SlideShare une entreprise Scribd logo
1  sur  86
Télécharger pour lire hors ligne
1 
كنان القرحالي 
يوم مع عاهرة 
رواية قصيرة
2 
الإهداء 
إلى شقيقيّ الراحليَن مجد، سامر القرحالي
3 
عندما وقفتِ وأعلنتِ على الناسِ عهرَكِ 
بعتِ الناسَ واشتريتِ نفسَكِ؟ 
َ 
، كيف 
ُ 
تألمت 
)1002- مجد القرحالي ) 2891
4 
مقدمة 
قررت عاهرة تدعى سيلينا أن تلقن أشرف القوم، ممن لا شرف لهم، 
ّ 
في الأخلاق والكرامة، ولو أن 
ً 
درسا ني أكتب بلسانها لأضافت: والشرف! 
وضعت سيلينا خطتها تلك على عجلة وهي تلف سندويشة زعتر في 
الليلة التي سبقت اليوم الذي ستدور أحداث الرواية فيه، وفكرت 
أنّ اختراع جدتها الذي وجدته بين حمالات صدرها قد يساعدها في 
مهمتها الصعبة تلك! 
كانت التناقضات تعتمل في رأسها الصغير، وهي تكاد تبكي على هذا 
عن أصلها سوى أنّ 
ً 
المسار الذي وُضعت به، فهي لا تعلم شيئا جدتها 
كانت أشهر عاهرة في البلاد وهي من ربتها وأنشأتها في نفس المهنة، لكنها 
توفيت قبل أن تخبر سيلينا من هي أمها أو من يكون أبوها، حتى أنّها 
ما بأنّ من يملك جدة 
ً 
وفي ظل كنف جدتها العظيمة لم تسمع يوما 
يجب أن يمتلك جد! 
كانت سيلينا تعوّل على جولتها الاستكشافية التي ستقوم بها صباح 
اليوم التالي دون أن تعرف ما الذي تريده بالضبط، ربما التأكد من 
عهر أغلب البشر، ومقارنة عهرهم بما تمارسه هي وزميلاتها من 
عاهرات الملهى الذي تعمل فيه. 
***
5 
، ومع بداية ساعات العمل، 
ً 
صباحا ذهبت سيلينا إلى أحد المسؤولين 
المهمين الكبار ممن يدّ عي الشرف وحب الوطن. كان ’مربع‘ 
ً 
جالسا 
كرشه العظيم على المكتب أمامه، وقد بدأ بنخر أنفه بواسطة 
ً 
نافخا 
ً 
أصبعه الحلزوني، فلما شاهد سيلينا قادمة ابتلع كرشه ونفخ بأنفه 
فعاد أصبعه إلى قوقعته بسرعة مخيفة. 
قفز برشاقة فوق المكتب فبدا لها كحلزون لزج زاحف بالرغم من 
اجتيازه له بثواني معدودات، بحثت بعينها أرجاء المكتب عن ملح 
ه ذو قيمة مادية من ناحية جيبه 
ّ 
إذ أن 
ً 
لتلقيه على هذا التافه )معنويا 
ه باردها وهو يكاد يضاجعها 
ّ 
ه يذوب، إلا أن 
ّ 
ومحتويات كرشه( عل 
بنظره: 
- نوّرتي المكتب، أضاءت الشاشات، استيقظت الفراشات، 
نامت العظاءات، طقّت اللمبات. أمريني فأنا عبدك. 
حنقها: 
ً 
قالت في سرّها خافية 
- عبد عضوي ! لا داعي أن تعاملني يا حيوان معاملة انسانة 
وأنا بنظرك مجرد عضو.
6 
أما مربع فقد تربع على كنبة فخمة قريبة من سيلينا، وفكر بينه وبين 
نفسه: لو أنّ عضوي بحجم كرش ي لسمع أنفاسها الآن! 
قالت سيلينا، وهي تبتسم ابتسامات العاهرات: 
- جئتك هذه المرّة لا لتلبية لقد 
ً 
رغباتك الغبية مثلك! أصلا 
مللت من أمثالك، أنتم لستم قضبان فللقضبان معنى جليل 
آخر، أنتم مجرد متسلقون لا تعرفون ماذا تريدون سوى 
ادعاء الشرف للتغطية على أقذر شخصيات يمكن أن 
يعرفها التاريخ. 
طار عقل مربع عند سماعه هذه الاهانات المتلاحقة، لكنه قال في 
نفسه: تلحس ي ما تيسّر، جاي تاكليه كرمال كم ألف وقال عم تعمل 
محاضرات! 
وكأنّها قرأت ما يجول في باله، قالت: 
- جئت إليك ومعي اختراع عجيب وجدته في خزانة جدتي أقدم 
عاهرة في البلاد، وقد جمعت قدرات عهر صاحباتها وبنات 
عصرها في هذا الاختراع وبه تستطيع تحقيق جميع أمنياتك 
ك لم تتلفظ بها بصوتٍ عالٍ. 
ّ 
بمجرد أن تتمناها ولو أن
7 
أخذ المربع يضحك بل يقهقه بصوت نشاز مطابق لمضمونه، لكنه 
ً 
توقف عندما بدأ كرشه بالضمور وعضوه بالتضخم حتى صار قريبا 
من سيلين ويسمع أنفاسها! 
نظرت إليه سيلينا بتعجب، وقالت: 
- بحقك فأنت قضيب 
ً 
يا سيد مربع لقد كنتُ مخطئة 
ً 
عفوا 
بمعناه الجليل كما أرى. 
ثم أسرعت بمغادرة المكتب ولم يوقفها توسل مربع ورجاءه أن يعيده 
اختراعها إلى سابق عهده، فقد كان برنامجها الحافل لهذا اليوم لا 
يسمح لها بإضاعة دقيقة إلا في رى يكون موضعها؟ 
ُ 
موضعها، وأين ت 
***
8 
اتجهت إلى مقر زعيمٍ حزبيّ استرخى على جثث أتباعه المتحللة، في 
حين وضع الجثث التي توشك على التحلل في حوضٍ زجاجيّ ليستمتع 
بهذه اللوحة الفنية. 
ً 
وفور مشاهدته لسيلينا، أخذ يسبح ويجدف! فما رآه كان وجها 
ً 
مثيرا 
ً 
وعنقا 
ً 
سحريا لا يلوي عليه ش يء 
ً 
وخصرا 
ً 
مغناطيسيا 
ً 
وصدرا 
لالتوائه الشديد، وتنورتها القصيرة التي تضم بين ثناياها أغلى 
في 
ً 
الأحباب، وسيقانها التي أبحر كولومبس سابقا طراوة جلدها، 
وقدميها المنتصبتين في حذائها ذي الكعب الصامد بالرغم من ضراوة 
ما يحمل، أخذ يرقص كعتاة السكارى وهو يقول في نفسه: رفرف يا 
عبود وبلا أحزاب وبلا بطيخ، قضيتك يا عبود والبوصلة هي الحب 
والنسوان، قال حزب قال، روحوا ولوووه.. يرحوا يسقطوا حرف 
الحاء منو ويصير زب وخلصونا من هاللعي يلي ماسكينو من طيزه. 
ابتسمت سيلينا ابتسامة جامدة، وقالت: 
- يا زعيم، لقد جئت باختراع يحقق أمنياتك ولو لم تقلها 
بصوتٍ عالٍ. 
- وأحب اختراعكن هذا أشد أنواع الحب 
ً 
ايه.. أنا أحبكن كثيرا 
وأشرسها، أحبه )ويقصد به عضوها( أنا بدونه مثل سمكة 
بلا بحر ومثل بحر لا صيادين.
9 
وقبل أن تسأله عن أهمية الصيادين بالنسبة للبحر لاحظت سقوط 
جميع حروف الحاء )ح( من كلمة حزب فقرأت اسمه على اللوحة 
الخشبية على مكتبه: عبود نضال – زعيم زب المواطنة. وكما اختفى 
حرف الحاء من كل لوحة تضم كلمة حزب فصارت تضحك بصوت 
عالٍ. 
ظنّ أنّها سعيدة بتشبيهه الرائع، ولمحها تقرأ اسمه على اللوحة 
الخشبية فقال وقد فقد القدرة على لفظ حرف الحاء: 
- إنّ زبي من أفضل أزاب العالم! 
توقف لوهلة، وكرر غير مصدق للدغه بحرف مثل الحاء فكرر: زبي.. 
. 
ً 
حزبي.. لكنه لم ينجح في لفظها أبدا 
ً 
زبي.. قاصدا 
ضحكت سيلينا حتى غرغرت الدموع في عيونها وقالت: 
- أدام الله لك زبك هذا يا عبود، لعلك الآن صادق 
ً 
تماما 
مع حرف الحاء! 
ً 
بعكس ما كنت تدعيه سابقا 
، وسط تأوهات 
ً 
ثم نظرت إلى ساعتها وانطلقت مستعجلة عبود 
الحزبية وتوسلاته أن يعيد اختراعها حرف الحاء إلى حزبه. 
***
10 
بعدها تحركت سيلينا وفق خطتها التي وضعتها على عجل مساء اليوم 
السابق. 
والآن، فتحت سيلينا ورقتها فوجدت أنّ الدور على مدعي الشرف 
والأخلاق من المثقفين فاتجهت إلى كبير مثقفي المملكة وشعرائها، 
الشاعر الشهير )مثقب الغرازة(. كان مثقب يشوي أصبعه الصغير 
، وعندما فاحت رائحة 
ً 
حزينا 
ً 
لكي يتألم ويستطيع أن يكتب شعرا 
لحمه الميت، كتب بسرعة: 
جاءت تحرق أصبعي في عز الليل 
وأنا راكب فرس ي وما الي حيل 
شو جسم شو شعر يا ويل يا ويل 
إذا بتكون أكبر عاقل 
رح يطولوا أذنيك ويطلعلك ذيل 
وفاحت فور انتهاءه من سطوره المذهلة رائحة الياسمين، فقال 
من سطوره: 
ً 
وهو يغمض عينيه نشوة 
ً 
فخورا
11 
- يا سلام.. أبياتي الها رائحة عطرة وكأنها أنثى تستيقظ من 
عتمات الفجر، فتفتح بابي وتدخل مكللة بالياسمين 
والرياحين. 
قاطعته سيلينا التي وقفت تتفرج على الشاعر المعتوه وهو يخرفش 
ما ذكرناه: 
- لاء يا حبيبي، هي رائحة عطري وليس رائحة أبياتك الزنخة! 
قفز الشاعر مثقب نصف متر عن الأرض بمجرد أن لمح هذا الحسن 
، وقال في نفسه: 
ً 
أمامه، وأخذ يرتعش سعادة 
ً 
واقفا 
- لا شكّ أنّها ميتمة بي بسبب قوة كلماتي وشعري الرهيب، آه 
لو يصير هيك بكل الصبايا يا إلهي ما أروعها، يا سلام المكتب 
مليان نسوان حلوة يا سلام! 
أنهى حلمه هذا وهو يجوب بعينيه كل ميليمتر من سيلينا، 
فقالت له: 
- جئتك لأخبرك باختراع جدتي الذي يحقق أمنياتك حتى لو لم 
تقلها بصوت عالٍ!
12 
- يا إلهي! ليست فقط جميلة وحسناء إنما لديها نهدين 
ساحرين وتقول شعر! 
- أخش ى أنني لن أسمح لك التغزل بنهديّ بهذا الشكل الغبي، 
وأين الشعر في اختراعي يا صاحب الكلمات الرخيصة؟ 
- أنا كلماتي رخيصة يا عاهرة؟ 
وفجأة بدأت الصبايا بالتوافد إلى غرفة الشاعر حتى امتلأت عن بكرة 
أبيها، وصار لا يستطيع مع هذا الازدحام خفض بصره ليشاهد 
ضيفاته ولم يستطع الحركة وهنّ يملأن المكان بضجيجهن وطلباتهن 
في قراءة صنوف الغزل والوله. 
بسيلينا ال 
ً 
فصاح مستغيثا تي لم تسمعه، فقد خرجت بصعوبة من 
بين الصبايا محبات شعر الغزل الأبله. 
***
13 
اتجهت سيلينا بسرعة بعد خروجها من غرفة الشاعر إلى المعبد، 
وطلبت من حارسه لقاء كبير الكهنة "عبد الزعقة"، فجاء رجل الدين 
ه آلة متعبدة وليس بشريّ 
ّ 
بخشوع للإله وشكله يوحي بأن عادي. 
لكن ما تبقى من شعره وقف عندما وقعت عيناه على هذه الفتنة، 
فرجف كله وهو يدعي إلهه بصوت عالٍ أن يخلصه من الشيطان! وأن 
يبعده عنه وأن يجعله في مأمن منه ومن أتباعه من ذكور وإناث، ثم 
ردد في نفسه ربع كتابه المقدس في محاولة تطهير روحه من هذا الفجر 
والفسوق الذي تمثله سيلينا، بدون أن يرفع عينيه عن صدرها أو 
وسطها وعندما استدارت لتتفرج على المكان بينما انتهى رجل الدين 
وهو يسبّح ربه الذي خلق 
ً 
من عبادته، توقف الرجل وهو يبكي إيمانا 
هذه المؤخرة الساحرة، وقال في أعماقه فيما لم يتوقف لسانه عن 
ترديد كل ما حفظه خلال حياته: آخ لو كانت زوجتي مثل هذه 
المخلوقة شو كان بدي بالدين وهالحكي المصفوف صف متل قرميد 
هالمعبد! 
سرحت سيلينا في تفكيرها، وهي تتفرج على لوحات وكتابات 
وزخرفات تمجّد دين الكاهن، وأعجبت برجال الدين الذين 
يستطيعون ضبط أنفسهم عكس بقية أصناف البشر لكن ظنّها قد
14 
خاب، إذ أنّ لمسة من الرجل قد أيقظتها من أوهامها، فصفعته 
لمحاولته لمسه مؤخرتها، : 
ً 
قال حانقا 
- لكنك مجرد عاهرة، فلم تمنعين عنك الرجال؟ 
- لقد ظننتك رجل دين حقيقي؟ 
- حقيقي أو ووهمي، يا حبيبتي أنا رجل في النهاية، وتستطيعين 
في 
ً 
سؤال زوجتي عن رجولتي، ثم نفش نفسه متحسرا داخله 
من بشاعة زوجته. 
- طيب، ماش ي يا رجولي أنت، كنت أريد أن أخبرك أنّ معي 
اختراع يحقق أمنياتك من دون أن تقولها بصوت عالٍ. 
أخذ الرجل يتعبد كالمجنون وهو يدعي ربّه أن يحيل اختراعها الكافر 
إلى حطام وكتلة تراب تدوسه الأقدام وتحفره النمل والديدان، ثم 
أخذ يسرح فيما ه لم يلحظ رحيل سيلينا فلعن نفسه 
ّ 
حفظ حتى أن 
إلى المنزل، وهو يكاد يبكي حظه 
ً 
وأنفاسه وكتم غضبه بأن اتجه فورا 
التعس وقال في نفسه: لولا تفرغي للدين المعبد لقتلتني بشاعة 
زوجتي.
15 
، فرقص 
ً 
لكنه وما أن فتح الباب حتى شاهد زوجته مثل سيلينا تماما 
، وأخذ يتصل بجميع 
ً 
فرحا كازينوهات البلد وملاهيها ليصل إلى الزائرة 
ويشكرها، لكنه توقف فجأة وقال: 
- اللعنة! لقد أمضيت اليوم كله وأنا أدعي على الفتنة والإغواء 
والشيطان، وعليّ أن أدعي دعوات معاكسة قبل أن تصل إلى 
الإله ويستجيب لها. 
ثم قفز أثناء دعائه على زوجته، وتقلب معها في جميع أرجاء المنزل 
وزواياه ما عدا زاوية كان قد خصصها للتعبد والمناجاة. 
***
16 
في الشرف، فقررت 
ً 
يئست سيلينا من نيتها تلقين المجتمع دروسا 
العودة إلى الحياة الوضيعة التي تعيشها، فاتجهت نحو مكان عملها 
حضِر نفسها لتوبيخ قاس ي من 
ُ 
وهي ت سيدتها مالكة الملهى. 
وصلت سيلينا إلى الملهى فوجدت سيدتها "نمنوم" ، وهن 
ً 
غاضبة ا 
أتوقف لأصف لكم نمنوم التي تشبه كل ش يء إلا اسمها، ويمكن أنّها 
كانت تحمل اسمها ذات يوم في الماض ي، أما أنها وبعد معاشرة نصف 
رجال الكرة الأرضية فقد أصبحت فرس نهر وتحتاج "تريلا" لنقلها، 
ولعلني إذ أقول تريلا لا أراعي عدّة تفاصيل في جسد صاحبتنا إذ أن 
بالنسبة لعرض مؤخرتها، 
ً 
بين خصرها، النحيل نسبيا 
ً 
هناك فاصلا 
ومؤخرتها ذاتها، وهو ما جعل الجميع يعشقونها وهي جالسة لكنها 
وبمجرد وقوفها ينقلب الأمر إلى خيبة عظيمة، ويقول من عرفها أنّها 
بحاجة قاطرة ومقطورة لنقلها، قاطرة لنقل الجزء العلوي ومقطورة 
لنقل الجزء السفلي، وكان الله في عون السائق المسكين الذي 
سيتحمّ ل هذا اللسان السليط في قمرة القيادة. 
لنعد إلى الملهى حيث كانت نمنوم ذات الشعر الأشقر الفج بعينيها 
الوقحتين القادرتين على التعبير عما يعتمل نفسها بشكل حقيقي، 
ولم تحتج سيلينا الكثير لتقرأ تلك التعابير لكنها كمحترفة اتجهت إلى
17 
طاولتها من دون إلقاء السلام على سيدتها فلحقتها هذه وهي تكاد 
على أسنانها وهي تحاول ألا تصل كلماتها إلى 
ً 
تجن، وقالت ضاغطة 
الزبائن الآخرين على الطاولات المجاورة، وألا تزعج رغباتهم المتأججة: 
- شو مفكرة حالك يعني آه؟ ولك مين مفكرة حالك حتى 
تتأخري عن الشغل هيك؟ 
- سيدة نمنوم، هل تصدقين إن قلت لك ماذا وجدت في خزانة 
جدتي؟ 
لم تستطع نمنوم الغاضبة ذات النفسية الحقيرة إلا أن تتوقف 
لذكرى تينا مينا )جدّة سيلينا( التي كانت أشهر عاهرة عرفتها 
ً 
إكراما 
البلاد، ومن التي تستطيع أن تنال "الشرف" الذي نالته تلك العظيمة 
الراحلة عندما نامت مع أكبر عظماء البلد من زعماء سياسيين 
وعلماء وضباط ومخترعين ومهندسين وأطباء وصناعيين وتجار 
وفنانين وكتّاب وشعراء! 
تنهدت نمنوم عدّة مرّات وقد هاجمها طموحها القديم والذي أصبح 
مستحيل التحقيق بعد أن تدهور جمالها وتناسق جسدها بهذا 
الشكل، فقالت في نفسها متحسرة والألم يعتصر دواخلها: آه.. كيف 
أضعت عمري مع الوضيعين والسكارى والمجرمين والمهربين وقطاعين
18 
من أن أحت 
ً 
الطرق والشباب الطائش بدلا ذي بقدوتي تينا مينا وأصبح 
مثلها. 
أعادتها ضحكة إحدى العاهرات في الملهى إلى الواقع المرير، فقالت 
بصوت ناعم، 
ً 
عاطفي جدا ووديّ: 
- سيلينا، أنتِ تعلمين مدى الاحترام الذي أكنّه للمرحومة تينا 
مينا، وعيب يا سيلينا أن تستغلي سيرتها الحسنة وذكرها 
الطيّب عندما تكونين مقصّرة في عملك. 
- القصة مش هيك يا نمنوم، عن جد كنت أبحث بين 
صدرياتي القديمة التي وضعتها في خزانة جدتي، فوجدت 
علبة ، 
ً 
صغيرة غريبة لم ألحظها سابقا يبدو أنني ظننتها 
عصّارة جزر في الماض ي، لكن هذه المرّة تأملت فيها وقرأت ما 
كتبته جدتي على ورقة ملصوقة على الكرتونة، وإذ فيها 
اختراع يحقق ما يتمناه المرء حتى إن لم يقل أمنياته بصوت 
عالٍ. 
- أنا أثق بالمرحومة تينا مينا ثقة عمياء، وأعلم علاقاتها 
المضيئة بالعلماء والمخترعين، لكن يا صغيرتي عليكِ ألا 
تضعي آمالك في اختراع أو سواه، لا تدعي أحلام الصبا تقتل 
أيامك.
19 
- لا أستطيع تخيّل نفس ي مستمرة على هذا المنوال، أتمنى في 
أعماقي أن أعيش حياة طبيعية شريفة متل الآخرين.. هذه 
ليست حياة. 
- آه لو تسمع جدتك بهذا الحكي الفاض ي لصفعتك وأعادتك 
إلى الواقع، ثم ماذا تظنين أنّ الحياة الطبيعية تعني؟ أنت 
لديكِ النظرة التقليدية أنّ عملنا مهين نتيجة نظرة الناس 
إليه لأنّ عملنا متعلق بشهوة محضة، لكنهم عاهرات أكثر 
منّا بمئات المرات. 
- لا أفهم! إنهم يحييون حياة طبيعية يعملون أعمال عادية 
وهم سعداء بها! 
- سعداء؟ لولا المرحومة تينا مينا لكنتِ من المطرودات من 
زمن بعيد، ولكنت جربتِ الأعمال التي تذكرينها! الجميع 
عاهرات كلٌ في موقعه، الجميع مرتبط برغبات ونزوات 
زبائنه وواقع تحت سيطرة وأمرة القوادين الذين يسمونهم 
مدراء، الجميع يبيع نفسه لقاء المال والشهرة فما الفرق بين 
عملنا وعملهم إلا إذا كنتِ تتبنين نظرة النساء إلينا، لأننا 
نضارب عليهن من حيث لجوء أزواجهن إلينا. 
- قد يكون كلامك صحيح لكننا نحن نقوم بهذا بأرخص شكل 
ممكن! هذا ما يزعجني، لديهم غطاء رائع للعهر الذي 
يقومون به.
20 
- هاه! ها أنتِ قد اقتربتِ من الحقيقة، نحن نقوم بهذا 
منهم. على الأقل نحن لا 
ً 
نحن أقل عهرا 
ً 
بأرخص شكل إذا 
نسرق زبائننا بأن ندعي العفة والأخلاق والدماثة، نحن نقوم 
بما نقوم به بكل شفافية! 
، ثم خجلت من نفسها إذ تضيّع وقت نمنوم 
ً 
فكرت سيلينا قليلا 
بهذه النقاشات السخيفة وتحلم بتحقيق أمنياتها عن طريق 
اختراع وجدته في خزانة جدها، لذلك فقد قالت بجدية: 
- أعدك يا نمنوم بأن أعوض عن كسلي وتقاعس ي في الأيام 
القادمة. 
ربتت نمنوم راضي عن الصبية 
ً 
ة ، وبعاطفة لا تليق بموقعها، قالت لها: 
- ك مصممة على نسيان اختراع الامنيات 
ّ 
يسعدني أن أسمع أن 
وأحلام الصبا الوردية والآن إلى العمل. لقد نسيتُ ، بل أنتِ 
من أنسيتني، أن أخبرك أنّ عندك موعد خاص خارج الملهى 
ليس من 
ً 
غريبا 
ً 
مع أحدهم، ولا أدري! فقد بدا لي رجلا 
ً 
، فقد جاء قاصدا 
ً 
الأوساط التي تتردد على الملاهي عادة 
مسمكة فدخل إلى هنا بالخطأ! وسألني عن حال العمل 
والأعمال فأخبرته عن ركود الشغل ووضعنا المادي الصعب 
وعن الديون الكبيرة التي علينا دفعها وعن تقاعس الكثيرين 
لانحطاط مستوى من يأتينا، فعبّر عن أسفه 
ً 
عن الدفع نظرا 
ه لا يستطيع أن يسمع أنّ رزق أحدهم في 
ّ 
الشديد وأخبرني أن
21 
خطر من دون أن يبادر إلى المساعدة، فطلب مني أن أرسل 
له صبية إلى هذا العنوان ولذلك اذهبي في الحال إليه! 
تمعنت سيلينا في العنوان، ثم نظرت إلى نمنوم وقالت: 
- لمَ أنا؟ لا أحب المواعيد الخاصة قد يكون الرجل ساديّ وقد 
ويريد أن يتسلى 
ً 
يكون مفلسا . أرسلي أمونة إلى هناك. 
- لا لا أنت تأخرت حتى وصلتِ إلى الشغل بينما أمونة تعمل 
منذ الصباح الباكر، كثيرة بع 
ً 
وهي تجلب لنا نقودا كسك، لذا 
فقد غامرت بوقتك الذي تهدرينه بأوهام مثل اختراع 
المرحومة ك ستعملين 
ّ 
جدتك، ثم منذ ثواني قلتِ أن 
وتعوضين عن كسلك فهيا هيا بسرعة يلا.. يلا سأعد إلى 
العشرة ويجب أن تكوني هناك! 
***
22 
إذ أنّ آخر 
ً 
