1. مدخل إلى العلوم السلمية
المنطق
الستاذ الشهيد مرتضى المطهري
ترجم ة: حسن علي الهاشمي
مراجع ة: عبد الجبار الرفاعي
دار الولء
1
2. المنطق
تمهيد
ما هو المراد من العلوم السلمية؟
يجدر بنضا فضي هذا الدرس أن نتحدّث قليل ً عضن كلمضة "العلوم السضلمية" وضضع
لهضا تعريفا جليا؛ ليتضضح مرادنضا مضن العلوم السضلمية، وماهيضة الكلّيات التضي نحاول
معرفتها في هذه الدروس.
إ نّ العلوم السلمية، التي هي موضوع بحثنا، يمكن تعريفها على أنحاء عدّة،
وتبعا لختلف التعاريف تختلف المواضيع:
١- العلوم التضي تدور موضوعاتهضا أو مسضائلها حول أ ُضصول السضلم وفروعضه، أو
التضي يمكضن مضن خللهضا إثبات أ ُضصول السضلم وفروعضه، وهضي: القرآن والسضنّة، مضن
) (
قبيضل: علم القراءة، علم التفسضير، علم الحديضث، علم الكلم النقلي 1 ، علم الفقضه،
) (
علم الخلق النقلي 2 .
٢- العلوم المذكورة آنفا، بالضافة إلى العلوم المُمهّدة لها، والعلوم المُمهّدة
مضن قبيضل: الدب العربضي، مضن الصضرف والنحضو واللغضة والمعانضي والبيان والبديضع
وغيرها، ومن قبيل: الكلم العقلي، والخلق العقلية، والحكمة اللهية، والمنطق،
وأُصول الفقه، والرجال، والدراية.
٣- العلوم التضي تعدّ – بنحضو مضن النحاء – جزءا مضن الواجبات السضلمية، وهضي
التي يجب على المسلمين تحصيلها، ولو على نحو الواجب الكفائي، والتي يشملها
الحديث النبويّ المعروف: "طلب العلم فريضة على كلّ مسلم".
إن العلوم التي تعتبر موضوعاتها ومسائلها من الصول أو الفروع السلمية أو
الت ضي يس ضتند إليه ضا ف ضي إثبات تلك الص ضول والفروع، م ضن الواج ضب تحص ضيلها؛ لن ضّ
ض ض ض ض ض ض ض ض
الحاطضة بأُضصول الديضن السضلمي مضن الواجبات العينيضة على كلّ مسضلم، والحاطضة
بفروعهضا واجضب كفائي، كمضا تجضب دراسضة القرآن والسضنّة أيضا؛ إذ ل يتيسضر مضن
ض ض ض ض ض ض
دونهما معرفة أُصول السلم وفروعه.
وهكذا تجضضب دراسضضة العلوم المُمهّدة لتحصضضيل هذه العلوم مضضن باب )وجوب
مقدم ضضضة الواج ضضضب(، أي: ينبغ ضضضي أن يكون هناك دائما أفراد ملمّون بهذه العلوم
ض ض ض
بالمقدار الكافضي على القضل. بضل ينبغضي أن يكون هناك دائما مَضنْ يسضاهم فضي
ض ض ض ض ض ض
تطوير العلوم الساسية والتمهيدية، ويعمل على إثرائها وتنميتها باستمرار.
1 . سيتضح فيما بعد أن علم الكلم على قسمين: عقلي ونقلي، وسيتضح الفرق بينهما.
2 . الخلق أيضً على قسمين كعلم الكلم: عقلية ونقلية، وسنتحدث فيما بعد عن ذلك أيضً.
ا ا
2
3. وقضد سضعى العلماء المسضلمون طوال القرون الربعضة عشضر إلى توسضيع رقعضة
العلوم المذكورة، وقضضد حققوا فضضي هذا الصضضدد نجاحات ملحوظضضة، وسضضتطّلعون
تدريجيا على نشوء هذه العلوم ونموّها وتحوّلها وتكاملها.
إنض العلوم التضي هضي باب الفريضضة والتضي يجضب على المسضلمين تحصضيلها غيضر
ّ
منحصضضرة فضضي العلوم المتقدمضضة، فكضضل علم توقفضضت تلبيضضة الحاجات الضروريضضة
للمجتمع السضلمي على معرفته والتخصضص والجتهاد فيه، وجضب على المسلمين
تحصيله من باب المقدمة التهيؤيّة.
ولكضي نوضضح أن السضلم ديضن جامضع وشامضل، وأنضه لم يكتضف بسضلسلة مضن
المواعظ الخلقية والفردية فقط، وأنه دين يعمل على صيانة المجتمع، نقول: إنّ
السضضلم عمضضد إلى كلّ مضضا يحتاج إليضضه المجتمضضع فأوجبضضه على الكفايضضة، فإذا كان
المجتمضع بحاجضة إلى طضبيب على سضبيل المثال، يغدو الطب ّض واجبا كفائيا، أي: يجضب
توفيضر الطباء بالمقدار الكافضي، وإذا لم يكضن هناك أطباء بالمقدار الكافضي وجضب
على الجميضع أن يُمهّدوا الرضيضة بغيضة توفيضر الطباء، ورفضع هذه الحاجضة، وبمضا أن
الطبضضّ يتوقضضف على تحصضضيل علوم الطضضب يكون تحصضضيلها حتما مضضن الواجبات
ض ض ض
الكفائية، وهكذا المر في التعليم، والسياسة، والتجارة، وأنواع الفنون والصناعات
الُخرى.
وفضي الموارد التضي يتوقضف فيهضا حفضظ المجتمضع السضلمي وكيانضه على تحصضيل
العلوم والصضناعات بأرفضع مسضتوى ممكضن يجضب تحصضيل تلك العلوم بذلك المقدار،
ومن هنا يعتبر السلم جميع العلوم الضرورية للمجتمع السلمي فريضة، وعليه
سضوف تشمضل العلوم السضلمية – بحسضب هذا التعريضف الثالث – الكثيضر مضن العلوم
الطبيعية والرياضية "التي يحتاج إليها المجتمع السلمي".
٤- العلوم التي تكاملت في الحواضر العلمية السلمية، أع مّ من التي تعدّ في
نظر السلم واجبة وضرورية، وأعمّ من التي تعدّ في نظره محظورة إل ّ أنّها على
كلّ حال شق ّت طريقها في المجتمع السلمي، من قبيل: علم التنجيم الحكامي
"ل علم التنجيضم الرياضضي"، فإننضا نعلم بإباحضة علم التنجيضم، كونضه جزءا مضن العلوم
السلمية المباحة، فيما إذا ارتبط بالمعادلت الرياضية التي تدرس أحوال الكون،
وتقوم بضضبيان سضضلسلة مضضن التنبؤات القائمضضة على ال ُضضسس الرياضيضضة كالخسضضوف
والكسضضوف، وأمّضضا الخارج منهضضا عضضن حدود المعادلت الرياضيضضة – المتعلق بضضبيان
3
4. سضلسلة مضن الروابضط الخفيّضة بيضن الحوادث السضماوية والوقائع الرضيضة، منتهيا إلى
سلسلة من التكهنات بشأن الحوادث الرضية – فهو حرام في نظر السلم، ولكن
برغضم ذلك تجضد كل هذيضن النوعيضن مضن علم التنجيضم موجودا فضي مهضد الثقافضة
ض ض ض ض ض ض ض ض ض
) (
والحضارة السلمية 3 .
وبعضد أن عرضنضا تعاريضف مختلفضة لكلمضة "العلوم السضلمية"، واتضضح أن هذه
الكلمة تستعمل في الموارد المختلفة في معا نٍ متعددة، وأن بعض تلك المعاني
أوسع من بعض أو أضيق، نشير إلى أن المراد من العلوم السلمية التي نريد أن
نتحدث عنها بشكل كلي هو ما ذكرناه في التعريف الثالث، أي: العلوم التي يعدّها
السضلم – بنحضو مضن النحاء – فريضضة ذات تاريضخ عريضق فضي الثقافضة والحضارة
السضلمية، والتضي تحظضى باحترام المسضلمين وتقديرهضم بوصضفها أداة لرفضع حاجضة،
أو وسيلة إلى إنجاز فريضة من الفرائض.
وفي هذا الدرس ينبغي للطلب العزاء أن يدركوا أن الثقافة السلمية تشكل
ثقاف ضة خاص ضة بي ضن الثقافات العالمي ضة، وله ضا روحه ضا الخاص ضة به ضا، وس ضلسلة م ضن
ض ض ض ض ض ض ض ض ض ض
المميزات الخاصة، ومن أجل معرفة ثقافة من الثقافات، أنها ذات أصالة مستقلة،
تتمتع بحياة وروح خاصة، أو أنها مجرد تقليد للثقافات الخرى – وربما كانت مجرد
اسضتمرار للثقافات السضابقة – ينبغضي معرفضة بواعضث تلك الثقافضة وهدفهضا وحركتهضا
وطريقضة نموّضها، وكذا سضماتها البارزة وإخضاعهضا للفحضص الدقيضق، فإذا تمتعضت
ض ض ض ض ض ض ض
ثقافضة مضا ببواعضث خاصضة وكان لهضا هدفهضا وحركتهضا الخاصضة بهضا، وكانضت طريقضة
حركتهضا مغايرة لطريقضة حركضة سضائر الثقافات، وكان لهضا سضماتها البارزة، عدّ ذلك
دليل ً على أصالة تلك الثقافة واستقللها.
