينا تغير ميـ. المشكمة ىي أنو في الدوؿ التي ال تنجح فييا الثو ة في تحويؿ التوؽ‬
               ‫ر‬                                                             ‫ر‬
                                                    ‫ر ٍ‬
‫إلى الحرية إلى ديمق اطية، قد تنيار الكيانات الوطنية، ال سيما إذا كانت الدولة‬
                      ‫و‬
‫متعددة اليويات، ال تنشئ أمةً مواطنية. وقد حصؿ ذلؾ في الع اؽ بعد االحتالؿ‬
              ‫ر‬                     ‫ً‬         ‫ّ‬        ‫و‬    ‫ّ‬       ‫ّ‬
‫األميركي. ليذا يجب فيـ الفارؽ بيف التوؽ إلى الحرية وعممية بناء الديمق اطية بعد‬
       ‫ر‬
‫الثو ة، وبيف النجاح في بناء المؤسسات الوطنية لمديمق اطية في ظؿ اليوية العربية‬
         ‫ّ‬                   ‫ر‬                  ‫ّ‬                          ‫ر‬
                                  ‫ٍ‬
        ‫الجامعة ليذه الدوؿ كشرط استم ار وجودىا ككيانات بعد انييار النظاـ القائـ.‬
                                                  ‫ر‬


‫عموما، ى أرسطو أنو حتى الطغاة يصموف إلى الحكـ، ويحولوف‬
   ‫ّ‬                                           ‫ً ير‬

            ‫ّ‬   ‫ر‬                               ‫ة‬      ‫ٍ‬
‫األوليغاركية إلى طغياف نتيج ً لقدرتيـ عمى تعبئة أو حشد الفق اء ضد األغنياء أو‬
‫ضد النبالء. وفي الغالب يخاطب الطغياف شعور الناس بالمساواة؛ ولكف بالمساواة‬
                                                                       ‫ّ‬
‫كمحكوميف وليس كحكاـ. ولذلؾ فإف حكـ الطغياف، بحسب أرسطو، ىو عبا ة عف‬
   ‫ر‬                                              ‫ّ‬

                                   ‫ْ‬                      ‫ر‬            ‫ٍّ‬
‫مركب بيف الديمق اطية واألوليغاركية بشكمييما المتطرفيفٙ، أي أنو يجمع أسوأ ما‬
                         ‫ّ‬
‫فييما. ولذلؾ تسبؽ الديماغوجية عموماً فت ات الطغياف. فالديماغوجيوف ىـ الذيف‬
                                 ‫ر‬
‫يحشدوف الناس ضد األغنياء وضد النخبة بشكؿ عاـ، ويخاطبوف الحس العاـ‬
      ‫ّ‬                                   ‫ّ‬           ‫ّ‬
                             ‫ٍ‬
‫بالمساواة. والديماغوجي ىو الذي يتحوؿ إلى طاغية يحكـ باسـ الفق اء. وتقوؿ حنة‬
            ‫ر‬                           ‫ّ‬
‫أرندت إف طغاة العصور القديمة وصموا إلى الحكـ -شأنيـ شأف أمثاليـ في العصر‬
                                                          ‫ٍ‬
‫الحديث- بدعـ مف بسطاء الناس أو مف الفق اء. ال شؾ في أف أرندت كانت تكتب‬
                      ‫ر و ّ‬
‫تحت تأثير وصوؿ القيادات الفاشية والنازية والشيوعية إلى الحكـ في النصؼ األوؿ‬
‫ى ليذه القيادات في االحتفاظ بالسمطة‬‫مف القرف العشريف. وىي ى أف الفرصة الكبر‬
                                                    ‫تر‬
‫تنبع مف غبة الناس في المساواة في الظروؼ االجتماعية. وعمى ال غـ مف أف‬
        ‫ر‬                                                   ‫ر‬
   ‫ٍ‬                                      ‫ٍ‬
‫تعميميا ىذا ليس صحيحاً كتعميـ، إال أنو ما اؿ صحيحاً بالنسبة إلى كثير مف‬
                            ‫ز‬
‫الحاالت التي تنبع فييا عية االستبداد مف توفير الظروؼ االجتماعية المتساوية‬
                                                  ‫شر‬

                                                                                   ‫ٙ‬
                                                                   ‫أسعطٕ، ص ٕٙٔ.‬

                                                                                   ‫5‬
‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬                         ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬



‫لمناس. وىذه المساواة غالباً ما تقوـ عمى المساواة في الفقر أو عمى درجة أعمى قميال‬
‫ً‬
‫مف الفقر. وما اؿ ضماف حاجاتيـ األساسية أحد أىـ أسباب بقاء االستبداد، كما أف‬
                                                            ‫ز‬
‫عية" ىذا عبر اإلفقار، بواسطة المبرلة االقتصادية مثال، مف دوف‬
                           ‫ْ‬                                ‫فقداف مصدر "الشر‬
‫عية الديمق اطية، ىو مف األسباب التي‬
                       ‫ر‬           ‫االستعاضة عنو بمصادر ى مثؿ الشر‬
                                             ‫أخر‬
                                                                       ‫تميّد لمثو ة عمى االستبدادٚ.‬
                                                                                       ‫ر‬


‫ٍ‬
‫ربما مف المفيد ىنا أف نذكر أف الديمق اطية تحوؿ المساواة بيف الناس في أمر‬
                           ‫ّ‬      ‫ر‬
                                                                ‫ٍ‬        ‫ٍ‬
‫واحد إلى مساواة في األمور كافّة؛ في حيف أف األوليغاركية تحوؿ عدـ التساوي بيف‬
                                     ‫ٍ‬
‫الناس في بعض األمور إلى انعداـ المساواة في جميع األمور. ولذلؾ غالباً ما يقود‬
‫ٍ‬
‫أحدىا إلى اآلخر. أما االرستق اطية التي يفضميا أرسطو، فيي تعامؿ الناس بقدر‬
                               ‫ّ‬           ‫ر‬
            ‫ٍ‬
‫مف الالمساواة، ألنيـ غير متساويف في أمور معينة، وتعامميـ بقدر مف المساواة‬
‫ي ذلؾ كمو بحسب الحاجة واألىمية. ومف ىنا‬       ‫ٍ أخر‬
                                       ‫ألنيـ متساووف في أمور ى، ويجر‬
‫يحكـ أىؿ الفضيمة ‪ virtue‬والكفاءة ‪ ، merit‬ولكنيـ يعرفوف أنيـ متميزوف عف الناس‬
            ‫ّ‬
                                      ‫ٍ أخر‬                   ‫ٍ‬
‫بأمر، ومتساووف معيـ في أمور ى، ويتعامموف معيـ عمى ىذا األساس. وىذا‬
         ‫القسط ىو أساس الدساتير الجيدة في نظر مفكر يوناني قبؿ آالؼ السنيف.‬
                                  ‫ّ‬


‫ة؟ كؿ ما يمكننا قولو ىو أف ىنالؾ‬
                               ‫ىل ىنالك تحديد عممي لمفيوم الثور‬
                                                                   ‫و ٍ‬
‫محا الت يصعب أف ترقى إلى مستوى التعريؼ العممي. فالكممة دارج ٌ في االستخداـ‬
             ‫ة‬
   ‫ٍ‬    ‫ٍ‬       ‫ٍ‬
‫اليومي لمّغة. وحتى في الكتابة التاريخية، أُطمقت كتسمية عمى عدد كبير مف‬
   ‫ٍ‬                 ‫ٍ‬     ‫ٍ‬
‫الظواىر المختمفة في شدتيا والتي تمتد مف أي تحرؾ مسمّح -أو حتى غير مسمّح-‬
                                                    ‫ّ‬
                                  ‫ّ‬
                                                                ‫ٍ‬
‫ضد نظاـ ما، إلى التحركات التي ح إسقاط النظاـ واستبدالو؛ األمر الذي يصعب‬
                                         ‫تطر‬
   ‫ّ‬
 ‫ٍ‬
‫عممية تدقيؽ المصطمح. وفي المغة العربية نفسيا استُخدـ التعبير لوصؼ تحركات‬

                                                                                                              ‫7‬
         ‫دُح أسَذخ، في انثىرة، ذشجًح: ػطا ػثذ انْٕاب، ط ٔ، (تٛشٔخ: انًُظًح انؼشتٛح نهرشجًح، 1ٕٓٓ)، ص ٘1-ٙ1.‬

                                                                                                              ‫6‬
‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬             ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬



                            ‫ر ر‬                 ‫ر‬             ‫ٍ‬        ‫ٍ‬
‫شعبية مف أنواع عدة مثؿ "ثو ة الزنج" و"ثو ة الق امطة". وقد استخدميا عرب القرف‬
‫ٍ‬
‫ىـ لفيـ الماضي بمفاىيـ الحاضر، وفي محاولة‬
                                        ‫العشريف المتأثروف بثو ات عصر‬
                                             ‫ر‬
‫لالرتباط بت اث ي مفترض يكتب كأنو سيرو ة نضاؿ الطبقات المضطيدة. فكما‬
                            ‫ر‬              ‫ُ‬        ‫ر ثور‬
‫أف ىنالؾ ثو ة الزنج وثو ة الق امطة، ىنالؾ أيضاً ثو ة عمر المختار (ٕٙٛٔ-‬
                   ‫ر‬                    ‫ر ر‬               ‫ر‬
‫ٖٜٔٔ) وثو ة الريؼ بقيادة محمد بف عبد الكريـ الخطابي (ٕٛٛٔ- ٖٜٙٔ) وطبعاً‬
                                                            ‫ر‬
‫ثو ة الج ائر والثو ة الفمسطينية، وثو ة ٖٕ يوليو/ تموز ٕٜ٘ٔ بقيادة جماؿ عبد‬
                                    ‫ر‬                 ‫ر‬         ‫ر ز‬
‫الناصر (ٜٛٔٔ - ٜٓٚٔ)، وثو ة ٗٔ تموز/يوليو ٜٛ٘ٔ بقيادة عبد الكريـ قاسـ‬
                                          ‫ر‬
‫(ٜٗٔٔ- ٖٜٙٔ). وىذا ىو نيج ثوريي القرف التاسع عشر األوروبييف في إطالؽ‬
‫كممة "ثو ة" عمى تمرد العبيد بقيادة سبارتاكوس في روما القديمة (ثو ة العبيد)، ونيج‬
              ‫ر‬                                              ‫ّ‬        ‫ر‬
‫اليسار األلماني منذ كارؿ ماركس في تسمية الحركة الدينية األلفية الخالصية بقيادة‬
            ‫َ‬
‫توماس مونتسر "ثو ة الفالحيف". بينما وضعيا المؤرخوف األوروبيوف في إطار مفيوـ‬
                                                         ‫ر‬
‫ة‬
‫"اإلصالح" أو الحركات الدينية الخالصية التي تولدت منو بوصفو يشمؿ عممي ً‬
                                             ‫َ‬
            ‫ٍ‬      ‫ٍ‬         ‫ٍ‬         ‫ٍ‬       ‫ٍ‬
‫متعددة األبعاد والظواىر مف حركات دينية واجتماعية واحتجاجية وثورية. وىذا ما قد‬
                                                                        ‫ّ‬
                             ‫ّخ.‬
                               ‫يشير إلى االختالؼ بيف نيج المفكر وبيف نيج المؤر‬
                                               ‫ّ‬


      ‫ٍ‬     ‫ٍ‬
‫لكف استخداـ المفظ في وصؼ ىذه التمردات الشعبية جاء بشكؿ متأخر متأثر‬
‫اً‬
‫باأليديولوجيات الثورية في القرف العشريف. ويمكننا أف نتخيؿ أىمية الثو ة الفرنسية،‬
          ‫ر‬
‫وثو ة أكتوبر، والثو ة الصينية، وكوبا في النصؼ الثاني مف القرف العشريف، ثـ تحوؿ‬
                                                         ‫ر‬               ‫ر‬
‫مفيوـ الثو ة عمى الديكتاتوريات والنفوذ األميركي واآلتي مف أميركا الالتينية إلى‬
                                                                  ‫ر‬
       ‫مصطمح رئيس في الالىوت السياسي لمثقفي اليسار في العالـ الثالث عموما.‬


‫ج"‬‫أما المؤرخوف العرب القدماء فمـ يستخدموا كممة "ثو ة" بؿ كممات مثؿ "خرو‬
                     ‫ر‬                                         ‫ّ‬
‫ج الق امطة". والفتنة في الواقع ىي الص اع األىمي‬
        ‫ر‬                               ‫و"فتنة"، فقالوا "فتنة الزنج" و"خرو ر‬

                                                                              ‫7‬
‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬                               ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬



       ‫ٍ‬     ‫ٍ‬
‫الذي يمس بالعنؼ التوازف السياسي االجتماعي القائـ بيف جماعات أىمية. وربما‬
                                                                ‫ّ‬
‫ىا‬
 ‫يرتبط ذلؾ مرجعياً بالمفيوـ اإلسالمي لوحدة الجماعة واستقر ىا التي ارتبطت بدور‬
                   ‫ار‬
‫بتعزيز ديناميات التمصير، أي بناء المدف المستق ة وخططيا مقابؿ نمط االجتماع‬
                          ‫ر‬                                 ‫ّ‬
‫البدوي األع ابي المنقسـ والمضطرب. وليذا فإف مفيوـ المؤرخيف العرب لما يصفو‬
                   ‫ّ‬                                        ‫ر‬
‫المؤرخوف المعاصروف بػ "الثو ة" خاضع لمسياؽ الذي حكـ إنتاجو، وىو اعتبار‬
                                         ‫ر‬
‫ج عمى الجماعة تقويضاً لمعم اف. و ج عمى الجماعة أو األمة ىو األصؿ‬
                               ‫ر الخرو‬                          ‫الخرو‬
‫ج عمى السمطاف الغاشـ فقد اختمؼ بشأنو، فالبعض اعتب ه‬
‫ر‬                                                  ‫في ذـ الخو ج، أما الخرو‬
                                                               ‫ار‬
‫خروجا عمى الجماعة، والبعض اآلخر اعتب ه أمر مشروعا، بؿ واجبا في بعض‬
                        ‫ر ا‬
                                                                                                          ‫الحاالت.‬


‫ج‬‫ج"، بمعنى الخرو‬‫ة ىي "الخرو‬
                          ‫إف أقرب كممة إلى مفيوـ الثو ة المعاصر‬
                                  ‫ر‬
‫لطمب الحؽ. فال ج ىنا بدايةً ليس خروجا عمى الجماعة، ال حتى عمى السمطاف‬
                 ‫و‬                                    ‫خرو‬
‫ج إلى"، ج إلى الناس طمبا لمحؽ. إنو ج إلى المجاؿ العاـ، وفي‬
                       ‫خرو‬                        ‫خرو‬     ‫بؿ ىو "خرو‬
   ‫ىذه الحالة طمبا إلحقاؽ حؽ أو دفع ظمـٛ. وىو أوالً ج مف البيت إلى الشار‬
‫ع أو‬                   ‫خرو‬
‫الميداف. وىذا يعني مغاد ة الصبر والشكوى والتذمر وحالة عدـ الرضى في الحيز‬
 ‫ّ‬                                             ‫ر‬
‫الخاص، وحمميا إلى الحيز العاـ. إف الفرؽ بيف النقد والتذمر، أو بيف الشكوى‬
                                                  ‫ّ‬
‫والفعؿ السياسي، ىو كالفرؽ بيف القعود و ج. وىو ثانياً ج عمى قواعد المعبة‬
                  ‫خرو‬           ‫الخرو‬
‫ج معنى القوة والعنؼ،‬‫عية القائمة. ويحمؿ الخرو‬‫وعمى القوانيف السارية، وعمى الشر‬
‫ألنو يخرؽ بعض ما ىو قائـ مف قوانيف وأع اؼ، ويخرؽ أيضاً ما يحمي ىذه‬
                          ‫ر‬
‫عية القائمة يتـ طمباً‬‫ج عمى الشر‬        ‫ٍ و‬
                               ‫القوانيف واألع اؼ مف بنى وأدوات. ألف الخرو‬
                                                         ‫ر‬
                   ‫ٍ‬
‫لتحقيؽ حؽ ما عاد تحقيقو ممكناً في النظاـ القائـ، أو لدفع ظمـ ما عاد دفعو ممكناً‬


                                                                                                                     ‫1‬
‫كًا ْٕ انخشٔض ػُذ جًاػح انرثهٛؾ ٔانذػٕج كٙ ػصشَا، دٛس اعرخذيٕا ػثاسج انخشٔض نهورال أٔ انجٓاد، تًؼُٗ جذٚذ ْٕ انخشٔض‬
                                                                                                       ‫نهرثهٛؾ ٔانذػٕج.‬

                                                                                                                     ‫8‬
‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬              ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬



‫ج بالمعنى‬‫ضمف ىذا النظاـ وباألدوات التي يتيحيا. ىذا ىو المشترؾ بيف الخرو‬
                             ‫المستخدـ في التاريخ اإلسالمي والثو ة بالمعنى الحديث.‬
                                             ‫ر‬




                                        ‫الخروج والتغمب ليس نظرية في الثو ة‬
                                        ‫ر‬


‫ي (توفي سنة ٕٖىػ):‬‫ج عجب منسوب ألبي ذر الغفار‬
                                 ‫ٌ‬     ‫اشتُير مف الخرو َ َ ٌ‬
‫"عجبت لمف ال يجد القوت في بيتو، كيؼ ال ج عمى الناس شاىر سيفو!". ولكف‬
             ‫ًا‬                ‫يخر‬
‫ج" اكتسب منذ ذلؾ الحيف مضموناً داللياً مختمفاً يحمؿ بعضا مف‬‫مفيوـ "الخرو‬
‫ج‬
‫ج فيو عمى العصياف المسمّح ضد السمطة القائمة، كخرو ٍ‬
                       ‫ّ‬                           ‫ج أبي ذر. ويدؿ الخرو‬
                                                         ‫ّ‬             ‫خرو‬
   ‫ٍ‬
‫ج آلية تغيير في‬‫ج لممجاؿ العاـ، خاصة عندما أصبح الخرو‬‫عية وخرو‬‫عف الشر‬
                                             ‫ٍ‬       ‫ٍ‬     ‫ر ٍّ‬    ‫ٍ‬
                                            ‫مجتمع منقسـ بيف عية ودولة سمطانية.‬
                                                                         ‫ٍ‬