جرجرت سيلينا نفسها إلى العنوان وهي تكاد تنفجر حنقا 
موعد خاص كان مع رجل مجنون أمض ى الليلة في مصها بعد أن 
أغمض عينيها بعصابة سوداء، قالت في نفسها: متى؟ متى سأعمل 
عمل مثل بقية البشر؟ آه كم أتمنى أن أنتهي من هذا العمل القذر. 
بعد أن خرجت سيلينا بقليل، جاءت إحدى عاهرات الملهى إلى نمنوم 
التي جلست مع رجل واسع الثراء وكان قد توجه إليها حال ذهاب 
سيلينا، فغضبت نمنوم من العاهرة الغبية، وأخذتها إلى مكان منفرد 
ثم صاحت بها: 
- يا حمقاء ألا تعلمين أنني أجلس مع "بغلمان" وهو صاحب 
شركة سيارات طويلة عريضة؟ بصباي لم أجالس شخص 
بأهميته فكيف تتجرئين على مقاطعة جلستنا هذه؟ 
- يا سيدة نمنوم، يا سيدة نمنوم لقد أرسل شخص أهم من 
. 
ً 
، وهو يريدك فورا 
ً 
الذي تجالسينه شابا 
تمتمت نمنوم بكلمات قليلة والذهول يتملكها، واتجهت إلى الشاب 
وعندما أصبحا لوحدهما قال الشاب:
23 
- سيدي رئيس ديوان الدولة يريدك لأمر يخص المصلحة 
العليا للمملكة! أرجو منك تلبية رغبته بالقدوم معي في 
السيارة. 
ثم أشار إلى سيارة فخمة تحلم بها أشهر عاهرة في العالم، فكادت 
نمنوم تغمى عليها من فرط السعادة وفيما هي متجهة إليها، نادتها 
العاهرة: 
- ! 
ً 
سيدتي يريدك على الهاتف شخص هام جدا 
ركضت نمنوم إلى الهاتف ولم تنطق بلكمتين حتى فغرت فاهها 
، وهي تنظر إلى نفسها في المرآة غير مصدقة كيف وصل إليها 
ً 
تعجبا 
هؤلاء السادة بهذه السرعة، وأيقظها من أحلامها تلك قول صبية 
أخرى: 
- سيدتي يريدك سيد أجنبي وهو ينتظرك على الطاولة رقم 
سبعة بفارغ الصبر! 
- من هو؟ 
- لا أدري لقد ق ! 
ً 
ه رسام شهير جدا 
ّ 
ال لي أن 
***
24 
ركبت سيلينا تكس ي وانطلق بها الرجل الذي لم ينظر أمامه طيلة 
الطريق، وتعلقت عيناه البائستين عبر المرآة بالصدر المكش وف 
لسيلينا، وكان يضغط الفرامل بشكل متواصل لكي يتنس ى له رؤية 
المزيد، فصاحت به سيلينا غاضبة: 
- زوجتك ما عم تشبعك يا حيوان ما؟ 
خاف السائق من اشتباك مع عاهرة قد تفضحه، فلم يرد لكنه 
توقف عن ضغط الفرامل إلا عند الضرورة، ولكن هذا لم يمنع 
عينيه عن أكل سيلينا، وهو يقول في نفسه بألم بالغ: عيني الله ما 
أجمل هالبزاز! فيه هيك ش ي بالحياة ولو؟ آخ بس لو تخليني المسهم 
وأعرف إذا يلي عم شوفه حقيقة أو حلم! 
، فخطر 
ً 
عميقا 
ً 
وفجأة التقت عيناه بعينا سيلينا التي لمحت فيهما ألما 
أن تسأله: 
ً 
لها فجأة 
- لقد تهجمت على زوجتك وأنا لا أعرف إن كانت على 
ً 
عفوا 
قيد الحياة أو لا؟ 
- لقد توفيت أثناء انجابنا ابننا الأول. 
- وهل عاش الصبي؟ 
- نعم، لقد مض ى على الأمر خمس سنوات.
25 
- ولم تتزوج؟ 
- لا.. أنا لا أخون زوجتي ولو كانت في القبر! 
- والصبي، هل تربيه لوحدك؟ 
- رني فيها! 
ّ 
ه ابني وهو يذك 
ّ 
نعم، إن 
دمعّت عينا سيلينا من التأثر وصاحت في أعماقها: هذه هي الحياة 
التي أريدها، حياة طبيعية خالية من عهر وشهوات سفلة منحطين، 
وأنا التي تلومه لأنه يتطلع إلى بزازي يا لي من ساقطة! ثم قالت له 
بتصميم: 
- أنت مثال المروءة والإخلاص ولذلك تستطيع لمس بزازي إن 
بالعادة! 
ً 
أحببت مع أنني أقطع اليد التي تمتد إليهما مجانا 
أوقف السائق السيارة وهو لا يصدق، ونظر إليها لكي تؤكد ما قالته، 
فاقتربت من مقعده وأصبح صدرها في متن 
ً 
اول يده فمدها مرتجفا 
ولامس نهديها وقد أوشك قلبه على التوقف. 
، ثم انطلق 
ً 
وبعد هذه التجربة تناول يدها وقبلها خمسين مرّة شاكرا 
بسرعة شديدة إلى العنوان الذي طلبته.
26 
نزلت سيلين وهي سعيدة للخدمة التي قدّمتها للرجل الوفي، وفكرت 
له ك 
ً 
إن كان عليها تقديم جسدها مجانا هدية له لإخلاصه لكنها كانت 
قد وصلت إلى العنوان المطلوب، ففتحت محفظتها وبحثت عن 
الورقة التي تحوي العنوان وقرأتها مرّة أخرى ولكنها لم تعرف البناء 
المطلوب فاتجهت إلى بقالية مجاورة لعلها تستهدي من البائع إلى 
البناء المطلوب. 
كان الرجل يشرب شاي مع زوجته عندما دخلت سيلينا، فسبب 
دخولها عاصفة هوجاء في المتجر، إذ أنّ الرجل تفاجأ بهذا التناسق 
والجسد ذي الانحناءات المخيفة بينا انفجرت الزوجة من الغيرة 
والحقد على سيلينا، فصاحت وقد تحولت من زوجة هادئة تشرب 
الشاي إلى معتوهة حاقدة على الحسناوات: 
- لا نبيع شراميط! روحي اشتري من محل تاني. 
صفع الرجل زوجته بشدّة وهو يوبخها بشراسة، ويشتمها بأفظع 
الشتائم وصاح بجنون لا مثيل له: 
- سدي بوزك يا عاهرة! كيف لك أن تصفي سيدة محترمة 
مثل ضيفتنا بهذه الأوصاف التي تدل على جوهرك!
27 
أخذت الزوجة تنتحب بشدّة، بينما وقفت سيلينا تتأمل المشهد 
وأقنعت نفسها بأنّ هذا لا يمت للحياة الطبيعية التي تتمناها بصلة 
لا من قريب ولا من بعيد، أما الرجل فقد صار يهز رأسه وكأنه يسمع 
، وقال في نفسه: آخ لو بيجوا هدول الصبايا الحلوين 
ً 
راقصا 
ً 
لحنا 
بوقت ما بتكون هالبقرة معي بالمحل، كنت طبقت كم وحدة منن 
وروح يا معلم على أحلى الجلسات! 
أيقظته سيلينا باستدارتها وسيرها باتجاه باب المحل، فركض خلفها 
وهو يعتذر عن تصرفات زوجته ويعدها بأن يلقنها أقس ى الدروس في 
المنزل. 
غضبت سيلينا من هذا النذل فصاحت فيه: 
- أنت حشرة! 
ً 
أنت حيوان تافه، أصلا 
- أنا؟ ليه يا آنسة؟ 
- لا تعرف آه؟ ثم أشارت إلى زوجته الباكية. 
نظر الرجل إلى زوجته بكراهية غريبة، بينما كانت المسكينة تبكي 
بمرارة، وصارت تنتحب بصوت غير مفهوم: ليه ما بياخدوا 
هالشراميط إلى السجن؟ ليه بيتركوهم يخربوا بيوتنا، آه لو أنّهم 
آخدينها ما كان صار متل هالموقف بالمجتمع كله!
28 
عاد زوجها إليها كالثور الهائج وطردها بطريقة مذلة من المحل! 
ابتعدت سيلينا عن المحل بسرعة وهي تلعن نفسها ومهنتها القذرة 
ً 
زوجية 
ً 
التي تسبب الألم للزوجات الطيبات اللواتي ينشدن حياة 
عن اللواتي 
ً 
بعيدا 
ً 
مستقرة من أمثالها، وفجأة توقفت سيارة بوليس، 
نزل منها رجلين ضخام الجثة وأدخلوها السيارة بعنف، ثم أغلقوا 
باب السيارة. 
أما التاجر فلم يكد يطرد زوجته من محله حتى دخلت صبية طويلة 
ذات جسد جميل، صحيح أنّها ليست بجمال سيلينا وإثارتها لكنها 
حسناء بكل ما تحمله الكلمة من معنى فابتسم لها بكل أدب، ودعاها 
، ولم تمرّ 
ً 
هاما 
ً 
بينما دوّن موضوعا 
ً 
للجلوس قليلا دقائق قليلة حتى 
بسعادة، فاتجه نحو باب 
ً 
كانا يتبادلان الأحاديث ويضحكان سوية 
المحل وأقفله بعد أن وضع لوحة تقول: مغلق! 
***
29 
لرجال البوليس إلا أنّه 
ً 
أرادات سيلينا أن تقول شيئا ما وقفا أمام بابها 
يتجادلان بعنف فلم تتكلم واكتفت بسماع نقاشهما الغبي حيث قال 
الأوّل للثاني: 
- هيه أنا من أدخلها ولذلك أنا عليّ أن أجلس بجانبها وأنت 
تقود السيارة. 
- أنا أقود؟ طول عمرك تقاتلني لكي تقود أنت وصرعتني وأنت 
تقول أنّ قيادة السيارات في دمك وأنّ الأمر ليس بيدك! 
- يا أخي.. يا أخي.. هذا الكلام بأوقات السلم أما الآن فالوضع 
حرج! معنا مجرمة خطيرة، لذلك قد أنت فأنا سائق متهور 
بينما أنت سائق متزن! 
- ك تضحك عليّ بهذه الترهات 
ّ 
، هل تظن أن 
ً 
كلام فاض ي تماما 
لكي أقود بينما أنت تجلس بجانب عاهرة! لم أكن أظنّك 
إلى هذه ال 
ً 
منحطا درجة! 
- قبل أن نتكلم حول موضوع العاهرة ماذا تقصد 
ً 
! أولا 
ً 
عفوا 
بعبارة "إلى هذه الدرجة" هل هذا يعني أنني منحط بنظرك 
لكنني الآن منحط لدرجة كبيرة؟ 
- لم أقصد كل هذا التفصيل يا نذل! هل ترى مدى نذالتك 
وسقاطتك ووضاعتك وصفاقتك و..
30 
- يا ابن... 
وأخذا يتعاركان بالأيادي، وكل منهما يقول في نفسه: لو تنقلب الدنيا 
كلها فوق بعضها لن أسمح لهذا العكروت بالجلوس بجانب هذه 
العاهرة الحسناء! 
أرادت سيلينا أن تقول لهما عن اختراع جدتها لكنها فضلت أن تفتح 
الباب بهدوء وتنسل خلفهما وهما يشتبكان بالأيدي كالمراهقين، ثم 
دخلت بين المارة وشبكت ذراعها مع ذراع شاب يمش ي على الرصيف، 
هل الشاب ونظر إليها وهو لا يفهم ما الذي يحصل، قالت له 
ُ 
فذ 
سيلينا وقلبها يدّق بقوة: 
- لأنني مستعجلة! 
ً 
سرع قليلا 
ُ 
أرجو أن ت 
تسارعت خطوات الشاب لكنه قال لها بقلق بالغ: 
- ماذا إن رأتك خطيبتي معي؟ أو أخوها أو أحد أفراد عائلتها؟ 
قالت سيلينا بدون أن تكترث بهواجسه، وهي تسرع أكثر وأكثر: 
- أنت رجل شرقي يا مان! المجتمع يبرر أي تصرف تفعلونه أنتم 
الرجال فلم القلق؟
31 
قال الشاب في سرّه: ولك إي والله هالحكي صح! في مبررات 
ً 
دائما 
منطقية وعقلية لنزواتنا، ايه ما أحلاها كاسة ويسكي مع هالجمال 
الخارق الحارق. 
ولأن سيلينا خائفة من ملاحقة البوليس لها، فقد مشت معه ولم تجد 
نفسها إلا في صالون الشاب على الصوفا، غاب الشاب دقيقة وعاد 
ومعه كأسين وزجاجة ويسكي، فقالت سيلينا: 
- هيه! ما تكون صدّقت حالك؟ أنا أجرة ليلتي تخرب بيوت يلي 
أمثالك! 
- أنا عاشق ولهان لخطيبتي.. ما فيني اتخيل نفس ي عم خون حب 
حياتي، ممكن يكون كلامي سخيف بنظرك بس هيك الوضع! 
لامس هذا الكلام الرقيق قلب سيلينا، فنادت في أعماقها: أريد أن 
يكون لي حبيب مثله.. مثله. 
ً 
أريد حبيبا 
أخذت تنظر ها 
ّ 
إليه نظرة جل مودة واحترام، وطلبت منه أن يحكي لها 
عن غرامه المتقد وعن حبّه المخلص الوفي، فأخذ يروي لها القصص 
والمواقف الرومانسية الحالمة، وهي تسأله عن كل شاردة وواردة.
32 
ومع أنّ مواقفة وقصصه العشقية من أسخف الأنواع وأكثرها غباءً 
وغريزية ومضيعة للوقت، وكأنها خارجة من دراما مكسيكية، فقد 
تكررت الصرخة في نفس سيلينا مرّة تلو مرّة: هذه هي الحياة 
الطبيعية الشريفة.. هذه هي! 
***
33 
" مع العاشق الولهان، 
ً 
"ثمينا 
ً 
أضاعت سيلينا وقتا وقد بدأ الليل 
بالحلول، لذلك ودعته بعد أن سألته عن العنوان الذي بين يديها، 
فأشار إليه جميع خدماته بما فيها 
ً 
عارضا أن تعود للنوم عنده! 
فشكرته واتجهت بسرعة إلى البناء الهدف. 
أخذت تسرع في مشيتها من نمنوم المتوحشة التي لن تتسامح 
ً 
خشية 
هذه ا 
ً 
معها أبدا لمرّة، وستطردها شرّ طردة إن كان الموعد قد فات. 
مرّت بالقرب من رجل البقالية فحياها ببشاشة وكان بصحبة صبية 
جديدة، طويلة ذات شعر أشقر لامع، لكنها تجاهلته وتابعت طريقها 
إلى البناء المقصود، صعدت الدرج القديم، ودقت أول باب شاهدته 
إذ أنّ الظلمة في ردهة المبنى أخفاتها. 
سأل كهل من خلف الباب: 
- من بالباب؟ 
أجابت سيلينا: 
- ل ضوء المدخل لكي أستطيع 
ّ 
أنا يا عم، الرجاء أن تشغ 
الصعود. 
فتح العجوز الباب ولم يستطع تمييز سيلينا في الظلام، لكنه قال:
34 
- الضوء معطوب، ما عندك موبايل يا عمي؟ 
- احتاج إلى ضوء أكبر لأنني ألبس كعب عالٍ ودرجات السلم 
. 
ً 
قديمة جدا 
- مية مرّة قلتلكم لا تلبسوا كعب عالي يا عمي.. مية.. لا بالله 
يمكن ألف! 
قالت سيلينا في نفسها: شو بدي أمض ي وقتي مع هالختيار بالنصائح، 
لذا شكرته بصوت عالٍ وتابعت صعود الدرج بحذر، تمتم العجوز 
وهو يغلق الباب: الله يلعن يلي اخترع الكعب العالي! ولك شو بدن 
منو؟ وحدة الله خلقها هيك لشو بدها تبيّن زرافة وهي عنزة! تطلع 
حفيانة أسهل عليها. 
وبعد معاناة في التوازن على هذا الدرج المتداعي، خلعت سيلينا 
حذائيها وأمسكتهما بيدها وصارت تصعد حافية وقد وجدت أنّ هذا 
أسهل بألف مرّة، وقالت في نفسها: عن جد الحياة بلا كعب أسهل 
ولو! 
***
35 
وصلت نمنوم ذلك المساء إلى قاعة فارهة في أحد قصور كان يا ما 
كان، وقد قيل لها أن تلبس أفضل ما عندها وتضع أغلى العطور 
وأجمل التحف، وتتزين بالذهب واللآلئ والألماس وتضع أطواق 
من الرياحين 
ً 
الياسمين وتاجا ، فهي في حضرة سيد الأسياد، ملك 
الملوك وسلطان السلاطين وفطحل الفطاحل، السلطان الوحيد في 
العالم لمملكة! والملقب جيولوجي المنابر وأمير المقابر وأبو اليتامى 
وشيخ رجال الدين، أحكم الحاكمين وأعرف العارفين وأضرب 
الضاربين وأشرس الشرسين، سيد المواطنة وعاشق الديمقراطية، 
المبتسم، الضحوك، الصبور، الرفيع، المرفوع، المنصوب، المضروب، 
الجار للمجرور، وحاذف الحروف، الهامس في النسمات والنائم في 
الظلمات، أبو العطايا، من أتقن اللفات والخفايا، من قال عن قبو 
ّ 
مظلم أنه طابق عاشر فيكون. 
كانت نمنوم تهتز من الرعب وهي تتأمل السلطان الذي يشبه أحد 
الأعيان الذين نامت معهم في صباها، وتذك رت قول سمعته من أحد 
المثقفين الذين نامت معهم ذات ليل: )أكون أو لا أكون(، لكن كيف 
)ستكون( في حضرة هذا السلطان المهيب المحاط بالزنوج والغلمان 
والخصيان وأشراف القوم!
36 
نظر إليها نظرة طويلة مليئة بالحكمة والعفة والإيمان، وقال لها 
باطمئنان: 
- قوامك ساحر وطلتك أبهى من إطلالة مخازني الذهبية! 
إخفاء اضطرابها البالغ، فتابع نظرته 
ً 
انحنت له نمنوم محاولة التي لا 
إذ أنّها ولدت بلا بداية، وقال 
ً 
تعرف نهاية )نجد هذا القول في 
موسوعات أقوال العظماء(: 
- تكمن الأهمية في الثالوث المقدس العريض، الشعارات 
العريضة والجماهير العريضة والمؤخرات العريضة، وتابع 
)وهو مفكر العصر(: 
ً 
ساهما الشعارات كائنات فراغية تطير 
في الهواء لأّنها وليدة الهواء، أما الجماهير والمؤخرات فتلك 
أمور واقعية حقيقية لابدّ من مداراتها، فإن زاد عرض 
على الجماهير 
ً 
المؤخرات عن الحد المعقول أصبحت وبالا 
الكادحة! 
أرادت نمنوم أن تتكلم فقا فصحى 
ً 
طعها مساعدوه مستخدمين لغة 
مزعجة لأذن نمنوم العامية: ممنوع النبس ببنت شفة في حضرة 
مولانا.
37 
فكرت نمنوم ه يستحيل أن تكون هناك بنت شفة 
ّ 
في قرارة نفسها بأن 
في حضرته الشريفة، لأنّ مرآه لوحده كفيل بإفقاد أي بنت عذريتها 
لتصبح امرأة شفة، فكيف إذا كانت شفة مثل شفتها تحوي نصف 
كيلو غرام سيليكون ؟ 
هزّ مولانا رأسه فانحنى الأتباع، فقال لها: 
برافو يا نموم، أنتِ مثال المرأة الصبورة المكافحة التي توصل الليل 
بالنهار لتنشئة جيل صالح، يعرف المرأة حق معرفة ويعي دورها في 
ل نسبة معينة من المجتمع، 
ّ 
المجتمع، ولا أغالي إذ أقول أنّ المرأة تشك 
نسبة لا أتذكر مقدارها ربما نصف أو ربع أو خمس لا علينا، فالمهم 
أنني ومنذ اعتليت العرش وأنا أشدد على أهمية النساء في كل 
مناسبة، فكيف إذا كانت امرأة تقدّم كل ما لديها لخدمة المجتمع! 
لذلك سأقلدك وسام "مؤخرة المملكة" أمام حشد من كبار 
المسؤولين والأعيان، وذلك بعد ربع ساعة! 
***
38 
دقت سيلينا على الباب المطلوب ففتح رجل يبدو على سماته 
اللصوصية البالغة، فدعاها للدخول بلهجة خسيسة، انكمش قلب 
سيلينا وهي تدخل، ولولا معرفتها بأنّ ليس لديها ما تخاف عليه 
، إلا أنّها لم تكن عذراء لتخاف 
ً 
لامتنعت عن الدخول ولهربت صارخة 
ً 
على عذريتها ولا مرأة مصون لتخاف على سمعتها ولا تحمل مالا يُ ذكر 
في حقيبتها. 
وهي ترقب مضيفها اللص الذي ابتسم لها كثعلب 
ً 
دخلت مطمئنة 
قديم، دعاها إلى الدخول إلى غرفة داخلية، ففعلت من دون أن تتكلم 
ولم تكن قد ردّت عليه التحية حتى! 
دخلت هناك فوجدت خمسة رجال آخرين تبدو على محياهم 
، رب 
ً 
لطيفا 
ً 
الإجرام، وبدا مضيفها الذي فتح لها الباب شخصا ما 
حمامة سلام، أمام هذه الوجوه التي تعكس الشرّ والإجرام القابع 
خلفها. 
أخذ قلب سيلينا يدّق بشدّة، وقد علمت أنّ هناك ما يخاف عليه 
. نظرت 
ً 
وأبدا 
ً 
وأنّ هنالك ما هو أسوأ من الس يء دئما 
ً 
المرء دائما 
بطرف عينها إلى الباب فوجدت مضيفها يسدّه بابتسامة نكراء، أما
39 
الرجا ر من أعينهم، 
ّ 
ل الخمسة فقد كانت الشهوة تقط ابتسمت لهم 
ابتسامة جوفاء وقالت: 
- أيها العديمون، كان الله بعونكم! هل تودون أن أتصل 
بصديقة أو صديقتين أو ثلاثة أو أربعة ليوافوا شبقكم 
الرهيب هذا؟ 
صاح أحدهم بصوت أقرب إلى منشرة خشب كلامها 
ً 
متجاهلا : 
- انظروا إلى هذه الانحناءات! يا ويلتاه.. 
عم ضجيجهم المكان فصارت تسمع عبارات من هنا وهناك، ومنها: 
كان الله بعونك وحدك، صديقتين تلاتة!، أنتِ تكفي وتوفي.. 
وتداخلت العبارات والأيدي الممتدة إليها، فتخلصت منها بحركة 
خاطفة وأخذت ترقص رقصة خلاعية، وهي تخلع ثيابها فانبطح 
المعتوهون وقد تأجتت نيران الرغبة في عيونهم، فقالت بصوت عالٍ 
راقص مثل جسمها الملتوي: 
- يلا.. معي جهاز يحقق الأمنيات حتى اذا لم يقلها صاحبها 
بصوت عالٍ.. كل واحد يقول أمنيته بقلبه أو بشكل مباشر 
لنشوف.
40 
من سخافة هذه العاهرة وقد ظنوا أنّها تعني بالاختراع 
ً 
ضحكوا جميعا 
عضوها : 
ً 
، فقال أحدهم ساخرا 
- أمنيتي أن أنكح كل الثقوب في العالم، وهذه ليست أمنية 
بقدر ما هي نظرية اسمها ملء الثقوب! 
قهقوا، وقد عادت أيديهم لدعك جسد سيلينا بخشونة بالغة، وقال 
ثاني بسخرية أشد: 
- أمنيتك مستجابة يا صديقي، أما أنا فأمنيتي قطع الطرق 
أمام الأثرياء وسرقة الثياب الداخلية لنسائهم! ولا أعرف 
طريقة أهينهم فيها غير تلك، إذ أنني سرقت الكثير من 
أموالهم وذهبهم دون أن يهتز لهم جفن! 
ضحكوا فيما انتزع أحدهم، وهو رجل قوي ضخم، عضوه من 
سرواله وألصقه بعضو 
ً 
سيلينا التي أصبحت ضحية 
ً 
طرية بين 
أجساد هذه الوحوش، وقال هذا الرجل 
ً 
ضحكة 
ً 
ضاحكا 
ً 
خبيثة: 
- إنّ طالما أنّ عضوي يلامس اختراع 
ً 
أمنيتي ستتحقق حتما 
صديقتنا العظيم، أمنيتي أن أضاجع وزراء المملكة أو ما 
تيسر منهم ! 
ً 
فردا 
ً 
فردا
41 
، فقال الرابع: 
ً 
ضحكوا بصوت عالٍ جدا 
- حبيباتي أمنياتكم تذكرني بفيلم المرسيدس والبطل، حيث 