وبديهضي أن إثبات أصضالة ثقافضة وحضارة مضا ل يعنضي بالضرورة أنهضا لم تسضتفد
مضن الثقافات والحضارات الُخرى، لن هذا مسضتحيل؛ إذ مضا مضن ثقافضة فضي العالم
إل ّ اسضتفادت مضن الثقافات والحضارات الُخرى، وإنمضا الكلم فضي كيفيضة السضتفادة
والنتفاع.
فأحضد أنواع النتفاع أن تقوم ثقافضة باسضتيراد ثقافضة أو حضارة أُخرى بل أدنضى
تصضرف فيهضا، والنوع الخضر أن تقوم الثقافضة بعمليضة اسضتيعاب الثقافضة والحضارة
3 . للطلع على العلوم التيي تكاملت أو دخلت فيي الثقافية السيلمية يراجيع كتاب: )كارناميه إسيلم(، لمؤلفيه الكتور: عبيد الحسيين ز ّيين
ر
كوب.
4
5. الُخرى، كمضضا تصضضنع الخليّضضة الحيّضضة فضضي اجتذاب المواد وهضمهضضا وتحويلهضضا إلى
موجودات وكائنات جديدة.
والثقاف ضة الس ضلمية م ضن النوع الثان ضي، فق ضد نم ضت كالخليّ ضة الحيّ ضة، إذ اجتذب ضت
ض ض ض ض ض ض ض ض ض
الثقافات الُخرى مضن اليونانيضة والهنديضة واليرانيضة وغيرهضا وحوّلتهضا إلى كائن جديضد
له سضضماته الخاصضضة. وقضضد اعترف الباحثون فضضي تاريضضخ الثقافضضة والحضارة بأن
الحضارة السلمية من أكبر الحضارات والثقافات البشرية.
أيضن تكون تك و ّنضت هذه الخل ي ّضة الحيويضة الثقافيضة، وعلى يضد مضن؟
ومن أي نقطة بدأ تكاملها؟
إ نّ هذه الخلي ّة – كسائر الخليا التي تكون صغيرة وغير محسوسة في بدايتها
– ظهرت في المدينة المنوّرة على يد الرسول الكرم )صلّى ا عليه وآله وسلم(،
فبدأ النوع الوّل من العلوم السلمية أعماله..
) (
ولمزيد من الطلع ينبغي الرجوع إلى الكتب الخاصة 4 .
وينبغ ضي التذكي ضر بأن العلوم الس ضلمية تنقس ضم إلى قس ضمين: العلوم العقلي ضة،
ض ض ض ض ض ض
والعلوم النقلية.
وسنبدأ بالمنطق الذي يعد جزءا من العلوم العقلية.
ّ
4 . راجع: "كارنامه إسلم"، تأليف: الدكتور ز ّين كوب، و"تاريخ التمدن السلمي"، لمؤلفه: جرجي زيدان، ج ٣، و"خدمات متقابل
ر
إسلم وإيران"، بقلم المؤلف، القسم الثالث.
5
6. الدرس الول
علم المنطق
المنطضق مضن العلوم الدخيلة على الثقافضة السضلمية، وقضد حظضي باهتمام عام،
وصار جزءا من العلوم السلمية، وجعل مقدمة لها.
وقضد نقضل علم المنطضق مضن النصضوص اليونانيضة وواضضع هذا العلم ومدوّضنه هضو:
"أرسطو طاليس" اليونانضي، وقضد انتشضر بين المسلمين على نطاق واسضع، فأُضيف
إليضه حتضى بلغ حدّ الكمال. وأكضبر منطضق أرسضطي دوّن عنضد المسضلمين هضو منطضق
الشفاء لبضي علي بضن سضينا، وقضد بلغ حجضم منطضق الشفاء أضعاف حجضم المنطضق
الرس ضطي نفس ضه، والنص ضّ اليونان ضي وترجمت ضه العربي ضة وس ضائر الترجمات الُخرى
ض ض ض ض ض ض
للمنط ضق الرس ضطي موجودة حاليا، وه ضي ف ضي متناول الي ضد، وق ضد قام حني ضن ب ضن
ض ض ض ض ض ض ض ض
إسضحاق بترجمضة المنطضق الرسضطي، ول زالت هذه الترجمضة نفسضها موجودة. وقضد
اد ّعى المحققون الذين يعرفون اللغة اليونانية – بعد أن عرضوا ترجمة حنين بن
إس ضحاق وس ضائر الترجمات الُخرى على الن ضص اليونان ضي – أن ترجم ضة حني ضن م ضن
ض ض ض ض ض ض ض
أدقّها.
وفضي العصضر الحديضث تعرّض المنطضق الرسضطي إلى هجمضة عنيفضة مضن قِبَضل
"فرنسضيس بيكون" النجليزي، و"ديكارت" الفرنسضي، فاعتضبراه تارةً باطل ً، وأُخرى
عديضم الفائدة وقضد تصضرّمت عدّة أعوام، بضل قرنان أو ثلثضة، والعالم الُوروبضي غيضر
مؤمضضن بالمنطضضق الرسضضطي مطلقا، ولكضضن بعضضد ذلك خفّضضت وطأة هذا الهجوم
تدريجيا، وعلينضا أن ل نقتنضع بالمنطضق الرسضطي عشوائيا كمضا يفعضل البعضض، ول
نرفضضه كذلك، بضل نحققضه لنعرف مضا هضي القيمضة التضي يراهضا المنطضق الرسضطي
لنفسضه، فل بضد أول ً مضن تعريفضه، ثضم بيان الغرض منضه، ومعرفضة فائدتضه كضي تتضضح
قيمته وسوف نقوم – في باب القياس– بعرض الشكالت المذكورة ضد المنطق
الرسطي ونقدها، وعندها سنصدر حكمنا النهائي بشأنها.
تعريف المنطق
المنط ضق: "قانون التفكي ضر الص ضحيح"، أي: أن قواع ضد المنط ضق وقوانين ضه بمنزلة
ض ض ض ض ض ض
المقياس والمعيار والميزان، وكلّضضضما أردنضضضا التفكيضضضر والسضضضتدلل فضضضي بعضضضض
الموضوعات العلميضة أو الفلسضفية تعيّضن علينضا أن نزن ونعرض اسضتدللنا على هذه
المقاييضس والمعاييضر، لئل ّ نقضع فضي الخطضأ فضي اسضتنتاجاتنا؛ فالمنطضق بالنسضبة إلى
6
7. العالم والفيلس ضوف نظي ضر المس ضطرة أو الشاقول عن ضد المعمار ف ضي عملي ضة البناء،
ض ض ض ض ض ض
يعرف بواسطتهما أن الحائط الذي أقامه عمودي أم ل؟ وأن سطحه أفقي أم ل؟
لهذا قالوا فضي تعريضف المنطضق: إنضه "آلة قانونيضة تعصضم مراعاتهضا الذهضن عضن
الخطأ في الفكر".
فائدة المنطق
ومضن التعريضف الذي ذكرناه للمنطضق تتضضح فائدتضه أيضا، فقضد اتضضح أن فائدتضه
هي الحيلولة دون خطأ الذهن في التفكير، ولكن لم يتضح من التعريف المتقدّم
كيضف يحول المنطضق دون الخطضأ، وتوضيضح ذلك يتوقضف على أن نعرف أول ً – ولو
إجمال ً – المسضضائل المنطقيضضة، لكننضضا سضضنحاول هنضضا أن نضضبين هذا المطلب بشكضضل
مجمل.
ويجدر بنضا فضي هذا المقام أن نعرّف الفكضر، إذ مضا لم يتضضح تعريضف الفكضر –
بمفهومضه الذي يراه المنطضق – ل تتضضح آليضة المنطضق للتفكيضر، وبعبارة أُخرى: ل
يتضح معنى كونه "معيارا لمعرفة الخطأ".
إن التفكيضر عبارة عضن الربضط بيضن عدّة معلومات للحصضول على معلوم جديضد،
وتحويضل المجهول إلى معلوم وفضي الحقيقضة إن التفكيضر عبارة عضن حركضة الذهضن
مضن المجهول إلى سضلسلة مضن المقدمات المعلومضة، ثضم حركتضه مضن تلك المقدمات
المعلوم ضضة إلى ذلك المجهول المطلوب وتحويله إلى معلوم، لذا قي ضضل أحيانا فضضي
ض ض ض
تعريف الفكر إنه"
"ترتيب أُمور معلومة لتحصيل أمر مجهول".
وقيل تارة إنّه:
"ملحظة المعقول لتحصيل المجهول".