‫قد يكوف "التغمب"، وىو المصطمح الذي استخدمو الفقياء مدخ ً إلضفاء‬
       ‫ال‬
‫عية الواقعية عمى السمطة في إطار الخالفة اإلسالمية، والذي َّر لو الفقياء‬
            ‫نظ‬                                                         ‫الشر‬
‫والمؤرخوف منذ الماوردي (ٖٗٙ - ٓ٘ٗىػ) وحتى ابف خمدوف (ٕٖٚ - ٛٓٛىػ)؛‬
‫عية‬‫ج. لقد تـ ذلؾ مف خالؿ ْ عنتو سمطانياً بإضفاء الشر‬
                            ‫شر‬                      ‫ىو المفيوـ المقابؿ لمخرو‬
‫عمى عممية تممؾ السمطة لقاء تقديـ ال الء لمخميفة. التغمب ىو الخمفية التي ينشأ فييا‬
                                            ‫و‬
‫ج، وىو أيضاً النتيجة المتوقعة لو، بحيث نشأت ثُنائية دائمة ( ج/تغمّب)،‬
         ‫خرو‬                                                         ‫الخرو‬
‫وليس معارضة ومواالة قائمتيف في جدلية وص اع ضمف النظاـ القائـ. لذا ذىب ابف‬
                                ‫ر‬              ‫ْ‬
‫ج، بػ "دولة‬‫خمدوف إلى وصؼ الدولة الجديدة (الحادثة)، أي الناجمة عف الخرو‬


                                                                               ‫9‬
‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬                                 ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬



‫ج" أو "دولة الخو ج"، وىو لـ يعف بذلؾ فرقة الخو جٜ كما تُعرؼ منذ واقعة‬
                      ‫ار‬              ‫َ ِ‬           ‫ار‬               ‫الخرو‬
‫التحكيـ المشيو ة في التاريخ اإلسالمي بيف عمرو بف العاص و أبي موسى‬
                                                 ‫ر‬
‫ي. وربما أسس ابف خمدوف عمى بدر الديف بف جماعة (ٜٖٙ - ٖٖٚىػ)‬‫األشعر‬
‫الذي عاش وتوفي في القاى ة الممموكية قبؿ أف يولد ابف خمدوف بعاـ واحد. وكتب‬
                                                ‫ر‬
‫في كتابو تحرير األحكام في تدبير أىل اإلسالم: "إف خال الوقت عف إماـ فتصدى‬
‫ليا مف ىو ليس مف أىميا وقير الناس بشوكتو وجنوده بغير بيعة أو استخالؼ،‬
‫انعقدت بيعتو ولزمت طاعتو لينتظـ شمؿ المسمميف وتجتمع كممتيـ، ال يقدح في‬
      ‫و ُ‬
‫ذلؾ كونو جاىالً أو فاسقاً، في األصح. واذا انعقدت اإلمامة بالشوكة والغمبة لواحد‬
‫ثـ قاـ آخر فقير األوؿ بشوكتو وجنوده انعزؿ األوؿ وصار الثاني إماما لما قدمو مف‬
                                                                       ‫مصمحة المسمميف وجمع كممتيـ"ٓٔ.‬


‫وتقارب معو أيضاً في تحميمو الواقعي ابف تيمية (ٔٙٙ - ٗٗٚىػ) الذي‬
‫اعتبر أف فت ة الخالفة ال اشدة ىي في الواقع امتداد لفت ة النبوة، وأف ما يوجد منذ تمؾ‬
                            ‫ر‬                            ‫ر‬            ‫ر‬
‫ع ال يحرمو. وىذا "الممؾ" ىو ما يعرؼ‬
                            ‫ّ‬     ‫الفت ة عممياً ىو م ْمؾ وليس خالفة، وأف الشر‬
                                                           ‫ُ‬           ‫ر‬
‫بػ "الممؾ العضوض". ويجمع بيف فقياء تمؾ المرحمة حرصيـ عمى وحدة األمة‬
     ‫واإلمامة ورفضيـ استم ار االنقسامات حتى لو كاف الثمف تبرير السمطاف الجائر.‬
                                                        ‫ر‬


‫كاف فقياء المسمميف يقدموف فقياً ال عالقة لو بواقع الحاؿ، فيقولوف إف‬
                                               ‫ّ‬
    ‫و ٍ ٍّ‬
‫ى بيف أىؿ الحؿ والعقد، األمر الذي تحوؿ إلى مق الت نقدية في‬‫الخالفة تُعقد بالشور‬
                     ‫ّ‬
‫بعض الحاالت ضد واقع الخالفة التي صارت ممكاً، إلى أف جاء اإلماـ ابف حنبؿ‬
                                ‫ُ‬                         ‫ّ‬

‫ٚذػٙ خصٕو انخٕاسض أٌ ْزا االعى نصن تٓى ألَٓى ٚذػٌٕ نهخشٔض ػهٗ أئًح انؼذل، ٔنٛظ ألَٓى خشجٕا ػٍ انذاػًٍٛ نؼهٙ، ٔنى‬        ‫0 ّ‬
‫ٕٚاكوٕا ػهٗ َرٛجح انرذكٛى تٍٛ ػًشٔ تٍ انؼاص ٔأتٙ يٕعٗ األشؼش٘. ٔنكٍ انخٕاسض انزٍٚ ٚغًٌٕ أَلغٓى تانجًاػح انًؤيُح ػُشكٕا‬
‫تصٕساذٓى ٔػذو هثٕنٓى نغهطح انذٔنح كٙ األطشاف ترششٚؼٓى انخشٔض ػهٗ انذاكى انجائش ٔجؼهٕا انذذ نهخشٔض ػهٗ أئًح انجٕس ٓٗ‬
                                                                ‫سجال يٍ انًُكشٍٚ ػهٗ ْؤالء األئًح، كٓزا ٚكلٙ نهصٕسج ػهٛٓى.‬
                                                                                                                         ‫ٓٔ‬
‫يورثظ يٍ: يذًذ كرذٙ ػصًاٌ، مه أصىل انفكز اإلسالمي : دراست نحقىق اإلوسان ونىضع وهايت انذونت واإلمامت في ضىء‬
                                         ‫شزيعت اإلسالو وتزاثه انتاريخي وانفقهي، (تٛشٔخ: يؤعغح انشعانح، ٗ10ٔ)، ص 1ٖٗ.‬

                                                                                                                       ‫10‬
‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬                                   ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬



‫ي وبرر الخالفة نفسيا بالغمبة (لـ يكف‬
                               ‫ّ‬    ‫(ٗٙٔ - ٕٔٗىػ) في القرف الثالث اليجر‬
‫المقصود في حينو تبرير اإلما ة في إطار الخالفة فيي لـ تكف قائمة في عص ه)‬
 ‫ر‬                                        ‫ر‬
           ‫ٍ‬
‫بقولو: "إف مف غمبيـ صار خميفة وسمي أمير المؤمنيف، ال يحؿ ألحد يؤمف باهلل‬
                ‫ّ‬     ‫و‬            ‫ُّ َ َ‬
‫واليوـ اآلخر أف يبيت و ال ي اه إماماً عميو، بر كاف أو فاجر، فيو أمير المؤمنيف"ٔٔ.‬
                       ‫اً‬           ‫َا‬              ‫ر‬
‫وقد شرحيا الحنابمة المتأخروف مثؿ أبي يعمى ّاء (ٖٓٛ - ٛ٘ٗىػ) بالقوؿ: ألف‬
                           ‫الفر‬
‫القصد بالغمبة ىنا أف الغمبة تتبعيا المبايعة، وىي التي تجعؿ مف المتغمّب خميفةً،‬
              ‫ُ‬
‫وليس الغمبة ذاتيإٔ. والحقيقة أف المبايعة غالباً ما تكوف ءاً مف الغمبة، كما في‬
             ‫َ‬      ‫جز‬                    ‫ُ‬                           ‫َ‬
‫حالة االستفتاء عمى رئيس الجميورية في عصرنا بعد أف يصؿ إلى السمطة بالطرؽ‬
‫عية الدستورية.‬‫االنقالبية غير الديمق اطية، فتضفي نتيجة االستفتاء عميو الشر‬
                                                  ‫ر‬
‫والالفت أف اإلعالـ الرسمي؛ حتى في حالة االستفتاء عمى الية جديدة لمرئيس في‬
                   ‫و‬
‫الجميورية العربية غير الديمق اطية، وحتى في حالة التوريث؛ يسمي االستفتاء‬
                                         ‫ر‬
                                 ‫"شر‬              ‫ز‬               ‫ٍ‬
                      ‫"مبايعة"، في محاولة الستثمار الرم انية اإلسالمية في عية" الحكـ.‬


‫تبع أبو الحسف عمي بف محمد الماوردي الشافعي (ٖٗٙ - ٓ٘ٗىػ) في‬
‫ي، ليبرر في كتاب‬
         ‫ّ‬      ‫مسألة "الغمبة" واقعية ابف حنبؿ، في القرف الخامس اليجر‬
                                            ‫َ‬
‫"األحكام السمطانية" أنماطاً مف الوصوؿ إلى الحكـ فيما يسمى بالعصر العباسي‬
‫الثاني مثؿ إما ة االضط ار واالستيالء (وقد قصد عممياً الس ْمطنة أو اإلما ة البوييية‬
         ‫ر‬                                                ‫ر‬       ‫ر‬
‫في ظؿ الخالفة العباسية)، إلى جانب الية العيد مف اإلماـ السابؽ، أي التوريث،‬
                                       ‫و‬
‫واختيار أىؿ الحؿ والعقد. وقد حمؿ األمير البوييي لقب "أمير األم اء" الذي تطور‬
            ‫ر‬
‫عية عميو. لقد‬                                                ‫ٍ‬
             ‫لدى بعض آخر إلى السمطاف، لكف الخميفة ظؿ ىو مف يضفي الشر‬

                                                                                                                           ‫ٔٔ‬
‫َوهٓا ػُّ أتٕ ٚؼهٗ انلشاء كٙ كراتّ انًؼاصش نكراب انًأسد٘ ٔانز٘ أخز ػُّ انكصٛش ػذا كصشج اإلشاسج إنٗ انذُاتهح: أتٕ ٚؼهٗ يذًذ‬
‫تٍ انذغٍٛ انلشاء انذُثهٙ، األحكاو انسهطاويت، صذذّ ٔػهن ػهّٛ يذًذ دايذ انلوٙ، (تٛشٔخ: يُشٕساخ يذًذ ػهٙ تٛضٌٕ نُشش‬
                                                                      ‫كرة انغُح ٔانجًاػح، داس انكرة انؼهًٛح، ال ذاسٚخ)، ص ٕٓ.‬
                                                            ‫ٔٚوٕل أتٕ ٚؼهٗ كٙ انصلذح َلغٓا إٌ اتٍ دُثم هال أٚضا أيٕسا يؼاكغح.‬
                                                                                                                            ‫ٕٔ‬
                                                                                                     ‫انًصذس َلغّ، ص ٕٗ.‬

                                                                                                                          ‫00‬
‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬                          ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬



‫عية العباسية‬‫توسط فقو الماوردي بيف واقع إما ة االستيالء البوييية وبيف الخالفة الشر‬
                                                 ‫ر‬
                   ‫عية في حالة التفسير المتساىؿ معو.‬‫حفاظاً عمى اإلمامة كمانحة الشر‬


‫ي ابف‬                                                 ‫ٍ‬
     ‫نجد ذلؾ بقوة أكبر عند األشاع ة، وخاصةً معاصر أبي الحسف األشعر‬
                                    ‫ر‬
‫ي مالكي منع ما أتاحو حتى أمثاؿ‬‫ي (ت. ٖٓٚىػ)، وىو أشعر‬‫مجاىد البصر‬
‫الماوردي المعروؼ بواقعيتو السياسية الحقاً، وىو الخ ج عمى الفاسقيف والجائريف‬
                        ‫رو‬
‫مف األئمة. ويعكس ذلؾ فمسفة استق ار"الجماعة اإلسالمية" ووحدتيا في صيغة‬
                                    ‫ر‬                        ‫ّ‬
‫ي (ٖٗٛ -‬‫"سمطاف غشوـ خير مف فتنة تدوـ". وقد تصدى لو ابف حزـ الظاىر‬
‫ج األئمة بمف فييـ أفاضؿ الصحابة عمى معاوية،‬‫ٙ٘ٗىػ) الذي استشيد بخرو‬
‫ي وأكابر التابعيف عمى الحجاج بسيوفيـٖٔ. لكف خطاب‬
                      ‫ّ‬                         ‫ج الحسف البصر‬‫وخرو‬
‫الواقعية السياسية الذي يعبر عف وساطة المؤسسة الدينية بيف النص والدولة استمر‬
                                                 ‫ّ‬
‫باالنتشار عند المؤوليف مف الفقياء الذيف يبرروف الحكـ القائـ بتأويؿ النص. فنجده‬
                                   ‫ّ‬                       ‫ّ‬
                   ‫عند أبي العز، ح "العقيدة الطحاوية"، وحتى عند ابف تيمية.‬
                                                            ‫ّ شار‬


‫ي والموقؼ التأويمي عموماً‬‫عمينا ىنا أف نفصؿ بيف الموقؼ السمفي الظاىر‬
‫ي. فاألوؿ لـ‬‫كما ساد في تمؾ المرحمة، وخاصةً المرحمة التي ساد فييا الفكر األشعر‬
‫يتسامح في النياية مع الحاكـ الفاسؽ، وماؿ إلى عدـ محاربة الخارجيف عميو، وحتى‬
‫ج مف مفاسد. لكنو ماؿ إلى‬‫ج عميو أحياناً، مع التحذير مما في الخرو‬‫ترجيح الخرو‬
‫ج عمى الحكاـ بشكؿ خاص حفاظاً عمى وحدة‬
                           ‫ّ‬         ‫رفض الفتف بشكؿ عاـ، ورفض الخرو‬
‫ج عمى الحاكـ، والى تبرير‬
                       ‫األمة. أما الخطاب التأويمي فقد ماؿ إلى رفض أي خرو ٍ‬
                                                             ‫ٍ ٍ‬
‫أي نظاـ قائـ بالغمبة وبإجماع األمة. واإلجماع يرفض ال أي المخالؼ، فال تكوف‬
                   ‫ر‬
‫ج عمى‬‫ىناؾ معارضة، أي أقمية مقابؿ أغمبية، بؿ إجماع، وأي أي آخر ىو خرو‬
                 ‫ر‬
                                                                                                          ‫ٖٔ‬
‫كٙ يؼانجح ْزا انًٕضٕع اَظش: داكى انًطٛش٘، انحزيت أو انطىفان: دراست مىضىعيت نهخطاب انسياسي انشزعي ومزاحهه‬
                                   ‫انتاريخيت، ط ٕ، (ػًاٌ: انًؤعغح انؼشتٛح نهذساعاخ ٔانُشش، 1ٕٓٓ)، ص ٖٙٔ-ٗٙٔ.‬

                                                                                                        ‫20‬
‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬            ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬



‫ج السياسي الذي يشكؿ،‬
  ‫ّ‬                 ‫ج عمى اإلجماع ىو الوجو اآلخر لمخرو‬‫اإلجماع. وىذا الخرو‬
                                   ‫في حد ذاتو، مفسدةً وفتنةً وظمماً ما بعده ظمـ.‬
                                                                           ‫ّ‬


‫الالفت أف خطاب سمفيي العصر الحاضر لـ يأخذ إال جانباً مف خطاب‬
‫ج عمى السمطاف. وعندما قاـ‬‫المؤسسيف أمثاؿ ابف حنبؿ وابف تيمية، وىو منع الخرو‬
                                                                     ‫ّ‬
‫ج‬‫تيار سمفي نقدي، فإنو وجد تقميداً غنياً عند آباء السمفية مف الفقياء يبرر الخرو‬
        ‫ّ‬
‫ج عمى السمطاف‬‫عمى الحاكـ الظالـ. ولكف تدقيؽ النظر يفيد أف مف يحرـ الخرو‬
                    ‫ّ‬
                         ‫ٍ خر‬
‫ج عمى سمطاف ج ىو بنفسو عمى مف سبقو ثـ‬     ‫الجائر، إنما يحرـ غالباً الخرو‬
                                                        ‫ّ‬
‫ج عمييا خروجاً عمى اإلجماع.‬‫عف بالغمبة التي صارت إجماعاً، وصار الخرو‬‫تشر‬
‫ج الحاكـ‬‫عية لخرو‬‫ومف ىنا فإنو يقوـ عمى تقاليد ينتقييا، فيو يجد المبر ات الشر‬
                      ‫ّر‬
‫ج عميو، ويعثر في النصوص عمى ما‬‫القائـ عمى سابقو، وينفي مبر ات الخرو‬
                                     ‫ّر‬
                                                                        ‫يحرميا.‬
                                                                            ‫ّ‬


‫كاف ابف تيمية يعتقد أف اإلمامة تقوـ عمى أساسيف ىما: "القوة واألمانة" بناء‬
‫ً‬
                                                             ‫ٍ ر ٍ‬
‫عمى نصوص ق آنية ورد فييا ذكر القوة قبؿ األمانة مثؿ: "إف خير مف استأجرت‬
                                          ‫ّ‬
‫القوي األميف" (القصص: ٕٙ)؛ وقوؿ صاحب مصر ليوسؼ (ع): "إنؾ اليوـ لدينا‬
                                ‫ٍ‬       ‫ٍ‬
‫مكيف أميف" (يوسؼ:ٗ٘). واستشيد بقوؿ مشيور ألحمد ابف حنبؿ يجعؿ القوة أكثر‬
      ‫ّ‬
‫أىميةً مف الصالح إذا كاف الخيار بينيما: "أما الفاجر القوي، فقوتو لممسمميف، و‬
               ‫ّ‬
‫فجو ه عمى نفسو، و أما الصالح الضعيؼ فصالحو لنفسو وضعفو عمى المسمميف".‬
                                                                ‫ر‬
‫ومف ىنا فقد جمع ابف تيمية صفات ال الية في صفتيف رئيستيف ىما القوة واألمانة،‬
                                        ‫و‬
‫ٍ‬
‫وقد اختمؼ في ىذا عف فقياء أىؿ السنة و ىـ ممف أسيبوا في تفصيؿ صفات‬
                          ‫غير‬
                                                                          ‫ٍ‬
‫عديدة في اإلماـ، أو عينوا طرقاً محددةً لتولي السمطة، ولـ يذكروا بينيا االستيالء‬
                                            ‫ّ‬             ‫َ‬
‫عية الحكـ، وىكذا جعموا‬‫بالقوة، ولكنيـ جعموا المبايعة بعد االستيالء تتميماً لشر‬