تمنى البطل أن تصبح مرسيدس عابرة في الطريق سيارته، 
فصارت كما تمنى على الفور وعشقته سيدة مجتمع عندما 
رأته يقودها، ووقعت في غرامه حتى الموت! 
سألوه: 
- وما هي أمنيتك أيها الواقعي؟ 
- اللعنة وماذا ستكون؟ أتمنى أن أكون أنا البطل! 
فتصاعدت أصوات القهقهة، فيما قال الخامس: 
- حلمي وأمنيتي أن أضاجع مونيكا لونسكي، يا إلهي ما أجمل 
لحمها الأبيض وما أطرى سيقانها أنا أحسد بيل كلينتون إلى 
حد الموت على هذه الضربة الموفقة! 
صاحوا وهم يلكزوه ويدفعونه ممازحين: 
- هيه يا زلمة! القصة من التسعينات وأنت لسا تحلم بها، على 
الأغلب أنّها قد تقاعدت من السكس! 
جلب مضيف سيلينا : 
ً 
زجاجات فودكا ووزعها عليهم وقال منتشيا
42 
- أمنيتي أن أموت من الفودكا، وأن يكون معي سعر الزجاجة 
! 
ً 
الأخيرة طبعا 
صاروا يضحكون بهستيريا واضحة، وقد توقفوا عن العبث بسيلينا 
المرهقة من الأيدي المتوحشة وقد جرت الدموع على عينيها، وهي 
تتمنى بدورها أن تنتهي من حياة الذل والقذارة هذه وأن تحيا حياة 
ما قد حدث فتوقف الجمع عن فسقهم! 
ً 
طبيعية، لكن شيئا 
ثم حشرج وسقط على 
ً 
واحدة 
ً 
ابتلع مضيفها زجاجة الفودكا دفعة 
هامد 
ً 
الأرض جثة ، تلمسه الجميع وتفحص أكبرهم عيونه وقال 
ً 
ة 
برعب: لقد مات.. لقد مات.. 
لبسوا الثياب التي كانوا قد خلعوها بسرعة شديدة وسط فوض ى 
عارمة، وتناول كلٌ منهم سلاحه وهربوا بأسرع ما يمكن من الشقة 
المنكوبة. 
ولف 
ً 
تفحصت سيلينا الرجل فوجدته ميتا تتها ورقة مالية صغيرة 
منبثقة من جيبه فنظرت إليها وإذ بها سعر الزجاجة التي ابتلعها! 
***
43 
ركض الرجال الخمسة مثل المخابيل وصاروا يقفزون على الدرج 
المتهالك متسابقين للخروج من المبنى المشؤوم، ولحقتهم سيلينا 
الخائفة، ، وقال في 
ً 
فانكمش العجوز في الطابق الأرض ي رعبا نفسه 
ه هو المستهدف 
ّ 
وقد ظن أن : يا ربّي.. أنا ختيار عايف التنكة يروحوا 
يشوفوا ش ي قافلة سيارات فخمة يسرقوها! 
وحال خروج أولهم من المبنى ركض في الشارع، ففوجئ بقافلة مكونة 
من ثلاث سيارات مرسيدس من أفخم طراز، فضغط سائق أول 
سيارة بشدّة على الفرامل لكي لا يدهس المجنون الذي يقطع الشارع 
المظلم بهذا الشكل الهستيري ، لكن صادم السيارة اصطدم بشكل 
عنيف ما 
ً 
نوعا بالرجل الذي سقط على الأرض، واصطدم رأسه 
بأسفلت الطريق بشدّة. 
غضب المجرمون بشدّة من هذا الاعتداء الأحمق على صاحبهم، 
عن الغضب 
ً 
فضلا الذي يغلي في أنفسهم على صديقهم مضيف 
سيلينا، فهجموا بسلاحهم على السيارات الثلاث بينما بدا أنّ 
صاحبهم المصدوم قد فقد عقله جراء الصدمة، فاختلط الأمر في 
دماغه الذي لم تفارقه الرغبة الجنسية الناتجة عن حركات سيلينا،
44 
فقفز ينكح كل ثقب في المكان، وهو يصيح بهبل: ملء الثقوب.. ملء 
الثقوب! 
أخذ الثاني ي رمي ركاب السيارات، كما يبدو من 
ً 
الميسورين جدا 
بذلاتهم الثمينة، بعنف على الأرض ويسرع إلى نسائهم ويمزق ثيابهن 
بهمجية ثم يحتفظ بثيابهن الداخلية في جيوبه التي امتلأت ت بعد 
ً 
ماما 
تعريته نساء آخر سيارة، وكادت عندما شاهد 
ً 
عيونه تنطق فرحة 
الإهانة تشع من عيون أزواجهن الأثرياء! 
أما القوي الضخم فقد انشغل بتفتيش جيوبهم، نظر إلى أحدهم ثم 
أضاء موبايله ووجهه إلى وجوه السادة المرمين على الأرض الواحد تلو 
: إنّهم وزراء المملكة.. الحمد للرب إنّهم وزراء 
ً 
الآخر ثم صاح مبتهجا 
المملكة.. ثم مزق سراويلهم وشرع بمضاجعتهم بجنون فأغمي على 
الوزراء من هول الأمر، فصاح بجنون الوزراء، 
ً 
مخاطبا بينما يحاول 
رفاقه المرعوبين إيقافه عن فعلته الشنيعة تلك: 
- ، فقد ضاجعتم الناس عقود 
ً 
لا تذهبوا بغيبوبة سريعا 
ً 
مهلا 
ً 
ا 
ً 
طويلة ولم يغمى عليهم! 
ولم يستطع رفاقه إبعاده عنهم إلا بعد أن انتهى من آخرهم، والذي 
ة رسالة، فمد أحد 
ّ 
موبايله رن 
نّر المجرمين يده وانتزعه من جيب
45 
بنطاله الممزق وإذ بها رسالة من أنثى تدعى اللونسكية! تقول بها: 
حبيبي أنا بانتظارك في الساعة العاشرة في فندق هاي سكاي – 
حبيبتك مونيكا لونسكي! 
أشعت عينا المجرم المونيكي بالإثارة والبهجة وهو يعيد الرسالة مرّات 
ومرّات وهو غير مصدق، ولكي لا يضيّع دقيقة قفز إلى مرسيدس 
ه لا 
ّ 
ه تذكر أن 
ّ 
لينطلق بها نحو الفندق الواقع في بلدة قريبة، إلا أن 
يعرف قيادة السيارات، : دخيل ربكم.. حدا يجي ياخدني 
ً 
فصاح يائسا 
لبلدة دراخما وياخد المرسيدس إلى الأبد.. 
قفز صديقه "البطل" على صهوة المرسيدس وانطلق بصديقه 
، فأوصله بغضون ربع ساعة إلى أمام الفندق المذكور، 
ً 
مسرعا 
وصادف نزول المونيكي، خروج شقراء ساحرة من الفندق فالتقت 
عيناها بعيني البطل ونظرت بإعجاب إلى سيارته اللامعة التي لا يملك 
منها سوى وزراء المملكة، فصعدت معه من دون كلام وحالما نظرت 
إلى عينيه الشريرتين شعرت بعاصفة وله تجتاحها فأسلمت نفسها 
لأحضانه، ثم جلست على ساقيه، وصاحت بغنجٍ رهيبٍ: انطلق يا 
حبيبي.. انطلق!
46 
فانطلق البطل بسرعة شديدة، من دون أن ينظر في المرآة أو إلى 
يساره، فاصطدم بانطلاقه الهمجي بشاحنة كبيرة، ووسط دمائه 
حاول تحريك العاشقة فوجدها جثة هامدة وقد قد شق المعدن 
رأسها، فصاح صيحة يأس قبل أن يغمى عليه. 
***
47 
ضاعت سيلينا بسبب توغلها في غابة قريبة، وكان الرعب قد ارتسم 
دقت 
ً 
صغيرا 
ً 
على وجهها ذي التقاطيع الجميلة، وعندما وجدت منزلا 
بابه بعنف وهي تطلب النجدة. 
فتحت الباب سيدة في الخمسينات، وأدخلتها وأجلستها على كرس ي 
لتتنفس وتحكي لها ماذا حصل لها. 
: 
ً 
فكذبت سيلينا قائلة 
- لقد كنت ذاهبة إلى منزلي حين خطفني شباب سكارى، 
وحاولوا اغتصابي لكنني هربت منهم بأعجوبة. 
عرفت سيلينا أنّ السيدة من النوع المتديّن، إذ أنّها بدأت بخطبة 
ُ 
طويلة تناولت فيها مآل الزوجة التي ت 
ّ 
سلم نفسها للشهوات، وكيف 
أنّ الآلهة قد خصت الزوجة بما خصته لكي تحافظ عليه وتحفظه 
لزوجها والكثير من كلام النصح الدينية مما لا داعي لترديده هنا، ثم 
توقفت السيدة بعد ربع ساعة من الوعظ الزوجي لتسأل سيلينا: 
- هل أنتِ متزوجة؟ وأين كان زوجك؟ ولم تخرجين في الليل؟ 
وكيف يسمح لكِ؟ 
: 
ً 
تابعت سيلينا كاذبة
48 
- أنا أرملة وقد توفي زوجي بحادث دراجة نارية منذ سنوات، 
ولكي لا تتعبي نفسك بالمزيد من الأسئلة سأخبرك أنني لم 
أنجب منه و ه كان قاس ي القلب، شره 
ّ 
لم أحزن عليه إذ أن 
ار، مخادع، يحب الشقراوات وأنا 
ّ 
للنساء، غشاش، مك 
ً 
سمراء كما ترين، سكير، بخيل، سمج، فضولي، وغيور كثيرا! 
تنهدت السيدة تنهيدة طويلة وغريبة وقالت: 
- آه من الرجال.. هذه هي صفاتهم جميعهم، كلهم هكذا وحين 
إلا أبي وأخوتي 
ً 
ني لا أستثني أحدا 
ّ 
أقول كلهم فإن ، ففيهم 
تجدين الكرم والكرامة والأخلاق والشهامة، وحب الزوجة 
والإخلاص والصدق والوفاء، والكبرياء والعشق الأبدي 
والحنان والاطمئنان واللطافة والدماثة والبشاشة، والكرم 
والكرامة والأخلاق والشهامة وحب الزو... 
قاطعتها سيلينا: 
- هيه.. يا سيدتي فهمت الموضوع وأنتِ تعيدين الصفات! 
ً 
قالت السيدة محتجة: 
- والله إذا كررت صفاتهم طيلة حياتي لن أوفيها حقها!
49 
ثم تذكرت أنّ زوجها الذي يستحم سيجن جنونه لرؤية هذه الصبية 
السمراء الجميلة، ك 
ّ 
وهو الذي لطالما كرر في مسامعها: بس لو أن 
سمراء يا نينا! 
فارتبكت، وقد تمنت في داخلها أن تسارع هذه الزائرة بمغادرة البيت 
قبل خروج زوجها من الحمام. 
في بيته فقد أنهى حمامه 
ً 
مثيرا 
ً 
أنثويا 
ً 
أما الزوج الذي سمع صوتا 
بسرعة، وصار يسابق الزمن في ارتداء ملابسه، وهو يتمنى في نفسه 
مثل صوتها. 
ً 
أن تكون صاحبة هذا الصوت الأخاذ رائعة 
، وقد أرادت الهرب من لسان 
ً 
وقفت سيلينا بعد أن ارتاحت قليلا 
السيدة السليط والتي لا يضاهيها ش يء في قلة ذوقها بل انعدامه، إذ 
أنّها لم تجلب لها كأس ماء حتى، وهي لم تتوقف عن طرح الأسئلة 
البغيضة وتكرار الأحاديث المنقولة عن رجال الدين فيما يخص 
واجبات الزوجة، لذلك استأذنت بأدب، ففتحت السيدة الباب 
وقالت لها وسط ذهول سيلينا: 
- بالسلامة، الله معك، احذري الظلام، فجارتنا قد انزلقت 
الأسبوع الماض ي وانكسر حوضها!
50 
وعندما سمعت سيلينا صوت زوجها يسأل زوجته عن الضيفة، 
سارعت السيدة إلى إغلاق الباب بوجه سيلينا، فتابعت سيلينا 
ه ضوء الشارع لكنها لم تمشِ 
ّ 
رت أن 
طريقها باتجاه ضوء بعيد وقد قدّ 
يلهث خلفها، فتوقف وقد تسلل الخوف إلى 
ً 
حتى شاهدت رجلا 
ً 
كثيرا 
: 
ً 
قلبها، لكنه طمأنها قائلا 
- أنا زوج السيدة المعتوهة، آسف لتعامل زوجتي الناشف 
عليّ لذلك اسمحي لي أن أدلك على 
ً 
معك وهي تغار كثيرا 
الطريق الرئيس ي. 
قالت سيلينا وقد أرادت التنصل منه: 
- يا عم، الطريق الرئيس ي واضح من الضوء الأصفر 
ً 
شكرا 
لك. 
ً 
الذي يميّز انارته، شكرا 
استدارت لتكمل طريقها، فتأوه ال ر وقال في نفسه: آه لو أنن 
ً 
جل حزنا ي 
بغل تركبني هذه السمراء الفاتنة! 
ولم تمضِ ثواني على هذه الأمنية حتى صاحت سيلينا صيحة ألم، 
فركض إليها وهو يتألم أكثر منها: 
- ما الذي أصابك يا سمراء يا فاتنة؟
51 
- لقد التوى كاحلي! 
حملها على كتفيه رأسه بين ساقيها! 
ً 
، واضعا ثم مش ى بها كيلومترات 
نحو منزل أشهر طبيب في المنطقة، وقد قصده بالرغم من وجود 
الكثيرين قبله على الطريق لكن كانت غايته إبعاد المسافة، وعندما 
وصل إلى المنزل ، وجد سيارة رئيس مجلس البلدات الموحد هناك، 
فوضعها ع ه لم يدفع ضريب 
ّ 
إذ أن 
ً 
لى الباب وهرب من المسؤول خائفا ة 
للبلدية منذ سنوات. 
***
52 
دقت سيلينا الباب، ففتحت الباب خادمة آسيوية، وعندما رأت 
مشيتها المتعثرة ساعدتها على بلوغ الصالون. 
جلس في الصالون ثلاث سيدات رفيعات المستوى، وهن زوجة 
الطبيب وزوجة رئيس مجلس البلديات وزوجة كبير أثرياء المنطقة، 
وقد ذهلت السيدات المبجلات عند رؤية سيلينا المرهقة التي يبدو 
عليها أثار معاناة وصراع ما فسألنها بقلق، وهن يتفرسن بجسدها 
المثير المتناسق وتنورتها الرائعة القصيرة وكعبها العالي المهيب: 
- خير؟ ما الذي حصل؟ هل هو حادث؟ 
- اي.. حادث سيارة ولكنني كنت في المقعد الخلفي فنزلت 
بسرعة فالتوى كاحلي؟ 
سألنها ليعرفن مستوى سيلينا المادي: 
- ما نوع السيارة؟ 
- لا أعرف النوع بالضبط كل ما أعرفه أنها سيارة مرسيدس 
من النوع الذي يركبه الوزراء! 
اغتاظت السيدات من كل ش يء، من تناسق جسد سيلينا وجمالها 
لسياراتها المنكوبة ولا تريد 
ً 
الفائق وغناها الواضح، إذ أنّها لا تلقِ بالا
53 
أن تعرف نوعها حتى وهذا دليل غنى فاحش، وصاحت زوجة الطبيب 
في أعماقها: زوجي الدب لاحق السيارات اليابانية متل الأهبل.. يشوف 
العالم وين صارت؟ ولك بدي أفهم ايمتا صارت اليابان بتعرف تصنّ ع 
سيارات لسا مبارحة كانوا عم يبيعوا موز ! )يبدو أنّ ثقافة الزوجة 
الواسعة قد جعلتها تخطئ بين اليابان والفلبين 1 ) 
أما زوجة رئيس مجلس البلديات، فقد كادت تنطق بما تفكر به من 
سخطها على زوجها الذي يصرّ على الظهور بمظهر بعيد عن الثراء 
الفاحش لكي يبعد عنه الشبهات بالرغم من أنّ الرضيع في مدن 
وبلدات المنطقة ه ي 
ّ 
يعرف أن متلك ثروات وأراض ي وعقارات تكفي 
ها 
ّ 
سكان القارة كل ، وقالت في نفسها: الفيلا تبعنا والسيارات لا تعبّر 
عنا.. عليه أن يتصرف.. أن يتصرف وفق حقيقة ثروتنا وحاجة تمثيل 
بالنزاهة والاستقامة! 
وأمعنت زوجة كبير الأثرياء النظر أكثر من زميلاتها إلى جسد سيلينا 
المتناسق والجميل، ثم أخذت تقارنه ر منها، 
ّ 
مع نفسها والغيط يقط 
: زوجي الحيوان.. 
ً 
وقالت في نفسها حانقة بدل ما يلحق النسوان بلاس 
فيغاس وبانكوك يروح يعملي عمليات تجميل بأفخم مشافي جامعات 
1 تحتل الفلبين الترتيب الخامس عالميا بإنتاج الموز
54 
العالم وبأحدث التقنيات ووقتا رح اختصر على زوجي سفراته، وع م 
ّ 
ل 
نسوان الكوكب ومنهن هالمغرورة الشايفة حالها معنى الجسد 
المتناسق! 
***
55 
على مستوى القمة لتكريم 
ً 
استنفرت السلطنة لكي تعقد اجتماعا 
السيدة الجليلة نمنوم، فتم طلب الوزراء ليكونوا حاضرين خلال 
عشر دقائق وكبار المسؤولين والأعيان، فحضر من ذكرناهم في بداية 
الحكاية بالإضافة إلى الوزراء الذين لم يكونوا في الحادثة المذكورة 
ً 
آنفا، حيث وقف المسؤول الكبير "مربع" ه قد حزّم 
ّ 
الذي يبدو أن 
عضوه حول كرشه لإخفاء حجمه الضخم، والمسؤول الحزبي 
الخطير "عبود نضال" الذي لم يعد يلفظ أي كلمة فيها حرف حاء، 
وكبير المثقفين والشعراء "مثقّب الغرازة" الذي أصابه الحَوَل نتيجة 
كثرة الحسناوات وازدحامهن في مكتبه، وكبير الكهنة "عبد الزعقة" 
لإنهاء التكريم للعودة إلى حضن زوجته الرائعة 
ً 
الذي بدا مستعجلا 
وزالت عنه علامات الورع والتقوى ، ومعهم الوزراء والأعيان بجانب 
صور مهيبة وتماثيل كبيرة لجلالته، وبدا للمشاهد أنّهم جزء من 
ديكور الصالة بوجوههم المتطلعة بتوق إلى عظيم ا لأمة وسلطانها 
لكل حركة يأتي بها 
ً 
ومباركة 
ً 
القائد، وكانوا يهزون رؤوسهم موافقة 
حتى عندما يحك مؤخرته، وهم على ثقة تامة بأنّ كل حركة يقوم بها 
فيها خير عميم للأمة، وإن قام بحركة سخيفة لهي تكتيك عبقري 
لإلهاء العدو وإفشال جهود خبرائه في دراسة حركات عظيم الأمم.
56 
نظر السلطان المبجل إلى ساعته فوجد أنّ ربع ساعة قد انقض ى دون 
أن يحضر جميع وزراء المملكة، فطار عقله من الغضب، واتجه إلى 
أقرب مسؤول قريب منه و صوتها على بعد أميال، 
نّصفعه صفعة ر 
فصفق الحضور وهتفوا بحياته فحياهم ببشاشة إلى أن أتى أحد 
حراسه الأشداء وهمس في أذنه بكلمات سريعة فوجم، ووجم معه 
الصخر والحجر وخسف القمر ويبس الشجر، كيف لا؟ وهو 
يخضور النباتات ودم الحيوانات ونفط السيارات وكهرباء المعامل 
ومني الخص ى وبيض المهابل! 
كان ذلك الخبر هو خبر الاعتداء السافر على الوزراء المتجهين إلى 
التكريم، لكنه، ولحكمته الشديدة فقد أمر بمتابعة التكريم لأنّ من 
قام بالاعتداء الكافر يهدف إلى التشويش على هذا التكريم الهام، 
ّ 
وتشويه صورة السلطان المجتمعية، فأتم مراسم التكريم وقلد 
نمنوم وسام مؤخرة المملكة بعد أن ألقى كلمة مقتضبة دخلت في 
الطبعة الجديدة لكتب التربية العائلية، ومن أهم ما جاء فيها: 
"لطالما شددتُ ، وأشدد الآن وفي كل آن، على العدالة في التربية 
العائلية لعدّة أسباب، منها أسباب كثيرة وأخرى قليلة، لكن تلك 
القليلة التي يهملها الناس هي الأصيلة، فالأخلاق تنبع من معرفة الله
57 
ومحبة الوطن، كما ينبع الدم من جرح لا يترك له 
ً 
صاحبه فرصة 
للاندمال!". 
ه ظل للمرأة ما هو إلا المرأة نفسها، 
ّ 
"ما بدا لنا أن ونحن نستظل بظلها، 
لكن علينا أن نمّيز بين المرأة وظلها، فإذا كانت المرأة ظل فإننا لسنا 
بحاجة إليها من الأساس، ولتذهب هي وظلها حينئذٍ إلى الجحيم!" 
من التأثر خلال التكريم، وألقت كلمة بسيطة 
ً 
بكت نمنوم كثيرا 
اختلطت فيها الكلمات بالدموع، شكرت فيها سلطان السلاطين 
ودولته المصون، ومما جاء في كلمتها: 
"إننا نعيش في عصر السلطان العظيم، وهذا كافٍ لأي امرأة، أنا لم 
أكن لأكون ما كنت لولا حكمته ومكرمته في السماح لي وللنساء 
الأخريات بأن نكون . أقف الآن أمامكم وأنا أستذكر حكاية الدراقة 
التي قطفها عظيمٌ مثل عظيمنا، والتي مات دودها ونضجت الأجزاء 
، كله بسبب 
ً 
لذيذا 
ً 
غير الناضجة منها، وزالت بذرتها واستحالت شحما 
يده القاطفة المعطاءة وقبضته الخيّ رة المختارة". 
***
58 
طلبت زوجة الطبيب من الخادمة الآسيوية أن تخبر الطبيب بوضع 
سيلينا لمعالجتها أو إرسالها إلى طبيب آخر. 
صعدت الخادمة ومعها سيلينا، حيث استندت عليها وقد بدأت 
تشعر بالألم، وتمنت أن تكون الإصابة طفيفة. 
دخلت الخادمة إلى القاعة حيث يجلس الطبيب ومعه ضيفيه، 
فسمعت سيلينا وسط ذهولها صفعات وبكاء الخادمة، فدخلت 
ً 
القاعة مهتاجة، وجدت الطبيب يصفع الخادمة بسبب مقاطعة 
اجتماع الأعمال الذي يقوم به، فقد كان الثلاثة يتفقون على 
استثمارات ومشاريع في القطاع الصحي، لكنه وفور رؤيته جمال 
صاحبتنا، توقف واحتضن الخادمة بحنان وعاطفة بالغة، وقال لها 
إياها بـ "خدومتي": 
ً 
بمحبة غامرة مدلعا 
- آسف يا خدومتي! ، ف 
ً 
معك حق تماما هذه حالة صحية حرجة 
! 
ً 
يجب علاجها فورا 
اندهشت الخادمة إذ أنّها لم تعرف كيف عرف الطبيب البارع أنّ 
سيلينا مصابة من دون أن تتحرك لا هي ولا ساقها حتى! لعله، ولهذا 
السبب بالضبط، قد نال شهرته الفائقة وسمعته الطبية الناصعة. 
***
59 
نقلها الرجال الثلاثة على الفور إلى العيادة المنزلية للطبيب الشهير، 
بينما أخذت زوجاتهن تتحدثن عنها ولم تجدن عزاءً لأنفسهن إلا 
وأنّ مشيتها تشبه مشية بطة عرجاء، 
ً 
وصفها بأنّ جمالها عادي جدا 
وقد تجاهلن اصابتها، وقالت زوجة الطبيب: 
- الرجال جميعهم يحبون الصدر الكبير وصدرها صغير! 
وعقبت زوجة رئيس مجلس البلديات: 
- مؤخرتها ليست نصف كروية بالشكل اللازم وأغلب الظن 
أنّها تضع محارم في جيب بنطالها لإعطائه مؤخرتها هذا 
الشكل المغري ! )تناسين أنّها تلبس تنورة(. 
: 
ً 
أما زوجة كبير الأثرياء، فقالت ساخرة 
- يكفي أنّها سمراء، ولولا مساحيق التجميل التي تنقع جسمها 
بها لظهر لونها الطبيعي الأسود! لا أدري لمَ شعرتُ أنّها من 
أصل زنجي! 
وفي تلك الأثناء دق باب المنزل الفخم بعنف، فهرعت الخادمة لفتح 