وقيل أُخرى:
ومن المبادئ إلى المراد". "الفكر حركة إلى المبادئ
حينمضا يفكضر الذهضن، ويروم مضن خلل الربضط بيضن معلوماتضه تحويضل مجهول إلى
معلوم، عليضضضه أن ينظضضضم تلك المعلومات بشكضضضل خاص، بمعنضضضى: أن المعلومات
الذهنية السابقة إنما تكون منتجة فيما إذا رتبت ونظمت بطريقة خاصة، والمنطق
هو الذي يتكفل بيان قواعد وقوانين هذا التنظيم والترتيب، أي: أن المنطق يوضح
7
8. لنضا أن المعلومات الذهنيضة السضابقة إنمضا تكون منتجضة فيمضا إذا كانضت قائمضة على
أُسس منطقية.
إن عمضل الفكضر ليضس سضوى تنظيضم المعلومات، وجعلهضا أ ُضسسا لكتشاف أمضر
جديضد، إذن حينمضا نقول: "إن المنطضق قانون التفكيضر الصضحيح"، ومضن ناحيضة أُخرى
نقول: "إن الفكضضر عبارة عضضن حركضضة الذهضضن مضضن المقدمات إلى النتائج" تكون
ض ض ض ض ض
النتيجضة: "أن وظيفضة المنطضق: بيان القوانيضن الصضحيحة لحركضة الذهضن"، وصضحّة
ض ض ض ض ض ض
حركة الذهن ليست سوى ترتيب المعلومات وتنظيمها.
فوظيفة المنطق هي: إخضاع حركة الذهن في عملية التفكير إلى سيطرته.
خطأ الذهن
حينمضا يقوم الذهضن بعمليضة التفكيضر، ويجعضل بعضض الُمور مقدمضة لُمور أُخرى،
ربمضا أنجضز ذلك بشكضل صضحيح، وربمضا وقضع فضي الخطضأ، ويحتمضل أن يكون منشضأ
الخطأ أحد المرين التيين:
١- أن تكون تلك المقدمات التي جعلها أُسسا معلومة بالفرض خاطئة، أي: أن
تكون المقدمات التي تشكل أدواتنا الستدللية فاسدة.
٢- أن يكون تنظيم وترتيب تلك المقدمات خاطئا، وإن كانت أدواتنا الستدللية
صحيحة في ذاتها، إل ّ أن شكل استدللنا خاطئ.
إن السضتدلل فضي عالم الذهضن بمنزلة البناء، فالبناء إنّضما يكون كامل ً فيمضا إذا
كانضت مواده سضالمة، وكان شكله قائما على ال ُضسس الصضحيحة، وكلّضما فُضقد واحضد
مضن هذيضن المريضن ل يكون ذلك البناء صضالحا للسضكن، فلو قلنضا على سبيل المثال:
"سقراط إنسان، وكلّ إنسان ظالم، إذن سقراط ظالم" يكون استدللنا من ناحية
الشكضل والصضورة صضحيحا، إل ّ أنض مواده ومقدماتضه فاسضدة؛ لن قولنضا: "كلّ إنسضان
ّ
ظالم" خاطئ، وأم ّا إذا قلنا: "سقراط إنسان، وسقراط عالم، إذن النسان عالم"
فستكون موادنا الستدللية صحيحة، وأما شكل الستدلل وتنظيمه فغير منطقي،
لذا تكون النتيج ضة خاطئة، وس ضبب عدم كون هذا الشك ضل والنظام منطقيا سضيتّضح
ض ض ض ض
في باب القياس.
إن ميزان الخطأ في المنطق الرسطي منحصر في شكل الستدلل وصورته
دون خطضأ المادة السضتدللية، لذا سضمّي المنطضق الرسضطي بالمنطضق الصضوري.
8
9. ولكضن هضل يوجضد فضي العالم منطضق يتكفّضل بيان خطضأ مواد السضتدلل ومقدماتضه؟
هذا ما سنبحثه لحقا في باب القياس.
اتضح من مجموع ما ذكرناه أن قيمة المنطق الرسطي تكمن في كونه أداة
لمعرفضة الخطضأ فضي عمليضة التفكيضر، أي: أنّضه أداة لمعرفضة خطضأ أشكال السضتدلل
البشري وصوره، أما القوانين التي يبينها المنطق لتصحيح الستدلل فستتضح من
خلل القراءة التفصيلية للمنطق.
أسئلة
١ – من هو مدوّن المنطق وواضعه، ومن هو صاحب أدق ترجمة للنص
اليوناني إلى العربية، وهل أضاف المسلمون شيئا إليه؟
٢ – ما هو الموقف الصحيح من تقييم المنطق سلبا أو إيجابا ؟
٣ – ما هو تعريف المنطق؟ وما هي الفائدة منه؟
٤ – ما هي مصادر الخطأ في التفكير، وأوضح كيف يتكفل المنطق بتصحيح
صورة التفكير؟
9
10. الدرس الثاني
موضوع المنطق
معنى " الموضو ع"
مضا هضو موضوع المنطضق؟ لنعرف أول ً مضا هضو معنضى الموضوع؟ ولنعرف ثانيا
هل من اللزم أن يكون لكل علم موضوع؟ لكي نعرف ثالثا ما هو موضوع علم
المنطق؟
إنض موضوع كلّ علم عبارة عضن المور التضي يبحضث ذلك العلم فيهضا، ولو نظرنضا
ّ
في كلّ مسألة من مسائل ذلك العلم لوجدنا أنها بيان لواحد من أحواله وخواصه
وآثاره، والعبارة التضضي اسضضتعملها المناطقضضة فضضي تعريضضف موضوع العلم هضضي:
"موضوع كلّ علم هو ما يُبحث فيه عن عوارضه الذاتية".
إن هؤلء العلماء لم يقولوا: إن موضوع كلّ علم عبارة عن ذلك الشيء الذي
يبحث العلم في أحواله وخواصه وآثاره، بل استبدلوا الحوال والثار بعبارة أُخرى
هضي: "عوارضضه الذاتيضة"، لماذا؟ هضل كان ذلك اعتباطا؟ كل، لنهضم وجدوا أن الثار
والحوال المنسضوبة إلى شيضء على قسضمين: فهضي تارة تتعلق بضه حقيقضة، وتارة ل
تتعلق به، وإنما تتعلق بما يتّحد معه.
فلو أردنا أن نبحث عن حالت النسان مثل ً فسنبحث قهرا في تلك الجهة التي
يشترك ويتحضد فيهضا مضع الحيوان؛ لن خصضائص الحيوان مجموعضة فيضه أيضا، ولذا
استعملوا عبارة "العرض الذاتي"، وحدّدوها بتعريف خاص ليرتفع اللبس، وتخرج
العوارض الغريبة.
ضرورة وجود موضوع لكل علم
غير أن تعريف العرض الذاتي خارج عن وظيفة هذه الدروس.
والن لنعرف هل يلزم أن يكون لكل علم موضوع معيّن؟
إنض المقطوع بضه والمتسضالم عليضه أن مسضائل العلوم ليسضت على شاكلة واحدة
ّ
مضن جهضة ارتباط بعضهضا ببعضض، فكضل مجموعضة مضن المسضائل بمنزلة أ ُضسرة معينضة،
وهكذا المجموعضة الُخرى بمنزلة أ ُضسرة أُخرى، فكمضا أن ال ُضسر قضد تربطهضا أحيانا
أواصضر القرابضة ترتبضط ال ُضسر هنضا كذلك، وهكذا الحال فضي المجاميضع الُخرى مضن
الُسر التي تربطها قرابة أُخرى.
فإن سضلسلة المسضائل الحسضابية مثل ً يرتبضط بعضهضا ببعضض ارتباطا وثيقا، وكأنهضا
مضن أ ُضسرة واحدة، مضع أن عددا مضن المسضائل الُخرى – وهضي مسضائل الهندسضة –
01
11. تعتضبر أفراد أ ُضسرة أُخرى، علما بأن أ ُضسرة الحسضاب تربطهضا بأُضسرة الهندسضة أواصضر
القرابة، ويعتبران من أُسرة واحدة نسمّيها: "الرياضيات".
فالمقدار المتسضالم عليضه أن هناك أواصضر بيضن المسضائل العلميضة، ونريضد الن
ض ض ض ض ض ض
العثور على مكمن هذه الواصر، فكيف تكون لمسائل الحساب هذه الدرجة من
القرابة مما يجعلها أُسرة واحدة، تحمل اسما واحدا، وتعدّ علما منفصل ً ومستقل ً؟
وفي هذا المقام توجد نظريتان:
تمايز العلوم بموضوعاتها
١- أنض سضبب ذلك هضو أنض مسضائل كلّ علم ل بضد أن تبحضث عضن حقيقضة معيّضنة،
ّ ّ
فسضبب القربضى بيضن مسضائل الحسضاب هضو أنهضا تبحضث عضن العدد وخواصضه وآثاره،
وسبب القربى بين مسائل الهندسة أنها تبحث بأجمعها عن المقدار، فالذي يوح ّد
بي ضن مس ضائل العلوم ه ضو ذلك الشي ضء الذي تبح ضث تلك العلوم ف ضي أحواله، وه ضو
ض ض ض ض ض ض ض
الموضوع، وإل ّ لما كانت هناك قرابة واتحاد بينها، وكانت علقة المسألة الحسابية
بالمسضألة الحسضابية الُخرى نظيضر علقتهضا بالمسضألة الطبيضة أو الفيزيائيضة، ولذا ل بدّ
لكل علم من موضوع، وكان تمايز العلوم ناشئا من تمايز موضوعاتها.