                                                                             ‫30‬
‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬               ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬



‫إجماع األمة، و ج عمييا خروجا عمى اإلجماع؛ فالقد ة عند ابف تيمية أساس‬
                   ‫ر‬                    ‫ً‬            ‫الخرو‬
‫ج عمى‬‫ال الية الواقعي، بينما األمانة شرط عية ال الية. البف تيمية أي يجيز الخرو‬
                 ‫ر‬          ‫و‬     ‫و‬       ‫شر‬                             ‫و‬
        ‫ٍ‬    ‫رٍ‬
‫ج بصو ة عامة إال إذا‬                                                 ‫ٍ‬
                    ‫أي حاكـ، بشرط الت اـ الشريعة اإلسالمية، فيو لـ يدف الخرو‬
                                                         ‫ز‬
                          ‫ُ ْ‬
‫ج قد يجمب مفاسد أعظـ مف مفسدة‬‫كاف خروجاً عمى الشريعة، مع تأكيده أف الخرو‬
‫ج‬‫الحكـ الظالـ. وعمى ىذا استندت كثير مف الحركات اإلسالمية التي أجازت الخرو‬
                                                                      ‫ُ‬
‫عمى الحاكـ المسمـ إذا كاف مرتداً أو إذا كاف حكمو مخالفاً لمشريعة، وتساىموا في‬
‫ج عمى‬                                           ‫رٍ‬
     ‫ذلؾ بناء عمى تفسي ات توسعت في تفسير موقؼ ابف تيمية مف عية الخرو‬
              ‫شر‬                            ‫ّ‬               ‫ً‬
‫الحكاـ التتار بوصفيـ يحكموف فيما بينيـ بما يسمى شريعة "الياسؽ" أو "الياسة"‬
                             ‫وليس بالشريعة اإلسالمية، واف كانوا ينطقوف بالشيادتيف.‬


‫كاف ابف تيمية الواقعي يرفض، عموماً، الثو ة عمى الحكاـ المستبديف؛ فقد‬
                          ‫ر‬
‫ج عمى األئمة وقتاليـ‬‫أى أف "المشيور في مذىب أىؿ السنة أنيـ ال يروف الخرو‬
                                        ‫ّ‬                             ‫ر‬
‫بالسيؼ، واف كاف فييـ ظمـ، كما دلّت عمى ذلؾ األحاديث الصحيحة المستفيضة‬
‫عف النبي (ص)... ألف الفساد في القتاؿ والفتنة أعظـ مف الفساد الحاصؿ بظمميـ،‬
‫فيدافع أعظـ الفاسديف بالت اـ األذى، ال نكاد نعرؼ طائف ً خرجت عمى ذي السمطاف‬
                    ‫ة‬                 ‫و‬         ‫ز‬
‫إال كاف في خروجيا مف الفساد ما ىو أعظـ مف الفساد الذي أ التو...". وكتب ابف‬
                 ‫ز‬
‫تيمية مؤكدا طاعة الحاكـ إال في معصية الخالؽ وفي بالو النقاش مع الفرؽ الشيعية:‬
‫"قوؿ أىؿ السنة خبر صادؽ وقوؿ حكيـ، وقوؿ ال افضة خبر كاذب وقوؿ سفو،‬
                      ‫ر‬                              ‫ّ‬
‫فأىؿ السنة يقولوف األمير واإلماـ والخميفة ذو السمطاف الموجود الذي لو القد ة عمى‬
     ‫ر‬                                                                ‫ّ‬
‫عمؿ مقصود ال الية. كما أف إماـ الصالة ىو الذي يصمّي بالناس، وىـ يأتموف بو.‬
                                                               ‫و‬           ‫ٍ‬

‫ليس إماـ الصالة مف يستحؽ أف يكوف إماماً وىو ال يصمّي بأحد، لكف ىذا ينبغي أف‬
‫يكوف إماماً، والفرؽ بيف اإلماـ وبيف مف ينبغي أف يكوف ىو اإلماـ ال يخفى عمى‬
‫الطغاـ. ويقولوف إنو يعاوف عمى البر والتقوى دوف اإلثـ والعدواف، ويطاع في طاعة‬
           ‫ُ‬                                        ‫ُ َ‬
                                                                               ‫40‬
‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬                                  ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬



‫اهلل دوف معصيتو، ال ي ج عميو بالسيؼ، وأحاديث النبي صمى اهلل تعالى عميو‬
                                                ‫و ُخر‬
‫وسمـ إنما تدؿ عمى ىذا. كما في الصحيحيف، عف ابف عباس – رضي اهلل عنيما –‬
‫عف النبي صمى اهلل تعالى عميو وسمـ قاؿ: ′مف أى مف أمي ه شيئاً ىو فميصبر‬
        ‫يكر‬     ‫ر‬         ‫ر‬
‫عميو، فإنو ليس أحد مف الناس ج عمى السمطاف شبر فمات عميو إال مات ميتة‬
                       ‫اً‬               ‫يخر‬
‫ج عمى السمطاف، ومفارقة الجماعة، وأمر بالصبر‬‫جاىمية′، فجعؿ المحذور ىو الخرو‬

‫عمى ما يك ه مف األمير، لـ يخص بذلؾ سمطاناً معيناً ال أمير معيناً ال جماعةً‬
        ‫اً ّ و‬         ‫ّ و‬                   ‫ّ‬                 ‫ر‬
                                                                                                               ‫معينةً"ٗٔ.‬
                                                                                                                      ‫ّ‬


‫عية، وانما العمؿ بالشريعة.‬‫لكف ابف تيمية ال ى أف اإلماـ ىو مصدر الشر‬
                                                  ‫ير‬
‫ج عمى اإلماـ ىو حديث كوثر بف حكيـ‬‫وقاؿ إف الحديث الوحيد الذي يمنع الخرو‬
‫ع. أما األحاديث الصحيحة التي جاءت في قتاؿ‬‫عف نافع، وىو حديث موضو‬
‫الخارجيف، فيي تنص عمى قتاؿ الخارجيف عمى الشريعة ال عمى اإلماـ. وقاؿ: "أما‬
‫القتاؿ لمف لـ ج إال عف طاعة إماـ معيف فميس في النصوص أمر بذلؾ". وكاف‬
                                  ‫ُ ّ‬                   ‫ْ يخر‬
                ‫ٍ‬      ‫ٍ‬
‫ج عمى اإلماـ العادؿ لشبية أو تأويؿ، كما ج معاوية‬
        ‫خر‬                                      ‫ابف تيمية يبرر حتى الخرو‬
                                                           ‫ّ‬
‫بف أبي سفياف عمى اإلماـ عمي بف أبي طالب٘ٔ. وىذا الموقؼ البف تيمية تبرير‬
‫ج في حالة التاريخ اإلسالمي الذي شكؿ واقع الدولة اإلسالمية بعد معاوية.‬
                                   ‫ّ‬                                 ‫لمخرو‬
‫ج واف نفى إما ةً قائمةً، إنما يبرر قياـ‬
      ‫ُ ُّ‬              ‫ر‬              ‫وىو ىنا يبرر إما ة االستيالء عممياً، فالخرو‬
                                                                ‫ر‬      ‫ّ‬
‫ج عمييا بالقوة. ومف الواضح أف التبرير يتـ بأثر رجعي، وأنو‬
                                                ‫ّ‬           ‫ىا بالغمبة بعد الخرو‬
                                                                               ‫غير‬
‫ج معاوية عمى عمي بف‬‫يحكـ بالنتيجة، فمف الواضح أف ابف تيمية كاف سيديف خرو‬



                                                                                                                          ‫ٗٔ‬
‫شٛخ اإلعالو أتٕ انؼثاط أدًذ اتٍ ذًٛٛح، "مختصز مىهاج انسىت"، اخرصشِ انشٛخ ػثذ هللا انـًُٛاٌ، انجضء األٔل، (انًذُٚح انًُٕسج:‬
                                                                           ‫ْٓٔٗٔـ)، ص ٗ7- ٘7. يٕجٕد ػهٗ يٕهغ اتٍ ذًٛٛح:‬
‫ٖ=‪http://www.ibntaimiah.com/index.php?pg=books&ban‬‬
                                                                                                                           ‫٘ٔ‬
‫أدًذ اتٍ ذًٛٛح، مجمىع انفتاوي، جًغ ٔذشذٛة: ػثذ انشدًٍ تٍ يذًذ تٍ هاعى، ضٗ، (انًذُٚح انًُٕسج: يجًغ انًهك كٓذ نطثاػح‬
                                                                   ‫انًصذق انششٚق، ْٕ٘ٗٔـ/ٕٗٓٓو)، ص.ص ٓ٘ٗ – ٕ٘ٗ.‬

                                                                                                                         ‫50‬
‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬             ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬



‫أبي طالب لو انتصر األخير، ولو عاش ابف تيمية في واقع آخر. فما ييمو ىو‬
                  ‫الحفاظ عمى وحدة األمة اإلسالمية التي تسير بموجب شريعة اهلل.‬


‫كاف الفقو السياسي السني قبؿ ابف تيمية أكثر ب اغماتية، إذا ما صح التعبير،‬
         ‫ّ‬          ‫ً‬     ‫ر‬                      ‫ُ ّ‬
‫ّ‬                                                         ‫ٍ ٍ‬
‫باالعت اؼ بشكؿ دائـ بالوصوؿ إلى الحكـ بالغمبة، إلى جانب اختيار أىؿ الحؿ‬ ‫ر‬
‫والعقد الية العيد، أي التوريث. والجويني (ٜٔٗ – ٛٚٗىػ) ىو الذي برر إمامة‬
       ‫ّ‬                            ‫ُ‬                          ‫و‬
‫المستولي أو المتغمّب حتى لو لـ تجتمع فيو شروط اإلمامة ما داـ متغمباً، وسماه‬
             ‫ُ‬                                              ‫ُ‬           ‫ُ‬
‫"والياً" واشترط عمى ال الة عموماً استشا ة العمماء. وكذلؾ ابف قدامة (ٔٗ٘ –‬
                                     ‫ر‬               ‫و‬
‫ٕٓٙىػ) في كتابو "الكافي في تفسير ابن حنبل"، فكؿ مف ثبتت إمامتو حرم الخروج‬
                    ‫ُ‬
‫عميو وقتالو إف ثبتت بإجماع المسمميف عميو كإمامة أبي بكر الصديؽ أـ بعيد‬
‫اإلماـ الذي قَبِموُ كعيد أبي بكر إلى عمر، أو بقي ه لمناس حتى أذعنوا لو، ودعوه‬
                           ‫ر‬
 ‫ٍ‬
‫ج وامامة الغمبة بشكؿ‬‫إماماً كعبد الممؾ بف مرواف. ىنا يظير التقابؿ بيف الخرو‬
‫ج عمى إما ة االستيالء والغمبة. وأقر بذلؾ أيضا يحيى‬
               ‫ّ‬                       ‫ر‬          ‫واضح. ويحرـ ابف قدامة الخرو‬
                                                                   ‫ّ‬     ‫ٍ‬
‫بف شرؼ النووي (ٖٔٙ - ٙٚٙىػ) لتصؿ إلى حد الص احة الكاممة التي تكاد تبرر‬
 ‫ّ‬                       ‫ر‬     ‫ّ‬
‫الطاعة بوطأة الحكـ ذاتو، أي تبرر طاعة الظُمـ بالظُمـ، حتى يغدو الظُْمـ األكبر ىو‬
                                                 ‫ّ‬
‫ج عمى الحاكـ عند البناني (ٖٙٔٔ-ٜٗٔٔىػ) المعاصر لمشيخ محمد بف عبد‬‫الخرو‬
‫الوىاب (٘ٔٔٔ- ٕٙٓٔىػ)، كما تصور ىذه الص احة عبا ة "مف اشتدت عمى‬
       ‫ّ‬        ‫ر‬       ‫ر‬            ‫ّ‬
‫الناس وطأتو وجبت طاعتو". وىي الجممة المنسوبة إلى معاوية، وبيا لخص فقياء‬
‫المالكية نقاشيـ في شأف اإلمامة. وكما عف الماوردي حكـ البوييييف، كذلؾ عف‬
  ‫شر‬                              ‫شر‬
‫بدر الديف بف جماعة حكـ المماليؾ. كما نجد ىذه العبا ة في حواشي شروحات كثي ة‬
‫ر‬                     ‫ر‬
‫ح الكبير،‬‫مثؿ حاشية البناني عمى ح الزرقاني، وحاشية الدسوقي عمى الشر‬
                                            ‫شر‬
                                                                  ‫ىما كثير.‬
                                                                          ‫وغير‬


                                                                             ‫60‬
‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬                           ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬



‫ج عمى الة األمر‬
        ‫و‬      ‫وىذا تقميد استند إليو ابف عبد الوىاب، لكنو حرـ الخرو‬
                      ‫ّ‬                                  ‫ٌ‬
                                                              ‫ٍ‬
‫بشكؿ مطمؽ، فقد كاف سموكو تجاه المسمميف أشبو بسموؾ نبي أو صاحب رسالة‬ ‫ٍ‬
                                      ‫ٍ‬       ‫ٍ‬              ‫ٍ‬
‫تجاه كفّار منو بسموؾ فقيو أو قائد سياسي. مف ىنا، ألنو كاف عمى حؽ مطمؽ -‬
                     ‫و‬
‫مف اوية نظ ه- فيو لـ يحاوؿ حتى تبرير استخداـ القوة، بؿ استخدميا وحرـ‬
 ‫ّ‬                                                      ‫ر‬       ‫ز‬
‫ج حتى عمى حكاـ ال اليات: ى وجوب السمع والطاعة ألئمة المسمميف، ب ّىـ‬
 ‫َر‬                                       ‫"أر‬   ‫ّ و‬                ‫الخرو‬
‫ىـ ما لـ يأمروا بمعصية اهلل. مف وّي الخالفة واجتمع عميو الناس ورضوا بو‬
                                    ‫ُل‬                      ‫َ‬        ‫وفاجر‬
‫ج عميو"ٙٔ. ومع أنو ج‬
 ‫خر‬                  ‫وغمبيـ بسيفو حتى صار خميفةً، وجبت طاعتو وحرـ الخرو‬
‫عمى حكاـ زمانو، إال أف ابف عبد الوىاب حرـ حتى توجيو النقد أو النصح عمناً لم الة‬
  ‫و‬                                    ‫ّ‬
                      ‫ِْ‬
‫في ظؿ الحكـ الذي سانده، وأمر بأف يكوف توجيو النصح خفيةً. وجعؿ طاعة ولي‬
                                                                                        ‫األمر أمر مطمقاً.‬
                                                                                                ‫اً‬


‫وقد تحوؿ موقؼ طاعة ولي األمر إلى موقؼ عاـ محافظ جعؿ كثير مف‬
   ‫اً‬                                                        ‫ّ‬
‫السمفييف مف خريجي المدرسة الفقيية النجدية "الموحدوف" أو "الوىابيوف" يتخذوف‬
                         ‫ّ‬
‫موقفاً معادياً لمثو ات العربية أو تشكيكياً وفي أفضؿ الحاالت موقفاً سمبياً منيا. أما‬
                                                              ‫ر‬
‫موقؼ المممكة السعودية الرسمي المعارض لمثو ات فقد استغؿ ىذا التقميد في سياؽ‬
                               ‫ر‬
      ‫ٍ‬                                    ‫ٍ‬      ‫ٍ‬      ‫ٍ‬     ‫ٍ ر‬
‫سياسات ب اغماتية لمممكة محافظة سياسياً واجتماعياً، تبرر استق ار دوؿ ال ىي‬
           ‫ر‬       ‫ّ‬
                                             ‫ج عمييا.‬‫ديمق اطية ال ىي إسالمية وترفض الخرو‬
                                                                             ‫ر و‬


‫ج عمى أنو فتنة.‬           ‫ٍ ٍ‬
               ‫صورت القوى المحافظة المؤيدة ألي نظاـ قائـ، أي خرو‬
                                         ‫ّ‬
                     ‫ّ‬                                              ‫ّ‬
‫وتحمؿ الفتنة معاني معياريةً سمبيةً مثؿ الفوضى االجتماعية وحالة الخصومة العنيفة‬
                                             ‫ٍ ّ ٍ‬
‫والمستدامة بيف مجموعات سكانية، بمعنى الحرب األىمية في عصرنا. وىذا ما تفعمو‬
‫القوى المحافظة (بمعنى المحافظة عمى النظاـ القائـ) في عصرنا أيضاً، إذ تعتبر أي‬
                                                                                                            ‫ٙٔ‬
‫ػثذ انشدًٍ تٍ يذًذ تٍ هاعى، انذرر انسىيت في األجىبت انىجذيت: مجمىعت رسائم ومسائم عهماء وجذ األعالو مه عصز انشيخ‬
                                             ‫محمذ به عبذ انىهاب إنً عصزوا هذا، ض ٔ، ط ٙ، 7ْٙٗٔـ/ٙ00ٔو، ص ٖٖ.‬

                                                                                                           ‫70‬
‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬             ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬



‫ٍ‬                                                                        ‫رٍ‬
‫ثو ة فتنةً بالضرو ة... ويزخر المعجـ السياسي لمنظـ العربية التي واجيت انتفاضات‬
                                                          ‫ر‬
       ‫ٍ‬                                                                ‫رٍ‬
‫أو ثو ات أو حركات احتجاج بمصطمحات الفتنة، أي التي تصور الثو ة كفتنة، وفييا‬
             ‫ر‬       ‫ّ‬
           ‫ٍ‬                         ‫ٍ‬                   ‫ٍ‬     ‫و ٍ‬
          ‫أمثمة عمى محا الت فعمية لتصوير الثو ة كفتنة، أو حتى لتحويميا إلى فتنة.‬
                                           ‫ر‬