الباب وعادت وهي تستغيث:
60 
- سيدتي.. سيدتي.. إنّهم يحملون جريح مصاب بعيارات نارية 
وفي حال ولا 
ً 
، وهم يقولون أنّهم فقراء جدا 
ً 
خطرة جدا 
يملكون أجرة نقله إلى مستشفى المدينة. 
سألتها زوجة الطبيب: 
- هل ينزف؟ 
- ه ينزف بشدّ 
ّ 
إن ة.. 
- لا تدعيه يدخل، سيلوث دمه المنزل ! اعتذري منهم وأغلقي 
الباب بوجههم، من يظنون أنفسهم حتى يلطخوا أرض منزلي 
بدماء الفقراء؟ 
وافقتها صديقتها، وقد استنكرت زوجة رئيس البلديات هذا التصرف 
الشائن منهم: 
- يا إلهي الفظاعة! قال فقراء على من يضحكون آه؟ يظنون 
أننا سنصدّق أنّ هناك من لا يملك اجرة استئجار سيارة أو 
سائق لمسافة عشرات الكيلومترات ليصل إلى المدينة؟ 
يتصنعون الفقر وتجدينهم يقتنون السلاح أو في الحانات 
يرمون كومات الأموال لقاء الحصول على الكحول 
والعاهرات.
61 
وأكدت زوجة كبير الأثرياء هذه الفكرة بقولها: 
- نحن الفقراء الحقيقيون 
ً 
أصلا عندما 
ً 
، خاصة نظن أنّ هناك 
فقراء لا يشبعون الخبز بينما تفوح روائح الشواء ورنين 
ليرات الذهب من أحيائهم! 
لم تستطع الخادمة احتمال المزيد وقد شاهدت بعينها الحالة 
المفجعة للشاب ومسعفيه، فصعدت الدرج بهيستيريا لتخبر الطبيب 
البارع وهو العارف بالحالات الحرجة من بعيد، ولحقت بها زوجة 
الطبيب وهي تشتمها بأفظع الشتائم. 
***
62 
بعد أن انتهى تكريم نمنوم من قبل جلالته "الشريفة"، طلب فور 
ً 
ا 
وزير التسليح والتشليح، الذي قدم بهرولة عسكرية صحيحة مائة 
بالمائة فأثنى السلطان : 
ً 
على انضباطه، لكنه قال عابسا 
- لدحر المتآمرين على المرسيدس 
ً 
سنتحرك فورا ات الوطنية، 
سحق 
ً 
علينا، لذا عليك فورا 
ً 
فهم يعتدون على وزرائنا وغدا 
ومحق جميع من أعد وخطط وشارك ونفذ وشاهد هذه 
الجريمة البشعة، بعد أن يتم التحقيق معهم وعندما أقول 
جميع فإنني أقصد بها الجميع، من بشر وحجر وشجر 
وحيوانات برية وغير برية وكائنات مجهرية، وإذا كانت الليلة 
قمراء أريد أن يكتب إعلامنا أنّها ظلماء، فوسائل إعلام 
لتنقل الحقيقة المزيفة على شاشاتها. 
ً 
العدو لن تدخر جهدا 
أدى الوزير التحية على أصولها، فأثنى السلطان عليه، وطلب منه 
بيان العملية الغادرة ففتح ورقة كانت في يده وقرأها: 
سيدي سلطان الزمان والمكان، في مكان مشؤوم وساعة نحس، 
قامت مجموعة صعاليك غادرة بمهاجمة مجموعة من وزراء المملكة، 
وهي لمجموعة مشهود لها بأنها مخلصة ساهرة، فتم إهانة زوجاتهن 
ً 
العفيفات الطاهرات العذراوات! واغتصاب الوزراء المغدورين فردا 
، وسرقة مرسيدساتهم لاستخدامها في أغراض معاديةٍ 
ً 
فردا
63 
لتوجيهات سيادتكم بأنّ القيادة فن وذوق وأخلاق، والقيادة منهم براء 
يا سيدي، وتنتظر وزارتي تعليمات فخامتكم وتعدكم بالرد القاس ي 
على من تجرأ وامتدت يده إلى هيبة المملكة. 
أثنى السلطان على حسن قراءة البيان وبلاغة لسان وزيره، وثم قال 
ه انبهار 
ّ 
بنفسه وكل 
ً 
متفاخرا بذكائه الذاتي: 
- هل تعرف لمَ أجلت قراري بالقبض على الجناة وسحقهم إلى 
بعد التكريم بالرغم من خطورة الموقف الشديدة؟ 
هزّ الوزير رأسه بالنفي وقد أعده للهزّ بذكاء السلطان قبل 
ً 
إعجابا 
أن يسمع إجابته حتى، فقال السلطان وبريق الفخر يلمع في عينيه: 
- لكي أفاجئهم! فهم يتوقعون رد فعل سريع بأن أسحقهم 
وأمحقهم بينما قمت بمباغتتهم، فقمت بإتمام التكريم وهذه 
هزيمة لهم ولغاياتهم ومن ثم أمرت بسحقهم بعد أن يكونوا 
قد ظنوا أنني تركتهم لضعفٍ أو لامبالاة! 
قام الوزير به زة الإعجاب العظيم التي أعد ل ، وأدى الت 
ً 
ها مسبقا حية 
للسلطان العبقري، فأثنى السلطان على حركته العسكرية 
الصحيحة، ومن ثم انطلق الوزير لتوجيه عناص ره حسب تعليمات 
جلالته. 
***
64 
تمددت سيلينا على كرس ي الفحص، وبدأ الطبيب بعلاجها على الفور 
وهي تنزلها: 
ً 
فرفع تنورتها، فقالت مستاءة 
- مشكلتي تحت أيها الطبيب البارع، لكن مشكلتك أنت في 
الوسط، إذا أردت أن تحلها سأعطيك كرتي وفيه عنوان 
تمض ي به أجمل الأوقات، أما الآن فأود أن تحل مشكلتي 
لأستطيع التفرغ لمشكلتك على رواق! 
على علاجها 
ً 
أشرق الطبيب وهو يسمع هذا الكلام فزاده اصرارا 
بسرعة، فأخذ يتلمس ساقها مكان الإصابة لكنها أحست بأمرٍ غريبٍ ، 
يملك يدين أي كفين فكيف يتلمس ساقها 
ً 
إذ أن الطبيب منطقيا 
بأكثر من ثلاث أيادي! رفعت رأسها فشاهدت المعتوهين الثلاثة 
وقالت: 
ً 
يفركون ساقها، فعدلت من وضعيتها غاضبة 
- كم زبالة، أو دعوني أصحح أنتم أول حرفين منها! 
ّ 
أعرف أن 
لكن أيها الداعرون الأثرياء هناك أماكن مخصصة لشبقكم 
هذا فلمَ تنتظرون مصابة لكي تظهرون بهذا المظهر الغبي 
أمامها؟ 
: 
ً 
قال الطبيب متلعثما
65 
- ك قد أسأت فهمنا فأنا أسمح لهؤلاء 
ّ 
عفوك سيدتي يبدو أن 
السادة المهتمين بالطب بمعاينة وجس أي مصاب في مكان 
إصابته مهما كان نوعها، وهذه مبادرة مني لنشر علوم الطب 
وتستطيعي 
ً 
وتنفيذها مجانا ن التأكد منهم بنفسك من صحة 
ما قلت. 
وقبل أن تتحرك سيلينا المشمئزة من عهر المجتمع وأعيانه لتغادر 
المكان المقرف، فتحت الخادمة الباب وصاحت: 
- يا حكيم يا حكيم.. هناك مصاب ينزف بشدة على باب المن زل 
أرجوك أسرع قبل أن يصفي دمه ويموت! 
ركض إليها الطبيب 
ً 
مغتاظا وصفعها بشدّة وقال: 
- يا قحبة، عندما تحين ساعته لن يرده ش يء عنها! 
ووصلت إليها زوجته وأخذت تكيل لها باللكمات والصفعات هي 
ً 
الأخرى مؤكدة إيمان زوجها بقولها: 
- فيكف إذا كانت ساعته أصلية؟ 
بكت الخادمة الآسيوية من الألم وهي تكرر أنّها لم تلمح ساعة في يد 
الشاب!
66 
: 
ً 
انفجرت سيلينا غاضبة 
- اتركوها يا حيوانات! وأنتم أيها السادة المنحطون الداعرون 
تفضلوا واجلبوا المصاب بسرعة إلى هنا لجس مكان النزف! 
أم أنّ اختصاصكم سيقان النسوان فقط؟ 
وجمت زوجة الطبيب عند سماعها ما قالته سيلينا، فتركت الخادمة 
وسألتها: 
- ماذا فعلوا معك؟ 
للانتقام منهم 
ً 
قالت سيلينا كاذبة ، وقد مدت يدها إلى حقيبتها ونا ولتها 
كرتها: 
- عفوكِ سيدتي، أنا مجرد عاهرة وقد اتفقت مع هؤلاء 
مقابل 
ً 
السادة على دخول منزلكم ليتم مضاجعتي جماعيا 
سيارة مرسيدس مثل تلك التي يركبها الوزراء، لقد كذبت 
عليكن لكي أقوم بعملي، فأنا مثلي مثل أي عامل أو عاملة 
يأمره المدير بأوامره فيأتمر ويعمل.. آسفة لإثارة 
ً 
مجددا 
! 
ً 
سعيدة 
ً 
الفوض ى في منزلكم الداعر هذا وأتمنى لكم أوقاتا 
ثم ابتسمت سيلينا، وجاهدت لإخفاء ألمها وهي تمش ي بشكل صحيح 
لتثبت للزوجة الم 
ً 
تماما صعوقة أنّها سليمة وأنّ إصابتها كانت مجرد 
تمثيلية، ثم نزلت الدرج وابتسمت للزوجتين الأخريين ابتسامة عاهرة 
محترفة منهما كرتها 
ً 
بعد أن ناولت كلا . فتحت الباب فهالها منظر
67 
الشاب والدماء النازفة بشدّة، فقالت للمسعفين بعد أن انتبهت 
لفقر حالهم من لباسهم ووجوههم الغائرة الجائعة: 
- 
ً 
اللعنة! ماذا تنتظرون خذوه إلى مشفى المدينة فورا.. هذا 
الطبيب ساقط وليس لديه ذرة شرف. 
ظهرت الخيبة والمرارة الشديدة على وجوههم، وسبقتهم دموع 
العجز، وقد تمنى بعضهم لو ينبثق أحد الشرفاء فيمن عليهم بأجرة 
نقل مصابهم النازف إلى مشفى المدينة وتمنى آخ رون أن يتبرع سائق 
. 
ً 
شهم بنقله مجانا 
! 
ً 
معطرا 
ً 
كبيرا 
ً 
ووسط ذهولهم، فتحت سيلينا حقيبتها وناولتهم مبلغا 
إلى الدماء المتدفقة وصاحبها الغائب 
ً 
وقالت لهم وهي تنظر مهتاجة 
عن وعيه: 
- يلا.. بلا بسرعة.. 
ثم تحركت سيلينا بسرعة إلى الطريق وأشرّت لأول سيارة، وكان 
سائقها الشاب 
ً 
كثيرا 
ً 
مسرعا ، فقفز كله على الفرامل لإيقاف سيارته 
ً 
قريبا من سيلينا لكنه توقف بعدها بمائة متر، فرجع بسرعة لكي
68 
يتأكد من جمال الصبية التي أوقفته وهو يمني نفسه بالتمتع بهذا 
الجسد المتناسق ولو عبر المرآة! 
ترجته سيلينا: أرجوك يا صديقي بل أتوسل إليك، ثم التقطت 
أنفاسها، وقالت وهي على وشك الإغماء بسبب منظر الدماء: اسمع 
هذا كرتي وأنا مستعدة لتقديم ليلة بسعر مخفّض لك إن أسعفت 
هذا الشاب بأقص ى سرعة لمشفى المدينة! هيا أرجوك! 
، بل تناول الكرت ووضعه في جيبه 
ً 
لم يفكر الشاب أبدا بحركة 
سريعة؛ وخلال ثواني، حمل الشاب ووضعه في المقعد الخلفي، وطار 
به دون أن يلحق أحد من أقاربه بأن يركب معه ليرافقه! 
وقفت سيلينا والدهشة تكاد تصرعها، وقالت: معقولة هذا الشاب 
ً 
شهم جدا؟ أم أنّ العرض مثير للشهامة لهذا الحد؟ 
ً 
ه شهم، وإلا كان قرأ الكرت وتأكد منه أولا 
ّ 
أخذت تقنع نفسها بأن 
، 
ً 
وتكلم معها ثانيا كانت بأشد الحاجة للاقتناع بأنّ هناك ثمة شرف 
وشرفاء في هذا العالم المنحل! 
وفي تلك الأثناء، تناهى إلى سمعها صياح الزوجات وأصوات تحطيم 
واستغاثات السادة الداعرين، فاقتربت من الباب المفتوح وسمعت
69 
السادة يعدون نساءهم بتنفيذ كل ما يرغبن به في حال توفقن عن 
الصياح والتحطيم، فساد صمت، ومن ثم سمعت أصوات أحاديث 
مسالمة وعندما اقتربت الأصوات من الباب تحركت سيلينا واختبأت 
خلف شجيرات قريبة، فرأت الطبيب وزوجته يركبان سيارتهما 
( 
ً 
اليابانية ويتجهان غربا نحو وكالة المرسيدس لشراء سيارة مرسيدس 
فخمة( ورئيس مجلس البلديات وزوجته يركبان سيارتهما ويتجهان 
)نحو فيلا سريّة يمتلكها لسحب أموال من خزائنها وإشهار 
ً 
جنوبا 
)نحو المطار للسفر ن 
ً 
ثروته( وكبير الأثرياء وزوجته يتجهان شرقا حو 
إحدى الجامعات الشهيرة في ولاية ميشيغان لإجراء عمليات تجميل 
وإعادة تشكيل للزوجة(. 
***
70 
انتشرت القوات في المنطقة فاعتقلت كل ش يء حسب التعليمات من 
بشر وحجر وشجر وحيوانات، فجاءت الجرافات وجرفت الغابة 
ووضع البشر في زنزانات والحيوانات في أقفاص، قلت 
ُ 
ون محت ويات 
المنازل والمحال التجارية والمستودعات للتحقيق معها وبيعها! وتم 
تقطيع الشجر إلى حطب للتحقيق معه في مدافئ قصور القادة، 
وصارت المنطقة صحراء. 
وبينما كانت سيلينا تسأل عن فندق لتبيت فيه ليلتها الرهيبة تلك، 
وقفت سيارة هامر جانبها، فقال أحد ركابها: إنّها هيَ! 
نظرت إليه وإذ به أحد المجرمين المعتوهين السابق ذكرهم، نزل على 
الفور ثلاثة رجال ضخام وحملوها بخفة ووضعوها في المقعد الخلفي 
بجانب المجرم، وانطلقت السيارة مسرعة. 
استطاع المجرم أن يهمس بجدية بالغة وهم يركبون: لقد تحققت 
أمنياتنا يا عاهرة! 
فتحت سيلينا عيناه ، وهي تريد أن تسأله كيف تم ذلك؟ 
ً 
ا دهشة 
لكنها لم تجرؤ أن تنبس بحرف أمام الرجال الشرسين المسلحين 
تب عليها: الموت للأعداء! 
ُ 
الذين ارتدوا بزة موحدة ك
71 
فكرت طيلة الطريق في اختراع جدتها، وكيف له أن يحقق أمنيات 
الآخرين من دون أن يحقق أمنيتها في حياة شريفة، وخطر ببالها فكرة 
أرعبتها سيطرت على تفكيرها: ماذا إن كان لا وجود لحياة شريفة في 
هذا الكوكب؟ وهل يُعقل أن تكون مشاهداتها واضحة وذات نتائج 
مباشرة كونها عاهرة، هل الحقيقة تظهر لها ناصعة كونها كذلك؟ هل 
يحيا الآخرون ممن يُظهرون الشرف أو تظهر حياتهم شريفة للآخرين 
كمظهر خارجي فقط، هل مظهر الحياة الشريفة هو مجرد قش رة 
لعهر أشد من عهر مهنتها؟ هل يعقل أن يحيا المرء طيلة سنوات بل 
خلف مظاهر الحياة 
ً 
إذا لم يكن العمر كله متسترا 
ً 
عقود أحيانا 
الشريفة بينما تسرح ديدان العهر في أوصاله وأفكاره وتصرفاته غير 
المرئية! 
نظر أحد الحراس المسلحين المخيفين نظرة شماتة لسيلينا وقال لها 
: 
ً 
ساخرا 
- فكري قدر استطاعتك الآن، أرجو لك الاستمتاع بضيافة 
مركزنا! 
ضحك الحراس الآخرين فقال أحدهم: 
- بخدماتنا. 
ً 
أنا واثق من أنّها ستستمع كثيرا
72 
وقال الآخر: 
- لدينا طرق في الإمتاع ستعجبك وستتغيّر نظرتك إلى المتعة 
بشكل تام بعد التعرض إلى هذه الطرق. 
ً 
نظرت إليهم سيلينا نظرة تحدي وكراهية غريبة وقالت ساخرة بشكل 
استفزازي: 
- بجانبي مجرم حقيقي لكن هرموناتكم الغبية مثلكم لا يمكنها 
أن ترى مكمن الإجرام الحقيقي، بل تقودها الغريزة كما 
تقود جزرة بغل جائع! وجهوا خطابكم لمن يستحقه مع علمي 
كم مجرد مرتزقة تافهة لا تبلغون حافة 
ّ 
المسبق أن إصبعي 
الصغير مهما رفعتم رؤوسكم التي ينقصها آذان طويلة شأنها 
شأن جنسكم من الحمير والبغال! 
صاح الثلاثة بصوت واحد عنيف وشرس: 
- اخرس ي يا عاهرة! 
قالت بنبرة تحدي ساخر: 
- لم تأتوا بجديد!
73 
كظموا غيظهم وغضبهم البركاني، وهم يعلمون أنّهم يجب أن يصلوا 
في الوقت المحد، لن يرحمهم أو يبرر لهم تأخرهم عن 
ً 
د وإلا فإنّ أحدا 
تنفيذ مهمتهم في القبض عليها. 
وصلوا إلى المركز الفخم التابع لقصر السلطان، ونقل وها بسرعة 
وأعادوا لها أمنياتهم بمتعة ولذة قصوى شامتين منها بكل ما 
استطاعوا بلهجة أو نظرات. 
***
74 
ُ 
بعد أن أملى تعليماته طلب السلطان نمنوم، فأمرها بأن ت حضّر 
نفسها لليلة حمراء في قصره، فانحت طائعة وقد أبرقت عيناها 
بشعاع النشوة، فإن لم تخلق المرأة لإمتاع هذا السلطان التاريخي 
فلمَ لقِت؟ 
ُ 
تكون قد خ 
جاءت الخادمات وخبيرات الليالي الحمراء ومعهن الكريمات 
والمستحضرات الخاصة، وقادوها إلى حمام فخم واسع وبدأ عملهم 
هناك مع إشارة من سيدة مختصة بمتع السلطان ونسائه. 
بعد أن انتهت تلك التحضيرات اقتيدت نمنوم إلى غرفة السلطان التي 
كانت تصلح كساحة وليس كغرفة، وكان هناك فراش ذهبي وثير في 
. 
ً 
وسط الغرفة، حيث تمدد السلطان ساهما 
دخلت نمنوم وقد بدت كالشمس في إشراقها فأشرقت أسارير 
السلطان، وقال لها وهو الذي تعوّد لغة الخطابات: 
- ، وكان التكريم 
ً 
وفعلا 
ً 
لطالما شددت على أهمية المرأة قولا 
الذي والآن سيبدأ الجزء العملي من 
ً 
حصل قبل قليل قولا 
ه امتداد لتاريخنا 
ّ 
التكريم بالفعل، وهذا أمر أصرّ عليه لأن 
الحضاري وإرثنا الساطع، ونستطيع تمييز ذلك من كون 
الفعل في لغتنا يأتي قبل الفاعل، وفي هذا إشارة واضحة إلى
75 
أنّ الفعل يجب أن يسبق الفاعل، وسترين أنّ هذا ما 
سيتحقق على فراش ي المتواضع! 
وقبل أن يبدأ بفعله الذي يسبق الفاعل، أضاء ضوء أحمر في سقف 
الغرفة الساحة، فصاح: 
- ماذا هناك؟ تقرير الحالة بسرعة. 
دخل أحد خصيانه وقرأ تقرير الحالة: 
لقد تم القاء القبض على الخونة ممن تبقى من شركاء وشهود اعتداء 
الوزراء الاجرامي. 
كاد ، فقال لنمنوم: 
ً 
السلطان أن يرقص جزلا 
- قدرك أن تحضري إحدى انتصاراتي على الأعداء وما أكثرها، 
تعالي فلعلك تودين أن تشهدي فصول هذا النصر العظيم! 
آخر 
ً 
ثم خرجا إلى قاعة ملحقة بغرفة النوم، وفيها قرأ أحدهم بيانا 
ذكر فيه كيفية القبض على المجرمين واعترافاتهم حتى ا لآن، وفي آخر 
البيان تم ذكر ما يلي:
76 
اعترف جمع المجرمين بمحاولتهم الاغتصاب الجماعي لعاهرة طلبها 
مجرم لقى حتفه قبل الحادثة، وهي تدعى سيلينا. 
صاحت نمنوم صيحة رعب وهرّت باكية وقد غصت بدموعها! 
فسألها السلطان والدهشة تغمره: 
- ما بك يا عزيزتي؟ 
- هذه الصبية تخصني يا جلالة السلطان العظيم! 
- اللعنة! إن من يخصك يخصني وسأخبرك لماذا بعد قليل. 
المجرمون الخبثاء! إنّهم يعرفون أنني أقوم بتكريمك لذا 
قاموا بجريمة مزدوجة بأن يهينوا ما يمثلني وما يمثل من 
أكرمه.. لم يسبق أن 
ً 
السفلة الأنذال سيلقون مصيرا 
ّ 
خطه 
التاريخ لبشاعته! 
- أرجوك يا سيدي أن تأمر رجالك بالتلطف وحسن المعاملة 
لسيلينا، فهي من أتباعك المخلصين وهي تحلف بحياتك في 
تفاصيل حياتها اليومية! أنا واثقة من لطف حضرتك 
وشهامة حراسك وتقديرهم لمواطنة صالحة مثل سيلينا 
لكن تعرف قلق المرء على من يحبّ هم ويعرف ولاءهم 
وإخلاصهم للوطن وسلطانه.
77 
ثم اقتربت منه وهمست في أذنه المباركة، فاحمّر وجهه ثم سألها ق 
ً 
لقا: 
- 
ً 
أيكون هذا صحيحا؟ 
- لقد دونت كل المواعيد والتواريخ في دفتر موجود في منزلي! 
أمر السلطان بإكرام سيلينا بأفضل الأشكال، وأن يتم التعامل معها 
كأميرة، وأن يتم تلبية طلباتها حتى لو لم تقلها، على أن يتم إحضارها 
من ظروف اعتقالها! 
ً 
إلى القاعة بعد أن ترتاح قليلا 
***
78 
تم سوق سيلينا بعنف إلى داخل قاعات سوداء يتم فيها التحقيق، 
وقد تناهت إلى مسامعها أصوات مرعبة قادمة من الأقبية ناتجة عن 
التعذيب الوحش ي. وكانت أيدي جميع من مرّ في الردهة قد امتدت 
إليها، من هذا المصير الأسود الذي 
ً 
فتناثرت دمعاتها وهي ترتجف رعبا 
ستناله لسببٍ لا علاقة لها به، وأشد ما كانت تتمناه هو لقاء جدتها 
لتسألها لمَ يحقق الاختراع الذي وصلها منها جميع الأمنيات إلا أمنيتها. 
أدخلوها 
ً 
قاعة تلطخت جدرانها بدماء جف معظم ذ 
ً 
ها وبدا أسودا ا 
رائحةٍ نتنةٍ كريهةٍ، كادت تغمى عليها من هول الرائحة والمنظر والرعب 
المحيط بهذا الجو المخيف، فقالت بصوت عالٍ، وهي تتمنى في 
أعماقها أن يكون هذا كله كابوس أو مزحة من القدر: 
- أنا مجرد عاهرة تعيش من عرق جبينها، لعلكم ستسخرون 
من كلامي لأنّ مهنتي مصنفة على أنّها قذرة لأنّها تخضع 
لرغبات ونزوات وهرمونات الزبائن، لكن مهنتكم أسوأ 
ولست أقصد في هذا الإساءة إليكم أيها العاملون هنا، إنما 
أقصد أنني مجرد عاملة، مثلي مثل أي شخص ذو قدرات 
مهنية ضعيفة فتعلم مهنة بسيطة ليعتاش منها، فمن الناس 
من يجرّ عربة طيلة اليوم وينادي على بضعة حبات بندورة 
ومنهم من يفترش الرصيف ببعض الأدوات التافهة، وآخرون
يوم مع عاهرة
يوم مع عاهرة
يوم مع عاهرة
يوم مع عاهرة
يوم مع عاهرة
يوم مع عاهرة
يوم مع عاهرة