تمايز العلوم بغاياتها
٢- النظرية الثانية ترى أن التحاد بين مسائل العلوم ناشئ من الثار والفوائد
المترتبضة عليهضا، فلو فرضنضا أن مجموعضة مضن المسضائل ل تبحضث عضن موضوع معيّضن،
بضل كلّ مسضألة ترتبضط بموضوع خاص، ولكضن بمضا أن تلك المسضائل تشترك وتتحدّ
فضي الثضر والفائدة والغرض المترتضب على فهمهضا، فيكفضي ذلك فضي شدّ أواصضر
ض ض ض ض ض ض ض
القربى بينها، وجعلها أُسرة واحدة وتمييزها ضمنا عن المسائل الُخرى التي تعتبر
علما آخر.
إل ّ أ نّ هذه النظرية غير صحيحة؛ ل نّ اتحاد وسنخية بعض المسائل من جهة
الث ضر والفائدة والغرض المترت ضب على فهمه ضا ناش ضئ م ضن جه ضة أن تلك المس ضائل
ض ض ض ض ض ض ض
بأجمعها من أحوال وعوارض موضوع واحد.
موضوع علم المنطق
فما هو موضوع علم المنطق؟
إنضضّ موضوع علم المنطضضق عبارة عضضن "المعرّف والحجّضضة"، أي: إن مسضضائل
المنطق إمّا تبحث عن المعرّفات، أي: التعاريف، وإمّا عن الحجج، أي: الدلّة.
11
12. ويكفينا في هذه العجالة العلم بأن كلّ علم ل يخلوا من شيئين:
الو ل: تعريضف سضلسلة مضن المور، والخضر: السضتدلل على إثبات مجموعضة
من الحكام.
إن علم المنطق يحاول تعليمنا طريقة التعريف والستدلل الصحيح، وسيتّضح
في الدروس القادمة "المعرّف والحجّة" اللذان يشكلن موضوع علم المنطق.
السئلة
١ - ما هو معنى موضوع العلم عموما؟
٢ - هل من اللزم أن يكون لكل علم موضوع؟
٣ - بماذا تتمايز العلوم؟
٤ - ما هو موضوع علم المنطق بالخصوص؟
21
13. الدرس الثالث
التص و ّر والتصديق
يبدأ المناطقضة المسضلمون بحثهضم فضي المنطضق بتعريضف "العلم" و"الدراك"، ثضم
يقسضّمونه إلى: التصضوّر والتصضديق، ويقسضّمون المنطضق عموما إلى قسضمين: قسضم
التصوّرات، وقسم التصديقات، وكل واحد منهما ينقسم عند المناطقة إلى قسمين:
ّ
١- الضروري أو البديهي.
٢- النظري أو الكتسابي.
إنّض الفكرة والسضتدلل – الذي يدّضعي المنطضق الرسضطي بيان قواعضد صضحته –
معناه انتقال الذه ضن م ضن التص ضوّرات الضروري ضة البديهي ضة إلى التص ضوّرات النظري ضة
ض ض ض ض ض
الكتسضضابية، ويجعضضل الذهضضن أحيانا تلك التصضضورات الكتسضضابية مادة للوصضضول إلى
سلسلة من التصوّرات النظرية الكتسابية الُخرى، كما يجعل التصديقات الضرورية
البديهية وسيلة لكتشاف عدد من التصديقات النظرية الكتسابية، ويجعلها بدورها
وسيلة للحصول على سلسلة من التصديقات الُخرى.
ومضن هنضا يجدر بنضا قبضل أي ّض بحضث آخضر أن نُعرّف "العلم والدراك"، ثضم "التصضوّر
والتصديق"، و"الضروري والنظري".
العلم والدراك
يستشعر النسان في وجوده حالة ندعوها العلم والدراك أو ا لفهم أو الوعي
وما شابه ذلك، ويقابل العلم والدراك الجهل وعدم الدراك.
حينمضا نشاهضد شخصضيا لم نره مضن قبضل، أو مدينضة لم نذهضب إليهضا، نشعضر بأننضا
حصلنا على شيء لم نحصل عليه سابقا، وهو عبارة عن صورة تلك الشخص أو
تلك المدينة.
وحالتنضا السضلبية الولى قبضل الحصضول على هذه الصضور تسضمّى بالجهضل، وحالتنضا
اليجابيضة الثانيضة التضي نحصضل فيهضا على صضور تربطنضا بالواقضع الخارجضي تسضمّى
بالعلم والدراك.
إذن يت ّضح أن ّ لذهننا حالة مشابهة لما يقبل النطباع واستنساخ الصور، إل ّ أن ّ
صضور الجسضام ل تربضط تلك الجسضام بالشياء الخارجيضة، أي: ل تجعلهضا عالمضة بهضا،
وأمّا الصور الذهنية فإنّها تربطنا بالشياء الخارجية، وتجعلنا على علم بها، فما هو
الختلف بينهما؟
إنّ الذي يتكفل الجابة عن ذلك هو الفلسفة دون المنطق.
31
14. فالعلم صورة ذهنية للمعلوم، لذا قيل في تعريف العلم والدراك: "العلم هو
الصورة الحاصلة من الشيء عند العقل".
إنّض انقسضام العلم إلى التصضور والتصضديق متفرع على أنض علمنضا بالشياء يكون
ّ
تارة بحكضم ذهننضا بوجود نسضبة بيضن الشياء أو بعدمهضا، أي: أنّض علمنضا يقضف قاضيا
بيضن شيئيضن، وتارة ل يكون كذلك، أمّضا الول فهضو مضن قبيضل علمنضا بأنّض الجوّ حار أو
ليضس بحارّ، وأنّض الصضدق حسضن والكذب قبيضح، والتصضديق عبارة عضن حكضم الذهضن
بين شيئين، فهذه الحالة لدى الذهن تسمّى بالتصديق.
إل ّ أنّ الذهن ل يكون قاضيا دائما في ارتباطه العلمي بالشياء، فإنه يتصورها
أحيانا دون أن يصضدر حكما بشأنهضا، أمضا حينمضا يحكضم بيضن أمريضن فيسضمّى حكمضه
بالتصضديق، وأمّضا الصور "الحاصلة فضي الذهضن" مضن المحكوم عليه والمحكوم به –
أي: المرين اللذين يحكم الذهن بينهما – فشيء آخر، والصور التي يحكم الذهن
بينها بالتصور.
إذن عندمضضضضا نصضضضضدر حكما ذهنيا مفاده "أنّضضضض الجوَ حارٌ" يكون حكمنضضضضا هذا
"تصديقا"، وأمّا الصورة الذهنية للجوّ وللحرارة فهي "تصوّر".
وأوّل مضضن قسضضّم العلم إلى تصضضور وتصضضديق – وحظضضي باسضضتقبال الحكماء
والمناطقة الفيلسوف المسلم: "أبو نصر محمد بن طرخان الفارابي"، وقد اعتمد
المناطقضة المسضلمون هذا التقسضيم فضي العصضور المتأخرة، فجعلوه أسضاسا لتبويضب
المنطق، فقسّموه إلى: التصوّرات والتصديقات، في حين أنّ هذا التقسيم لم يكن
متداول ً في تبويب المنطق.
الضروري والنظري
ذكرن ضا أنّ ض م ضن بيضضن المص ضطلحات الت ضي تتكرر كثيرا فضضي المنط ضق والفلسضضفة
ض ض ض ض ض
مصطلحي الضروري "البديهي" والنظري، فل بد من توضيح ذلك أيضا.
إنّ كل ّ من التصوّر والتصديق ينقسم إلى: البديهي والنظري.
والبديه ضضضي: عبارة ع ضضضن الدراك الذي ل يحتاج إلى إعمال نظ ضضضر أو تفكي ضضضر،
ض ض ض ض
والنظري: عبارة عن الدراك الذي يحتاج إلى إعمال نظر وتفكير.
وبعبارة أُخرى: البديهي: هو المعلوم بل واسطة، والنظري: ما ل يكون معلوما
بل واسطة، بل يحتاج إلى شيء آخر يصيّره معلوما.
41
15. وبعبارة ثالثة: البديهي هو الذي ل يحتاج في صيرورته معلوما إلى إعمال فكر،
أمّا النظري فهو الذي يحتاج في ذلك إلى إعمال الفكر.
يقال على سضبيل المثال: إنّض تصضوّر الحرارة والبرودة ل يحتاج إلى تفكيضر، فهضو
بديهي، وتصوّر الملئكة والجنّ بحاجة إلى تفكير، فتكون هذه التصوّرات نظرية.