‫ج‬‫يصعب التوصؿ إلى أي شكؿ مف أشكاؿ نظرية الثو ة في ظؿ ثنائية الخرو‬
                    ‫ر‬
‫ج‬‫والغمبة. فالفكر اإلسالمي الفقيي يبرر القبوؿ بالسمطاف الجائر، ويرفض الخرو‬
‫ج ضد نظاـ ال‬‫الذي يشبو الثو ة المسمحة ضد النظاـ في عصرنا. وقد يبرر الخرو‬
                     ‫ُ‬                                 ‫ر‬
‫يطبؽ الشريعة أو يأمر بالمعصية، ولكف السائد ىو تبرير النظاـ القائـ، بما في ذلؾ‬
‫ج بذاتو نظاماً قائماً، أي إذا تغمّب. ولسنا أماـ ديناميكية‬‫ج إذا صار الخرو‬‫الخرو‬
‫سمطة - معارضة أو حكـ - معارضة، تُحؿ قضاياىا وتناقضاتيا في إطار النظاـ،‬
                                   ‫َّ‬
‫أو تؤدي في حالة عدـ حميا إلى الثو ة عمى النظاـ منتجةً فقييا النقدي أو التبر ي؛‬
  ‫ير‬                                       ‫ر‬
                 ‫ج فإننا لسنا أماـ أي ع مف نظريات الثو ة.‬
                  ‫ر‬                 ‫نو‬                   ‫وحتى في تبرير الخرو‬




                                                                              ‫مفردة " ة"‬
                                                                               ‫ثور‬


‫يشتؽ لفظ "الثو ة" بحسب لساف العرب مف "ثار الشيء ثور وثُؤور وثو انا‬
  ‫ا ر‬          ‫ا‬                                  ‫ر‬
‫وتثور: ىاج. والثائر: الغضباف... والمثاو ة: المواثبةٚٔ... ويقاؿ إىدأ حتى تسكف‬
                                   ‫ر‬                                    ‫ّ‬
‫ىذه الثو ة، وىي "الييج". والثو ة في لساف العرب ىي الييج. وتتضمف معنى الغضب‬
                                                ‫ر‬                   ‫ر‬
‫مف دوف شؾ. ال ريب في أف مصدر عبا ة "ىوجة ع ابي"، في ما وصؼ الحقا بػ‬
                       ‫ر‬         ‫ر‬                     ‫و‬

                                                                                                 ‫7ٔ‬
                                           ‫نُرزكش أٌ اَرلاضح ػاو 1ٗ0ٔ كٙ انؼشام عًٛد "انٕشثح".‬

                                                                                                 ‫80‬
‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬              ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬



‫"ثو ة ع ابي" ىي ىذا القرب الداللي عند العرب. وبيذا المعنى فإف لمثو ة في المفيوـ‬
           ‫ر‬                                                          ‫ر ر‬
‫العربي بعداً غاضباً متمرداً ىائجاً، ما عاد يرد في الباؿ دوماً حيف تطمؽ تسمية‬
                                          ‫ٍ‬        ‫ٍ‬        ‫رٍ‬
‫الثو ة عمى ظاى ة اجتماعية - سياسية. ولكف البعد الغاضب الثائر ما اؿ قائماً في‬
           ‫ز‬                                                          ‫ر‬
‫مفيوـ الثو ة في الثقافة العربية، وكذلؾ في االستخداـ الشعبي. ويحضر ىنا ما سماه‬
  ‫ّ‬                                                              ‫ر‬
‫شباب مصر بدايةً بػ "ائتالؼ شباب ثو ة الغضب". ولذلؾ حاوؿ توفيؽ الحكيـ‬
                                ‫ر‬
‫ٍ‬
‫(ٜٛٛٔ-ٜٚٛٔ) في كتابو " ة الشباب" أف يميز بيف الثو ة واليوجة في محاولة‬
                  ‫ر‬           ‫ّ‬              ‫ثور‬
            ‫ْ‬
                                                               ‫ٍ‬
‫اصطالحية لتمييز الثو ة عف الييج، فيغادر المفظ أصولو متجياً إلى المصطمح:‬
                                                    ‫ر‬
‫"والفرؽ بيف الثو ة والييجة ىو أف اليوجة تقتمع الصالح والطالح معاً، كالرياح ج‬
 ‫اليو‬                                                     ‫ر‬
‫تطيح باألخضر واليابس معاً... أما الثو ة فيي تبقي النافع وتستمد منو القوة...‬
                                    ‫ر‬
                         ‫وتقضي فقط عمى البالي المتيافت، المعوؽ لمحيوية..."ٛٔ.‬
                                         ‫ّ‬

‫مف ىنا ترتبط كممة ثو ة بالحركة السريعة االنفعالية التي تتضمف فعؿ‬
                                          ‫ر‬
‫النيوض، مثؿ "الوثبة" و"االنتفاضة" و"اليبة". ومف ىنا أيضاً استخدـ الناس لمداللة‬
‫عمى انتفاضات المدف كممة "قومة"، فيقاؿ مثال "قومة حمب" عاـ ٓ٘ٛٔ ضد التجنيد‬
‫والفقر، وىي التي ىاجـ فييا الفق اء أحياء األغنياء، والتي قد تسمى ثو ة في مناطؽ‬
         ‫ر‬                                   ‫ر‬
‫ى مف مدف بالدنا. وكاف يطمؽ عمى الثو ات الفالحية اسـ "العاميات"، و ىا‬
 ‫أبرز‬    ‫ّ‬                     ‫ر‬                                    ‫أخر‬
‫عامية كسرواف بقيادة طانيوس شاىيف في جبؿ لبناف، ثـ حركة العاميات في جبؿ‬
‫الدروز، بينما كاف يطمؽ عمى االنتفاضات الحضرية اسـ "القومات" و ىا "قومة‬
       ‫أبرز‬
‫حمب" في العاـ ٓ٘ٛٔ التي تُنمذج ىذا ع مف "ثو ات" المدف في القرف التاسع‬
                        ‫ر‬         ‫النو‬




                                                                                                  ‫1ٔ‬
                                   ‫ذٕكٛن انذكٛى، ثىرة انشباب، (انواْشج: يكرثح يصش، 110ٔ)، ص ٔٔ.‬

                                                                                                  ‫90‬
‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬                                ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬



‫عشرٜٔ. وكاف العنؼ الشعبي يشمؿ أيضا عة لميجوـ عمى محالت وبيوت‬
                         ‫نز‬
                                                                                                  ‫األقميات الدينية.‬


‫يتحدث عبد اهلل العروي في "مجمل تاريخ المغرب" عف جماعات جيادية‬
‫تنقمت بيف تونس والج ائر وليبيا في النصؼ الثاني مف القرف التاسع عشر، ويشير‬
                                                    ‫ز‬
‫إلى أف المناطؽ الداخمية مف المغرب ظمت فت ة طويمة غير محتمة. وي ى في حركة‬
         ‫ر‬                    ‫ر‬
‫محمد بف عبد الكريـ الخطابي حرباً جيادية، ويسمييا "حرب الريؼ". ويذكر‬
‫الحركات القبمية السابقة التي سميت ثو ات، مثؿ "ثو ة ابف غذاىـ" في تونس‬
                   ‫ر‬           ‫ر‬
‫(ٗٙٛٔ)، أو "ثو ة المق اني" في الج ائر (ٔٚٛٔ). وىو يعتبر أف التعامؿ معيا ومع‬
                                        ‫ز‬           ‫ر ر‬
‫حركة عبد الكريـ الخطابي بشكمو ال اىف عمى أنيا ثو ة مف القرف العشريف ناجـ عف‬
                         ‫ر‬               ‫ر‬
‫تبني تيار حديث ليا: "إف تبني الحركة االشت اكية العالمية لثو ة الريؼ أكسبيا صبغة‬
                  ‫ر‬                 ‫ر‬
‫قربتيا كثير مف ثو ات آسيا وأميركا الالتينية، في حيف أف الكتّاب المغاربة يمحوف‬
  ‫ّ‬                                                       ‫ر‬       ‫اً‬       ‫ّ‬
‫عمى أف الت امف بيف استسالـ عيـ الريفي (ٕٜٙٔ) وبداية االحتجاجات عمى‬
                                       ‫الز‬            ‫ز‬
‫استحواذ المعمريف أ اضي نواحي مكناس وتادال... جعال الثو ة الريفية حدثاً معاصر‬
‫اً‬                  ‫ر‬                                   ‫ر‬      ‫ّ‬
‫مف صميـ القرف العشريف. ىؿ ىذا صحيح؟ ىؿ التحميؿ يساير التطور التاريخي أـ‬
‫يعمؿ عمى تحريفو بوسائؿ جد ذكية؟ واذا صح ذلؾ فعالً ىؿ يبقى معنى لمتمييز بيف‬
‫الصمود العفوي والوطنية الحديثة؟ ". ولذلؾ يميؿ العروي إلى وضع الثو ة الريفية في‬
           ‫ر‬
‫إطار تقميدي عمى غـ مما فييا مف سمات عصرية. ويقصد بالتقميدي "اإلطار‬
                                                  ‫الر‬
                                                                                      ‫ٕٓ‬
‫الذي كاف في حالة ثو ة دائمة ضد المخزف وضد االحتالؿ.‬
                              ‫ر‬                                                            ‫المحمي الجبمي الريفي"‬




                                                                                                                       ‫0ٔ‬
‫ػٍ انرًٛٛض تٍٛ "انؼايّٛح" ٔ"انوْٕ يح" ًَٔزجح رنك تـِ"هْٕ يح دهة"، هاسٌ يغ: ػثذ انكشٚى ؿشاٚثح، "عٕسٚح: انوشٌ انراعغ ػشش‬
                     ‫ٓٗ1ٔ-ٙ71ٔ" (يذاضشاخ)، (انواْشج: يؼٓذ انذساعاخ انؼشتٛح انؼانٛح، ٔٙ0ٔ-ٕٙ0ٔ)، ص.ص ٕ1-ٙ1 .‬
                                                                                                                       ‫ٕٓ‬
                   ‫ػثذ هللا انؼشٔ٘، مجمم تاريخ انمغزب، (انذاس انثٛضاء - تٛشٔخ: انًشكض انصواكٙ انؼشتٙ، 7ٕٓٓ)، ص ٕٓٙ.‬

                                                                                                                     ‫12‬
‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬              ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬



‫ونحف ى أف تسا الت العروي في محميا وأف ما يقولو ينطبؽ عمى كثير مما‬
                                                  ‫ؤ‬         ‫نر‬
‫يسمى ثو ات في القرف العشريف بإلصاؽ المعنى الحديث المفيومي لمثو ة، في حيف‬
        ‫ر‬                                                      ‫ر‬
                   ‫أنيا كانت أقرب إلى معناىا الحرفي (أي اليوجة) في ذلؾ الحيف.‬


‫لكف ما يصعب فيمو ىو تساؤؿ تشكيكي منتشر في وسائؿ اإلعالـ عف‬
‫الثو ات العربية الرىنة، ويثي ه بشكؿ خاص مثقفوف عرب كانوا يسارييف ذات يوـ‬
                                          ‫ر‬          ‫ا‬            ‫ر‬
‫ويحتفظوف ببعض عدة اليسار المصطمحية، فيـ لسبب ما ال يعتبروف أف الثو ات‬
 ‫ر‬                                                    ‫ُ‬
‫العربية تستحؽ مفردة ثو ة، ألنيـ ال يعرفوف، أو يتجاىموف معنى ىذه المفردة العربية‬
                                                       ‫ر‬
‫البسيط نسبيا، والذي تتجاو ه الثو ات العربية سياسياً وحضارياً. كما أنيـ ال يعرفوف‬
                                              ‫ز ر‬
‫إال ثو ات بعينيا مثؿ ثو ة أكتوبر والثو ة الفرنسية. والثو ات العربية أقرب إلى الثو ة‬
‫ر‬                        ‫ر‬                 ‫ر‬              ‫ر‬                ‫ر‬
            ‫الفرنسية، ومع أنيا أكثر شعبية مف الثو ة الفرنسية، إال أنيا أقؿ شعبوية.‬
                                           ‫ر‬


‫إف سمبيات حركة التغيير ال اىنة في الوطف العربي وايجابياتيا ناجمة كميا‬
                                          ‫ر‬
‫عف عدـ نخبويتيا، أي عف ج قطاعات واسعة جداً مف الشعب إلى الحيز العاـ،‬
                                             ‫خرو‬
‫أي إلى السياسة. والمشاركة الشعبية العربية في الثو ات ىي مشاركة واسعة مقارنة‬
                        ‫ر‬
‫بأي ثو ة في التاريخ المعروؼ. وىنالؾ موقؼ سمبي مف الثو ات العربية عند بعض‬
                 ‫ر‬                                              ‫ر‬
‫المثقفيف. ال يجاىر ى الء بموقفيـ السمبي مف حركة الشعب، بؿ يجعموف مف‬
                                             ‫ؤ‬          ‫و‬
‫الثو ات مفيوما سامي ً متعاليا (وحتى شاعريا)، أو مفيوما سوسيولوجيا محدداً مسبقاً‬
                                                          ‫ا‬       ‫ً‬      ‫ر‬
 ‫ويحاكموف حركة التغيير الشعبية العربية بموجب ىذا المفيوـ الذي صنعوه مف بنات‬
                                               ‫ى.‬‫الخياؿ ومف "وحي" الثو ات األخر‬
                                                        ‫ر‬




                                                                                ‫02‬
‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬            ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬




                                                        ‫ة، انقالب، إصالح‬
                                                                       ‫ثور‬




‫مع ذلؾ، وبسبب ذلؾ كمو، فال بد مف محاولة تدقيؽ حدود المفيوـ المعاصر‬
                                     ‫ّ‬
‫في المجاؿ السياسي عمى األقؿ، وبحيث ال يكوف تحديداً أيديولوجياً يجعؿ مف الثو ة‬
‫ر‬
‫أمر إيجابياً أو ساميا، أو يجعؿ منيا فتنة وفوضى وخطر داىماً عمى الشعوب‬
                  ‫اً‬                            ‫ً‬                 ‫اً‬
‫ة ىو تحرك شعبي واسع خارج البنية الدستورية القائمة،‬
                                                 ‫واإلنسانية. المقصود بالثور‬
‫عية، يتمثل ىدفو في تغيير نظام الحكم القائم في الدولة. والثو ة بيذا‬
     ‫ر‬                                                            ‫أو خارج الشر‬
‫المعنى ىي حركة تغيير عية سياسية قائمة ال تعترؼ بيا وتستبدليا بشر ٍ‬
‫عية‬                          ‫ٍ‬     ‫ٍ‬      ‫ٍ لشر ٍ‬
                                                                            ‫ٍ‬
                                                                           ‫جديدة.‬


‫ي بعربية عصرنا، ألف األخير‬‫ىذا التعريؼ يميز الثو ة عف االنقالب العسكر‬
                                             ‫ر‬       ‫ّ‬
‫ال يعكس تحركاً شعبياً بالضرو ة، ولكنو يبقي اإلمكانية مفتوحةً ألف يشكؿ انقالباً‬
          ‫ّ‬                                     ‫ر‬
‫عسكرياً مدعوم ً شعبياً ىدفو تغيير نظاـ الحكـ. كما أنو يميز الثو ة عف االنتفاضة‬
             ‫ر‬       ‫ّ‬                                         ‫ا‬
‫االحتجاجية الشعبية أو التمردات عمى أنواعيا في حالة عدـ طرحيا مسألة تغيير‬
                                                                 ‫النظاـ الحاكـ.‬


‫وثمة مفارقة ألسنية بيف مفردتي "انقالب" و"ثو ة". فكما تبيف مف خالؿ العودة‬
                ‫ّ‬          ‫ر‬
‫إلى لساف العرب فإف معنى الثو ة عربياً ال يحمؿ داللة ‪ revolution‬إال عندما‬
                                          ‫ر‬
‫أصبحت مفيوما تطور متأخر، أما المفردة نفسيا فمـ تعف في التاريخ العربي ما تعنيو‬
                                                      ‫اً‬         ‫ً‬
‫مفردة ‪ ،revolution‬ال بحسب األصؿ العممي، ال بحسب األبعاد الثقافية‬
                       ‫و‬

                                                                              ‫22‬
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة
في الثورة والقابلية للثورة

Contenu connexe

Similaire à في الثورة والقابلية للثورة (20)

882
882882
882
 
1526
15261526
1526
 
4349
43494349
4349
 
5905
59055905
5905
 
6262
62626262
6262
 
1464
14641464
1464
 
1464
14641464
1464
 
1327
13271327
1327
 
1461
14611461
1461
 
1461
14611461
1461
 
4584
45844584
4584
 
4582
45824582
4582
 
6256
62566256
6256
 
1457
14571457
1457
 
4346
43464346
4346
 
3268
32683268
3268
 
4662
46624662
4662
 
5833
58335833
5833
 
6056
60566056
6056
 
كتاب لتصميم الداخلي1 copy
كتاب لتصميم الداخلي1   copyكتاب لتصميم الداخلي1   copy
كتاب لتصميم الداخلي1 copy
 