Contenu connexe

Tendances

David molden svemoguci nlp
David molden   svemoguci nlpDavid molden   svemoguci nlp
David molden svemoguci nlpAmra Handanovic
 
NLP Practitioner - Generacija 34 sertifikacija
NLP Practitioner - Generacija 34 sertifikacijaNLP Practitioner - Generacija 34 sertifikacija
NLP Practitioner - Generacija 34 sertifikacijaNLP Centar Beograd
 
г. тютюнник климко
г. тютюнник климког. тютюнник климко
г. тютюнник климкоaldoschina
 
იყო ერთი სპილო. ზღაპარი ციფეროვის
იყო ერთი სპილო. ზღაპარი ციფეროვისიყო ერთი სპილო. ზღაპარი ციფეროვის
იყო ერთი სპილო. ზღაპარი ციფეროვისkarliqeti
 
тема.речення з однорідними членами
тема.речення з однорідними членамитема.речення з однорідними членами
тема.речення з однорідними членамиВалентина Кодола
 
Il Lungo Viaggio Di Enea
Il Lungo Viaggio Di EneaIl Lungo Viaggio Di Enea
Il Lungo Viaggio Di EneaCatalini Teresa
 
Відокремлені означення
Відокремлені означенняВідокремлені означення
Відокремлені означенняSvitlana ZHyvolup
 
Brigite - Sexo, Amor & Crime
Brigite - Sexo, Amor & CrimeBrigite - Sexo, Amor & Crime
Brigite - Sexo, Amor & CrimeAngelo Tomasini
 
Curso preparatório para o estudo do bona publicado (1)
Curso preparatório para o estudo do bona publicado (1)Curso preparatório para o estudo do bona publicado (1)
Curso preparatório para o estudo do bona publicado (1)Leila Schimith
 
Ходещо бедствие (Джейми Макгуайър)
Ходещо бедствие (Джейми Макгуайър) Ходещо бедствие (Джейми Макгуайър)
Ходещо бедствие (Джейми Макгуайър) tlisheva
 
ოთხი სურვილი
ოთხი სურვილიოთხი სურვილი
ოთხი სურვილიQetevan Zh
 
прислівник як частина мови. презентація
прислівник  як частина мови. презентаціяприслівник  як частина мови. презентація
прислівник як частина мови. презентаціяVitaliy01
 
Gates, olivia domar a un jeque - 01 pasión entre dunas
Gates, olivia   domar a un jeque - 01 pasión entre dunasGates, olivia   domar a un jeque - 01 pasión entre dunas
Gates, olivia domar a un jeque - 01 pasión entre dunasAlbani
 

Tendances (20)

приголосні тверді і м’які
приголосні тверді і м’якіприголосні тверді і м’які
приголосні тверді і м’які
 
David molden svemoguci nlp
David molden   svemoguci nlpDavid molden   svemoguci nlp
David molden svemoguci nlp
 
დოსტოევსკი დანაშაული და სასჯელი
დოსტოევსკი   დანაშაული და სასჯელიდოსტოევსკი   დანაშაული და სასჯელი
დოსტოევსკი დანაშაული და სასჯელი
 
Sidra - Aleksandra Jankovic
Sidra - Aleksandra JankovicSidra - Aleksandra Jankovic
Sidra - Aleksandra Jankovic
 
NLP Practitioner - Generacija 34 sertifikacija
NLP Practitioner - Generacija 34 sertifikacijaNLP Practitioner - Generacija 34 sertifikacija
NLP Practitioner - Generacija 34 sertifikacija
 
г. тютюнник климко
г. тютюнник климког. тютюнник климко
г. тютюнник климко
 
იყო ერთი სპილო. ზღაპარი ციფეროვის
იყო ერთი სპილო. ზღაპარი ციფეროვისიყო ერთი სპილო. ზღაპარი ციფეროვის
იყო ერთი სპილო. ზღაპარი ციფეროვის
 
Texto saltimbancos
Texto saltimbancosTexto saltimbancos
Texto saltimbancos
 
тема.речення з однорідними членами
тема.речення з однорідними членамитема.речення з однорідними членами
тема.речення з однорідними членами
 
Il Lungo Viaggio Di Enea
Il Lungo Viaggio Di EneaIl Lungo Viaggio Di Enea
Il Lungo Viaggio Di Enea
 
Відокремлені означення
Відокремлені означенняВідокремлені означення
Відокремлені означення
 
Brigite - Sexo, Amor & Crime
Brigite - Sexo, Amor & CrimeBrigite - Sexo, Amor & Crime
Brigite - Sexo, Amor & Crime
 
Igualtat de dones
Igualtat de donesIgualtat de dones
Igualtat de dones
 
Curso preparatório para o estudo do bona publicado (1)
Curso preparatório para o estudo do bona publicado (1)Curso preparatório para o estudo do bona publicado (1)
Curso preparatório para o estudo do bona publicado (1)
 
Конкурс малюнків "Моя країна - Україна"
Конкурс малюнків "Моя країна - Україна"Конкурс малюнків "Моя країна - Україна"
Конкурс малюнків "Моя країна - Україна"
 
Хрестоматія 3, 4
Хрестоматія 3, 4Хрестоматія 3, 4
Хрестоматія 3, 4
 
Ходещо бедствие (Джейми Макгуайър)
Ходещо бедствие (Джейми Макгуайър) Ходещо бедствие (Джейми Макгуайър)
Ходещо бедствие (Джейми Макгуайър)
 
ოთხი სურვილი
ოთხი სურვილიოთხი სურვილი
ოთხი სურვილი
 
прислівник як частина мови. презентація
прислівник  як частина мови. презентаціяприслівник  як частина мови. презентація
прислівник як частина мови. презентація
 
Gates, olivia domar a un jeque - 01 pasión entre dunas
Gates, olivia   domar a un jeque - 01 pasión entre dunasGates, olivia   domar a un jeque - 01 pasión entre dunas
Gates, olivia domar a un jeque - 01 pasión entre dunas
 

En vedette

زنا المحارم
زنا المحارمزنا المحارم
زنا المحارمdida91
 
محمد و زنا المحارم
محمد و زنا المحارممحمد و زنا المحارم
محمد و زنا المحارمCrossMuslims
 
شذوذ محمد الجنسي
شذوذ محمد الجنسيشذوذ محمد الجنسي
شذوذ محمد الجنسيCrossMuslims
 
القديس خفي الظاهر (مذكرات قديس خائب) - كنان القرحالي
القديس خفي الظاهر (مذكرات قديس خائب) - كنان القرحاليالقديس خفي الظاهر (مذكرات قديس خائب) - كنان القرحالي
القديس خفي الظاهر (مذكرات قديس خائب) - كنان القرحاليKenan Alqurhaly
 
حريق الحرائق - كنان القرحالي
حريق الحرائق - كنان القرحاليحريق الحرائق - كنان القرحالي
حريق الحرائق - كنان القرحاليKenan Alqurhaly
 
مسرحية حديقة العاهات - السلعوة
مسرحية حديقة العاهات - السلعوة مسرحية حديقة العاهات - السلعوة
مسرحية حديقة العاهات - السلعوة abdul ghani mahfouz
 
مقتطفات جميلة
مقتطفات جميلةمقتطفات جميلة
مقتطفات جميلةChirazad Chiraz
 

En vedette (7)

زنا المحارم
زنا المحارمزنا المحارم
زنا المحارم
 
محمد و زنا المحارم
محمد و زنا المحارممحمد و زنا المحارم
محمد و زنا المحارم
 
شذوذ محمد الجنسي
شذوذ محمد الجنسيشذوذ محمد الجنسي
شذوذ محمد الجنسي
 
القديس خفي الظاهر (مذكرات قديس خائب) - كنان القرحالي
القديس خفي الظاهر (مذكرات قديس خائب) - كنان القرحاليالقديس خفي الظاهر (مذكرات قديس خائب) - كنان القرحالي
القديس خفي الظاهر (مذكرات قديس خائب) - كنان القرحالي
 
حريق الحرائق - كنان القرحالي
حريق الحرائق - كنان القرحاليحريق الحرائق - كنان القرحالي
حريق الحرائق - كنان القرحالي
 
مسرحية حديقة العاهات - السلعوة
مسرحية حديقة العاهات - السلعوة مسرحية حديقة العاهات - السلعوة
مسرحية حديقة العاهات - السلعوة
 
مقتطفات جميلة
مقتطفات جميلةمقتطفات جميلة
مقتطفات جميلة
 

Similaire à يوم مع عاهرة

وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصيةوجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصيةentsar
 
أورهان كمال - الهارب - رواية
أورهان كمال - الهارب - روايةأورهان كمال - الهارب - رواية
أورهان كمال - الهارب - روايةAli Alaaraj
 
عندما يزهر البرتقال | الكاتب الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب الأسير عمار الزبن QudsN
 
نسرين - مجموعة قصصية -
نسرين  - مجموعة قصصية -نسرين  - مجموعة قصصية -
نسرين - مجموعة قصصية -رياض القاضي
 
طوق البهامة
طوق البهامةطوق البهامة
طوق البهامةEytin Eytiwon
 
الباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكرية
الباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكريةالباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكرية
الباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكريةRajaa Rajaa Bakriyyeh
 
عمل الطالبة
عمل الطالبةعمل الطالبة
عمل الطالبةLAILAF_M
 
دمعة على حبيب
دمعة على حبيبدمعة على حبيب
دمعة على حبيبkabdulhak
 
دمعة على حبيب
دمعة على حبيبدمعة على حبيب
دمعة على حبيبkabdulhak
 
ديوان حديقة الاجوبة
ديوان حديقة الاجوبةديوان حديقة الاجوبة
ديوان حديقة الاجوبةalselman
 
Malek ben al reb2
Malek ben al reb2Malek ben al reb2
Malek ben al reb2wasan5
 
الضحك متروك على المصاطب
الضحك متروك  على المصاطبالضحك متروك  على المصاطب
الضحك متروك على المصاطبLith Alayasa
 
3 تجلي الآلهة كْريشنا
3 تجلي الآلهة كْريشنا 3 تجلي الآلهة كْريشنا
3 تجلي الآلهة كْريشنا jomhory
 
1 نماذج من الشعر في العصر الجاهلي
1  نماذج من الشعر في العصر الجاهلي1  نماذج من الشعر في العصر الجاهلي
1 نماذج من الشعر في العصر الجاهليTop4Design
 
أُرْجُوانِيُّ.pdf
أُرْجُوانِيُّ.pdfأُرْجُوانِيُّ.pdf
أُرْجُوانِيُّ.pdfDarMobd2
 
تكليف
تكليف تكليف
تكليف LAILAF_M
 

Similaire à يوم مع عاهرة (20)

وجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصيةوجهها المجموعة القصصية
وجهها المجموعة القصصية
 
أورهان كمال - الهارب - رواية
أورهان كمال - الهارب - روايةأورهان كمال - الهارب - رواية
أورهان كمال - الهارب - رواية
 
عندما يزهر البرتقال | الكاتب الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن عندما يزهر البرتقال | الكاتب  الأسير عمار الزبن
عندما يزهر البرتقال | الكاتب الأسير عمار الزبن
 
نسرين - مجموعة قصصية -
نسرين  - مجموعة قصصية -نسرين  - مجموعة قصصية -
نسرين - مجموعة قصصية -
 
حنه القس الياس مقارHannah
حنه  القس الياس مقارHannahحنه  القس الياس مقارHannah
حنه القس الياس مقارHannah
 
طوق البهامة
طوق البهامةطوق البهامة
طوق البهامة
 
الباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكرية
الباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكريةالباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكرية
الباهرة, مجموعة قصصية للكاتبة رجاء بكرية
 
نشيب سويًا
نشيب سويًانشيب سويًا
نشيب سويًا
 
عمل الطالبة
عمل الطالبةعمل الطالبة
عمل الطالبة
 
دمعة على حبيب
دمعة على حبيبدمعة على حبيب
دمعة على حبيب
 
دمعة على حبيب
دمعة على حبيبدمعة على حبيب
دمعة على حبيب
 
ديوان حديقة الاجوبة
ديوان حديقة الاجوبةديوان حديقة الاجوبة
ديوان حديقة الاجوبة
 
Malek ben al reb2
Malek ben al reb2Malek ben al reb2
Malek ben al reb2
 
الضحك متروك على المصاطب
الضحك متروك  على المصاطبالضحك متروك  على المصاطب
الضحك متروك على المصاطب
 
novel
novelnovel
novel
 
الشعلة الزرقاء
الشعلة الزرقاء   الشعلة الزرقاء
الشعلة الزرقاء
 
3 تجلي الآلهة كْريشنا
3 تجلي الآلهة كْريشنا 3 تجلي الآلهة كْريشنا
3 تجلي الآلهة كْريشنا
 
1 نماذج من الشعر في العصر الجاهلي
1  نماذج من الشعر في العصر الجاهلي1  نماذج من الشعر في العصر الجاهلي
1 نماذج من الشعر في العصر الجاهلي
 