ولكضن الحقيقضة هضي أنّض الختلف بيضن تصضوّر الحرارة والبرودة وتصضوّر الجضن
والملئكضضة ل يكمضضن فضضي هذا اللحاظ، فإنّ ض الحرارة والبرودة بحاجضضة إلى تفكيضضر
بالمقدار الذي يحتاج إليضه الجنضّ والملئكضة، وإنّضما الختلف بيضن الحرارة والبرودة
وبيضن الجنض والملئكضة يكمضن فضي جهضة التصضديق بوجودهضا، فإنّض التصضديق بوجود
ّ
الحرارة والبرودة غني عن التفكير، بخلف التصديق بوجود الجنّ والملئكة.
إنّض التصضوّرات البديهيضة عبارة عضن التصضوّرات الواضحضة التضي ل يوجضد فيهضا أيض
ّ
) (
إبهام، خلفا للتصوّرات النظرية التي تحتاج إلى شرح وتوضيح 5 .
أمّ ضا التص ضديقات: فإنّ ض الذه ضن ف ضي حكمضه بي ضن شيئي ضن يحتاج تارة إلى دليضل،
ض ض ض ض ض ض ض ض
ويستغني عنه أُخرى، أي: قد يكفي تصوّر طرفي النسبة أحيانا حتى يجزم الذهن
ويقطضع بوجود النسضبة أو عدمهضا، وقضد ل يكفضي ذلك أحيانا، فل بضد مضن دليضل ليحكضم
الذهن بين طرفي النسبة.
ففضي قولنضا: "الخمسضة أكضبر مضن الربعضة" ل يحتاج الذهضن إلى تفكيضر واسضتدلل،
بخلف قولنضضا: ٥١ ١٥١ = ٥٢٢، فإنّضضه يحتاج إلى تفكيضضر واسضضتدلل، وهكذا الحال
بالنسبة إلى قولنا: "الجمع بين النقيضين ممتنع"، فإنّه من التصديقات البديهية، وأمّا
قضية "أنّ حدود العالم متناهية أو غير متناهية" فهي نظرية.
السئلة
١ - عرّف "العلم والدراك" .
٢ – مضن هضو صضاحب تقسضيم العلم إلى التصضور والتصضديق؟ ومضا هضو الفرق
ض ض ض ض ض ض
بينهما؟
٣ – عرف كل من الضروري والنظري، وأعط أمثلة على تقسيماتهما.
5 . بحثنا هذا المر في حواشي المجلد الثاني من )ُصول الفلسفة(، وذكرنا أن بعض التصورات خالية من البهام والتعقيد، وأنّ بعضها
أ
الخير فييه شييء مين البهام، وأثبتنيا هناك أن سيبب ذلك هيو البسياطة والتركييب، فإنّ العناصير الذهنيية البسييطة واضحية وبديهيية، أمّا
العناصر الذهنية المركبة فهي نظرية تحتاج إلى تعريف.
فالتصورات البديهية من قبيل تصور الوجود والعدم والوجوب والمكان والمتناع.
والتصورات النظرية من قبيل تصور النسان والحيوان والحرارة والبرودة، ومن قبيل تصور المثلث والمربع وغير ذلك.
51
17. الدرس الرابع
الك ل ّي والجزئي
من جملة بحوث المنطق التمهيدية بحث الكلّي والجزئي. ويرتبط هذا المبحث
بالتص ضوّرات أوّل ً وبالذات، وبالتص ضديقات ثانيا وبالعرض، أي: أنّ ض التص ضديقات -كم ضا
ض ض ض
سيأتي- تتصف تبعا للتصوّرات بالكلية والجزئية.
إنّضض التصضضوّرات التضضي نحملهضضا للشياء ونبيّنهضضا بواسضضطة اللفاظ على نحويضضن:
التصوّرات الجزئية، والتصوّرات الكلية.
والتصضوّرات الجزئيضة مجموعضة مضن الصضور ل تقبضل النطباق إل ّ على شخضص
ض ض ض ض ض ض
واحد، تأمّل كلمات مثل "كم" و"أيّ" أنظر معناها عندما يدور الحديث عن مصداق
هذه التصضوّرات. مضن قبيضل تصضوّرنا لفراد النسضان المعينيضن، مثضل: حسضن وأحمضد
ومحمود، فهذه الصور الذهنية ل تنطبق إل ّ على فرد خا صّ فقط. والسماء التي
نضعها لهذا النوع من الفراد مثل: حسن وأحمد تسمّى بالسماء المختصة، نظير
تصوّرنا لمدينة طهران، وبلد إيران، وجبل دماوند، فهذه التصوّرات جميعها جزئية.
ويحمضل ذهننضا - مضافا إلى هذه التصضورات - مجموعضة مضن التصضوّرات الُخرى
أيضا. وهناك مجموع ضة م ضن الس ضماء لبيان تلك المعان ضي والتص ضوّرات، م ضن قبي ضل
ض ض ض ض ض ض
تصضضضوّرنا للنسضضضان والنار والمدن والجبال. ولحضار هذه المعانضضضي والتصضضضوّرات
نستعمل السماء المذكورة، وتسمّى بالسماء العامة، ونسمّى هذه السلسلة من
المعانضي والمفاهيضم والتصضوّرات كلّضية؛ لنهضا تقبضل النطباق على أفراد كثيريضن، بضل
على أفراد غير متناهية.
وغالبا مضا نس ضتعمل الجزئيات ف ضي حياتنضا العاديضة، فنقول: جاء حسضن، ذهضب
ض ض ض ض ض ض ض
أحمضد، طهران مدينضة مزدحمضة، جبضل دماونضد أعلى جبضل فضي إيران. لكضن حينمضا
نتداول المسضضائل العلميضضة والُمور الكلّضضية نقول: المثلث كذا، الدائرة كذا، النسضضان
يحمل الغريزة الكذائية، ما هي فائدة السيارة، ل بد أن تكون المدينة بهذا الشكل.
إنضضّ إدراك الكلّي علمضضة نضضضج النسضضان وتكامله بيضضن الحيوانات، فسضضرّ تفوّق
النسضان – خلفا للحيوانات – يكمضن فضي إدراكضه قوانيضن العالم، واسضتخدامه إياهضا،
وإيجاد الصضضناعات، وتأسضضيس الثقافات والحضارات، وكل ذلك ينحصضضر فضضي إدراك
ّ
الكلّيات. والمنطق - الذي هو آلة التفكير- صحيح أنه يعالج الجزئيات والكلّيات، إلّ
أنه غالبا ما يعالج الكلّيات.
النسب الربعة
71
18. إنّ من بين المسائل التي تجب معرفتها أنواع العلقات والنسب التي يمكن أن
توجضد بيضن الكلّييضن، فأي كلّي بمضا له مضن أفراد كثيرة إذا نسضبناه إلى كلّي آخضر له
مجموعة من الفراد أيضا، نحصل على واحد من النسب الربع التية:
١- التباين.
٢- التساوي.
٣- العموم والخصوص المطلق.
٤- العموم والخصوص من وجه.
لنّضه إن لم يصضدق شيضء مضن هذيضن الكلّييضن على أي فرد مضن مصضاديق الكلّي
الخر، وكان لكلّ واحد من الكلّيين استقلل كامل عن الكلّي الخر، تكون النسبة
بينهما "التباين"، ويسمّى هذان الكلّيان بض"المتباينين".
وإن صضدَق كلّ واحضد منهمضا على جميضع أفراد الخضر، وكانضت حدود كلّ منهمضا
َ
واحدة، تكون النسبة بينهما "التساوي"، ويسمّى هذان الكلّيان بض"المتساويين".
وإن صضدق أحضد الكلّييضن على جميضع أفراد الكلّي الخضر، واسضتوعبها جميعا دون
أن يسضتوعب الخضر جميضع أفراد الكلّي الول واقتصضر على بعضهضا، تكون النسضبة
ض ض
بينهمضضا "العموم والخصضضوص المطلق"، ويسضضمى هذا الكلّيان بضضض"العام والخاص
المطلق".
وإن صضدق كلّ منهمضا على بعضض أفراد الخضر، واشتركضا فضي بعضض حدودهمضا،
وصضدق كلّ منهمضا على بعضض الفراد التضي لم يصضدق عليهضا الكلّي الخضر، أي: كان
لكلّ منهمضضا حدود مسضضتقلة أيضا، تكون النسضضبة بينهمضضا "العموم والخصضضوص مضضن
وجه"، ويسمّى هذان الكلّيان بض"العام والخاص من وجه".
ومثال الُولى: النسان والشجر؛ إذ ل شيء من النسان بشجر، ول شيء من
الشجضر بإنسضان، فل النسضان يشتمضل على أفراد الشجضر، ول الشجضر يشتمضل على
أفراد النسضان، ول النسضان يسضتوعب شيئا مضن حدود الشجضر، ول الشجضر يسضتوعب
شيئا من حدود النسان.
ومثال الثانيضة: النسضان والضاحضك؛ إذ كلّ إنسضان ضاحضك، وكلّ ضاحضك إنسضان،
وحدود النسضان هضي حدود الضاحضك نفسضه، وحدود الضاحضك هضي حدود النسضان
نفسها.