في الثورة والقابلية للثورة

  • 1. ‫(معهد الدوحة)‬ ‫‪www.dohainstitute.org‬‬ ‫ة‬ ‫ة والقابمية لمثور‬ ‫في الثور‬ ‫ة‬ ‫عزمي بشار‬ ‫د اسة‬ ‫ر‬
  • 2. ‫الدوحة، آب/ أغسطس – 2201‬ ‫سلسة (دراسات وأوراق بحثية)‬ ‫حقوق النشر والطبع محفوظة للمركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات © 2201‬
  • 3. ‫املحتوى‬ ‫ة ................................ ................................ ..............................‬ ‫ة والقابمية لمثور‬ ‫في الثور‬ ‫في مفيوـ الثو ة ........................................................................................................................... 2‬ ‫ر‬ ‫ج والتغمب ليس نظرية في الثو ة.................................................................................... 9‬ ‫ر‬ ‫الخرو‬ ‫مفردة "ثو ة"................................................................................................................................. 18‬ ‫ر‬ ‫ثو ة، انقالب، إصالح.............................................................................................................. 22‬ ‫ر‬ ‫الجدة والتجديد ............................................................................................................................ 92‬ ‫ّ‬ ‫الحرية والثو ة.............................................................................................................................. 18‬ ‫ر‬ ‫في الحالة الثورية أو القابمية لمثو ة ........................................................................................ 99‬ ‫ر‬ ‫الثو ة كحالة قابمة لالنتشار ..................................................................................................... 5:‬ ‫ر‬ ‫الثو ة الديمق اطية واأليديولوجية.............................................................................................. 85‬ ‫ر‬ ‫ر‬
  • 4. ‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬ ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬ ‫ة‬ ‫في مفيوم الثور‬ ‫يقوؿ أرسطو في كتابو "السياسة" إف أنماط الحكـ كميا معرضة لمثو ة، بما‬ ‫ر‬ ‫َّ‬ ‫فييا نمطا الحكـ األساسياف وىما: األوليغاركية والديمق اطية، وكذلؾ ما يسميو نظاـ‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫ي، أو األرستق اطي؛ والمصطمحات الثالثة تكاد تكوف‬ ‫ر‬ ‫الحكـ المتوازف، أو الدستور‬ ‫ر ٍ ر‬ ‫عنده مت ادفات. و أى أرسطو أف في األوليغاركية والديمق اطية عناصر مف العدالة،‬ ‫ر‬ ‫ولكف ِّ منيما يصبح معرضاً لخطر الثو ة عندما ال يتالءـ نصيب الحكاـ أو‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫كال‬ ‫ىـ المسبؽ عنو. ال بد مف أف نضيؼ إلى استخداـ‬ ‫و ّ‬ ‫الشعب مف الحكـ مع تصور‬ ‫أرسطو مفيوـ " التصور المسبؽ" ىذا، أننا أصبحنا نعرؼ أيضاً أنو التصور الذي‬ ‫أدى إليو النظاـ القائـ نفسو.‬ ‫ّ‬ ‫ويقسـ أرسطو الثّو ات إلى نوعين: ع يؤدي إلى تغيير الدستور القائـ،‬ ‫نو‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فينتقؿ مف نظاـ حكـ إلى نظاـ آخر؛ ع يغير الحكاـ في إطار بنية النظاـ القائـٔ.‬ ‫ونو‬ ‫ات المعاص ة التي سوؼ نتطرؽ إلييا‬ ‫ر‬ ‫وربما يكوف ىذا التقسيـ األرسطي أساس التمييز‬ ‫ٍ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ة مف جية أولى وبين اإلصالح واالنقالب مف جية ثانية. ويشار ىنا‬ ‫الحقا بيف الثور‬ ‫رٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إلى أف أرسطو يعتبر االنتقاؿ مف نظاـ إلى آخر عمميةً دائريةً، أو متكر ات شبو‬ ‫ّ‬ ‫ٔ‬ ‫.‪Aristotle, Politics, Translated by Benjamin Jowett with introduction, Analysis, and Index by H.W. C‬‬ ‫.11ٔ ‪Davis, (Dover Publications Inc., Mineola, NY: ٕٓٓٓ), P‬‬ ‫ْٔٙ إػادج إصذاس نطثؼح أكغلٕسد َلغٓا انرٙ صذسخ كٙ انؼاو ٘ٓ0ٔ.‬ ‫2‬
  • 5. ‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬ ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حتمية، وىي بيذا المعنى ال تؤدي إلى جديد، أي ليست ءاً مف عممية تطور‬ ‫جز‬ ‫وتقدٍـ.‬ ‫ّ‬ ‫تبدو الديمق اطية لدى أرسطو أقؿ تعرضاً لمثو ات مف األوليغاركية، ألف‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫الص اعات أو الن اعات في الحكـ األوليغاركي قد تكوف بيف الشعب والطبقة الحاكمة،‬ ‫ز‬ ‫ر‬ ‫أو داخؿ الطبقة الحاكمة نفسيا. أما في الديمق اطية فإف الن اع الممكف ىو مع الطبقة‬ ‫ز‬ ‫ر‬ ‫الحاكمة فحسب، ال يوجد ص اع يذكر داخؿ الشعب نفسوٕ. وىو تصوير غريب‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ر ُ‬ ‫و‬ ‫ٍ‬ ‫لواقع مختمؼ. فأرسطو يسمّـ طبعاً بالتجانس عمى مستوى ىوية الشعب في حالة‬ ‫ٍ‬ ‫الديمق اطية، ما يذكرنا بأف ديمق اطية الػ"بوِس" اليونانية لـ تكف سوى ديمق اطية‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫أىمية. ولكنو يعود فيجعؿ الفروؽ عمى مستوى ما يسميو بالعرؽ (‪ )race‬أحد أسباب‬ ‫الص اع عندما تتعدد األع اؽ في الدولة الواحدة، ويذكر أمثمة عدة مف تاريخ المدف‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫والمستوطنات اليونانية عمى شواطئ شرؽ المتوسطٖ.‬ ‫تقوـ الجماىير بالثو ات في ظؿ األوليغاركية عندما تتممّكيا فك ة أنيا ال‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫اً‬ ‫ر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تُعامؿ بشكؿ عادؿ. وتتممكيا الفك ة ألف لدييا شعور مسبقا بأنيا متساوية، ويفترض‬ ‫َ‬ ‫رٍ‬ ‫بالتالي أف يعامؿ أف ادىا كأف اد متساويف. بينما ينتفض الوجياء أو النبالء في‬ ‫ر‬ ‫ُ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الديمق اطيات ألف لدييـ شعور بأنيـ متميزوف، في حيف أنيـ يحوزوف حصة مساوية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اً‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫لمف يتفوقوف عمييـ بالفضيمة واألىمية. ويبرز في الحالتيف شر ٌ ىو افت اض أف‬ ‫ر‬ ‫ط‬ ‫ّ‬ ‫التساوي بيف البشر في إطار جماعة محددةٗ يبرر المساواة، وأف عدـ التساوي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يدحضيا. ويحرؾ افت اض التساوي السعي إلقامة نظاـ ديمق اطي، أو يدفع لمقبوؿ‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بنظاـ ديمق اطي قائـ. وىذا ما يفسر العالقة بيف قياـ الجماعة واالنتساب إلييا‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ٕ‬ ‫انًصذس انغاتن، ص ٓ0ٔ.‬ ‫ٖ‬ ‫انًصذس َلغّ، ص ٗ0ٔ.‬ ‫ٗ‬ ‫ُْٔا َجذ األعاط نغٛاعاخ انٕٓٚح.‬ ‫3‬
  • 6. ‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬ ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬ ‫والعضوية المتساوية فييا، وبيف فك ة الديمق اطية كما انتقمت إلى العصور الحديثة مع‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫الوطنية. فقد انتقؿ معيا ذلؾ األساس المعنوي القائـ عمى التساوي عبر العضوية في‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫الجماعة كيوية٘ في إطار الجماعة المتخيمة، أي اليوية الوطنية أو القومية.‬ ‫لقد كانت الثو ة الفرنسية ثو ةً وطني ً ال ثو ةً ديمق اطيةً فحسب. وليس ذلؾ‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ٍ‬ ‫مصادفة، فقد نشأت الديمقرطية الحديثة مف خالؿ وعي األمة بسيادتيا كأمة عبر‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حقوؽ المواطنيف في مقابؿ الصيغة السابقة التي ال تؤلّؼ فييا امتيا ات‬ ‫ز‬ ‫االرستق اطية/ األقمية مف جية، وانعداـ الحقوؽ لدى عية مف جية ى أمةً بأي‬ ‫ّ‬ ‫أخر ّ‬ ‫الر ّ‬ ‫ر‬ ‫معنى. وقد افؽ ذلؾ صعود ترسيخ الشعور القومي، ونشر المغة القومية، وتيميش‬ ‫ر‬ ‫المغات والميجات المحمية، وتوحيد نظـ التعميـ واإلدا ة، والقضاء عمى االستقالؿ‬ ‫ر‬ ‫اإلقميمي والمحمي لألسقفيات، ونسؼ الييئات الوصائية التقميدية اإلقطاعية الطابع،‬ ‫ّ ٍ‬ ‫وتعميـ التجنيد اإلل امي والنشيد الوطني ... وغير ذلؾ مف مركبات تحولت إلى‬ ‫ز‬ ‫ّ‬ ‫ممي ات الحركات القومية الحقاً. وقد ارتبطت ثو ات ٕٓٛٔ- ٛٗٛٔ بعممية تنمية‬ ‫ر‬ ‫ّز‬ ‫ٍ‬ ‫الشعور الوطني وبمو ة القومية نفسيا في حاالت مثؿ اليوناف وبولندا وأيرلندا وىنغاريا‬ ‫ر‬ ‫ىا، أي أف ىوية الثو ات الديمق اطية ساىمت في بمو ة القومية‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫والصرب وبروسيا وغير‬ ‫ٍ‬ ‫كجماعة لحممة الحقوؽ السياسية، أو العكس، إذ قادت الحركات الوطنية أحياناً إلى‬ ‫َ‬ ‫تبني الديمق اطية. وفي أينا أف الثو ات الديمق اطية العربية سوؼ تساىـ في بمو ة‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ٍ‬ ‫بشر ٍ‬ ‫اليوية الوطنية التي لـ تحظ عية كافية حتى اآلف في الكيانات التي اعتبرت د ال‬ ‫وً‬ ‫قطريةً، حيثما تنجح في بناء المؤسسات الديمق اطية. واذا ما قامت الديمق اطيات‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫فعالً فمف يحصؿ ىذا عمى حساب القومية العربية، بؿ سيتغير مفيوميا إلى ىوية‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ثقافية، وش اكة وجدانية، ومصالح سياسية واقتصادية تكمؿ اليوية الوطنية، وىو في‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫٘‬ ‫َزكش ُْا أٌ انٕٓٚح كٙ أصهٓا كًلٕٓو كهغلٙ أٔ درٗ كٙ انًُطن انشكهٙ ذؼُٙ انرغأ٘ ػكظ انلشم أٔ انخالف. ٔتانؼشتٛح ُْٕٚح‬ ‫(تضى انٓاء) يٍ ْٕ ْٕ ، أ٘ انشٙء ٚغأ٘ راذّ. ٔنكٍ انًؼُٗ ضاع كٙ ككشج االَرًاء نجًاػٛح كٕٓٚح، يغ أٌ ككشج االَرًاء نجًاػح‬ ‫ذذًم ككشج ذغأ٘ جًاػح األكشاد انًُرًٍٛ نٓزِ انجًاػح تصلرٓى انرٙ ذجًؼٓى ْزِ.‬ ‫4‬
  • 7. ‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬ ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬ ‫أينا تغير ميـ. المشكمة ىي أنو في الدوؿ التي ال تنجح فييا الثو ة في تحويؿ التوؽ‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر ٍ‬ ‫إلى الحرية إلى ديمق اطية، قد تنيار الكيانات الوطنية، ال سيما إذا كانت الدولة‬ ‫و‬ ‫متعددة اليويات، ال تنشئ أمةً مواطنية. وقد حصؿ ذلؾ في الع اؽ بعد االحتالؿ‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األميركي. ليذا يجب فيـ الفارؽ بيف التوؽ إلى الحرية وعممية بناء الديمق اطية بعد‬ ‫ر‬ ‫الثو ة، وبيف النجاح في بناء المؤسسات الوطنية لمديمق اطية في ظؿ اليوية العربية‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫ٍ‬ ‫الجامعة ليذه الدوؿ كشرط استم ار وجودىا ككيانات بعد انييار النظاـ القائـ.‬ ‫ر‬ ‫عموما، ى أرسطو أنو حتى الطغاة يصموف إلى الحكـ، ويحولوف‬ ‫ّ‬ ‫ً ير‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫ة‬ ‫ٍ‬ ‫األوليغاركية إلى طغياف نتيج ً لقدرتيـ عمى تعبئة أو حشد الفق اء ضد األغنياء أو‬ ‫ضد النبالء. وفي الغالب يخاطب الطغياف شعور الناس بالمساواة؛ ولكف بالمساواة‬ ‫ّ‬ ‫كمحكوميف وليس كحكاـ. ولذلؾ فإف حكـ الطغياف، بحسب أرسطو، ىو عبا ة عف‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ر‬ ‫ٍّ‬ ‫مركب بيف الديمق اطية واألوليغاركية بشكمييما المتطرفيفٙ، أي أنو يجمع أسوأ ما‬ ‫ّ‬ ‫فييما. ولذلؾ تسبؽ الديماغوجية عموماً فت ات الطغياف. فالديماغوجيوف ىـ الذيف‬ ‫ر‬ ‫يحشدوف الناس ضد األغنياء وضد النخبة بشكؿ عاـ، ويخاطبوف الحس العاـ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫بالمساواة. والديماغوجي ىو الذي يتحوؿ إلى طاغية يحكـ باسـ الفق اء. وتقوؿ حنة‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫أرندت إف طغاة العصور القديمة وصموا إلى الحكـ -شأنيـ شأف أمثاليـ في العصر‬ ‫ٍ‬ ‫الحديث- بدعـ مف بسطاء الناس أو مف الفق اء. ال شؾ في أف أرندت كانت تكتب‬ ‫ر و ّ‬ ‫تحت تأثير وصوؿ القيادات الفاشية والنازية والشيوعية إلى الحكـ في النصؼ األوؿ‬ ‫ى ليذه القيادات في االحتفاظ بالسمطة‬‫مف القرف العشريف. وىي ى أف الفرصة الكبر‬ ‫تر‬ ‫تنبع مف غبة الناس في المساواة في الظروؼ االجتماعية. وعمى ال غـ مف أف‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تعميميا ىذا ليس صحيحاً كتعميـ، إال أنو ما اؿ صحيحاً بالنسبة إلى كثير مف‬ ‫ز‬ ‫الحاالت التي تنبع فييا عية االستبداد مف توفير الظروؼ االجتماعية المتساوية‬ ‫شر‬ ‫ٙ‬ ‫أسعطٕ، ص ٕٙٔ.‬ ‫5‬