أُرْجُوانِيُّ.pdf
أُرْجُوانِيُّ.pdfأُرْجُوانِيُّ.pdf
أُرْجُوانِيُّ.pdf
 
تكليف
تكليف تكليف
تكليف
 

يوم مع عاهرة

  • 1.
  • 2. 1 كنان القرحالي يوم مع عاهرة رواية قصيرة
  • 3. 2 الإهداء إلى شقيقيّ الراحليَن مجد، سامر القرحالي
  • 4. 3 عندما وقفتِ وأعلنتِ على الناسِ عهرَكِ بعتِ الناسَ واشتريتِ نفسَكِ؟ َ ، كيف ُ تألمت )1002- مجد القرحالي ) 2891
  • 5. 4 مقدمة قررت عاهرة تدعى سيلينا أن تلقن أشرف القوم، ممن لا شرف لهم، ّ في الأخلاق والكرامة، ولو أن ً درسا ني أكتب بلسانها لأضافت: والشرف! وضعت سيلينا خطتها تلك على عجلة وهي تلف سندويشة زعتر في الليلة التي سبقت اليوم الذي ستدور أحداث الرواية فيه، وفكرت أنّ اختراع جدتها الذي وجدته بين حمالات صدرها قد يساعدها في مهمتها الصعبة تلك! كانت التناقضات تعتمل في رأسها الصغير، وهي تكاد تبكي على هذا عن أصلها سوى أنّ ً المسار الذي وُضعت به، فهي لا تعلم شيئا جدتها كانت أشهر عاهرة في البلاد وهي من ربتها وأنشأتها في نفس المهنة، لكنها توفيت قبل أن تخبر سيلينا من هي أمها أو من يكون أبوها، حتى أنّها ما بأنّ من يملك جدة ً وفي ظل كنف جدتها العظيمة لم تسمع يوما يجب أن يمتلك جد! كانت سيلينا تعوّل على جولتها الاستكشافية التي ستقوم بها صباح اليوم التالي دون أن تعرف ما الذي تريده بالضبط، ربما التأكد من عهر أغلب البشر، ومقارنة عهرهم بما تمارسه هي وزميلاتها من عاهرات الملهى الذي تعمل فيه. ***
  • 6. 5 ، ومع بداية ساعات العمل، ً صباحا ذهبت سيلينا إلى أحد المسؤولين المهمين الكبار ممن يدّ عي الشرف وحب الوطن. كان ’مربع‘ ً جالسا كرشه العظيم على المكتب أمامه، وقد بدأ بنخر أنفه بواسطة ً نافخا ً أصبعه الحلزوني، فلما شاهد سيلينا قادمة ابتلع كرشه ونفخ بأنفه فعاد أصبعه إلى قوقعته بسرعة مخيفة. قفز برشاقة فوق المكتب فبدا لها كحلزون لزج زاحف بالرغم من اجتيازه له بثواني معدودات، بحثت بعينها أرجاء المكتب عن ملح ه ذو قيمة مادية من ناحية جيبه ّ إذ أن ً لتلقيه على هذا التافه )معنويا ه باردها وهو يكاد يضاجعها ّ ه يذوب، إلا أن ّ ومحتويات كرشه( عل بنظره: - نوّرتي المكتب، أضاءت الشاشات، استيقظت الفراشات، نامت العظاءات، طقّت اللمبات. أمريني فأنا عبدك. حنقها: ً قالت في سرّها خافية - عبد عضوي ! لا داعي أن تعاملني يا حيوان معاملة انسانة وأنا بنظرك مجرد عضو.
  • 7. 6 أما مربع فقد تربع على كنبة فخمة قريبة من سيلينا، وفكر بينه وبين نفسه: لو أنّ عضوي بحجم كرش ي لسمع أنفاسها الآن! قالت سيلينا، وهي تبتسم ابتسامات العاهرات: - جئتك هذه المرّة لا لتلبية لقد ً رغباتك الغبية مثلك! أصلا مللت من أمثالك، أنتم لستم قضبان فللقضبان معنى جليل آخر، أنتم مجرد متسلقون لا تعرفون ماذا تريدون سوى ادعاء الشرف للتغطية على أقذر شخصيات يمكن أن يعرفها التاريخ. طار عقل مربع عند سماعه هذه الاهانات المتلاحقة، لكنه قال في نفسه: تلحس ي ما تيسّر، جاي تاكليه كرمال كم ألف وقال عم تعمل محاضرات! وكأنّها قرأت ما يجول في باله، قالت: - جئت إليك ومعي اختراع عجيب وجدته في خزانة جدتي أقدم عاهرة في البلاد، وقد جمعت قدرات عهر صاحباتها وبنات عصرها في هذا الاختراع وبه تستطيع تحقيق جميع أمنياتك ك لم تتلفظ بها بصوتٍ عالٍ. ّ بمجرد أن تتمناها ولو أن
  • 8. 7 أخذ المربع يضحك بل يقهقه بصوت نشاز مطابق لمضمونه، لكنه ً توقف عندما بدأ كرشه بالضمور وعضوه بالتضخم حتى صار قريبا من سيلين ويسمع أنفاسها! نظرت إليه سيلينا بتعجب، وقالت: - بحقك فأنت قضيب ً يا سيد مربع لقد كنتُ مخطئة ً عفوا بمعناه الجليل كما أرى. ثم أسرعت بمغادرة المكتب ولم يوقفها توسل مربع ورجاءه أن يعيده اختراعها إلى سابق عهده، فقد كان برنامجها الحافل لهذا اليوم لا يسمح لها بإضاعة دقيقة إلا في رى يكون موضعها؟ ُ موضعها، وأين ت ***
  • 9. 8 اتجهت إلى مقر زعيمٍ حزبيّ استرخى على جثث أتباعه المتحللة، في حين وضع الجثث التي توشك على التحلل في حوضٍ زجاجيّ ليستمتع بهذه اللوحة الفنية. ً وفور مشاهدته لسيلينا، أخذ يسبح ويجدف! فما رآه كان وجها ً مثيرا ً وعنقا ً سحريا لا يلوي عليه ش يء ً وخصرا ً مغناطيسيا ً وصدرا لالتوائه الشديد، وتنورتها القصيرة التي تضم بين ثناياها أغلى في ً الأحباب، وسيقانها التي أبحر كولومبس سابقا طراوة جلدها، وقدميها المنتصبتين في حذائها ذي الكعب الصامد بالرغم من ضراوة ما يحمل، أخذ يرقص كعتاة السكارى وهو يقول في نفسه: رفرف يا عبود وبلا أحزاب وبلا بطيخ، قضيتك يا عبود والبوصلة هي الحب والنسوان، قال حزب قال، روحوا ولوووه.. يرحوا يسقطوا حرف الحاء منو ويصير زب وخلصونا من هاللعي يلي ماسكينو من طيزه. ابتسمت سيلينا ابتسامة جامدة، وقالت: - يا زعيم، لقد جئت باختراع يحقق أمنياتك ولو لم تقلها بصوتٍ عالٍ. - وأحب اختراعكن هذا أشد أنواع الحب ً ايه.. أنا أحبكن كثيرا وأشرسها، أحبه )ويقصد به عضوها( أنا بدونه مثل سمكة بلا بحر ومثل بحر لا صيادين.
  • 10. 9 وقبل أن تسأله عن أهمية الصيادين بالنسبة للبحر لاحظت سقوط جميع حروف الحاء )ح( من كلمة حزب فقرأت اسمه على اللوحة الخشبية على مكتبه: عبود نضال – زعيم زب المواطنة. وكما اختفى حرف الحاء من كل لوحة تضم كلمة حزب فصارت تضحك بصوت عالٍ. ظنّ أنّها سعيدة بتشبيهه الرائع، ولمحها تقرأ اسمه على اللوحة الخشبية فقال وقد فقد القدرة على لفظ حرف الحاء: - إنّ زبي من أفضل أزاب العالم! توقف لوهلة، وكرر غير مصدق للدغه بحرف مثل الحاء فكرر: زبي.. . ً حزبي.. لكنه لم ينجح في لفظها أبدا ً زبي.. قاصدا ضحكت سيلينا حتى غرغرت الدموع في عيونها وقالت: - أدام الله لك زبك هذا يا عبود، لعلك الآن صادق ً تماما مع حرف الحاء! ً بعكس ما كنت تدعيه سابقا ، وسط تأوهات ً ثم نظرت إلى ساعتها وانطلقت مستعجلة عبود الحزبية وتوسلاته أن يعيد اختراعها حرف الحاء إلى حزبه. ***
  • 11. 10 بعدها تحركت سيلينا وفق خطتها التي وضعتها على عجل مساء اليوم السابق. والآن، فتحت سيلينا ورقتها فوجدت أنّ الدور على مدعي الشرف والأخلاق من المثقفين فاتجهت إلى كبير مثقفي المملكة وشعرائها، الشاعر الشهير )مثقب الغرازة(. كان مثقب يشوي أصبعه الصغير ، وعندما فاحت رائحة ً حزينا ً لكي يتألم ويستطيع أن يكتب شعرا لحمه الميت، كتب بسرعة: جاءت تحرق أصبعي في عز الليل وأنا راكب فرس ي وما الي حيل شو جسم شو شعر يا ويل يا ويل إذا بتكون أكبر عاقل رح يطولوا أذنيك ويطلعلك ذيل وفاحت فور انتهاءه من سطوره المذهلة رائحة الياسمين، فقال من سطوره: ً وهو يغمض عينيه نشوة ً فخورا
  • 12. 11 - يا سلام.. أبياتي الها رائحة عطرة وكأنها أنثى تستيقظ من عتمات الفجر، فتفتح بابي وتدخل مكللة بالياسمين والرياحين. قاطعته سيلينا التي وقفت تتفرج على الشاعر المعتوه وهو يخرفش ما ذكرناه: - لاء يا حبيبي، هي رائحة عطري وليس رائحة أبياتك الزنخة! قفز الشاعر مثقب نصف متر عن الأرض بمجرد أن لمح هذا الحسن ، وقال في نفسه: ً أمامه، وأخذ يرتعش سعادة ً واقفا - لا شكّ أنّها ميتمة بي بسبب قوة كلماتي وشعري الرهيب، آه لو يصير هيك بكل الصبايا يا إلهي ما أروعها، يا سلام المكتب مليان نسوان حلوة يا سلام! أنهى حلمه هذا وهو يجوب بعينيه كل ميليمتر من سيلينا، فقالت له: - جئتك لأخبرك باختراع جدتي الذي يحقق أمنياتك حتى لو لم تقلها بصوت عالٍ!
  • 13. 12 - يا إلهي! ليست فقط جميلة وحسناء إنما لديها نهدين ساحرين وتقول شعر! - أخش ى أنني لن أسمح لك التغزل بنهديّ بهذا الشكل الغبي، وأين الشعر في اختراعي يا صاحب الكلمات الرخيصة؟ - أنا كلماتي رخيصة يا عاهرة؟ وفجأة بدأت الصبايا بالتوافد إلى غرفة الشاعر حتى امتلأت عن بكرة أبيها، وصار لا يستطيع مع هذا الازدحام خفض بصره ليشاهد ضيفاته ولم يستطع الحركة وهنّ يملأن المكان بضجيجهن وطلباتهن في قراءة صنوف الغزل والوله. بسيلينا ال ً فصاح مستغيثا تي لم تسمعه، فقد خرجت بصعوبة من بين الصبايا محبات شعر الغزل الأبله. ***
  • 14. 13 اتجهت سيلينا بسرعة بعد خروجها من غرفة الشاعر إلى المعبد، وطلبت من حارسه لقاء كبير الكهنة "عبد الزعقة"، فجاء رجل الدين ه آلة متعبدة وليس بشريّ ّ بخشوع للإله وشكله يوحي بأن عادي. لكن ما تبقى من شعره وقف عندما وقعت عيناه على هذه الفتنة، فرجف كله وهو يدعي إلهه بصوت عالٍ أن يخلصه من الشيطان! وأن يبعده عنه وأن يجعله في مأمن منه ومن أتباعه من ذكور وإناث، ثم ردد في نفسه ربع كتابه المقدس في محاولة تطهير روحه من هذا الفجر والفسوق الذي تمثله سيلينا، بدون أن يرفع عينيه عن صدرها أو وسطها وعندما استدارت لتتفرج على المكان بينما انتهى رجل الدين وهو يسبّح ربه الذي خلق ً من عبادته، توقف الرجل وهو يبكي إيمانا هذه المؤخرة الساحرة، وقال في أعماقه فيما لم يتوقف لسانه عن ترديد كل ما حفظه خلال حياته: آخ لو كانت زوجتي مثل هذه المخلوقة شو كان بدي بالدين وهالحكي المصفوف صف متل قرميد هالمعبد! سرحت سيلينا في تفكيرها، وهي تتفرج على لوحات وكتابات وزخرفات تمجّد دين الكاهن، وأعجبت برجال الدين الذين يستطيعون ضبط أنفسهم عكس بقية أصناف البشر لكن ظنّها قد
  • 15. 14 خاب، إذ أنّ لمسة من الرجل قد أيقظتها من أوهامها، فصفعته لمحاولته لمسه مؤخرتها، : ً قال حانقا - لكنك مجرد عاهرة، فلم تمنعين عنك الرجال؟ - لقد ظننتك رجل دين حقيقي؟ - حقيقي أو ووهمي، يا حبيبتي أنا رجل في النهاية، وتستطيعين في ً سؤال زوجتي عن رجولتي، ثم نفش نفسه متحسرا داخله من بشاعة زوجته. - طيب، ماش ي يا رجولي أنت، كنت أريد أن أخبرك أنّ معي اختراع يحقق أمنياتك من دون أن تقولها بصوت عالٍ. أخذ الرجل يتعبد كالمجنون وهو يدعي ربّه أن يحيل اختراعها الكافر إلى حطام وكتلة تراب تدوسه الأقدام وتحفره النمل والديدان، ثم أخذ يسرح فيما ه لم يلحظ رحيل سيلينا فلعن نفسه ّ حفظ حتى أن إلى المنزل، وهو يكاد يبكي حظه ً وأنفاسه وكتم غضبه بأن اتجه فورا التعس وقال في نفسه: لولا تفرغي للدين المعبد لقتلتني بشاعة زوجتي.
  • 16. 15 ، فرقص ً لكنه وما أن فتح الباب حتى شاهد زوجته مثل سيلينا تماما ، وأخذ يتصل بجميع ً فرحا كازينوهات البلد وملاهيها ليصل إلى الزائرة ويشكرها، لكنه توقف فجأة وقال: - اللعنة! لقد أمضيت اليوم كله وأنا أدعي على الفتنة والإغواء والشيطان، وعليّ أن أدعي دعوات معاكسة قبل أن تصل إلى الإله ويستجيب لها. ثم قفز أثناء دعائه على زوجته، وتقلب معها في جميع أرجاء المنزل وزواياه ما عدا زاوية كان قد خصصها للتعبد والمناجاة. ***
  • 17. 16 في الشرف، فقررت ً يئست سيلينا من نيتها تلقين المجتمع دروسا العودة إلى الحياة الوضيعة التي تعيشها، فاتجهت نحو مكان عملها حضِر نفسها لتوبيخ قاس ي من ُ وهي ت سيدتها مالكة الملهى. وصلت سيلينا إلى الملهى فوجدت سيدتها "نمنوم" ، وهن ً غاضبة ا أتوقف لأصف لكم نمنوم التي تشبه كل ش يء إلا اسمها، ويمكن أنّها كانت تحمل اسمها ذات يوم في الماض ي، أما أنها وبعد معاشرة نصف رجال الكرة الأرضية فقد أصبحت فرس نهر وتحتاج "تريلا" لنقلها، ولعلني إذ أقول تريلا لا أراعي عدّة تفاصيل في جسد صاحبتنا إذ أن بالنسبة لعرض مؤخرتها، ً بين خصرها، النحيل نسبيا ً هناك فاصلا ومؤخرتها ذاتها، وهو ما جعل الجميع يعشقونها وهي جالسة لكنها وبمجرد وقوفها ينقلب الأمر إلى خيبة عظيمة، ويقول من عرفها أنّها بحاجة قاطرة ومقطورة لنقلها، قاطرة لنقل الجزء العلوي ومقطورة لنقل الجزء السفلي، وكان الله في عون السائق المسكين الذي سيتحمّ ل هذا اللسان السليط في قمرة القيادة. لنعد إلى الملهى حيث كانت نمنوم ذات الشعر الأشقر الفج بعينيها الوقحتين القادرتين على التعبير عما يعتمل نفسها بشكل حقيقي، ولم تحتج سيلينا الكثير لتقرأ تلك التعابير لكنها كمحترفة اتجهت إلى
  • 18. 17 طاولتها من دون إلقاء السلام على سيدتها فلحقتها هذه وهي تكاد على أسنانها وهي تحاول ألا تصل كلماتها إلى ً تجن، وقالت ضاغطة الزبائن الآخرين على الطاولات المجاورة، وألا تزعج رغباتهم المتأججة: - شو مفكرة حالك يعني آه؟ ولك مين مفكرة حالك حتى تتأخري عن الشغل هيك؟ - سيدة نمنوم، هل تصدقين إن قلت لك ماذا وجدت في خزانة جدتي؟ لم تستطع نمنوم الغاضبة ذات النفسية الحقيرة إلا أن تتوقف لذكرى تينا مينا )جدّة سيلينا( التي كانت أشهر عاهرة عرفتها ً إكراما البلاد، ومن التي تستطيع أن تنال "الشرف" الذي نالته تلك العظيمة الراحلة عندما نامت مع أكبر عظماء البلد من زعماء سياسيين وعلماء وضباط ومخترعين ومهندسين وأطباء وصناعيين وتجار وفنانين وكتّاب وشعراء! تنهدت نمنوم عدّة مرّات وقد هاجمها طموحها القديم والذي أصبح مستحيل التحقيق بعد أن تدهور جمالها وتناسق جسدها بهذا الشكل، فقالت في نفسها متحسرة والألم يعتصر دواخلها: آه.. كيف أضعت عمري مع الوضيعين والسكارى والمجرمين والمهربين وقطاعين
  • 19. 18 من أن أحت ً الطرق والشباب الطائش بدلا ذي بقدوتي تينا مينا وأصبح مثلها. أعادتها ضحكة إحدى العاهرات في الملهى إلى الواقع المرير، فقالت بصوت ناعم، ً عاطفي جدا ووديّ: - سيلينا، أنتِ تعلمين مدى الاحترام الذي أكنّه للمرحومة تينا مينا، وعيب يا سيلينا أن تستغلي سيرتها الحسنة وذكرها الطيّب عندما تكونين مقصّرة في عملك. - القصة مش هيك يا نمنوم، عن جد كنت أبحث بين صدرياتي القديمة التي وضعتها في خزانة جدتي، فوجدت علبة ، ً صغيرة غريبة لم ألحظها سابقا يبدو أنني ظننتها عصّارة جزر في الماض ي، لكن هذه المرّة تأملت فيها وقرأت ما كتبته جدتي على ورقة ملصوقة على الكرتونة، وإذ فيها اختراع يحقق ما يتمناه المرء حتى إن لم يقل أمنياته بصوت عالٍ. - أنا أثق بالمرحومة تينا مينا ثقة عمياء، وأعلم علاقاتها المضيئة بالعلماء والمخترعين، لكن يا صغيرتي عليكِ ألا تضعي آمالك في اختراع أو سواه، لا تدعي أحلام الصبا تقتل أيامك.
  • 20. 19 - لا أستطيع تخيّل نفس ي مستمرة على هذا المنوال، أتمنى في أعماقي أن أعيش حياة طبيعية شريفة متل الآخرين.. هذه ليست حياة. - آه لو تسمع جدتك بهذا الحكي الفاض ي لصفعتك وأعادتك إلى الواقع، ثم ماذا تظنين أنّ الحياة الطبيعية تعني؟ أنت لديكِ النظرة التقليدية أنّ عملنا مهين نتيجة نظرة الناس إليه لأنّ عملنا متعلق بشهوة محضة، لكنهم عاهرات أكثر منّا بمئات المرات. - لا أفهم! إنهم يحييون حياة طبيعية يعملون أعمال عادية وهم سعداء بها! - سعداء؟ لولا المرحومة تينا مينا لكنتِ من المطرودات من زمن بعيد، ولكنت جربتِ الأعمال التي تذكرينها! الجميع عاهرات كلٌ في موقعه، الجميع مرتبط برغبات ونزوات زبائنه وواقع تحت سيطرة وأمرة القوادين الذين يسمونهم مدراء، الجميع يبيع نفسه لقاء المال والشهرة فما الفرق بين عملنا وعملهم إلا إذا كنتِ تتبنين نظرة النساء إلينا، لأننا نضارب عليهن من حيث لجوء أزواجهن إلينا. - قد يكون كلامك صحيح لكننا نحن نقوم بهذا بأرخص شكل ممكن! هذا ما يزعجني، لديهم غطاء رائع للعهر الذي يقومون به.
  • 21. 20 - هاه! ها أنتِ قد اقتربتِ من الحقيقة، نحن نقوم بهذا منهم. على الأقل نحن لا ً نحن أقل عهرا ً بأرخص شكل إذا نسرق زبائننا بأن ندعي العفة والأخلاق والدماثة، نحن نقوم بما نقوم به بكل شفافية! ، ثم خجلت من نفسها إذ تضيّع وقت نمنوم ً فكرت سيلينا قليلا بهذه النقاشات السخيفة وتحلم بتحقيق أمنياتها عن طريق اختراع وجدته في خزانة جدها، لذلك فقد قالت بجدية: - أعدك يا نمنوم بأن أعوض عن كسلي وتقاعس ي في الأيام القادمة. ربتت نمنوم راضي عن الصبية ً ة ، وبعاطفة لا تليق بموقعها، قالت لها: - ك مصممة على نسيان اختراع الامنيات ّ يسعدني أن أسمع أن وأحلام الصبا الوردية والآن إلى العمل. لقد نسيتُ ، بل أنتِ من أنسيتني، أن أخبرك أنّ عندك موعد خاص خارج الملهى ليس من ً غريبا ً مع أحدهم، ولا أدري! فقد بدا لي رجلا ً ، فقد جاء قاصدا ً الأوساط التي تتردد على الملاهي عادة مسمكة فدخل إلى هنا بالخطأ! وسألني عن حال العمل والأعمال فأخبرته عن ركود الشغل ووضعنا المادي الصعب وعن الديون الكبيرة التي علينا دفعها وعن تقاعس الكثيرين لانحطاط مستوى من يأتينا، فعبّر عن أسفه ً عن الدفع نظرا ه لا يستطيع أن يسمع أنّ رزق أحدهم في ّ الشديد وأخبرني أن
  • 22. 21 خطر من دون أن يبادر إلى المساعدة، فطلب مني أن أرسل له صبية إلى هذا العنوان ولذلك اذهبي في الحال إليه! تمعنت سيلينا في العنوان، ثم نظرت إلى نمنوم وقالت: - لمَ أنا؟ لا أحب المواعيد الخاصة قد يكون الرجل ساديّ وقد ويريد أن يتسلى ً يكون مفلسا . أرسلي أمونة إلى هناك. - لا لا أنت تأخرت حتى وصلتِ إلى الشغل بينما أمونة تعمل منذ الصباح الباكر، كثيرة بع ً وهي تجلب لنا نقودا كسك، لذا فقد غامرت بوقتك الذي تهدرينه بأوهام مثل اختراع المرحومة ك ستعملين ّ جدتك، ثم منذ ثواني قلتِ أن وتعوضين عن كسلك فهيا هيا بسرعة يلا.. يلا سأعد إلى العشرة ويجب أن تكوني هناك! ***
  • 23. 22 إذ أنّ آخر ً جرجرت سيلينا نفسها إلى العنوان وهي تكاد تنفجر حنقا موعد خاص كان مع رجل مجنون أمض ى الليلة في مصها بعد أن أغمض عينيها بعصابة سوداء، قالت في نفسها: متى؟ متى سأعمل عمل مثل بقية البشر؟ آه كم أتمنى أن أنتهي من هذا العمل القذر. بعد أن خرجت سيلينا بقليل، جاءت إحدى عاهرات الملهى إلى نمنوم التي جلست مع رجل واسع الثراء وكان قد توجه إليها حال ذهاب سيلينا، فغضبت نمنوم من العاهرة الغبية، وأخذتها إلى مكان منفرد ثم صاحت بها: - يا حمقاء ألا تعلمين أنني أجلس مع "بغلمان" وهو صاحب شركة سيارات طويلة عريضة؟ بصباي لم أجالس شخص بأهميته فكيف تتجرئين على مقاطعة جلستنا هذه؟ - يا سيدة نمنوم، يا سيدة نمنوم لقد أرسل شخص أهم من . ً ، وهو يريدك فورا ً الذي تجالسينه شابا تمتمت نمنوم بكلمات قليلة والذهول يتملكها، واتجهت إلى الشاب وعندما أصبحا لوحدهما قال الشاب:
  • 24. 23 - سيدي رئيس ديوان الدولة يريدك لأمر يخص المصلحة العليا للمملكة! أرجو منك تلبية رغبته بالقدوم معي في السيارة. ثم أشار إلى سيارة فخمة تحلم بها أشهر عاهرة في العالم، فكادت نمنوم تغمى عليها من فرط السعادة وفيما هي متجهة إليها، نادتها العاهرة: - ! ً سيدتي يريدك على الهاتف شخص هام جدا ركضت نمنوم إلى الهاتف ولم تنطق بلكمتين حتى فغرت فاهها ، وهي تنظر إلى نفسها في المرآة غير مصدقة كيف وصل إليها ً تعجبا هؤلاء السادة بهذه السرعة، وأيقظها من أحلامها تلك قول صبية أخرى: - سيدتي يريدك سيد أجنبي وهو ينتظرك على الطاولة رقم سبعة بفارغ الصبر! - من هو؟ - لا أدري لقد ق ! ً ه رسام شهير جدا ّ ال لي أن ***
  • 25. 24 ركبت سيلينا تكس ي وانطلق بها الرجل الذي لم ينظر أمامه طيلة الطريق، وتعلقت عيناه البائستين عبر المرآة بالصدر المكش وف لسيلينا، وكان يضغط الفرامل بشكل متواصل لكي يتنس ى له رؤية المزيد، فصاحت به سيلينا غاضبة: - زوجتك ما عم تشبعك يا حيوان ما؟ خاف السائق من اشتباك مع عاهرة قد تفضحه، فلم يرد لكنه توقف عن ضغط الفرامل إلا عند الضرورة، ولكن هذا لم يمنع عينيه عن أكل سيلينا، وهو يقول في نفسه بألم بالغ: عيني الله ما أجمل هالبزاز! فيه هيك ش ي بالحياة ولو؟ آخ بس لو تخليني المسهم وأعرف إذا يلي عم شوفه حقيقة أو حلم! ، فخطر ً عميقا ً وفجأة التقت عيناه بعينا سيلينا التي لمحت فيهما ألما أن تسأله: ً لها فجأة - لقد تهجمت على زوجتك وأنا لا أعرف إن كانت على ً عفوا قيد الحياة أو لا؟ - لقد توفيت أثناء انجابنا ابننا الأول. - وهل عاش الصبي؟ - نعم، لقد مض ى على الأمر خمس سنوات.