81
19. ومثال الثالثضضضة: النسضضضان والحيوان؛ إذ كلّ إنسضضضان حيوان، وليضضضس كلّ حيوان
إنسضانا، "كالفرس الذي هضو حيوان وليضس بإنسضان"، ولكضن بعضض الحيوان إنسضان
من قبيل أفراد النسان الذين هم بشر وحيوانات.
ومثال الرابعضة: النسضان والبيضض؛ إذ بعضض النسضان أبيضض، وبعضض البيضض
إنسضان "كالنسضان البيضض"، إل ّ أن بعضض النسضان ليضس بأبيضض "كالنسضان السضود
والصفر"، وبعض البيض ليس بإنسان "كالقطن الذي هو أبيض وليس بإنسان".
إن الكلّييضضن المتباينيضضن فضضي الواقضضع كالدائرتيضضن المنفصضضلتين اللتيضضن ل تدخضضل
إحداهمضا فضي الُخرى، والكلّييضن المتسضاويين كالدائرتيضن المتطابقتيضن تطابقا كامل ً،
والكلّييضن اللذيضن بينهمضا عموم وخصضوص مطلق كدائرتيضن إحداهمضا أصضغر مضن
ض ض ض ض ض ض ض ض
الُخرى، فتقضع الصضغرى بأجمعهضا داخضل الكضبرى، والكلّييضن اللذيضن بينهمضا عموم
ض ض ض ض ض ض ض ض
وخصوص من وجه كالدائرتين المتقاطعتين والمتداخلتين في بعض أجزائهما.
ول يمكن أن يوجد بين الكلّيات سوى هذه النواع الربعة من النسب، فالنسبة
الخامسضة مسضتحيلة، كمضا لو فرضنضا أن كلّيا ل يشمضل شيئا مضن أفراد الخضر إل ّ أنّض
الخر يشتمل على جميع أو بعض أفراده.
الك ل ّيات الخمسة
مضضن جملة المباحضضث التمهيديضضة التضضي يذكرهضضا المناطقضضة عادة مبحضضث الكلّيات
الخمسضة برغضم أنضه مضن البحوث الفلسضفية ل المنطقيضة، فإن الفلسضفة يبحثونضه فضي
مباحضضث الماهيات مفصضضّل ً، ولكضضن المناطقضضة يبحثونضضه مقدمضضة لبحضضث "الحدود"
و"التعريفات" لتوقف معرفتها عليه، ويسمّونه: المدخل أو المقدمة.
فيقولون: إذا نسبنا أ يّ كلّي إلى أفراده وقسنا علقته بها، نجد أنه ل يخرج عن
أحد هذه القسام الخمسة:
١- النوع.
٢- الجنس.
٣- الفصل.
٤- العرض العام.
٥- العرض الخاص "الخاصة".
91
20. لن الكلّي إمّضا أن يكون عيضن ذات وماهيضة أفراده، أو جزأهضا،أو خارجا عنهضا،
ض ض ض ض ض
ومضا كان جزء ذات أفراده، إمّضا أن يكون أعضم مضن الذات، أو مسضاويا لهضا، والخارج
عن الذات، إمّا أن يكون أعم منها، وإما مساويا لها.
فالكلّي الذي يشكل تمام ذات وماهية الفراد هو "النوع"، والكلّي الذي يشكل
الجزء العضضم لذات أفراده هضضو "الجنضضس"، والكلّي الذي يشكضضل الجزء السضضماوي
لذات الفراد هو "الفصل"، وأما الكلّي الخارج عن ذات الفراد – وهو أعم منها –
فهضو "العرض العام"، والكلّي الخارج عضن ذات الفراد – ولكنضه مسضاوٍ لهضا – هضو
ض ض ض ض ض ض
"العرض الخاص" أو الخاصة.
والول: من قبيل النسان؛ لن مفهوم النسان يبيّن تمام ذات وماهية أفراده،
أي: ليضس هناك شيضء فضي ذات وماهيضة أفراد النسضان ل يشمله مفهوم النسضان،
وكذلك مفهوم الخط، فإنه يبيّن تمام ذات وماهية أفراده.
والثان ضضي: مضضن قبيضضل الحيوان؛ فإنضضه يضضبيّن جزءا مضضن ذات أفراده؛ لن أفراد
الحيوان مثل: زيد وعمرو والفرس والخروف وغيرها مكو ّنة من الحيوانية وشيء
آخضر، أي: أن الحيوان – وإن كان يشكضل جزء ماهيتهضا وذاتهضا – يوجضد مضافا إليضه
شيضء آخضر، وهضو الناطقيضة فضي النسضان وهكذا "الكضم" الذي هضو جزء ذات أفراده
مضن الخضط والسضطح والحجضم، فجميضع هذه الشياء كمض مضاف إلى شيضء آخضر،
ّ
فالكمية تشكل جزء ذاتها، ل تمامها ول شيئا خارجا عن ذاتها.
والثالث: مضن قبيضل الناطضق الذي هو الجزء الخضر لماهية النسضان، و"المتصل
ذو البعد الواحد" الذي هو الجزء الخر لماهية الخط.
والرابضع: مضن قبيضل "الماشضي" الخارج عضن ماهيضة أفراده؛ لن المشضي ليضس
جزء ول تمام ذات الماشين، ولكنه – في الوقت نفسه – عرض وحالة فيها، إل ّ أنّ
هذا المضر العارض ل يختضص بأفراد نوع واحضد، بضل هضو موجود فضي جميضع أنواع
الحيوان، وكلّما صدق على فردٍ كان أعم من ذات وماهية ذلك الفرد.
الخامضس: مضن قبيضل "الضاحضك" الخارج عضن ماهيضة أفراده "أفراد النسضان"؛
والموجود فيهضا على هيئة حالة وعرض، فإنّض هذا المضر العرضضي يختضص بأفراد
ض ض ض ض
) (
ذات واحدة ونوع واحد وماهية واحدة، وهي ماهية النسان 6 .
6 . ذكرنيا أنّ الكّي إذا كان جزء الذات فهيو إمّا أعيم منهيا وإميا مسياوٍ لهيا، أي: إذا كان الكّي جزء الذات فل بيد أن تكون له إحدى نسيبتين
ل ل
مين النسيب الربعية التيي تقدم توضيحهيا، وهميا: العيم مطلقً أو التسياوي، وهنيا قيد يذكير هذا التسياؤل: ميا هيو الحال بالنسيبة إلى النسيبتين
ا
ا ُخريين؟ هل يمكن للكّي أن يكون جزء الذات ومبايناً لها أو أعم منها من وجه في الوقت نفسه؟
ل ل
الجواب: كل، فإن قيل: لماذا؟ فجواب ذلك تتكفل به الفلسفة، وهو واضح من الناحية الفلسفية، ولكننا نتجنب الخوض فيه.
02
21. السئلة
-عرف التصورات الجزئية والتصورات الكلية، وبيّن أهمية التصورات
الكلية.
-ما هي العلقات والنسب التي يمكن تصورها بين الكليات ؟
-حدّد العلقة بين الكليات التالية من خلل رسم دوائر لها : النسان
والشجر، النسان والحيوان، البياض والحيوان، الحيوان والحجر.
-ما هي الكليات الخمسة، ضع مثال لكل منها .
ويجدر بنيا أيضً أن نشيير إلى أن نسيبة العموم والخصيوص المطلق بيين جزء الذات والذات يكون فيهيا جزء الذات أعيم مين الذات دائمً،
ا ا
والذات أخيص مين جزء الذات، ول يمكين العكيس، أي: ل يمكين للذات أن تكون أعيم مين جزء الذات، وتوضييح ذلك مين وظائف الفلسيفة
أيضً.
ا
12
22. - الدرس الخامس
الحدود والتعاريف
مضا ذكرناه مضن مبحضث الكلّي كان مقدمضة للحدود والتعاريضف، فوظيفضة المنطضق
بيان طريقضة تعريضف معنىً مضن المعانضي، أو طريقضة إقامضة البرهان الصضحيح لثبات
أمضر مضن المور، علما بأن القسضم الول يرتبضط بالتصضوّرات، والقسضم الثانضي يرتبضط
بالتصضضديقات، أي: يرتبضضط الول بإيضاح مجهول تصضضوري عضضن طريضضق المعلومات
التص ضضورية، ويرتب ضضط الثان ضضي بإيضاح مجهول تص ضضديقي ع ضضن طري ضضق المعلومات
ض ض ض ض ض ض
التصديقية.
إن تعريف الشياء – بشكل عام – إجابة عن سؤال يتعلق بماهيتها، أي: حينما
ن ُسأل: ما هو الشيء الكذائي؟ نتصدّى في الجواب إلى بيان تعريفه، وبديهي أن ّ
كلّ سؤال يدور حول مجهول ما، فنحن إنما نسأل عن ماهية شيء وحقيقته – أو
على القضل عضن حدود مفهومضه ومكانضه والفراد التضي يشملهضا أو ل يشملهضا – فيمضا
إذا جهلنا ذلك.