  • 8. ‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬ ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬ ‫لمناس. وىذه المساواة غالباً ما تقوـ عمى المساواة في الفقر أو عمى درجة أعمى قميال‬ ‫ً‬ ‫مف الفقر. وما اؿ ضماف حاجاتيـ األساسية أحد أىـ أسباب بقاء االستبداد، كما أف‬ ‫ز‬ ‫عية" ىذا عبر اإلفقار، بواسطة المبرلة االقتصادية مثال، مف دوف‬ ‫ْ‬ ‫فقداف مصدر "الشر‬ ‫عية الديمق اطية، ىو مف األسباب التي‬ ‫ر‬ ‫االستعاضة عنو بمصادر ى مثؿ الشر‬ ‫أخر‬ ‫تميّد لمثو ة عمى االستبدادٚ.‬ ‫ر‬ ‫ٍ‬ ‫ربما مف المفيد ىنا أف نذكر أف الديمق اطية تحوؿ المساواة بيف الناس في أمر‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫واحد إلى مساواة في األمور كافّة؛ في حيف أف األوليغاركية تحوؿ عدـ التساوي بيف‬ ‫ٍ‬ ‫الناس في بعض األمور إلى انعداـ المساواة في جميع األمور. ولذلؾ غالباً ما يقود‬ ‫ٍ‬ ‫أحدىا إلى اآلخر. أما االرستق اطية التي يفضميا أرسطو، فيي تعامؿ الناس بقدر‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫ٍ‬ ‫مف الالمساواة، ألنيـ غير متساويف في أمور معينة، وتعامميـ بقدر مف المساواة‬ ‫ي ذلؾ كمو بحسب الحاجة واألىمية. ومف ىنا‬ ‫ٍ أخر‬ ‫ألنيـ متساووف في أمور ى، ويجر‬ ‫يحكـ أىؿ الفضيمة ‪ virtue‬والكفاءة ‪ ، merit‬ولكنيـ يعرفوف أنيـ متميزوف عف الناس‬ ‫ّ‬ ‫ٍ أخر‬ ‫ٍ‬ ‫بأمر، ومتساووف معيـ في أمور ى، ويتعامموف معيـ عمى ىذا األساس. وىذا‬ ‫القسط ىو أساس الدساتير الجيدة في نظر مفكر يوناني قبؿ آالؼ السنيف.‬ ‫ّ‬ ‫ة؟ كؿ ما يمكننا قولو ىو أف ىنالؾ‬ ‫ىل ىنالك تحديد عممي لمفيوم الثور‬ ‫و ٍ‬ ‫محا الت يصعب أف ترقى إلى مستوى التعريؼ العممي. فالكممة دارج ٌ في االستخداـ‬ ‫ة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اليومي لمّغة. وحتى في الكتابة التاريخية، أُطمقت كتسمية عمى عدد كبير مف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الظواىر المختمفة في شدتيا والتي تمتد مف أي تحرؾ مسمّح -أو حتى غير مسمّح-‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ضد نظاـ ما، إلى التحركات التي ح إسقاط النظاـ واستبدالو؛ األمر الذي يصعب‬ ‫تطر‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫عممية تدقيؽ المصطمح. وفي المغة العربية نفسيا استُخدـ التعبير لوصؼ تحركات‬ ‫7‬ ‫دُح أسَذخ، في انثىرة، ذشجًح: ػطا ػثذ انْٕاب، ط ٔ، (تٛشٔخ: انًُظًح انؼشتٛح نهرشجًح، 1ٕٓٓ)، ص ٘1-ٙ1.‬ ‫6‬
  • 9. ‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬ ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬ ‫ر ر‬ ‫ر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫شعبية مف أنواع عدة مثؿ "ثو ة الزنج" و"ثو ة الق امطة". وقد استخدميا عرب القرف‬ ‫ٍ‬ ‫ىـ لفيـ الماضي بمفاىيـ الحاضر، وفي محاولة‬ ‫العشريف المتأثروف بثو ات عصر‬ ‫ر‬ ‫لالرتباط بت اث ي مفترض يكتب كأنو سيرو ة نضاؿ الطبقات المضطيدة. فكما‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ر ثور‬ ‫أف ىنالؾ ثو ة الزنج وثو ة الق امطة، ىنالؾ أيضاً ثو ة عمر المختار (ٕٙٛٔ-‬ ‫ر‬ ‫ر ر‬ ‫ر‬ ‫ٖٜٔٔ) وثو ة الريؼ بقيادة محمد بف عبد الكريـ الخطابي (ٕٛٛٔ- ٖٜٙٔ) وطبعاً‬ ‫ر‬ ‫ثو ة الج ائر والثو ة الفمسطينية، وثو ة ٖٕ يوليو/ تموز ٕٜ٘ٔ بقيادة جماؿ عبد‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر ز‬ ‫الناصر (ٜٛٔٔ - ٜٓٚٔ)، وثو ة ٗٔ تموز/يوليو ٜٛ٘ٔ بقيادة عبد الكريـ قاسـ‬ ‫ر‬ ‫(ٜٗٔٔ- ٖٜٙٔ). وىذا ىو نيج ثوريي القرف التاسع عشر األوروبييف في إطالؽ‬ ‫كممة "ثو ة" عمى تمرد العبيد بقيادة سبارتاكوس في روما القديمة (ثو ة العبيد)، ونيج‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫اليسار األلماني منذ كارؿ ماركس في تسمية الحركة الدينية األلفية الخالصية بقيادة‬ ‫َ‬ ‫توماس مونتسر "ثو ة الفالحيف". بينما وضعيا المؤرخوف األوروبيوف في إطار مفيوـ‬ ‫ر‬ ‫ة‬ ‫"اإلصالح" أو الحركات الدينية الخالصية التي تولدت منو بوصفو يشمؿ عممي ً‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫متعددة األبعاد والظواىر مف حركات دينية واجتماعية واحتجاجية وثورية. وىذا ما قد‬ ‫ّ‬ ‫ّخ.‬ ‫يشير إلى االختالؼ بيف نيج المفكر وبيف نيج المؤر‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لكف استخداـ المفظ في وصؼ ىذه التمردات الشعبية جاء بشكؿ متأخر متأثر‬ ‫اً‬ ‫باأليديولوجيات الثورية في القرف العشريف. ويمكننا أف نتخيؿ أىمية الثو ة الفرنسية،‬ ‫ر‬ ‫وثو ة أكتوبر، والثو ة الصينية، وكوبا في النصؼ الثاني مف القرف العشريف، ثـ تحوؿ‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫مفيوـ الثو ة عمى الديكتاتوريات والنفوذ األميركي واآلتي مف أميركا الالتينية إلى‬ ‫ر‬ ‫مصطمح رئيس في الالىوت السياسي لمثقفي اليسار في العالـ الثالث عموما.‬ ‫ج"‬‫أما المؤرخوف العرب القدماء فمـ يستخدموا كممة "ثو ة" بؿ كممات مثؿ "خرو‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ج الق امطة". والفتنة في الواقع ىي الص اع األىمي‬ ‫ر‬ ‫و"فتنة"، فقالوا "فتنة الزنج" و"خرو ر‬ ‫7‬
  • 10. ‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬ ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الذي يمس بالعنؼ التوازف السياسي االجتماعي القائـ بيف جماعات أىمية. وربما‬ ‫ّ‬ ‫ىا‬ ‫يرتبط ذلؾ مرجعياً بالمفيوـ اإلسالمي لوحدة الجماعة واستقر ىا التي ارتبطت بدور‬ ‫ار‬ ‫بتعزيز ديناميات التمصير، أي بناء المدف المستق ة وخططيا مقابؿ نمط االجتماع‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫البدوي األع ابي المنقسـ والمضطرب. وليذا فإف مفيوـ المؤرخيف العرب لما يصفو‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫المؤرخوف المعاصروف بػ "الثو ة" خاضع لمسياؽ الذي حكـ إنتاجو، وىو اعتبار‬ ‫ر‬ ‫ج عمى الجماعة تقويضاً لمعم اف. و ج عمى الجماعة أو األمة ىو األصؿ‬ ‫ر الخرو‬ ‫الخرو‬ ‫ج عمى السمطاف الغاشـ فقد اختمؼ بشأنو، فالبعض اعتب ه‬ ‫ر‬ ‫في ذـ الخو ج، أما الخرو‬ ‫ار‬ ‫خروجا عمى الجماعة، والبعض اآلخر اعتب ه أمر مشروعا، بؿ واجبا في بعض‬ ‫ر ا‬ ‫الحاالت.‬ ‫ج‬‫ج"، بمعنى الخرو‬‫ة ىي "الخرو‬ ‫إف أقرب كممة إلى مفيوـ الثو ة المعاصر‬ ‫ر‬ ‫لطمب الحؽ. فال ج ىنا بدايةً ليس خروجا عمى الجماعة، ال حتى عمى السمطاف‬ ‫و‬ ‫خرو‬ ‫ج إلى"، ج إلى الناس طمبا لمحؽ. إنو ج إلى المجاؿ العاـ، وفي‬ ‫خرو‬ ‫خرو‬ ‫بؿ ىو "خرو‬ ‫ىذه الحالة طمبا إلحقاؽ حؽ أو دفع ظمـٛ. وىو أوالً ج مف البيت إلى الشار‬ ‫ع أو‬ ‫خرو‬ ‫الميداف. وىذا يعني مغاد ة الصبر والشكوى والتذمر وحالة عدـ الرضى في الحيز‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫الخاص، وحمميا إلى الحيز العاـ. إف الفرؽ بيف النقد والتذمر، أو بيف الشكوى‬ ‫ّ‬ ‫والفعؿ السياسي، ىو كالفرؽ بيف القعود و ج. وىو ثانياً ج عمى قواعد المعبة‬ ‫خرو‬ ‫الخرو‬ ‫ج معنى القوة والعنؼ،‬‫عية القائمة. ويحمؿ الخرو‬‫وعمى القوانيف السارية، وعمى الشر‬ ‫ألنو يخرؽ بعض ما ىو قائـ مف قوانيف وأع اؼ، ويخرؽ أيضاً ما يحمي ىذه‬ ‫ر‬ ‫عية القائمة يتـ طمباً‬‫ج عمى الشر‬ ‫ٍ و‬ ‫القوانيف واألع اؼ مف بنى وأدوات. ألف الخرو‬ ‫ر‬ ‫ٍ‬ ‫لتحقيؽ حؽ ما عاد تحقيقو ممكناً في النظاـ القائـ، أو لدفع ظمـ ما عاد دفعو ممكناً‬ ‫1‬ ‫كًا ْٕ انخشٔض ػُذ جًاػح انرثهٛؾ ٔانذػٕج كٙ ػصشَا، دٛس اعرخذيٕا ػثاسج انخشٔض نهورال أٔ انجٓاد، تًؼُٗ جذٚذ ْٕ انخشٔض‬ ‫نهرثهٛؾ ٔانذػٕج.‬ ‫8‬
  • 11. ‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬ ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬ ‫ج بالمعنى‬‫ضمف ىذا النظاـ وباألدوات التي يتيحيا. ىذا ىو المشترؾ بيف الخرو‬ ‫المستخدـ في التاريخ اإلسالمي والثو ة بالمعنى الحديث.‬ ‫ر‬ ‫الخروج والتغمب ليس نظرية في الثو ة‬ ‫ر‬ ‫ي (توفي سنة ٕٖىػ):‬‫ج عجب منسوب ألبي ذر الغفار‬ ‫ٌ‬ ‫اشتُير مف الخرو َ َ ٌ‬ ‫"عجبت لمف ال يجد القوت في بيتو، كيؼ ال ج عمى الناس شاىر سيفو!". ولكف‬ ‫ًا‬ ‫يخر‬ ‫ج" اكتسب منذ ذلؾ الحيف مضموناً داللياً مختمفاً يحمؿ بعضا مف‬‫مفيوـ "الخرو‬ ‫ج‬ ‫ج فيو عمى العصياف المسمّح ضد السمطة القائمة، كخرو ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ج أبي ذر. ويدؿ الخرو‬ ‫ّ‬ ‫خرو‬ ‫ٍ‬ ‫ج آلية تغيير في‬‫ج لممجاؿ العاـ، خاصة عندما أصبح الخرو‬‫عية وخرو‬‫عف الشر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ر ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫مجتمع منقسـ بيف عية ودولة سمطانية.‬ ‫ٍ‬ ‫قد يكوف "التغمب"، وىو المصطمح الذي استخدمو الفقياء مدخ ً إلضفاء‬ ‫ال‬ ‫عية الواقعية عمى السمطة في إطار الخالفة اإلسالمية، والذي َّر لو الفقياء‬ ‫نظ‬ ‫الشر‬ ‫والمؤرخوف منذ الماوردي (ٖٗٙ - ٓ٘ٗىػ) وحتى ابف خمدوف (ٕٖٚ - ٛٓٛىػ)؛‬ ‫عية‬‫ج. لقد تـ ذلؾ مف خالؿ ْ عنتو سمطانياً بإضفاء الشر‬ ‫شر‬ ‫ىو المفيوـ المقابؿ لمخرو‬ ‫عمى عممية تممؾ السمطة لقاء تقديـ ال الء لمخميفة. التغمب ىو الخمفية التي ينشأ فييا‬ ‫و‬ ‫ج، وىو أيضاً النتيجة المتوقعة لو، بحيث نشأت ثُنائية دائمة ( ج/تغمّب)،‬ ‫خرو‬ ‫الخرو‬ ‫وليس معارضة ومواالة قائمتيف في جدلية وص اع ضمف النظاـ القائـ. لذا ذىب ابف‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ج، بػ "دولة‬‫خمدوف إلى وصؼ الدولة الجديدة (الحادثة)، أي الناجمة عف الخرو‬ ‫9‬
  • 12. ‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬ ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬ ‫ج" أو "دولة الخو ج"، وىو لـ يعف بذلؾ فرقة الخو جٜ كما تُعرؼ منذ واقعة‬ ‫ار‬ ‫َ ِ‬ ‫ار‬ ‫الخرو‬ ‫التحكيـ المشيو ة في التاريخ اإلسالمي بيف عمرو بف العاص و أبي موسى‬ ‫ر‬ ‫ي. وربما أسس ابف خمدوف عمى بدر الديف بف جماعة (ٜٖٙ - ٖٖٚىػ)‬‫األشعر‬ ‫الذي عاش وتوفي في القاى ة الممموكية قبؿ أف يولد ابف خمدوف بعاـ واحد. وكتب‬ ‫ر‬ ‫في كتابو تحرير األحكام في تدبير أىل اإلسالم: "إف خال الوقت عف إماـ فتصدى‬ ‫ليا مف ىو ليس مف أىميا وقير الناس بشوكتو وجنوده بغير بيعة أو استخالؼ،‬ ‫انعقدت بيعتو ولزمت طاعتو لينتظـ شمؿ المسمميف وتجتمع كممتيـ، ال يقدح في‬ ‫و ُ‬ ‫ذلؾ كونو جاىالً أو فاسقاً، في األصح. واذا انعقدت اإلمامة بالشوكة والغمبة لواحد‬ ‫ثـ قاـ آخر فقير األوؿ بشوكتو وجنوده انعزؿ األوؿ وصار الثاني إماما لما قدمو مف‬ ‫مصمحة المسمميف وجمع كممتيـ"ٓٔ.‬ ‫وتقارب معو أيضاً في تحميمو الواقعي ابف تيمية (ٔٙٙ - ٗٗٚىػ) الذي‬ ‫اعتبر أف فت ة الخالفة ال اشدة ىي في الواقع امتداد لفت ة النبوة، وأف ما يوجد منذ تمؾ‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ع ال يحرمو. وىذا "الممؾ" ىو ما يعرؼ‬ ‫ّ‬ ‫الفت ة عممياً ىو م ْمؾ وليس خالفة، وأف الشر‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫بػ "الممؾ العضوض". ويجمع بيف فقياء تمؾ المرحمة حرصيـ عمى وحدة األمة‬ ‫واإلمامة ورفضيـ استم ار االنقسامات حتى لو كاف الثمف تبرير السمطاف الجائر.‬ ‫ر‬ ‫كاف فقياء المسمميف يقدموف فقياً ال عالقة لو بواقع الحاؿ، فيقولوف إف‬ ‫ّ‬ ‫و ٍ ٍّ‬ ‫ى بيف أىؿ الحؿ والعقد، األمر الذي تحوؿ إلى مق الت نقدية في‬‫الخالفة تُعقد بالشور‬ ‫ّ‬ ‫بعض الحاالت ضد واقع الخالفة التي صارت ممكاً، إلى أف جاء اإلماـ ابف حنبؿ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ٚذػٙ خصٕو انخٕاسض أٌ ْزا االعى نصن تٓى ألَٓى ٚذػٌٕ نهخشٔض ػهٗ أئًح انؼذل، ٔنٛظ ألَٓى خشجٕا ػٍ انذاػًٍٛ نؼهٙ، ٔنى‬ ‫0 ّ‬ ‫ٕٚاكوٕا ػهٗ َرٛجح انرذكٛى تٍٛ ػًشٔ تٍ انؼاص ٔأتٙ يٕعٗ األشؼش٘. ٔنكٍ انخٕاسض انزٍٚ ٚغًٌٕ أَلغٓى تانجًاػح انًؤيُح ػُشكٕا‬ ‫تصٕساذٓى ٔػذو هثٕنٓى نغهطح انذٔنح كٙ األطشاف ترششٚؼٓى انخشٔض ػهٗ انذاكى انجائش ٔجؼهٕا انذذ نهخشٔض ػهٗ أئًح انجٕس ٓٗ‬ ‫سجال يٍ انًُكشٍٚ ػهٗ ْؤالء األئًح، كٓزا ٚكلٙ نهصٕسج ػهٛٓى.‬ ‫ٓٔ‬ ‫يورثظ يٍ: يذًذ كرذٙ ػصًاٌ، مه أصىل انفكز اإلسالمي : دراست نحقىق اإلوسان ونىضع وهايت انذونت واإلمامت في ضىء‬ ‫شزيعت اإلسالو وتزاثه انتاريخي وانفقهي، (تٛشٔخ: يؤعغح انشعانح، ٗ10ٔ)، ص 1ٖٗ.‬ ‫10‬
  • 13. ‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬ ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬ ‫ي وبرر الخالفة نفسيا بالغمبة (لـ يكف‬ ‫ّ‬ ‫(ٗٙٔ - ٕٔٗىػ) في القرف الثالث اليجر‬ ‫المقصود في حينو تبرير اإلما ة في إطار الخالفة فيي لـ تكف قائمة في عص ه)‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ٍ‬ ‫بقولو: "إف مف غمبيـ صار خميفة وسمي أمير المؤمنيف، ال يحؿ ألحد يؤمف باهلل‬ ‫ّ‬ ‫و‬ ‫ُّ َ َ‬ ‫واليوـ اآلخر أف يبيت و ال ي اه إماماً عميو، بر كاف أو فاجر، فيو أمير المؤمنيف"ٔٔ.‬ ‫اً‬ ‫َا‬ ‫ر‬ ‫وقد شرحيا الحنابمة المتأخروف مثؿ أبي يعمى ّاء (ٖٓٛ - ٛ٘ٗىػ) بالقوؿ: ألف‬ ‫الفر‬ ‫القصد بالغمبة ىنا أف الغمبة تتبعيا المبايعة، وىي التي تجعؿ مف المتغمّب خميفةً،‬ ‫ُ‬ ‫وليس الغمبة ذاتيإٔ. والحقيقة أف المبايعة غالباً ما تكوف ءاً مف الغمبة، كما في‬ ‫َ‬ ‫جز‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫حالة االستفتاء عمى رئيس الجميورية في عصرنا بعد أف يصؿ إلى السمطة بالطرؽ‬ ‫عية الدستورية.‬‫االنقالبية غير الديمق اطية، فتضفي نتيجة االستفتاء عميو الشر‬ ‫ر‬ ‫والالفت أف اإلعالـ الرسمي؛ حتى في حالة االستفتاء عمى الية جديدة لمرئيس في‬ ‫و‬ ‫الجميورية العربية غير الديمق اطية، وحتى في حالة التوريث؛ يسمي االستفتاء‬ ‫ر‬ ‫"شر‬ ‫ز‬ ‫ٍ‬ ‫"مبايعة"، في محاولة الستثمار الرم انية اإلسالمية في عية" الحكـ.‬ ‫تبع أبو الحسف عمي بف محمد الماوردي الشافعي (ٖٗٙ - ٓ٘ٗىػ) في‬ ‫ي، ليبرر في كتاب‬ ‫ّ‬ ‫مسألة "الغمبة" واقعية ابف حنبؿ، في القرف الخامس اليجر‬ ‫َ‬ ‫"األحكام السمطانية" أنماطاً مف الوصوؿ إلى الحكـ فيما يسمى بالعصر العباسي‬ ‫الثاني مثؿ إما ة االضط ار واالستيالء (وقد قصد عممياً الس ْمطنة أو اإلما ة البوييية‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫في ظؿ الخالفة العباسية)، إلى جانب الية العيد مف اإلماـ السابؽ، أي التوريث،‬ ‫و‬ ‫واختيار أىؿ الحؿ والعقد. وقد حمؿ األمير البوييي لقب "أمير األم اء" الذي تطور‬ ‫ر‬ ‫عية عميو. لقد‬ ‫ٍ‬ ‫لدى بعض آخر إلى السمطاف، لكف الخميفة ظؿ ىو مف يضفي الشر‬ ‫ٔٔ‬ ‫َوهٓا ػُّ أتٕ ٚؼهٗ انلشاء كٙ كراتّ انًؼاصش نكراب انًأسد٘ ٔانز٘ أخز ػُّ انكصٛش ػذا كصشج اإلشاسج إنٗ انذُاتهح: أتٕ ٚؼهٗ يذًذ‬ ‫تٍ انذغٍٛ انلشاء انذُثهٙ، األحكاو انسهطاويت، صذذّ ٔػهن ػهّٛ يذًذ دايذ انلوٙ، (تٛشٔخ: يُشٕساخ يذًذ ػهٙ تٛضٌٕ نُشش‬ ‫كرة انغُح ٔانجًاػح، داس انكرة انؼهًٛح، ال ذاسٚخ)، ص ٕٓ.‬ ‫ٔٚوٕل أتٕ ٚؼهٗ كٙ انصلذح َلغٓا إٌ اتٍ دُثم هال أٚضا أيٕسا يؼاكغح.‬ ‫ٕٔ‬ ‫انًصذس َلغّ، ص ٕٗ.‬ ‫00‬