  • 26. 25 - ولم تتزوج؟ - لا.. أنا لا أخون زوجتي ولو كانت في القبر! - والصبي، هل تربيه لوحدك؟ - رني فيها! ّ ه ابني وهو يذك ّ نعم، إن دمعّت عينا سيلينا من التأثر وصاحت في أعماقها: هذه هي الحياة التي أريدها، حياة طبيعية خالية من عهر وشهوات سفلة منحطين، وأنا التي تلومه لأنه يتطلع إلى بزازي يا لي من ساقطة! ثم قالت له بتصميم: - أنت مثال المروءة والإخلاص ولذلك تستطيع لمس بزازي إن بالعادة! ً أحببت مع أنني أقطع اليد التي تمتد إليهما مجانا أوقف السائق السيارة وهو لا يصدق، ونظر إليها لكي تؤكد ما قالته، فاقتربت من مقعده وأصبح صدرها في متن ً اول يده فمدها مرتجفا ولامس نهديها وقد أوشك قلبه على التوقف. ، ثم انطلق ً وبعد هذه التجربة تناول يدها وقبلها خمسين مرّة شاكرا بسرعة شديدة إلى العنوان الذي طلبته.
  • 27. 26 نزلت سيلين وهي سعيدة للخدمة التي قدّمتها للرجل الوفي، وفكرت له ك ً إن كان عليها تقديم جسدها مجانا هدية له لإخلاصه لكنها كانت قد وصلت إلى العنوان المطلوب، ففتحت محفظتها وبحثت عن الورقة التي تحوي العنوان وقرأتها مرّة أخرى ولكنها لم تعرف البناء المطلوب فاتجهت إلى بقالية مجاورة لعلها تستهدي من البائع إلى البناء المطلوب. كان الرجل يشرب شاي مع زوجته عندما دخلت سيلينا، فسبب دخولها عاصفة هوجاء في المتجر، إذ أنّ الرجل تفاجأ بهذا التناسق والجسد ذي الانحناءات المخيفة بينا انفجرت الزوجة من الغيرة والحقد على سيلينا، فصاحت وقد تحولت من زوجة هادئة تشرب الشاي إلى معتوهة حاقدة على الحسناوات: - لا نبيع شراميط! روحي اشتري من محل تاني. صفع الرجل زوجته بشدّة وهو يوبخها بشراسة، ويشتمها بأفظع الشتائم وصاح بجنون لا مثيل له: - سدي بوزك يا عاهرة! كيف لك أن تصفي سيدة محترمة مثل ضيفتنا بهذه الأوصاف التي تدل على جوهرك!
  • 28. 27 أخذت الزوجة تنتحب بشدّة، بينما وقفت سيلينا تتأمل المشهد وأقنعت نفسها بأنّ هذا لا يمت للحياة الطبيعية التي تتمناها بصلة لا من قريب ولا من بعيد، أما الرجل فقد صار يهز رأسه وكأنه يسمع ، وقال في نفسه: آخ لو بيجوا هدول الصبايا الحلوين ً راقصا ً لحنا بوقت ما بتكون هالبقرة معي بالمحل، كنت طبقت كم وحدة منن وروح يا معلم على أحلى الجلسات! أيقظته سيلينا باستدارتها وسيرها باتجاه باب المحل، فركض خلفها وهو يعتذر عن تصرفات زوجته ويعدها بأن يلقنها أقس ى الدروس في المنزل. غضبت سيلينا من هذا النذل فصاحت فيه: - أنت حشرة! ً أنت حيوان تافه، أصلا - أنا؟ ليه يا آنسة؟ - لا تعرف آه؟ ثم أشارت إلى زوجته الباكية. نظر الرجل إلى زوجته بكراهية غريبة، بينما كانت المسكينة تبكي بمرارة، وصارت تنتحب بصوت غير مفهوم: ليه ما بياخدوا هالشراميط إلى السجن؟ ليه بيتركوهم يخربوا بيوتنا، آه لو أنّهم آخدينها ما كان صار متل هالموقف بالمجتمع كله!
  • 29. 28 عاد زوجها إليها كالثور الهائج وطردها بطريقة مذلة من المحل! ابتعدت سيلينا عن المحل بسرعة وهي تلعن نفسها ومهنتها القذرة ً زوجية ً التي تسبب الألم للزوجات الطيبات اللواتي ينشدن حياة عن اللواتي ً بعيدا ً مستقرة من أمثالها، وفجأة توقفت سيارة بوليس، نزل منها رجلين ضخام الجثة وأدخلوها السيارة بعنف، ثم أغلقوا باب السيارة. أما التاجر فلم يكد يطرد زوجته من محله حتى دخلت صبية طويلة ذات جسد جميل، صحيح أنّها ليست بجمال سيلينا وإثارتها لكنها حسناء بكل ما تحمله الكلمة من معنى فابتسم لها بكل أدب، ودعاها ، ولم تمرّ ً هاما ً بينما دوّن موضوعا ً للجلوس قليلا دقائق قليلة حتى بسعادة، فاتجه نحو باب ً كانا يتبادلان الأحاديث ويضحكان سوية المحل وأقفله بعد أن وضع لوحة تقول: مغلق! ***
  • 30. 29 لرجال البوليس إلا أنّه ً أرادات سيلينا أن تقول شيئا ما وقفا أمام بابها يتجادلان بعنف فلم تتكلم واكتفت بسماع نقاشهما الغبي حيث قال الأوّل للثاني: - هيه أنا من أدخلها ولذلك أنا عليّ أن أجلس بجانبها وأنت تقود السيارة. - أنا أقود؟ طول عمرك تقاتلني لكي تقود أنت وصرعتني وأنت تقول أنّ قيادة السيارات في دمك وأنّ الأمر ليس بيدك! - يا أخي.. يا أخي.. هذا الكلام بأوقات السلم أما الآن فالوضع حرج! معنا مجرمة خطيرة، لذلك قد أنت فأنا سائق متهور بينما أنت سائق متزن! - ك تضحك عليّ بهذه الترهات ّ ، هل تظن أن ً كلام فاض ي تماما لكي أقود بينما أنت تجلس بجانب عاهرة! لم أكن أظنّك إلى هذه ال ً منحطا درجة! - قبل أن نتكلم حول موضوع العاهرة ماذا تقصد ً ! أولا ً عفوا بعبارة "إلى هذه الدرجة" هل هذا يعني أنني منحط بنظرك لكنني الآن منحط لدرجة كبيرة؟ - لم أقصد كل هذا التفصيل يا نذل! هل ترى مدى نذالتك وسقاطتك ووضاعتك وصفاقتك و..
  • 31. 30 - يا ابن... وأخذا يتعاركان بالأيادي، وكل منهما يقول في نفسه: لو تنقلب الدنيا كلها فوق بعضها لن أسمح لهذا العكروت بالجلوس بجانب هذه العاهرة الحسناء! أرادت سيلينا أن تقول لهما عن اختراع جدتها لكنها فضلت أن تفتح الباب بهدوء وتنسل خلفهما وهما يشتبكان بالأيدي كالمراهقين، ثم دخلت بين المارة وشبكت ذراعها مع ذراع شاب يمش ي على الرصيف، هل الشاب ونظر إليها وهو لا يفهم ما الذي يحصل، قالت له ُ فذ سيلينا وقلبها يدّق بقوة: - لأنني مستعجلة! ً سرع قليلا ُ أرجو أن ت تسارعت خطوات الشاب لكنه قال لها بقلق بالغ: - ماذا إن رأتك خطيبتي معي؟ أو أخوها أو أحد أفراد عائلتها؟ قالت سيلينا بدون أن تكترث بهواجسه، وهي تسرع أكثر وأكثر: - أنت رجل شرقي يا مان! المجتمع يبرر أي تصرف تفعلونه أنتم الرجال فلم القلق؟
  • 32. 31 قال الشاب في سرّه: ولك إي والله هالحكي صح! في مبررات ً دائما منطقية وعقلية لنزواتنا، ايه ما أحلاها كاسة ويسكي مع هالجمال الخارق الحارق. ولأن سيلينا خائفة من ملاحقة البوليس لها، فقد مشت معه ولم تجد نفسها إلا في صالون الشاب على الصوفا، غاب الشاب دقيقة وعاد ومعه كأسين وزجاجة ويسكي، فقالت سيلينا: - هيه! ما تكون صدّقت حالك؟ أنا أجرة ليلتي تخرب بيوت يلي أمثالك! - أنا عاشق ولهان لخطيبتي.. ما فيني اتخيل نفس ي عم خون حب حياتي، ممكن يكون كلامي سخيف بنظرك بس هيك الوضع! لامس هذا الكلام الرقيق قلب سيلينا، فنادت في أعماقها: أريد أن يكون لي حبيب مثله.. مثله. ً أريد حبيبا أخذت تنظر ها ّ إليه نظرة جل مودة واحترام، وطلبت منه أن يحكي لها عن غرامه المتقد وعن حبّه المخلص الوفي، فأخذ يروي لها القصص والمواقف الرومانسية الحالمة، وهي تسأله عن كل شاردة وواردة.
  • 33. 32 ومع أنّ مواقفة وقصصه العشقية من أسخف الأنواع وأكثرها غباءً وغريزية ومضيعة للوقت، وكأنها خارجة من دراما مكسيكية، فقد تكررت الصرخة في نفس سيلينا مرّة تلو مرّة: هذه هي الحياة الطبيعية الشريفة.. هذه هي! ***
  • 34. 33 " مع العاشق الولهان، ً "ثمينا ً أضاعت سيلينا وقتا وقد بدأ الليل بالحلول، لذلك ودعته بعد أن سألته عن العنوان الذي بين يديها، فأشار إليه جميع خدماته بما فيها ً عارضا أن تعود للنوم عنده! فشكرته واتجهت بسرعة إلى البناء الهدف. أخذت تسرع في مشيتها من نمنوم المتوحشة التي لن تتسامح ً خشية هذه ا ً معها أبدا لمرّة، وستطردها شرّ طردة إن كان الموعد قد فات. مرّت بالقرب من رجل البقالية فحياها ببشاشة وكان بصحبة صبية جديدة، طويلة ذات شعر أشقر لامع، لكنها تجاهلته وتابعت طريقها إلى البناء المقصود، صعدت الدرج القديم، ودقت أول باب شاهدته إذ أنّ الظلمة في ردهة المبنى أخفاتها. سأل كهل من خلف الباب: - من بالباب؟ أجابت سيلينا: - ل ضوء المدخل لكي أستطيع ّ أنا يا عم، الرجاء أن تشغ الصعود. فتح العجوز الباب ولم يستطع تمييز سيلينا في الظلام، لكنه قال:
  • 35. 34 - الضوء معطوب، ما عندك موبايل يا عمي؟ - احتاج إلى ضوء أكبر لأنني ألبس كعب عالٍ ودرجات السلم . ً قديمة جدا - مية مرّة قلتلكم لا تلبسوا كعب عالي يا عمي.. مية.. لا بالله يمكن ألف! قالت سيلينا في نفسها: شو بدي أمض ي وقتي مع هالختيار بالنصائح، لذا شكرته بصوت عالٍ وتابعت صعود الدرج بحذر، تمتم العجوز وهو يغلق الباب: الله يلعن يلي اخترع الكعب العالي! ولك شو بدن منو؟ وحدة الله خلقها هيك لشو بدها تبيّن زرافة وهي عنزة! تطلع حفيانة أسهل عليها. وبعد معاناة في التوازن على هذا الدرج المتداعي، خلعت سيلينا حذائيها وأمسكتهما بيدها وصارت تصعد حافية وقد وجدت أنّ هذا أسهل بألف مرّة، وقالت في نفسها: عن جد الحياة بلا كعب أسهل ولو! ***
  • 36. 35 وصلت نمنوم ذلك المساء إلى قاعة فارهة في أحد قصور كان يا ما كان، وقد قيل لها أن تلبس أفضل ما عندها وتضع أغلى العطور وأجمل التحف، وتتزين بالذهب واللآلئ والألماس وتضع أطواق من الرياحين ً الياسمين وتاجا ، فهي في حضرة سيد الأسياد، ملك الملوك وسلطان السلاطين وفطحل الفطاحل، السلطان الوحيد في العالم لمملكة! والملقب جيولوجي المنابر وأمير المقابر وأبو اليتامى وشيخ رجال الدين، أحكم الحاكمين وأعرف العارفين وأضرب الضاربين وأشرس الشرسين، سيد المواطنة وعاشق الديمقراطية، المبتسم، الضحوك، الصبور، الرفيع، المرفوع، المنصوب، المضروب، الجار للمجرور، وحاذف الحروف، الهامس في النسمات والنائم في الظلمات، أبو العطايا، من أتقن اللفات والخفايا، من قال عن قبو ّ مظلم أنه طابق عاشر فيكون. كانت نمنوم تهتز من الرعب وهي تتأمل السلطان الذي يشبه أحد الأعيان الذين نامت معهم في صباها، وتذك رت قول سمعته من أحد المثقفين الذين نامت معهم ذات ليل: )أكون أو لا أكون(، لكن كيف )ستكون( في حضرة هذا السلطان المهيب المحاط بالزنوج والغلمان والخصيان وأشراف القوم!
  • 37. 36 نظر إليها نظرة طويلة مليئة بالحكمة والعفة والإيمان، وقال لها باطمئنان: - قوامك ساحر وطلتك أبهى من إطلالة مخازني الذهبية! إخفاء اضطرابها البالغ، فتابع نظرته ً انحنت له نمنوم محاولة التي لا إذ أنّها ولدت بلا بداية، وقال ً تعرف نهاية )نجد هذا القول في موسوعات أقوال العظماء(: - تكمن الأهمية في الثالوث المقدس العريض، الشعارات العريضة والجماهير العريضة والمؤخرات العريضة، وتابع )وهو مفكر العصر(: ً ساهما الشعارات كائنات فراغية تطير في الهواء لأّنها وليدة الهواء، أما الجماهير والمؤخرات فتلك أمور واقعية حقيقية لابدّ من مداراتها، فإن زاد عرض على الجماهير ً المؤخرات عن الحد المعقول أصبحت وبالا الكادحة! أرادت نمنوم أن تتكلم فقا فصحى ً طعها مساعدوه مستخدمين لغة مزعجة لأذن نمنوم العامية: ممنوع النبس ببنت شفة في حضرة مولانا.
  • 38. 37 فكرت نمنوم ه يستحيل أن تكون هناك بنت شفة ّ في قرارة نفسها بأن في حضرته الشريفة، لأنّ مرآه لوحده كفيل بإفقاد أي بنت عذريتها لتصبح امرأة شفة، فكيف إذا كانت شفة مثل شفتها تحوي نصف كيلو غرام سيليكون ؟ هزّ مولانا رأسه فانحنى الأتباع، فقال لها: برافو يا نموم، أنتِ مثال المرأة الصبورة المكافحة التي توصل الليل بالنهار لتنشئة جيل صالح، يعرف المرأة حق معرفة ويعي دورها في ل نسبة معينة من المجتمع، ّ المجتمع، ولا أغالي إذ أقول أنّ المرأة تشك نسبة لا أتذكر مقدارها ربما نصف أو ربع أو خمس لا علينا، فالمهم أنني ومنذ اعتليت العرش وأنا أشدد على أهمية النساء في كل مناسبة، فكيف إذا كانت امرأة تقدّم كل ما لديها لخدمة المجتمع! لذلك سأقلدك وسام "مؤخرة المملكة" أمام حشد من كبار المسؤولين والأعيان، وذلك بعد ربع ساعة! ***
  • 39. 38 دقت سيلينا على الباب المطلوب ففتح رجل يبدو على سماته اللصوصية البالغة، فدعاها للدخول بلهجة خسيسة، انكمش قلب سيلينا وهي تدخل، ولولا معرفتها بأنّ ليس لديها ما تخاف عليه ، إلا أنّها لم تكن عذراء لتخاف ً لامتنعت عن الدخول ولهربت صارخة ً على عذريتها ولا مرأة مصون لتخاف على سمعتها ولا تحمل مالا يُ ذكر في حقيبتها. وهي ترقب مضيفها اللص الذي ابتسم لها كثعلب ً دخلت مطمئنة قديم، دعاها إلى الدخول إلى غرفة داخلية، ففعلت من دون أن تتكلم ولم تكن قد ردّت عليه التحية حتى! دخلت هناك فوجدت خمسة رجال آخرين تبدو على محياهم ، رب ً لطيفا ً الإجرام، وبدا مضيفها الذي فتح لها الباب شخصا ما حمامة سلام، أمام هذه الوجوه التي تعكس الشرّ والإجرام القابع خلفها. أخذ قلب سيلينا يدّق بشدّة، وقد علمت أنّ هناك ما يخاف عليه . نظرت ً وأبدا ً وأنّ هنالك ما هو أسوأ من الس يء دئما ً المرء دائما بطرف عينها إلى الباب فوجدت مضيفها يسدّه بابتسامة نكراء، أما
  • 40. 39 الرجا ر من أعينهم، ّ ل الخمسة فقد كانت الشهوة تقط ابتسمت لهم ابتسامة جوفاء وقالت: - أيها العديمون، كان الله بعونكم! هل تودون أن أتصل بصديقة أو صديقتين أو ثلاثة أو أربعة ليوافوا شبقكم الرهيب هذا؟ صاح أحدهم بصوت أقرب إلى منشرة خشب كلامها ً متجاهلا : - انظروا إلى هذه الانحناءات! يا ويلتاه.. عم ضجيجهم المكان فصارت تسمع عبارات من هنا وهناك، ومنها: كان الله بعونك وحدك، صديقتين تلاتة!، أنتِ تكفي وتوفي.. وتداخلت العبارات والأيدي الممتدة إليها، فتخلصت منها بحركة خاطفة وأخذت ترقص رقصة خلاعية، وهي تخلع ثيابها فانبطح المعتوهون وقد تأجتت نيران الرغبة في عيونهم، فقالت بصوت عالٍ راقص مثل جسمها الملتوي: - يلا.. معي جهاز يحقق الأمنيات حتى اذا لم يقلها صاحبها بصوت عالٍ.. كل واحد يقول أمنيته بقلبه أو بشكل مباشر لنشوف.
  • 41. 40 من سخافة هذه العاهرة وقد ظنوا أنّها تعني بالاختراع ً ضحكوا جميعا عضوها : ً ، فقال أحدهم ساخرا - أمنيتي أن أنكح كل الثقوب في العالم، وهذه ليست أمنية بقدر ما هي نظرية اسمها ملء الثقوب! قهقوا، وقد عادت أيديهم لدعك جسد سيلينا بخشونة بالغة، وقال ثاني بسخرية أشد: - أمنيتك مستجابة يا صديقي، أما أنا فأمنيتي قطع الطرق أمام الأثرياء وسرقة الثياب الداخلية لنسائهم! ولا أعرف طريقة أهينهم فيها غير تلك، إذ أنني سرقت الكثير من أموالهم وذهبهم دون أن يهتز لهم جفن! ضحكوا فيما انتزع أحدهم، وهو رجل قوي ضخم، عضوه من سرواله وألصقه بعضو ً سيلينا التي أصبحت ضحية ً طرية بين أجساد هذه الوحوش، وقال هذا الرجل ً ضحكة ً ضاحكا ً خبيثة: - إنّ طالما أنّ عضوي يلامس اختراع ً أمنيتي ستتحقق حتما صديقتنا العظيم، أمنيتي أن أضاجع وزراء المملكة أو ما تيسر منهم ! ً فردا ً فردا
  • 42. 41 ، فقال الرابع: ً ضحكوا بصوت عالٍ جدا - حبيباتي أمنياتكم تذكرني بفيلم المرسيدس والبطل، حيث تمنى البطل أن تصبح مرسيدس عابرة في الطريق سيارته، فصارت كما تمنى على الفور وعشقته سيدة مجتمع عندما رأته يقودها، ووقعت في غرامه حتى الموت! سألوه: - وما هي أمنيتك أيها الواقعي؟ - اللعنة وماذا ستكون؟ أتمنى أن أكون أنا البطل! فتصاعدت أصوات القهقهة، فيما قال الخامس: - حلمي وأمنيتي أن أضاجع مونيكا لونسكي، يا إلهي ما أجمل لحمها الأبيض وما أطرى سيقانها أنا أحسد بيل كلينتون إلى حد الموت على هذه الضربة الموفقة! صاحوا وهم يلكزوه ويدفعونه ممازحين: - هيه يا زلمة! القصة من التسعينات وأنت لسا تحلم بها، على الأغلب أنّها قد تقاعدت من السكس! جلب مضيف سيلينا : ً زجاجات فودكا ووزعها عليهم وقال منتشيا
  • 43. 42 - أمنيتي أن أموت من الفودكا، وأن يكون معي سعر الزجاجة ! ً الأخيرة طبعا صاروا يضحكون بهستيريا واضحة، وقد توقفوا عن العبث بسيلينا المرهقة من الأيدي المتوحشة وقد جرت الدموع على عينيها، وهي تتمنى بدورها أن تنتهي من حياة الذل والقذارة هذه وأن تحيا حياة ما قد حدث فتوقف الجمع عن فسقهم! ً طبيعية، لكن شيئا ثم حشرج وسقط على ً واحدة ً ابتلع مضيفها زجاجة الفودكا دفعة هامد ً الأرض جثة ، تلمسه الجميع وتفحص أكبرهم عيونه وقال ً ة برعب: لقد مات.. لقد مات.. لبسوا الثياب التي كانوا قد خلعوها بسرعة شديدة وسط فوض ى عارمة، وتناول كلٌ منهم سلاحه وهربوا بأسرع ما يمكن من الشقة المنكوبة. ولف ً تفحصت سيلينا الرجل فوجدته ميتا تتها ورقة مالية صغيرة منبثقة من جيبه فنظرت إليها وإذ بها سعر الزجاجة التي ابتلعها! ***
  • 44. 43 ركض الرجال الخمسة مثل المخابيل وصاروا يقفزون على الدرج المتهالك متسابقين للخروج من المبنى المشؤوم، ولحقتهم سيلينا الخائفة، ، وقال في ً فانكمش العجوز في الطابق الأرض ي رعبا نفسه ه هو المستهدف ّ وقد ظن أن : يا ربّي.. أنا ختيار عايف التنكة يروحوا يشوفوا ش ي قافلة سيارات فخمة يسرقوها! وحال خروج أولهم من المبنى ركض في الشارع، ففوجئ بقافلة مكونة من ثلاث سيارات مرسيدس من أفخم طراز، فضغط سائق أول سيارة بشدّة على الفرامل لكي لا يدهس المجنون الذي يقطع الشارع المظلم بهذا الشكل الهستيري ، لكن صادم السيارة اصطدم بشكل عنيف ما ً نوعا بالرجل الذي سقط على الأرض، واصطدم رأسه بأسفلت الطريق بشدّة. غضب المجرمون بشدّة من هذا الاعتداء الأحمق على صاحبهم، عن الغضب ً فضلا الذي يغلي في أنفسهم على صديقهم مضيف سيلينا، فهجموا بسلاحهم على السيارات الثلاث بينما بدا أنّ صاحبهم المصدوم قد فقد عقله جراء الصدمة، فاختلط الأمر في دماغه الذي لم تفارقه الرغبة الجنسية الناتجة عن حركات سيلينا،
  • 45. 44 فقفز ينكح كل ثقب في المكان، وهو يصيح بهبل: ملء الثقوب.. ملء الثقوب! أخذ الثاني ي رمي ركاب السيارات، كما يبدو من ً الميسورين جدا بذلاتهم الثمينة، بعنف على الأرض ويسرع إلى نسائهم ويمزق ثيابهن بهمجية ثم يحتفظ بثيابهن الداخلية في جيوبه التي امتلأت ت بعد ً ماما تعريته نساء آخر سيارة، وكادت عندما شاهد ً عيونه تنطق فرحة الإهانة تشع من عيون أزواجهن الأثرياء! أما القوي الضخم فقد انشغل بتفتيش جيوبهم، نظر إلى أحدهم ثم أضاء موبايله ووجهه إلى وجوه السادة المرمين على الأرض الواحد تلو : إنّهم وزراء المملكة.. الحمد للرب إنّهم وزراء ً الآخر ثم صاح مبتهجا المملكة.. ثم مزق سراويلهم وشرع بمضاجعتهم بجنون فأغمي على الوزراء من هول الأمر، فصاح بجنون الوزراء، ً مخاطبا بينما يحاول رفاقه المرعوبين إيقافه عن فعلته الشنيعة تلك: - ، فقد ضاجعتم الناس عقود ً لا تذهبوا بغيبوبة سريعا ً مهلا ً ا ً طويلة ولم يغمى عليهم! ولم يستطع رفاقه إبعاده عنهم إلا بعد أن انتهى من آخرهم، والذي ة رسالة، فمد أحد ّ موبايله رن نّر المجرمين يده وانتزعه من جيب
  • 46. 45 بنطاله الممزق وإذ بها رسالة من أنثى تدعى اللونسكية! تقول بها: حبيبي أنا بانتظارك في الساعة العاشرة في فندق هاي سكاي – حبيبتك مونيكا لونسكي! أشعت عينا المجرم المونيكي بالإثارة والبهجة وهو يعيد الرسالة مرّات ومرّات وهو غير مصدق، ولكي لا يضيّع دقيقة قفز إلى مرسيدس ه لا ّ ه تذكر أن ّ لينطلق بها نحو الفندق الواقع في بلدة قريبة، إلا أن يعرف قيادة السيارات، : دخيل ربكم.. حدا يجي ياخدني ً فصاح يائسا لبلدة دراخما وياخد المرسيدس إلى الأبد.. قفز صديقه "البطل" على صهوة المرسيدس وانطلق بصديقه ، فأوصله بغضون ربع ساعة إلى أمام الفندق المذكور، ً مسرعا وصادف نزول المونيكي، خروج شقراء ساحرة من الفندق فالتقت عيناها بعيني البطل ونظرت بإعجاب إلى سيارته اللامعة التي لا يملك منها سوى وزراء المملكة، فصعدت معه من دون كلام وحالما نظرت إلى عينيه الشريرتين شعرت بعاصفة وله تجتاحها فأسلمت نفسها لأحضانه، ثم جلست على ساقيه، وصاحت بغنجٍ رهيبٍ: انطلق يا حبيبي.. انطلق!
  • 47. 46 فانطلق البطل بسرعة شديدة، من دون أن ينظر في المرآة أو إلى يساره، فاصطدم بانطلاقه الهمجي بشاحنة كبيرة، ووسط دمائه حاول تحريك العاشقة فوجدها جثة هامدة وقد قد شق المعدن رأسها، فصاح صيحة يأس قبل أن يغمى عليه. ***
  • 48. 47 ضاعت سيلينا بسبب توغلها في غابة قريبة، وكان الرعب قد ارتسم دقت ً صغيرا ً على وجهها ذي التقاطيع الجميلة، وعندما وجدت منزلا بابه بعنف وهي تطلب النجدة. فتحت الباب سيدة في الخمسينات، وأدخلتها وأجلستها على كرس ي لتتنفس وتحكي لها ماذا حصل لها. : ً فكذبت سيلينا قائلة - لقد كنت ذاهبة إلى منزلي حين خطفني شباب سكارى، وحاولوا اغتصابي لكنني هربت منهم بأعجوبة. عرفت سيلينا أنّ السيدة من النوع المتديّن، إذ أنّها بدأت بخطبة ُ طويلة تناولت فيها مآل الزوجة التي ت ّ سلم نفسها للشهوات، وكيف أنّ الآلهة قد خصت الزوجة بما خصته لكي تحافظ عليه وتحفظه لزوجها والكثير من كلام النصح الدينية مما لا داعي لترديده هنا، ثم توقفت السيدة بعد ربع ساعة من الوعظ الزوجي لتسأل سيلينا: - هل أنتِ متزوجة؟ وأين كان زوجك؟ ولم تخرجين في الليل؟ وكيف يسمح لكِ؟ : ً تابعت سيلينا كاذبة