ومعنى الجهل بحقيقة شيء وماهيته هو أننا ل نملك تصورا صحيحا عنه، فلو
سضألنا: مضا هضو الخضط؟ مضا هضو السضطح؟ مضا هضي المادة؟ مضا هضي القوة؟ مضا هضي
الحياة؟ ما هي الحركة؟ لكانت جميع هذه السئلة تعني أن ّنا ل نملك تصورا كاملً
وجامعا لحقيقضة هذه الشياء، ونروم الحصضول على تصضوّر صضحيح لهضا وإذا جهلنضا
الحدّ التام لمفهوم مضا، فمعناه أنّضنا نتردد فضي بعضض الفراد، فل نعلم أهضي داخلة
فضضي هذا المفهوم أم ل؟ ونريضضد أن يكون واضحا، جامعا للفراد، وطاردا للغيار.
ومن الواضح أن جميع العلوم بحاجة – قبل كلّ شيء – إلى سلسلة من التعاريف
لموضوعات ذلك العلم، وتعاريضف كلّ علم غيضر مسضائله، أي: أنهضا خارجضة عضن ذلك
العلم، وتذكضر فيضه اسضتطرادا. ووظيفضة المنطضق فضي قسضم التصضورات توجيهنضا إلى
طريقة التعريف الصحيح.
السئلة
تجدر الشارة إلى أنّض السضئلة التضي يسضألها النسضان عضن مجهولتضه ليسضت على
نمضط واحضد، بضل لهضا أنواع متعددة، وكلّ سضؤال إنّضما يصضح فضي مورده فقضط، ولذا
تعددت اللفاظ التي وضعت للستفهام في لغات العالم، ففي كلّ لغة توجد عدّة
ألفاظ استفهامية، وتنوّع اللفاظ الستفهامية دليل على تنوّع السئلة، كما أ نّ تنوّع
22
23. السضئلة دليضل على تنوّع مجهولت النسضان، وجواب كلّ سضؤال غيضر جواب السضؤال
الخر.
وإليك عرضا لنواع السئلة:
١- السؤال عن الماهية: "ما هو؟".
٢- السؤال عن الوجود: "هل؟".
٣- السؤال عن الكيفية: "كيف؟".
٤- السؤال عن المقدار: "كم؟".
٥- السؤال عن المكان: "أين؟".
٦- السؤال عن الزمان: "متى؟".
٧- السؤال عن الشخص: "من هو؟".
٨- السؤال عن تحديد الشيء: "أيّ؟".
٩- السؤال عن السبب: "ما هي علّته أو فائدته أو سببه؟".
إذن يتضح أنه حينما نسأل عن مجهول يكون مجهولنا على عدّة أنواع، ويتنوع
تبعا لذلك اسضضتفهامنا، فأحيانا نسضضأل: مضضا هضضو اللف؟ وأحيانا نسضضأل: هضضل اللف
موجود؟ وتارة نسأل: كيف؟ وأُخرى: ما مقداره أو ما عدده؟ وأحيانا: أين؟ وتارة:
متى؟ وأُخرى: م َنْ؟ ومرّة: أي ّ شخص؟ وأحيانا: لماذا، وما هو السبب، أو ما هي
فائدته، أو ما هو دليله؟
ليضس مضن وظيفضة المنطضق الجابضة عضن أيض واحضد مضن هذه السضئلة المتعلقضة
ّ
بالشياء الخارجيضضة، فالذي يتكفضضل الجابضضة عنهضضا هضضو الفلسضضفة والعلوم، ولكضضن
المنطق – في الوقت نفسه – يقوم بدراسة أجوبة جميع هذه السئلة التي تقدمها
العلوم والفلسضفة، أي: أنّضه يضبين طريقضة الجابضة الصضحيحة عنهضا فالمنطضق – فضي
الواقع – يجيب عن كيفية واحدة، وهي كيفية التفكير الصحيح، إل ّ أن تلك الكيفية
) (
من النوع القائل: "كيف ينبغي أن يكون" ل "كيف يكون 7 ".
وبما أ نّ جميع السئلة – باستثناء السؤالين الول والثامن – تبدأ بكلمة "هل"،
فيقال عادة إنّ جميع السئلة تنحصر في ثلثة رئيسة، وهي:
7 . لو سألتم: أ ّ علم يتكفل بالجابة عن هذه السئلة؟ لكان الجواب: ثبت في الفلسفة اللهية أنّ الذي يتكفل بالجابة عن السؤالين الول
ي
والثاني – أي: الماهية والوجود – هيو الفلسيفة اللهيية، أما الجابية عن السؤال التاسع، أي: عن السبب والعلة، فإن كانيت العلة من العلل
الوليية الصييلة – التيي ليسيت لهيا علة – فتتكفيل بهيا الفلسيفة اللهيية أيضً، وإن كان السيؤال عين العلل القريبية الجزئيية، فالعلوم هيي التيي
ا
تتكفل بالجابة عنها. أما الجابة عن سائر السئلة، وهي كثيرة جدً، أي: السؤال عن الكيفيات والمقادير والمكنة والزمنة فتقع بأجمعها
ا
على عاتق العلوم. وتتنوع العلوم بعدد المواضيع التي تبحث فيها.
32
24. ما؟
هل؟
لِمَ؟
وقد ذكر ذلك السبزواري في منظومته قائل ً:
مطلب "ما" مطلب "هل" مطلب "لِم" أسّ المطالب ثلثة عُلِم
فاتضضضح مضضن مجموع مضضا ذكضضر أن تعريضضف الشياء وإن لم يكضضن مضضن وظائف
المنطضق، "بضل ه ضو مضن وظائف الفلسضفة"، إل ّ أن المنط ضق يروم تعليمنضا طريقضة
ض ض ض ض ض ض ض ض
التعريف الصحيحة، وفي الواقع إنه يقوم بذلك خدمة للحكمة اللهية.
الح د ّ والرسم
إذا اسضتطعنا فضي مقام تعريضف شيضء أن نصضل إلى كنضه ذاتضه – أي: إذ حدّدنضا
أجزاء ماهيتضه التضي هضي عبارة عضن الجنضس والفصضل – تكون قضد وصضلنا إلى أكمضل
التعاريف، وهو ما يسمّى بض"الحدّ التام".
وإذا توصضلنا إلى بعضض أجزاء ماهيضة ذلك الشيضء س ُضمّي ذلك التعريضف بضض"الحدّ
الناقص".
وإذا لم نصضل إلى أجزاء ذات وماهيضة ذلك الشيضء، بضل إلى أحكامضه وعوارضضه
فقط، أو كان هدفنا أساسا تحديد حدود مفهوم ما، وما يشتمل عليه وما ل يشتمل
عليه، ففي هذه الصورة إذا كان وصولنا إلى الحكام والعوارض بشكل يميّز ذلك
الشيضء مضن غيره كامل ً، س ُضمّي هذا التعريضف بضض"الرسضم التام"، وإن لم نتمكضن مضن
تحديده بشكل كامل، سُمّي بض"الرسم الناقص".
فلو قلن ضا مثل ً ف ضي تعري ضف النس ضان: "جوه ضر جس ضماني – أي: له أبعاد – نامضٍ،
ض ض ض ض ض ض
حيوان، ناطق" لكنّا قد بينّا حدّه التام.
وإن قلنا: "جوهر جسماني، نامٍ، حيوان" فهو حدّ ناقص.
وإن قلنا: "موجود متحرك، منتصب القامة، عريض الظافر" فهو رسم تام. وإن
قلنا: "موجود متحرك" فهو رسم ناقص.
إن ضّ "الحدّ التام" ه ضو التعري ضف الكام ضل م ضن بي ضن التعاري ضف، إل ّ أنّ ض الفلس ضفة
ض ض ض ض ض ض ض
يذعنون – مضضع السضضف – بصضضعوبة الوصضضول إلى حدّ الشياء التام؛ لنضضه يسضضتلزم
اكتشاف ذاتياتها، وبعبارة أُخرى: يستلزم نفوذ العقل إلى كنه الشياء، فل يخلو ما
) (
يسمّى بالحدّ التام في تعريف النسان وغيره من مسامحة 8 .
8 . راجع: تعليقات صدر المتألهين على شرح "حكمة الشراق"، قسم المنطق.
42
25. وبمضا أنّض الفلسضفة التضي تتكفضل بضض"وضضع التعاريضف" عاجزة عضن إبراز الحدّ التام،
تفقد قوانين المنطق قيمتها بالنسبة إليه.
وبهذا نختم بحثنا في باب الحدود والتعاريف.
السئلة
-ما هي وظيفة المنطق في باب التصورات وفي باب التصديقات؟
-
52
26. - الدرس السادس
قسم التصديقات
القضايا
مضن هنضا يبدأ بحضث "التصضديقات". وينبغضي أول ً تعريضف القضيضة، ثضم الدخول فضي
تقسيم القضايا، لنقوم بعد ذلك بذكر أحكام القضايا.
إذن علينا أن نجتاز ثلث مراحل: التعريف، والتقسيم، والحكام.
ولتعريف القضية ل بدّ من ذكر مقدمة ترتبط باللفاظ.
إن ّ المنطق – بالرغم من أن ّه يعالج المعاني والدراكات الذهنية، ول علقة له
باللفاظ مباشرة "خلفا للنحو والصرف"، وأنّ كلّ تعريف أو تقسيم أو حكم يقوم
بضضبيانه يرتبضضط بالمعانضضي والدراكات – يضطضضر أحيانا إلى ذكضضر بعضضض التعاريضضف
والتقسيمات المرتبطة باللفاظ؛ وذلك باعتبار ما لها من المعاني.