  • 14. ‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬ ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬ ‫عية العباسية‬‫توسط فقو الماوردي بيف واقع إما ة االستيالء البوييية وبيف الخالفة الشر‬ ‫ر‬ ‫عية في حالة التفسير المتساىؿ معو.‬‫حفاظاً عمى اإلمامة كمانحة الشر‬ ‫ي ابف‬ ‫ٍ‬ ‫نجد ذلؾ بقوة أكبر عند األشاع ة، وخاصةً معاصر أبي الحسف األشعر‬ ‫ر‬ ‫ي مالكي منع ما أتاحو حتى أمثاؿ‬‫ي (ت. ٖٓٚىػ)، وىو أشعر‬‫مجاىد البصر‬ ‫الماوردي المعروؼ بواقعيتو السياسية الحقاً، وىو الخ ج عمى الفاسقيف والجائريف‬ ‫رو‬ ‫مف األئمة. ويعكس ذلؾ فمسفة استق ار"الجماعة اإلسالمية" ووحدتيا في صيغة‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ي (ٖٗٛ -‬‫"سمطاف غشوـ خير مف فتنة تدوـ". وقد تصدى لو ابف حزـ الظاىر‬ ‫ج األئمة بمف فييـ أفاضؿ الصحابة عمى معاوية،‬‫ٙ٘ٗىػ) الذي استشيد بخرو‬ ‫ي وأكابر التابعيف عمى الحجاج بسيوفيـٖٔ. لكف خطاب‬ ‫ّ‬ ‫ج الحسف البصر‬‫وخرو‬ ‫الواقعية السياسية الذي يعبر عف وساطة المؤسسة الدينية بيف النص والدولة استمر‬ ‫ّ‬ ‫باالنتشار عند المؤوليف مف الفقياء الذيف يبرروف الحكـ القائـ بتأويؿ النص. فنجده‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عند أبي العز، ح "العقيدة الطحاوية"، وحتى عند ابف تيمية.‬ ‫ّ شار‬ ‫ي والموقؼ التأويمي عموماً‬‫عمينا ىنا أف نفصؿ بيف الموقؼ السمفي الظاىر‬ ‫ي. فاألوؿ لـ‬‫كما ساد في تمؾ المرحمة، وخاصةً المرحمة التي ساد فييا الفكر األشعر‬ ‫يتسامح في النياية مع الحاكـ الفاسؽ، وماؿ إلى عدـ محاربة الخارجيف عميو، وحتى‬ ‫ج مف مفاسد. لكنو ماؿ إلى‬‫ج عميو أحياناً، مع التحذير مما في الخرو‬‫ترجيح الخرو‬ ‫ج عمى الحكاـ بشكؿ خاص حفاظاً عمى وحدة‬ ‫ّ‬ ‫رفض الفتف بشكؿ عاـ، ورفض الخرو‬ ‫ج عمى الحاكـ، والى تبرير‬ ‫األمة. أما الخطاب التأويمي فقد ماؿ إلى رفض أي خرو ٍ‬ ‫ٍ ٍ‬ ‫أي نظاـ قائـ بالغمبة وبإجماع األمة. واإلجماع يرفض ال أي المخالؼ، فال تكوف‬ ‫ر‬ ‫ج عمى‬‫ىناؾ معارضة، أي أقمية مقابؿ أغمبية، بؿ إجماع، وأي أي آخر ىو خرو‬ ‫ر‬ ‫ٖٔ‬ ‫كٙ يؼانجح ْزا انًٕضٕع اَظش: داكى انًطٛش٘، انحزيت أو انطىفان: دراست مىضىعيت نهخطاب انسياسي انشزعي ومزاحهه‬ ‫انتاريخيت، ط ٕ، (ػًاٌ: انًؤعغح انؼشتٛح نهذساعاخ ٔانُشش، 1ٕٓٓ)، ص ٖٙٔ-ٗٙٔ.‬ ‫20‬
  • 15. ‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬ ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬ ‫ج السياسي الذي يشكؿ،‬ ‫ّ‬ ‫ج عمى اإلجماع ىو الوجو اآلخر لمخرو‬‫اإلجماع. وىذا الخرو‬ ‫في حد ذاتو، مفسدةً وفتنةً وظمماً ما بعده ظمـ.‬ ‫ّ‬ ‫الالفت أف خطاب سمفيي العصر الحاضر لـ يأخذ إال جانباً مف خطاب‬ ‫ج عمى السمطاف. وعندما قاـ‬‫المؤسسيف أمثاؿ ابف حنبؿ وابف تيمية، وىو منع الخرو‬ ‫ّ‬ ‫ج‬‫تيار سمفي نقدي، فإنو وجد تقميداً غنياً عند آباء السمفية مف الفقياء يبرر الخرو‬ ‫ّ‬ ‫ج عمى السمطاف‬‫عمى الحاكـ الظالـ. ولكف تدقيؽ النظر يفيد أف مف يحرـ الخرو‬ ‫ّ‬ ‫ٍ خر‬ ‫ج عمى سمطاف ج ىو بنفسو عمى مف سبقو ثـ‬ ‫الجائر، إنما يحرـ غالباً الخرو‬ ‫ّ‬ ‫ج عمييا خروجاً عمى اإلجماع.‬‫عف بالغمبة التي صارت إجماعاً، وصار الخرو‬‫تشر‬ ‫ج الحاكـ‬‫عية لخرو‬‫ومف ىنا فإنو يقوـ عمى تقاليد ينتقييا، فيو يجد المبر ات الشر‬ ‫ّر‬ ‫ج عميو، ويعثر في النصوص عمى ما‬‫القائـ عمى سابقو، وينفي مبر ات الخرو‬ ‫ّر‬ ‫يحرميا.‬ ‫ّ‬ ‫كاف ابف تيمية يعتقد أف اإلمامة تقوـ عمى أساسيف ىما: "القوة واألمانة" بناء‬ ‫ً‬ ‫ٍ ر ٍ‬ ‫عمى نصوص ق آنية ورد فييا ذكر القوة قبؿ األمانة مثؿ: "إف خير مف استأجرت‬ ‫ّ‬ ‫القوي األميف" (القصص: ٕٙ)؛ وقوؿ صاحب مصر ليوسؼ (ع): "إنؾ اليوـ لدينا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مكيف أميف" (يوسؼ:ٗ٘). واستشيد بقوؿ مشيور ألحمد ابف حنبؿ يجعؿ القوة أكثر‬ ‫ّ‬ ‫أىميةً مف الصالح إذا كاف الخيار بينيما: "أما الفاجر القوي، فقوتو لممسمميف، و‬ ‫ّ‬ ‫فجو ه عمى نفسو، و أما الصالح الضعيؼ فصالحو لنفسو وضعفو عمى المسمميف".‬ ‫ر‬ ‫ومف ىنا فقد جمع ابف تيمية صفات ال الية في صفتيف رئيستيف ىما القوة واألمانة،‬ ‫و‬ ‫ٍ‬ ‫وقد اختمؼ في ىذا عف فقياء أىؿ السنة و ىـ ممف أسيبوا في تفصيؿ صفات‬ ‫غير‬ ‫ٍ‬ ‫عديدة في اإلماـ، أو عينوا طرقاً محددةً لتولي السمطة، ولـ يذكروا بينيا االستيالء‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫عية الحكـ، وىكذا جعموا‬‫بالقوة، ولكنيـ جعموا المبايعة بعد االستيالء تتميماً لشر‬ ‫30‬
  • 16. ‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬ ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬ ‫إجماع األمة، و ج عمييا خروجا عمى اإلجماع؛ فالقد ة عند ابف تيمية أساس‬ ‫ر‬ ‫ً‬ ‫الخرو‬ ‫ج عمى‬‫ال الية الواقعي، بينما األمانة شرط عية ال الية. البف تيمية أي يجيز الخرو‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫و‬ ‫شر‬ ‫و‬ ‫ٍ‬ ‫رٍ‬ ‫ج بصو ة عامة إال إذا‬ ‫ٍ‬ ‫أي حاكـ، بشرط الت اـ الشريعة اإلسالمية، فيو لـ يدف الخرو‬ ‫ز‬ ‫ُ ْ‬ ‫ج قد يجمب مفاسد أعظـ مف مفسدة‬‫كاف خروجاً عمى الشريعة، مع تأكيده أف الخرو‬ ‫ج‬‫الحكـ الظالـ. وعمى ىذا استندت كثير مف الحركات اإلسالمية التي أجازت الخرو‬ ‫ُ‬ ‫عمى الحاكـ المسمـ إذا كاف مرتداً أو إذا كاف حكمو مخالفاً لمشريعة، وتساىموا في‬ ‫ج عمى‬ ‫رٍ‬ ‫ذلؾ بناء عمى تفسي ات توسعت في تفسير موقؼ ابف تيمية مف عية الخرو‬ ‫شر‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫الحكاـ التتار بوصفيـ يحكموف فيما بينيـ بما يسمى شريعة "الياسؽ" أو "الياسة"‬ ‫وليس بالشريعة اإلسالمية، واف كانوا ينطقوف بالشيادتيف.‬ ‫كاف ابف تيمية الواقعي يرفض، عموماً، الثو ة عمى الحكاـ المستبديف؛ فقد‬ ‫ر‬ ‫ج عمى األئمة وقتاليـ‬‫أى أف "المشيور في مذىب أىؿ السنة أنيـ ال يروف الخرو‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫بالسيؼ، واف كاف فييـ ظمـ، كما دلّت عمى ذلؾ األحاديث الصحيحة المستفيضة‬ ‫عف النبي (ص)... ألف الفساد في القتاؿ والفتنة أعظـ مف الفساد الحاصؿ بظمميـ،‬ ‫فيدافع أعظـ الفاسديف بالت اـ األذى، ال نكاد نعرؼ طائف ً خرجت عمى ذي السمطاف‬ ‫ة‬ ‫و‬ ‫ز‬ ‫إال كاف في خروجيا مف الفساد ما ىو أعظـ مف الفساد الذي أ التو...". وكتب ابف‬ ‫ز‬ ‫تيمية مؤكدا طاعة الحاكـ إال في معصية الخالؽ وفي بالو النقاش مع الفرؽ الشيعية:‬ ‫"قوؿ أىؿ السنة خبر صادؽ وقوؿ حكيـ، وقوؿ ال افضة خبر كاذب وقوؿ سفو،‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫فأىؿ السنة يقولوف األمير واإلماـ والخميفة ذو السمطاف الموجود الذي لو القد ة عمى‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫عمؿ مقصود ال الية. كما أف إماـ الصالة ىو الذي يصمّي بالناس، وىـ يأتموف بو.‬ ‫و‬ ‫ٍ‬ ‫ليس إماـ الصالة مف يستحؽ أف يكوف إماماً وىو ال يصمّي بأحد، لكف ىذا ينبغي أف‬ ‫يكوف إماماً، والفرؽ بيف اإلماـ وبيف مف ينبغي أف يكوف ىو اإلماـ ال يخفى عمى‬ ‫الطغاـ. ويقولوف إنو يعاوف عمى البر والتقوى دوف اإلثـ والعدواف، ويطاع في طاعة‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫40‬
  • 17. ‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬ ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬ ‫اهلل دوف معصيتو، ال ي ج عميو بالسيؼ، وأحاديث النبي صمى اهلل تعالى عميو‬ ‫و ُخر‬ ‫وسمـ إنما تدؿ عمى ىذا. كما في الصحيحيف، عف ابف عباس – رضي اهلل عنيما –‬ ‫عف النبي صمى اهلل تعالى عميو وسمـ قاؿ: ′مف أى مف أمي ه شيئاً ىو فميصبر‬ ‫يكر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫عميو، فإنو ليس أحد مف الناس ج عمى السمطاف شبر فمات عميو إال مات ميتة‬ ‫اً‬ ‫يخر‬ ‫ج عمى السمطاف، ومفارقة الجماعة، وأمر بالصبر‬‫جاىمية′، فجعؿ المحذور ىو الخرو‬ ‫عمى ما يك ه مف األمير، لـ يخص بذلؾ سمطاناً معيناً ال أمير معيناً ال جماعةً‬ ‫اً ّ و‬ ‫ّ و‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫معينةً"ٗٔ.‬ ‫ّ‬ ‫عية، وانما العمؿ بالشريعة.‬‫لكف ابف تيمية ال ى أف اإلماـ ىو مصدر الشر‬ ‫ير‬ ‫ج عمى اإلماـ ىو حديث كوثر بف حكيـ‬‫وقاؿ إف الحديث الوحيد الذي يمنع الخرو‬ ‫ع. أما األحاديث الصحيحة التي جاءت في قتاؿ‬‫عف نافع، وىو حديث موضو‬ ‫الخارجيف، فيي تنص عمى قتاؿ الخارجيف عمى الشريعة ال عمى اإلماـ. وقاؿ: "أما‬ ‫القتاؿ لمف لـ ج إال عف طاعة إماـ معيف فميس في النصوص أمر بذلؾ". وكاف‬ ‫ُ ّ‬ ‫ْ يخر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ج عمى اإلماـ العادؿ لشبية أو تأويؿ، كما ج معاوية‬ ‫خر‬ ‫ابف تيمية يبرر حتى الخرو‬ ‫ّ‬ ‫بف أبي سفياف عمى اإلماـ عمي بف أبي طالب٘ٔ. وىذا الموقؼ البف تيمية تبرير‬ ‫ج في حالة التاريخ اإلسالمي الذي شكؿ واقع الدولة اإلسالمية بعد معاوية.‬ ‫ّ‬ ‫لمخرو‬ ‫ج واف نفى إما ةً قائمةً، إنما يبرر قياـ‬ ‫ُ ُّ‬ ‫ر‬ ‫وىو ىنا يبرر إما ة االستيالء عممياً، فالخرو‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ج عمييا بالقوة. ومف الواضح أف التبرير يتـ بأثر رجعي، وأنو‬ ‫ّ‬ ‫ىا بالغمبة بعد الخرو‬ ‫غير‬ ‫ج معاوية عمى عمي بف‬‫يحكـ بالنتيجة، فمف الواضح أف ابف تيمية كاف سيديف خرو‬ ‫ٗٔ‬ ‫شٛخ اإلعالو أتٕ انؼثاط أدًذ اتٍ ذًٛٛح، "مختصز مىهاج انسىت"، اخرصشِ انشٛخ ػثذ هللا انـًُٛاٌ، انجضء األٔل، (انًذُٚح انًُٕسج:‬ ‫ْٓٔٗٔـ)، ص ٗ7- ٘7. يٕجٕد ػهٗ يٕهغ اتٍ ذًٛٛح:‬ ‫ٖ=‪http://www.ibntaimiah.com/index.php?pg=books&ban‬‬ ‫٘ٔ‬ ‫أدًذ اتٍ ذًٛٛح، مجمىع انفتاوي، جًغ ٔذشذٛة: ػثذ انشدًٍ تٍ يذًذ تٍ هاعى، ضٗ، (انًذُٚح انًُٕسج: يجًغ انًهك كٓذ نطثاػح‬ ‫انًصذق انششٚق، ْٕ٘ٗٔـ/ٕٗٓٓو)، ص.ص ٓ٘ٗ – ٕ٘ٗ.‬ ‫50‬
  • 18. ‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬ ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬ ‫أبي طالب لو انتصر األخير، ولو عاش ابف تيمية في واقع آخر. فما ييمو ىو‬ ‫الحفاظ عمى وحدة األمة اإلسالمية التي تسير بموجب شريعة اهلل.‬ ‫كاف الفقو السياسي السني قبؿ ابف تيمية أكثر ب اغماتية، إذا ما صح التعبير،‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ر‬ ‫ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ ٍ‬ ‫باالعت اؼ بشكؿ دائـ بالوصوؿ إلى الحكـ بالغمبة، إلى جانب اختيار أىؿ الحؿ‬ ‫ر‬ ‫والعقد الية العيد، أي التوريث. والجويني (ٜٔٗ – ٛٚٗىػ) ىو الذي برر إمامة‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫المستولي أو المتغمّب حتى لو لـ تجتمع فيو شروط اإلمامة ما داـ متغمباً، وسماه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫"والياً" واشترط عمى ال الة عموماً استشا ة العمماء. وكذلؾ ابف قدامة (ٔٗ٘ –‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ٕٓٙىػ) في كتابو "الكافي في تفسير ابن حنبل"، فكؿ مف ثبتت إمامتو حرم الخروج‬ ‫ُ‬ ‫عميو وقتالو إف ثبتت بإجماع المسمميف عميو كإمامة أبي بكر الصديؽ أـ بعيد‬ ‫اإلماـ الذي قَبِموُ كعيد أبي بكر إلى عمر، أو بقي ه لمناس حتى أذعنوا لو، ودعوه‬ ‫ر‬ ‫ٍ‬ ‫ج وامامة الغمبة بشكؿ‬‫إماماً كعبد الممؾ بف مرواف. ىنا يظير التقابؿ بيف الخرو‬ ‫ج عمى إما ة االستيالء والغمبة. وأقر بذلؾ أيضا يحيى‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫واضح. ويحرـ ابف قدامة الخرو‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫بف شرؼ النووي (ٖٔٙ - ٙٚٙىػ) لتصؿ إلى حد الص احة الكاممة التي تكاد تبرر‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫الطاعة بوطأة الحكـ ذاتو، أي تبرر طاعة الظُمـ بالظُمـ، حتى يغدو الظُْمـ األكبر ىو‬ ‫ّ‬ ‫ج عمى الحاكـ عند البناني (ٖٙٔٔ-ٜٗٔٔىػ) المعاصر لمشيخ محمد بف عبد‬‫الخرو‬ ‫الوىاب (٘ٔٔٔ- ٕٙٓٔىػ)، كما تصور ىذه الص احة عبا ة "مف اشتدت عمى‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫الناس وطأتو وجبت طاعتو". وىي الجممة المنسوبة إلى معاوية، وبيا لخص فقياء‬ ‫المالكية نقاشيـ في شأف اإلمامة. وكما عف الماوردي حكـ البوييييف، كذلؾ عف‬ ‫شر‬ ‫شر‬ ‫بدر الديف بف جماعة حكـ المماليؾ. كما نجد ىذه العبا ة في حواشي شروحات كثي ة‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ح الكبير،‬‫مثؿ حاشية البناني عمى ح الزرقاني، وحاشية الدسوقي عمى الشر‬ ‫شر‬ ‫ىما كثير.‬ ‫وغير‬ ‫60‬
  • 19. ‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬ ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬ ‫ج عمى الة األمر‬ ‫و‬ ‫وىذا تقميد استند إليو ابف عبد الوىاب، لكنو حرـ الخرو‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫بشكؿ مطمؽ، فقد كاف سموكو تجاه المسمميف أشبو بسموؾ نبي أو صاحب رسالة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تجاه كفّار منو بسموؾ فقيو أو قائد سياسي. مف ىنا، ألنو كاف عمى حؽ مطمؽ -‬ ‫و‬ ‫مف اوية نظ ه- فيو لـ يحاوؿ حتى تبرير استخداـ القوة، بؿ استخدميا وحرـ‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫ز‬ ‫ج حتى عمى حكاـ ال اليات: ى وجوب السمع والطاعة ألئمة المسمميف، ب ّىـ‬ ‫َر‬ ‫"أر‬ ‫ّ و‬ ‫الخرو‬ ‫ىـ ما لـ يأمروا بمعصية اهلل. مف وّي الخالفة واجتمع عميو الناس ورضوا بو‬ ‫ُل‬ ‫َ‬ ‫وفاجر‬ ‫ج عميو"ٙٔ. ومع أنو ج‬ ‫خر‬ ‫وغمبيـ بسيفو حتى صار خميفةً، وجبت طاعتو وحرـ الخرو‬ ‫عمى حكاـ زمانو، إال أف ابف عبد الوىاب حرـ حتى توجيو النقد أو النصح عمناً لم الة‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫ِْ‬ ‫في ظؿ الحكـ الذي سانده، وأمر بأف يكوف توجيو النصح خفيةً. وجعؿ طاعة ولي‬ ‫األمر أمر مطمقاً.‬ ‫اً‬ ‫وقد تحوؿ موقؼ طاعة ولي األمر إلى موقؼ عاـ محافظ جعؿ كثير مف‬ ‫اً‬ ‫ّ‬ ‫السمفييف مف خريجي المدرسة الفقيية النجدية "الموحدوف" أو "الوىابيوف" يتخذوف‬ ‫ّ‬ ‫موقفاً معادياً لمثو ات العربية أو تشكيكياً وفي أفضؿ الحاالت موقفاً سمبياً منيا. أما‬ ‫ر‬ ‫موقؼ المممكة السعودية الرسمي المعارض لمثو ات فقد استغؿ ىذا التقميد في سياؽ‬ ‫ر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ ر‬ ‫سياسات ب اغماتية لمممكة محافظة سياسياً واجتماعياً، تبرر استق ار دوؿ ال ىي‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ج عمييا.‬‫ديمق اطية ال ىي إسالمية وترفض الخرو‬ ‫ر و‬ ‫ج عمى أنو فتنة.‬ ‫ٍ ٍ‬ ‫صورت القوى المحافظة المؤيدة ألي نظاـ قائـ، أي خرو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتحمؿ الفتنة معاني معياريةً سمبيةً مثؿ الفوضى االجتماعية وحالة الخصومة العنيفة‬ ‫ٍ ّ ٍ‬ ‫والمستدامة بيف مجموعات سكانية، بمعنى الحرب األىمية في عصرنا. وىذا ما تفعمو‬ ‫القوى المحافظة (بمعنى المحافظة عمى النظاـ القائـ) في عصرنا أيضاً، إذ تعتبر أي‬ ‫ٙٔ‬ ‫ػثذ انشدًٍ تٍ يذًذ تٍ هاعى، انذرر انسىيت في األجىبت انىجذيت: مجمىعت رسائم ومسائم عهماء وجذ األعالو مه عصز انشيخ‬ ‫محمذ به عبذ انىهاب إنً عصزوا هذا، ض ٔ، ط ٙ، 7ْٙٗٔـ/ٙ00ٔو، ص ٖٖ.‬ ‫70‬
  • 20. ‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬ ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬ ‫ٍ‬ ‫رٍ‬ ‫ثو ة فتنةً بالضرو ة... ويزخر المعجـ السياسي لمنظـ العربية التي واجيت انتفاضات‬ ‫ر‬ ‫ٍ‬ ‫رٍ‬ ‫أو ثو ات أو حركات احتجاج بمصطمحات الفتنة، أي التي تصور الثو ة كفتنة، وفييا‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫و ٍ‬ ‫أمثمة عمى محا الت فعمية لتصوير الثو ة كفتنة، أو حتى لتحويميا إلى فتنة.‬ ‫ر‬ ‫ج‬‫يصعب التوصؿ إلى أي شكؿ مف أشكاؿ نظرية الثو ة في ظؿ ثنائية الخرو‬ ‫ر‬ ‫ج‬‫والغمبة. فالفكر اإلسالمي الفقيي يبرر القبوؿ بالسمطاف الجائر، ويرفض الخرو‬ ‫ج ضد نظاـ ال‬‫الذي يشبو الثو ة المسمحة ضد النظاـ في عصرنا. وقد يبرر الخرو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫يطبؽ الشريعة أو يأمر بالمعصية، ولكف السائد ىو تبرير النظاـ القائـ، بما في ذلؾ‬ ‫ج بذاتو نظاماً قائماً، أي إذا تغمّب. ولسنا أماـ ديناميكية‬‫ج إذا صار الخرو‬‫الخرو‬ ‫سمطة - معارضة أو حكـ - معارضة، تُحؿ قضاياىا وتناقضاتيا في إطار النظاـ،‬ ‫َّ‬ ‫أو تؤدي في حالة عدـ حميا إلى الثو ة عمى النظاـ منتجةً فقييا النقدي أو التبر ي؛‬ ‫ير‬ ‫ر‬ ‫ج فإننا لسنا أماـ أي ع مف نظريات الثو ة.‬ ‫ر‬ ‫نو‬ ‫وحتى في تبرير الخرو‬ ‫مفردة " ة"‬ ‫ثور‬ ‫يشتؽ لفظ "الثو ة" بحسب لساف العرب مف "ثار الشيء ثور وثُؤور وثو انا‬ ‫ا ر‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫وتثور: ىاج. والثائر: الغضباف... والمثاو ة: المواثبةٚٔ... ويقاؿ إىدأ حتى تسكف‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ىذه الثو ة، وىي "الييج". والثو ة في لساف العرب ىي الييج. وتتضمف معنى الغضب‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫مف دوف شؾ. ال ريب في أف مصدر عبا ة "ىوجة ع ابي"، في ما وصؼ الحقا بػ‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫7ٔ‬ ‫نُرزكش أٌ اَرلاضح ػاو 1ٗ0ٔ كٙ انؼشام عًٛد "انٕشثح".‬ ‫80‬
  • 21. ‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬ ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬ ‫"ثو ة ع ابي" ىي ىذا القرب الداللي عند العرب. وبيذا المعنى فإف لمثو ة في المفيوـ‬ ‫ر‬ ‫ر ر‬ ‫العربي بعداً غاضباً متمرداً ىائجاً، ما عاد يرد في الباؿ دوماً حيف تطمؽ تسمية‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫رٍ‬ ‫الثو ة عمى ظاى ة اجتماعية - سياسية. ولكف البعد الغاضب الثائر ما اؿ قائماً في‬ ‫ز‬ ‫ر‬ ‫مفيوـ الثو ة في الثقافة العربية، وكذلؾ في االستخداـ الشعبي. ويحضر ىنا ما سماه‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫شباب مصر بدايةً بػ "ائتالؼ شباب ثو ة الغضب". ولذلؾ حاوؿ توفيؽ الحكيـ‬ ‫ر‬ ‫ٍ‬ ‫(ٜٛٛٔ-ٜٚٛٔ) في كتابو " ة الشباب" أف يميز بيف الثو ة واليوجة في محاولة‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ثور‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫اصطالحية لتمييز الثو ة عف الييج، فيغادر المفظ أصولو متجياً إلى المصطمح:‬ ‫ر‬ ‫"والفرؽ بيف الثو ة والييجة ىو أف اليوجة تقتمع الصالح والطالح معاً، كالرياح ج‬ ‫اليو‬ ‫ر‬ ‫تطيح باألخضر واليابس معاً... أما الثو ة فيي تبقي النافع وتستمد منو القوة...‬ ‫ر‬ ‫وتقضي فقط عمى البالي المتيافت، المعوؽ لمحيوية..."ٛٔ.‬ ‫ّ‬ ‫مف ىنا ترتبط كممة ثو ة بالحركة السريعة االنفعالية التي تتضمف فعؿ‬ ‫ر‬ ‫النيوض، مثؿ "الوثبة" و"االنتفاضة" و"اليبة". ومف ىنا أيضاً استخدـ الناس لمداللة‬ ‫عمى انتفاضات المدف كممة "قومة"، فيقاؿ مثال "قومة حمب" عاـ ٓ٘ٛٔ ضد التجنيد‬ ‫والفقر، وىي التي ىاجـ فييا الفق اء أحياء األغنياء، والتي قد تسمى ثو ة في مناطؽ‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ى مف مدف بالدنا. وكاف يطمؽ عمى الثو ات الفالحية اسـ "العاميات"، و ىا‬ ‫أبرز‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫أخر‬ ‫عامية كسرواف بقيادة طانيوس شاىيف في جبؿ لبناف، ثـ حركة العاميات في جبؿ‬ ‫الدروز، بينما كاف يطمؽ عمى االنتفاضات الحضرية اسـ "القومات" و ىا "قومة‬ ‫أبرز‬ ‫حمب" في العاـ ٓ٘ٛٔ التي تُنمذج ىذا ع مف "ثو ات" المدف في القرف التاسع‬ ‫ر‬ ‫النو‬ ‫1ٔ‬ ‫ذٕكٛن انذكٛى، ثىرة انشباب، (انواْشج: يكرثح يصش، 110ٔ)، ص ٔٔ.‬ ‫90‬
  • 22. ‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬ ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬ ‫عشرٜٔ. وكاف العنؼ الشعبي يشمؿ أيضا عة لميجوـ عمى محالت وبيوت‬ ‫نز‬ ‫األقميات الدينية.‬ ‫يتحدث عبد اهلل العروي في "مجمل تاريخ المغرب" عف جماعات جيادية‬ ‫تنقمت بيف تونس والج ائر وليبيا في النصؼ الثاني مف القرف التاسع عشر، ويشير‬ ‫ز‬ ‫إلى أف المناطؽ الداخمية مف المغرب ظمت فت ة طويمة غير محتمة. وي ى في حركة‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫محمد بف عبد الكريـ الخطابي حرباً جيادية، ويسمييا "حرب الريؼ". ويذكر‬ ‫الحركات القبمية السابقة التي سميت ثو ات، مثؿ "ثو ة ابف غذاىـ" في تونس‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫(ٗٙٛٔ)، أو "ثو ة المق اني" في الج ائر (ٔٚٛٔ). وىو يعتبر أف التعامؿ معيا ومع‬ ‫ز‬ ‫ر ر‬ ‫حركة عبد الكريـ الخطابي بشكمو ال اىف عمى أنيا ثو ة مف القرف العشريف ناجـ عف‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫تبني تيار حديث ليا: "إف تبني الحركة االشت اكية العالمية لثو ة الريؼ أكسبيا صبغة‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫قربتيا كثير مف ثو ات آسيا وأميركا الالتينية، في حيف أف الكتّاب المغاربة يمحوف‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫اً‬ ‫ّ‬ ‫عمى أف الت امف بيف استسالـ عيـ الريفي (ٕٜٙٔ) وبداية االحتجاجات عمى‬ ‫الز‬ ‫ز‬ ‫استحواذ المعمريف أ اضي نواحي مكناس وتادال... جعال الثو ة الريفية حدثاً معاصر‬ ‫اً‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫مف صميـ القرف العشريف. ىؿ ىذا صحيح؟ ىؿ التحميؿ يساير التطور التاريخي أـ‬ ‫يعمؿ عمى تحريفو بوسائؿ جد ذكية؟ واذا صح ذلؾ فعالً ىؿ يبقى معنى لمتمييز بيف‬ ‫الصمود العفوي والوطنية الحديثة؟ ". ولذلؾ يميؿ العروي إلى وضع الثو ة الريفية في‬ ‫ر‬ ‫إطار تقميدي عمى غـ مما فييا مف سمات عصرية. ويقصد بالتقميدي "اإلطار‬ ‫الر‬ ‫ٕٓ‬ ‫الذي كاف في حالة ثو ة دائمة ضد المخزف وضد االحتالؿ.‬ ‫ر‬ ‫المحمي الجبمي الريفي"‬ ‫0ٔ‬ ‫ػٍ انرًٛٛض تٍٛ "انؼايّٛح" ٔ"انوْٕ يح" ًَٔزجح رنك تـِ"هْٕ يح دهة"، هاسٌ يغ: ػثذ انكشٚى ؿشاٚثح، "عٕسٚح: انوشٌ انراعغ ػشش‬ ‫ٓٗ1ٔ-ٙ71ٔ" (يذاضشاخ)، (انواْشج: يؼٓذ انذساعاخ انؼشتٛح انؼانٛح، ٔٙ0ٔ-ٕٙ0ٔ)، ص.ص ٕ1-ٙ1 .‬ ‫ٕٓ‬ ‫ػثذ هللا انؼشٔ٘، مجمم تاريخ انمغزب، (انذاس انثٛضاء - تٛشٔخ: انًشكض انصواكٙ انؼشتٙ، 7ٕٓٓ)، ص ٕٓٙ.‬ ‫12‬
  • 23. ‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬ ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬ ‫ونحف ى أف تسا الت العروي في محميا وأف ما يقولو ينطبؽ عمى كثير مما‬ ‫ؤ‬ ‫نر‬ ‫يسمى ثو ات في القرف العشريف بإلصاؽ المعنى الحديث المفيومي لمثو ة، في حيف‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫أنيا كانت أقرب إلى معناىا الحرفي (أي اليوجة) في ذلؾ الحيف.‬ ‫لكف ما يصعب فيمو ىو تساؤؿ تشكيكي منتشر في وسائؿ اإلعالـ عف‬ ‫الثو ات العربية الرىنة، ويثي ه بشكؿ خاص مثقفوف عرب كانوا يسارييف ذات يوـ‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ويحتفظوف ببعض عدة اليسار المصطمحية، فيـ لسبب ما ال يعتبروف أف الثو ات‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫العربية تستحؽ مفردة ثو ة، ألنيـ ال يعرفوف، أو يتجاىموف معنى ىذه المفردة العربية‬ ‫ر‬ ‫البسيط نسبيا، والذي تتجاو ه الثو ات العربية سياسياً وحضارياً. كما أنيـ ال يعرفوف‬ ‫ز ر‬ ‫إال ثو ات بعينيا مثؿ ثو ة أكتوبر والثو ة الفرنسية. والثو ات العربية أقرب إلى الثو ة‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫الفرنسية، ومع أنيا أكثر شعبية مف الثو ة الفرنسية، إال أنيا أقؿ شعبوية.‬ ‫ر‬ ‫إف سمبيات حركة التغيير ال اىنة في الوطف العربي وايجابياتيا ناجمة كميا‬ ‫ر‬ ‫عف عدـ نخبويتيا، أي عف ج قطاعات واسعة جداً مف الشعب إلى الحيز العاـ،‬ ‫خرو‬ ‫أي إلى السياسة. والمشاركة الشعبية العربية في الثو ات ىي مشاركة واسعة مقارنة‬ ‫ر‬ ‫بأي ثو ة في التاريخ المعروؼ. وىنالؾ موقؼ سمبي مف الثو ات العربية عند بعض‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫المثقفيف. ال يجاىر ى الء بموقفيـ السمبي مف حركة الشعب، بؿ يجعموف مف‬ ‫ؤ‬ ‫و‬ ‫الثو ات مفيوما سامي ً متعاليا (وحتى شاعريا)، أو مفيوما سوسيولوجيا محدداً مسبقاً‬ ‫ا‬ ‫ً‬ ‫ر‬ ‫ويحاكموف حركة التغيير الشعبية العربية بموجب ىذا المفيوـ الذي صنعوه مف بنات‬ ‫ى.‬‫الخياؿ ومف "وحي" الثو ات األخر‬ ‫ر‬ ‫02‬
  • 24. ‫في انثىرة وانقابهيت نهثىرة‬ ‫انمزكز انعزبي نألبحاث ودراست انسياساث‬ ‫ة، انقالب، إصالح‬ ‫ثور‬ ‫مع ذلؾ، وبسبب ذلؾ كمو، فال بد مف محاولة تدقيؽ حدود المفيوـ المعاصر‬ ‫ّ‬ ‫في المجاؿ السياسي عمى األقؿ، وبحيث ال يكوف تحديداً أيديولوجياً يجعؿ مف الثو ة‬ ‫ر‬ ‫أمر إيجابياً أو ساميا، أو يجعؿ منيا فتنة وفوضى وخطر داىماً عمى الشعوب‬ ‫اً‬ ‫ً‬ ‫اً‬ ‫ة ىو تحرك شعبي واسع خارج البنية الدستورية القائمة،‬ ‫واإلنسانية. المقصود بالثور‬ ‫عية، يتمثل ىدفو في تغيير نظام الحكم القائم في الدولة. والثو ة بيذا‬ ‫ر‬ ‫أو خارج الشر‬ ‫المعنى ىي حركة تغيير عية سياسية قائمة ال تعترؼ بيا وتستبدليا بشر ٍ‬ ‫عية‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ لشر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جديدة.‬ ‫ي بعربية عصرنا، ألف األخير‬‫ىذا التعريؼ يميز الثو ة عف االنقالب العسكر‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ال يعكس تحركاً شعبياً بالضرو ة، ولكنو يبقي اإلمكانية مفتوحةً ألف يشكؿ انقالباً‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫عسكرياً مدعوم ً شعبياً ىدفو تغيير نظاـ الحكـ. كما أنو يميز الثو ة عف االنتفاضة‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫االحتجاجية الشعبية أو التمردات عمى أنواعيا في حالة عدـ طرحيا مسألة تغيير‬ ‫النظاـ الحاكـ.‬ ‫وثمة مفارقة ألسنية بيف مفردتي "انقالب" و"ثو ة". فكما تبيف مف خالؿ العودة‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫إلى لساف العرب فإف معنى الثو ة عربياً ال يحمؿ داللة ‪ revolution‬إال عندما‬ ‫ر‬ ‫أصبحت مفيوما تطور متأخر، أما المفردة نفسيا فمـ تعف في التاريخ العربي ما تعنيو‬ ‫اً‬ ‫ً‬ ‫مفردة ‪ ،revolution‬ال بحسب األصؿ العممي، ال بحسب األبعاد الثقافية‬ ‫و‬ ‫22‬