فكلّ لفظ أفاد معنىً هو "قول" في اصطلح المناطقة، وعليه فجميع اللفاظ
التي نستعملها في حواراتنا وبيان مقاصدنا هي "أقوال".
وإذا كان اللفضظ فاقدا للمعنضى فهضو "مهمضل"، وليضس بضض"قول" فلفضظ "حصضان"
مثل ً قول؛ لنه اسم لحيوان خاص، ولفظ "صناح" ليس بقول؛ لنه ل يفيد معنى.
وأقسضام القول على قسضمين: مفرد ومركضب؛ لنضه إذا احتوى على جزأيضن، ودلّ
كلّ جزء منهما على جزء المعنى فهو مركب، وإل ّ فهو مفرد.
وعليضه يكون لفضظ "الماء" مفردا، ولفضظ "ماء الرمّان" مركبا، و"الجسضم" مفردا،
و"الجسم الطويل" مركبا.
أقسام المركب
والمركضب على قسضمين: تامض وناقضص، فالمركضب التام هضو: الجملة التامضة التضي
ّ
تضبيّن مرادا كامل ً، بمعنضى أنهضا إذا أُلقيضت إلى شخضص يفهمهضا ويصضح سضكوته عليهضا،
فل ينتظضر تتمضة لهضا، كمضا لو قلنضا: "ذهضب زيضد" أو "جاء عمرو"، أو نقول: "اذهضب، أو
تعال، أو هضل تصضحبني؟"، فجميضع هذه الجمضل تامضة، وتسضمّى "مركبات تامضة". أمّضا
المركضب الناقضص فعلى خلفضه، فهضو كلم مبتور ل يفهضم منضه المخاطضب معنضى أو
مرادا، فلو قال شخضص لخضر: "ماءُ الرمان" وسضكت لمضا فهضم المخاطضب شيئا مضن
هاتين الكلمتين، وسينتظر التتمة، ويسأل: "ما لماء الرمان؟".
وربمضا تعاقبضت الكلمات لتشكضل سضطرا، بضل صضفحة كاملة، وهضي – فضي الوقضت
نفسضه – ل تؤلف جملة تامضة، كمضا لو قال شخضص: "حينمضا اسضتيقظت فضي الثامنضة
62
27. صباحا، وارتديت ثيابي دون معطفي، وصعدت على السطح، ونظرت إلى ساعتي،
وكان معي زميلي فلن..."، فهذه الكلمات – كما ترى – ناقصة برغم طولها وكثرة
التفاصيل فيها، لوجود المبتدأ فيها بل خبر، ولو قيل: "الجوّ بارد" لكانت جملة تامة
برغم تكوّنها من كلمتين فقط.
أقسام المركب التام
وينقسم المركب التام بدوره إلى قسمين: خبر وإنشاء.
فالمركب التام الخبري هو: الذي يحكي عن واقعة، أي: أنه يخبر عن أمر وقع
أو سضيقع أو فضي حال الوقوع، أو هضو ثابضت أبدا، كمضا لو قلت: "ذهبضت فضي العام
المنصرم إلى مكّة"، أو: "سأُشارك في امتحانات الماجستير في العام القادم"، أو:
"أنا مريض حاليا" أو: "الحديد يتمدّد بالحرارة".
والمرك ضب النشائي عبارة ع ضن: جملة ل تحك ضي ع ضن واقع ضة، ب ضل ه ضي توجِ ضد
ض ض ض ض ض ض ض ض
المعنضى، كأن نقول: "اذهضب، اقبضل، أ ُضسكت، هضل ترافقنضي؟"، فإننضا بواسضطة هذه
الجمل نوجد وننشئ أمرا ونهيا واستفهاما دون أن نخبر عن شيء.
وبمضا أنّض المركضب التام الخضبري يحكضي ويخضبر عضن شيضء يحتمضل أن يطابضق مضا
أخبر عنه، ويحتمل أن ل يطابقه، فحينما أقول على سبيل المثال: "ذهبت إلى مكة
فضضي العام الماضضضي" يمكضضن أن أكون حقا قضضد ذهبضضت إليهضضا، فتكون هذه الجملة
الخبرية صادقة، ويمكن أن ل أكون كذلك، فتكون كاذبة.
وبمضا أن المركضب النشائي ل يحكضي أو يخضبر عضن شيضء – بضل يوجضد معنىً،
وليضس بإزائه فضي الخارج معنضى يطابقضه أو ل يطابقضه – لذلك ل يمكضن أن يتصضف
بالصدق أو الكذب.
والقضية في اصطلح المناطقة هي: "القول المركب التام الخبري"؛ كما يقال
في تعريف القضية: "قول يحتمل الصدق والكذب". والسرّ في قولنا: إنها تحتمل
الصضدق والكذب، أنهضا أول ً: قول مركضب ل مفرد، وأنهضا ثانيا: مركضب تام ل ناقضص،
وأنهضا ثالثا: مركضب تام خضبري ل إنشائي. فالقول المفرد، والقول المركضب غيضر التام،
والقول المركب التام النشائي، ل تحتمل الصدق والكذب.
***
قلنا: إنّ المنطق يعالج المعاني أول ً وبالذات، واللفاظ ثانيا وبالعرض.
72
28. وبرغم أنّ كلّ ما تقدم كان يدور حول القول واللفظ كان المراد الساسي هو
المعاني، فبإزاء كلّ قضية لفظية هناك قضية ذهنية وعقلية، أي: كما نسمّي لفظ
"زيضد قائم" قضيضة، نسضمّي معنضى هذه الجملة الموجود فضي ذهننضا قضيضة أيضا،
فألفاظ هذه الجملة قضية لفظية، ومعانيها قضية معقولة.
إلى هنضا كان بحثنضا يرتبضط بتعريضف القضيضة، وسضندخل بعضد ذلك فضي تقسضيم
القضايا.
82
29. الدرس السابع
تقسيمات القضايا
هناك عدّة تقسيمات للقضايا، وهي كالتي:
١- التقسيم باعتبار النسبة الحكميّة "الرابطة".
٢- التقسيم باعتبار الموضوع.
٣- التقسيم باعتبار المحمول.
٤- التقسيم باعتبار السّور.
٥- التقسيم باعتبار الجهة.
الحملية والشرطية
تنقسم القضية باعتبار النسبة الحكميّة إلى قسمين: الحملية والشرطية.
تتألف القضي ضة الحملي ضة م ضن: الموضوع والمحمول والنس ضبة الحكميّ ضة، فحينم ضا
ض ض ض ض ض ض
نتصور قضية، ثم نذعن بها، نجعل تارة أمرا ما موضوعا وآخر محمول ً، أي: نحمله
على الموضوع، وبعبارة أُخرى: نحك ضم ف ضي القضي ضة بثبوت شي ضء لشي ضء، وبذلك
ض ض ض ض ض
تحصل بين المحمول والموضوع نسبة، ونحصل على قضية حملية.
فنقول مثل ً: "زيضد قائم"، أو: "عمرو جالس"، فتشيضر كلمضة "زيضد" إلى الموضوع،
وكلمة "قائم" إلى المحمول، والرابط بينهما هو النسبة الحكمية، فإننا في الواقع
تص ضورنا زيدا ف ضي ذهنن ضا، وحملن ضا علي ضه القيام، وأوجدن ضا نس ضبة وربطا بي ضن "زي ضد"
ض ض ض ض ض ض ض ض ض
و"القيام"، وبذلك أوجدنا قضية.
إن الموضوع والمحمول يشكلن طرفي النسبة في القضية الحملية، ول بد أن
يكون هذان الطرفان مفرديضن أو مركضبين ناقص ضين، فلو قلن ضا: "ماء الرمان مفيضد"
ض ض ض ض ض
يكون موضوع القضيضضة مركبا ناقصضضا، ول يمكضضن أن يكون أحضضد طرفضضي القضيضضة
الحملية أو كلهما مركبا تاما.
إنّض نوع الرتباط فضي القضايضا الحمليضة اتحادي، يشار إليضه فضي اللغضة الفارسضية
بلفضظ "اسضت"، كمضا فضي جملة: "زيضد ايسضتاده اسضت" التضي نحكضم فيهضا بأن "زيضد"
و"قائم" يشكلن شيئا واحدا في الخارج، ويتحدّان معا.
وحينما نتصور القضية أحيانا، ونذعن بها بعد ذلك ل يكون المر فيها كما تقدم،
أي: ل نحمضل شيئا على شيضء، وبعبارة أُخرى: ل نحكضم فيهضا بثبوت شيضء لشيضء،
بضل نحكضم فيهضا بتعليضق قضيضة على قضيضة أُخرى، كأن نقول: "إن كان زيضد قائما
ض ض ض ض ض ض ض
فعمرو جالس"، أو نقول: "إمضضا زيضضد واقضضف وإمضضا عمرو جالس"، أي: إن كان زيضضد
92