  • 49. 48 - أنا أرملة وقد توفي زوجي بحادث دراجة نارية منذ سنوات، ولكي لا تتعبي نفسك بالمزيد من الأسئلة سأخبرك أنني لم أنجب منه و ه كان قاس ي القلب، شره ّ لم أحزن عليه إذ أن ار، مخادع، يحب الشقراوات وأنا ّ للنساء، غشاش، مك ً سمراء كما ترين، سكير، بخيل، سمج، فضولي، وغيور كثيرا! تنهدت السيدة تنهيدة طويلة وغريبة وقالت: - آه من الرجال.. هذه هي صفاتهم جميعهم، كلهم هكذا وحين إلا أبي وأخوتي ً ني لا أستثني أحدا ّ أقول كلهم فإن ، ففيهم تجدين الكرم والكرامة والأخلاق والشهامة، وحب الزوجة والإخلاص والصدق والوفاء، والكبرياء والعشق الأبدي والحنان والاطمئنان واللطافة والدماثة والبشاشة، والكرم والكرامة والأخلاق والشهامة وحب الزو... قاطعتها سيلينا: - هيه.. يا سيدتي فهمت الموضوع وأنتِ تعيدين الصفات! ً قالت السيدة محتجة: - والله إذا كررت صفاتهم طيلة حياتي لن أوفيها حقها!
  • 50. 49 ثم تذكرت أنّ زوجها الذي يستحم سيجن جنونه لرؤية هذه الصبية السمراء الجميلة، ك ّ وهو الذي لطالما كرر في مسامعها: بس لو أن سمراء يا نينا! فارتبكت، وقد تمنت في داخلها أن تسارع هذه الزائرة بمغادرة البيت قبل خروج زوجها من الحمام. في بيته فقد أنهى حمامه ً مثيرا ً أنثويا ً أما الزوج الذي سمع صوتا بسرعة، وصار يسابق الزمن في ارتداء ملابسه، وهو يتمنى في نفسه مثل صوتها. ً أن تكون صاحبة هذا الصوت الأخاذ رائعة ، وقد أرادت الهرب من لسان ً وقفت سيلينا بعد أن ارتاحت قليلا السيدة السليط والتي لا يضاهيها ش يء في قلة ذوقها بل انعدامه، إذ أنّها لم تجلب لها كأس ماء حتى، وهي لم تتوقف عن طرح الأسئلة البغيضة وتكرار الأحاديث المنقولة عن رجال الدين فيما يخص واجبات الزوجة، لذلك استأذنت بأدب، ففتحت السيدة الباب وقالت لها وسط ذهول سيلينا: - بالسلامة، الله معك، احذري الظلام، فجارتنا قد انزلقت الأسبوع الماض ي وانكسر حوضها!
  • 51. 50 وعندما سمعت سيلينا صوت زوجها يسأل زوجته عن الضيفة، سارعت السيدة إلى إغلاق الباب بوجه سيلينا، فتابعت سيلينا ه ضوء الشارع لكنها لم تمشِ ّ رت أن طريقها باتجاه ضوء بعيد وقد قدّ يلهث خلفها، فتوقف وقد تسلل الخوف إلى ً حتى شاهدت رجلا ً كثيرا : ً قلبها، لكنه طمأنها قائلا - أنا زوج السيدة المعتوهة، آسف لتعامل زوجتي الناشف عليّ لذلك اسمحي لي أن أدلك على ً معك وهي تغار كثيرا الطريق الرئيس ي. قالت سيلينا وقد أرادت التنصل منه: - يا عم، الطريق الرئيس ي واضح من الضوء الأصفر ً شكرا لك. ً الذي يميّز انارته، شكرا استدارت لتكمل طريقها، فتأوه ال ر وقال في نفسه: آه لو أنن ً جل حزنا ي بغل تركبني هذه السمراء الفاتنة! ولم تمضِ ثواني على هذه الأمنية حتى صاحت سيلينا صيحة ألم، فركض إليها وهو يتألم أكثر منها: - ما الذي أصابك يا سمراء يا فاتنة؟
  • 52. 51 - لقد التوى كاحلي! حملها على كتفيه رأسه بين ساقيها! ً ، واضعا ثم مش ى بها كيلومترات نحو منزل أشهر طبيب في المنطقة، وقد قصده بالرغم من وجود الكثيرين قبله على الطريق لكن كانت غايته إبعاد المسافة، وعندما وصل إلى المنزل ، وجد سيارة رئيس مجلس البلدات الموحد هناك، فوضعها ع ه لم يدفع ضريب ّ إذ أن ً لى الباب وهرب من المسؤول خائفا ة للبلدية منذ سنوات. ***
  • 53. 52 دقت سيلينا الباب، ففتحت الباب خادمة آسيوية، وعندما رأت مشيتها المتعثرة ساعدتها على بلوغ الصالون. جلس في الصالون ثلاث سيدات رفيعات المستوى، وهن زوجة الطبيب وزوجة رئيس مجلس البلديات وزوجة كبير أثرياء المنطقة، وقد ذهلت السيدات المبجلات عند رؤية سيلينا المرهقة التي يبدو عليها أثار معاناة وصراع ما فسألنها بقلق، وهن يتفرسن بجسدها المثير المتناسق وتنورتها الرائعة القصيرة وكعبها العالي المهيب: - خير؟ ما الذي حصل؟ هل هو حادث؟ - اي.. حادث سيارة ولكنني كنت في المقعد الخلفي فنزلت بسرعة فالتوى كاحلي؟ سألنها ليعرفن مستوى سيلينا المادي: - ما نوع السيارة؟ - لا أعرف النوع بالضبط كل ما أعرفه أنها سيارة مرسيدس من النوع الذي يركبه الوزراء! اغتاظت السيدات من كل ش يء، من تناسق جسد سيلينا وجمالها لسياراتها المنكوبة ولا تريد ً الفائق وغناها الواضح، إذ أنّها لا تلقِ بالا
  • 54. 53 أن تعرف نوعها حتى وهذا دليل غنى فاحش، وصاحت زوجة الطبيب في أعماقها: زوجي الدب لاحق السيارات اليابانية متل الأهبل.. يشوف العالم وين صارت؟ ولك بدي أفهم ايمتا صارت اليابان بتعرف تصنّ ع سيارات لسا مبارحة كانوا عم يبيعوا موز ! )يبدو أنّ ثقافة الزوجة الواسعة قد جعلتها تخطئ بين اليابان والفلبين 1 ) أما زوجة رئيس مجلس البلديات، فقد كادت تنطق بما تفكر به من سخطها على زوجها الذي يصرّ على الظهور بمظهر بعيد عن الثراء الفاحش لكي يبعد عنه الشبهات بالرغم من أنّ الرضيع في مدن وبلدات المنطقة ه ي ّ يعرف أن متلك ثروات وأراض ي وعقارات تكفي ها ّ سكان القارة كل ، وقالت في نفسها: الفيلا تبعنا والسيارات لا تعبّر عنا.. عليه أن يتصرف.. أن يتصرف وفق حقيقة ثروتنا وحاجة تمثيل بالنزاهة والاستقامة! وأمعنت زوجة كبير الأثرياء النظر أكثر من زميلاتها إلى جسد سيلينا المتناسق والجميل، ثم أخذت تقارنه ر منها، ّ مع نفسها والغيط يقط : زوجي الحيوان.. ً وقالت في نفسها حانقة بدل ما يلحق النسوان بلاس فيغاس وبانكوك يروح يعملي عمليات تجميل بأفخم مشافي جامعات 1 تحتل الفلبين الترتيب الخامس عالميا بإنتاج الموز
  • 55. 54 العالم وبأحدث التقنيات ووقتا رح اختصر على زوجي سفراته، وع م ّ ل نسوان الكوكب ومنهن هالمغرورة الشايفة حالها معنى الجسد المتناسق! ***
  • 56. 55 على مستوى القمة لتكريم ً استنفرت السلطنة لكي تعقد اجتماعا السيدة الجليلة نمنوم، فتم طلب الوزراء ليكونوا حاضرين خلال عشر دقائق وكبار المسؤولين والأعيان، فحضر من ذكرناهم في بداية الحكاية بالإضافة إلى الوزراء الذين لم يكونوا في الحادثة المذكورة ً آنفا، حيث وقف المسؤول الكبير "مربع" ه قد حزّم ّ الذي يبدو أن عضوه حول كرشه لإخفاء حجمه الضخم، والمسؤول الحزبي الخطير "عبود نضال" الذي لم يعد يلفظ أي كلمة فيها حرف حاء، وكبير المثقفين والشعراء "مثقّب الغرازة" الذي أصابه الحَوَل نتيجة كثرة الحسناوات وازدحامهن في مكتبه، وكبير الكهنة "عبد الزعقة" لإنهاء التكريم للعودة إلى حضن زوجته الرائعة ً الذي بدا مستعجلا وزالت عنه علامات الورع والتقوى ، ومعهم الوزراء والأعيان بجانب صور مهيبة وتماثيل كبيرة لجلالته، وبدا للمشاهد أنّهم جزء من ديكور الصالة بوجوههم المتطلعة بتوق إلى عظيم ا لأمة وسلطانها لكل حركة يأتي بها ً ومباركة ً القائد، وكانوا يهزون رؤوسهم موافقة حتى عندما يحك مؤخرته، وهم على ثقة تامة بأنّ كل حركة يقوم بها فيها خير عميم للأمة، وإن قام بحركة سخيفة لهي تكتيك عبقري لإلهاء العدو وإفشال جهود خبرائه في دراسة حركات عظيم الأمم.
  • 57. 56 نظر السلطان المبجل إلى ساعته فوجد أنّ ربع ساعة قد انقض ى دون أن يحضر جميع وزراء المملكة، فطار عقله من الغضب، واتجه إلى أقرب مسؤول قريب منه و صوتها على بعد أميال، نّصفعه صفعة ر فصفق الحضور وهتفوا بحياته فحياهم ببشاشة إلى أن أتى أحد حراسه الأشداء وهمس في أذنه بكلمات سريعة فوجم، ووجم معه الصخر والحجر وخسف القمر ويبس الشجر، كيف لا؟ وهو يخضور النباتات ودم الحيوانات ونفط السيارات وكهرباء المعامل ومني الخص ى وبيض المهابل! كان ذلك الخبر هو خبر الاعتداء السافر على الوزراء المتجهين إلى التكريم، لكنه، ولحكمته الشديدة فقد أمر بمتابعة التكريم لأنّ من قام بالاعتداء الكافر يهدف إلى التشويش على هذا التكريم الهام، ّ وتشويه صورة السلطان المجتمعية، فأتم مراسم التكريم وقلد نمنوم وسام مؤخرة المملكة بعد أن ألقى كلمة مقتضبة دخلت في الطبعة الجديدة لكتب التربية العائلية، ومن أهم ما جاء فيها: "لطالما شددتُ ، وأشدد الآن وفي كل آن، على العدالة في التربية العائلية لعدّة أسباب، منها أسباب كثيرة وأخرى قليلة، لكن تلك القليلة التي يهملها الناس هي الأصيلة، فالأخلاق تنبع من معرفة الله
  • 58. 57 ومحبة الوطن، كما ينبع الدم من جرح لا يترك له ً صاحبه فرصة للاندمال!". ه ظل للمرأة ما هو إلا المرأة نفسها، ّ "ما بدا لنا أن ونحن نستظل بظلها، لكن علينا أن نمّيز بين المرأة وظلها، فإذا كانت المرأة ظل فإننا لسنا بحاجة إليها من الأساس، ولتذهب هي وظلها حينئذٍ إلى الجحيم!" من التأثر خلال التكريم، وألقت كلمة بسيطة ً بكت نمنوم كثيرا اختلطت فيها الكلمات بالدموع، شكرت فيها سلطان السلاطين ودولته المصون، ومما جاء في كلمتها: "إننا نعيش في عصر السلطان العظيم، وهذا كافٍ لأي امرأة، أنا لم أكن لأكون ما كنت لولا حكمته ومكرمته في السماح لي وللنساء الأخريات بأن نكون . أقف الآن أمامكم وأنا أستذكر حكاية الدراقة التي قطفها عظيمٌ مثل عظيمنا، والتي مات دودها ونضجت الأجزاء ، كله بسبب ً لذيذا ً غير الناضجة منها، وزالت بذرتها واستحالت شحما يده القاطفة المعطاءة وقبضته الخيّ رة المختارة". ***
  • 59. 58 طلبت زوجة الطبيب من الخادمة الآسيوية أن تخبر الطبيب بوضع سيلينا لمعالجتها أو إرسالها إلى طبيب آخر. صعدت الخادمة ومعها سيلينا، حيث استندت عليها وقد بدأت تشعر بالألم، وتمنت أن تكون الإصابة طفيفة. دخلت الخادمة إلى القاعة حيث يجلس الطبيب ومعه ضيفيه، فسمعت سيلينا وسط ذهولها صفعات وبكاء الخادمة، فدخلت ً القاعة مهتاجة، وجدت الطبيب يصفع الخادمة بسبب مقاطعة اجتماع الأعمال الذي يقوم به، فقد كان الثلاثة يتفقون على استثمارات ومشاريع في القطاع الصحي، لكنه وفور رؤيته جمال صاحبتنا، توقف واحتضن الخادمة بحنان وعاطفة بالغة، وقال لها إياها بـ "خدومتي": ً بمحبة غامرة مدلعا - آسف يا خدومتي! ، ف ً معك حق تماما هذه حالة صحية حرجة ! ً يجب علاجها فورا اندهشت الخادمة إذ أنّها لم تعرف كيف عرف الطبيب البارع أنّ سيلينا مصابة من دون أن تتحرك لا هي ولا ساقها حتى! لعله، ولهذا السبب بالضبط، قد نال شهرته الفائقة وسمعته الطبية الناصعة. ***
  • 60. 59 نقلها الرجال الثلاثة على الفور إلى العيادة المنزلية للطبيب الشهير، بينما أخذت زوجاتهن تتحدثن عنها ولم تجدن عزاءً لأنفسهن إلا وأنّ مشيتها تشبه مشية بطة عرجاء، ً وصفها بأنّ جمالها عادي جدا وقد تجاهلن اصابتها، وقالت زوجة الطبيب: - الرجال جميعهم يحبون الصدر الكبير وصدرها صغير! وعقبت زوجة رئيس مجلس البلديات: - مؤخرتها ليست نصف كروية بالشكل اللازم وأغلب الظن أنّها تضع محارم في جيب بنطالها لإعطائه مؤخرتها هذا الشكل المغري ! )تناسين أنّها تلبس تنورة(. : ً أما زوجة كبير الأثرياء، فقالت ساخرة - يكفي أنّها سمراء، ولولا مساحيق التجميل التي تنقع جسمها بها لظهر لونها الطبيعي الأسود! لا أدري لمَ شعرتُ أنّها من أصل زنجي! وفي تلك الأثناء دق باب المنزل الفخم بعنف، فهرعت الخادمة لفتح الباب وعادت وهي تستغيث:
  • 61. 60 - سيدتي.. سيدتي.. إنّهم يحملون جريح مصاب بعيارات نارية وفي حال ولا ً ، وهم يقولون أنّهم فقراء جدا ً خطرة جدا يملكون أجرة نقله إلى مستشفى المدينة. سألتها زوجة الطبيب: - هل ينزف؟ - ه ينزف بشدّ ّ إن ة.. - لا تدعيه يدخل، سيلوث دمه المنزل ! اعتذري منهم وأغلقي الباب بوجههم، من يظنون أنفسهم حتى يلطخوا أرض منزلي بدماء الفقراء؟ وافقتها صديقتها، وقد استنكرت زوجة رئيس البلديات هذا التصرف الشائن منهم: - يا إلهي الفظاعة! قال فقراء على من يضحكون آه؟ يظنون أننا سنصدّق أنّ هناك من لا يملك اجرة استئجار سيارة أو سائق لمسافة عشرات الكيلومترات ليصل إلى المدينة؟ يتصنعون الفقر وتجدينهم يقتنون السلاح أو في الحانات يرمون كومات الأموال لقاء الحصول على الكحول والعاهرات.
  • 62. 61 وأكدت زوجة كبير الأثرياء هذه الفكرة بقولها: - نحن الفقراء الحقيقيون ً أصلا عندما ً ، خاصة نظن أنّ هناك فقراء لا يشبعون الخبز بينما تفوح روائح الشواء ورنين ليرات الذهب من أحيائهم! لم تستطع الخادمة احتمال المزيد وقد شاهدت بعينها الحالة المفجعة للشاب ومسعفيه، فصعدت الدرج بهيستيريا لتخبر الطبيب البارع وهو العارف بالحالات الحرجة من بعيد، ولحقت بها زوجة الطبيب وهي تشتمها بأفظع الشتائم. ***
  • 63. 62 بعد أن انتهى تكريم نمنوم من قبل جلالته "الشريفة"، طلب فور ً ا وزير التسليح والتشليح، الذي قدم بهرولة عسكرية صحيحة مائة بالمائة فأثنى السلطان : ً على انضباطه، لكنه قال عابسا - لدحر المتآمرين على المرسيدس ً سنتحرك فورا ات الوطنية، سحق ً علينا، لذا عليك فورا ً فهم يعتدون على وزرائنا وغدا ومحق جميع من أعد وخطط وشارك ونفذ وشاهد هذه الجريمة البشعة، بعد أن يتم التحقيق معهم وعندما أقول جميع فإنني أقصد بها الجميع، من بشر وحجر وشجر وحيوانات برية وغير برية وكائنات مجهرية، وإذا كانت الليلة قمراء أريد أن يكتب إعلامنا أنّها ظلماء، فوسائل إعلام لتنقل الحقيقة المزيفة على شاشاتها. ً العدو لن تدخر جهدا أدى الوزير التحية على أصولها، فأثنى السلطان عليه، وطلب منه بيان العملية الغادرة ففتح ورقة كانت في يده وقرأها: سيدي سلطان الزمان والمكان، في مكان مشؤوم وساعة نحس، قامت مجموعة صعاليك غادرة بمهاجمة مجموعة من وزراء المملكة، وهي لمجموعة مشهود لها بأنها مخلصة ساهرة، فتم إهانة زوجاتهن ً العفيفات الطاهرات العذراوات! واغتصاب الوزراء المغدورين فردا ، وسرقة مرسيدساتهم لاستخدامها في أغراض معاديةٍ ً فردا
  • 64. 63 لتوجيهات سيادتكم بأنّ القيادة فن وذوق وأخلاق، والقيادة منهم براء يا سيدي، وتنتظر وزارتي تعليمات فخامتكم وتعدكم بالرد القاس ي على من تجرأ وامتدت يده إلى هيبة المملكة. أثنى السلطان على حسن قراءة البيان وبلاغة لسان وزيره، وثم قال ه انبهار ّ بنفسه وكل ً متفاخرا بذكائه الذاتي: - هل تعرف لمَ أجلت قراري بالقبض على الجناة وسحقهم إلى بعد التكريم بالرغم من خطورة الموقف الشديدة؟ هزّ الوزير رأسه بالنفي وقد أعده للهزّ بذكاء السلطان قبل ً إعجابا أن يسمع إجابته حتى، فقال السلطان وبريق الفخر يلمع في عينيه: - لكي أفاجئهم! فهم يتوقعون رد فعل سريع بأن أسحقهم وأمحقهم بينما قمت بمباغتتهم، فقمت بإتمام التكريم وهذه هزيمة لهم ولغاياتهم ومن ثم أمرت بسحقهم بعد أن يكونوا قد ظنوا أنني تركتهم لضعفٍ أو لامبالاة! قام الوزير به زة الإعجاب العظيم التي أعد ل ، وأدى الت ً ها مسبقا حية للسلطان العبقري، فأثنى السلطان على حركته العسكرية الصحيحة، ومن ثم انطلق الوزير لتوجيه عناص ره حسب تعليمات جلالته. ***
  • 65. 64 تمددت سيلينا على كرس ي الفحص، وبدأ الطبيب بعلاجها على الفور وهي تنزلها: ً فرفع تنورتها، فقالت مستاءة - مشكلتي تحت أيها الطبيب البارع، لكن مشكلتك أنت في الوسط، إذا أردت أن تحلها سأعطيك كرتي وفيه عنوان تمض ي به أجمل الأوقات، أما الآن فأود أن تحل مشكلتي لأستطيع التفرغ لمشكلتك على رواق! على علاجها ً أشرق الطبيب وهو يسمع هذا الكلام فزاده اصرارا بسرعة، فأخذ يتلمس ساقها مكان الإصابة لكنها أحست بأمرٍ غريبٍ ، يملك يدين أي كفين فكيف يتلمس ساقها ً إذ أن الطبيب منطقيا بأكثر من ثلاث أيادي! رفعت رأسها فشاهدت المعتوهين الثلاثة وقالت: ً يفركون ساقها، فعدلت من وضعيتها غاضبة - كم زبالة، أو دعوني أصحح أنتم أول حرفين منها! ّ أعرف أن لكن أيها الداعرون الأثرياء هناك أماكن مخصصة لشبقكم هذا فلمَ تنتظرون مصابة لكي تظهرون بهذا المظهر الغبي أمامها؟ : ً قال الطبيب متلعثما
  • 66. 65 - ك قد أسأت فهمنا فأنا أسمح لهؤلاء ّ عفوك سيدتي يبدو أن السادة المهتمين بالطب بمعاينة وجس أي مصاب في مكان إصابته مهما كان نوعها، وهذه مبادرة مني لنشر علوم الطب وتستطيعي ً وتنفيذها مجانا ن التأكد منهم بنفسك من صحة ما قلت. وقبل أن تتحرك سيلينا المشمئزة من عهر المجتمع وأعيانه لتغادر المكان المقرف، فتحت الخادمة الباب وصاحت: - يا حكيم يا حكيم.. هناك مصاب ينزف بشدة على باب المن زل أرجوك أسرع قبل أن يصفي دمه ويموت! ركض إليها الطبيب ً مغتاظا وصفعها بشدّة وقال: - يا قحبة، عندما تحين ساعته لن يرده ش يء عنها! ووصلت إليها زوجته وأخذت تكيل لها باللكمات والصفعات هي ً الأخرى مؤكدة إيمان زوجها بقولها: - فيكف إذا كانت ساعته أصلية؟ بكت الخادمة الآسيوية من الألم وهي تكرر أنّها لم تلمح ساعة في يد الشاب!
  • 67. 66 : ً انفجرت سيلينا غاضبة - اتركوها يا حيوانات! وأنتم أيها السادة المنحطون الداعرون تفضلوا واجلبوا المصاب بسرعة إلى هنا لجس مكان النزف! أم أنّ اختصاصكم سيقان النسوان فقط؟ وجمت زوجة الطبيب عند سماعها ما قالته سيلينا، فتركت الخادمة وسألتها: - ماذا فعلوا معك؟ للانتقام منهم ً قالت سيلينا كاذبة ، وقد مدت يدها إلى حقيبتها ونا ولتها كرتها: - عفوكِ سيدتي، أنا مجرد عاهرة وقد اتفقت مع هؤلاء مقابل ً السادة على دخول منزلكم ليتم مضاجعتي جماعيا سيارة مرسيدس مثل تلك التي يركبها الوزراء، لقد كذبت عليكن لكي أقوم بعملي، فأنا مثلي مثل أي عامل أو عاملة يأمره المدير بأوامره فيأتمر ويعمل.. آسفة لإثارة ً مجددا ! ً سعيدة ً الفوض ى في منزلكم الداعر هذا وأتمنى لكم أوقاتا ثم ابتسمت سيلينا، وجاهدت لإخفاء ألمها وهي تمش ي بشكل صحيح لتثبت للزوجة الم ً تماما صعوقة أنّها سليمة وأنّ إصابتها كانت مجرد تمثيلية، ثم نزلت الدرج وابتسمت للزوجتين الأخريين ابتسامة عاهرة محترفة منهما كرتها ً بعد أن ناولت كلا . فتحت الباب فهالها منظر
  • 68. 67 الشاب والدماء النازفة بشدّة، فقالت للمسعفين بعد أن انتبهت لفقر حالهم من لباسهم ووجوههم الغائرة الجائعة: - ً اللعنة! ماذا تنتظرون خذوه إلى مشفى المدينة فورا.. هذا الطبيب ساقط وليس لديه ذرة شرف. ظهرت الخيبة والمرارة الشديدة على وجوههم، وسبقتهم دموع العجز، وقد تمنى بعضهم لو ينبثق أحد الشرفاء فيمن عليهم بأجرة نقل مصابهم النازف إلى مشفى المدينة وتمنى آخ رون أن يتبرع سائق . ً شهم بنقله مجانا ! ً معطرا ً كبيرا ً ووسط ذهولهم، فتحت سيلينا حقيبتها وناولتهم مبلغا إلى الدماء المتدفقة وصاحبها الغائب ً وقالت لهم وهي تنظر مهتاجة عن وعيه: - يلا.. بلا بسرعة.. ثم تحركت سيلينا بسرعة إلى الطريق وأشرّت لأول سيارة، وكان سائقها الشاب ً كثيرا ً مسرعا ، فقفز كله على الفرامل لإيقاف سيارته ً قريبا من سيلينا لكنه توقف بعدها بمائة متر، فرجع بسرعة لكي
  • 69. 68 يتأكد من جمال الصبية التي أوقفته وهو يمني نفسه بالتمتع بهذا الجسد المتناسق ولو عبر المرآة! ترجته سيلينا: أرجوك يا صديقي بل أتوسل إليك، ثم التقطت أنفاسها، وقالت وهي على وشك الإغماء بسبب منظر الدماء: اسمع هذا كرتي وأنا مستعدة لتقديم ليلة بسعر مخفّض لك إن أسعفت هذا الشاب بأقص ى سرعة لمشفى المدينة! هيا أرجوك! ، بل تناول الكرت ووضعه في جيبه ً لم يفكر الشاب أبدا بحركة سريعة؛ وخلال ثواني، حمل الشاب ووضعه في المقعد الخلفي، وطار به دون أن يلحق أحد من أقاربه بأن يركب معه ليرافقه! وقفت سيلينا والدهشة تكاد تصرعها، وقالت: معقولة هذا الشاب ً شهم جدا؟ أم أنّ العرض مثير للشهامة لهذا الحد؟ ً ه شهم، وإلا كان قرأ الكرت وتأكد منه أولا ّ أخذت تقنع نفسها بأن ، ً وتكلم معها ثانيا كانت بأشد الحاجة للاقتناع بأنّ هناك ثمة شرف وشرفاء في هذا العالم المنحل! وفي تلك الأثناء، تناهى إلى سمعها صياح الزوجات وأصوات تحطيم واستغاثات السادة الداعرين، فاقتربت من الباب المفتوح وسمعت
  • 70. 69 السادة يعدون نساءهم بتنفيذ كل ما يرغبن به في حال توفقن عن الصياح والتحطيم، فساد صمت، ومن ثم سمعت أصوات أحاديث مسالمة وعندما اقتربت الأصوات من الباب تحركت سيلينا واختبأت خلف شجيرات قريبة، فرأت الطبيب وزوجته يركبان سيارتهما ( ً اليابانية ويتجهان غربا نحو وكالة المرسيدس لشراء سيارة مرسيدس فخمة( ورئيس مجلس البلديات وزوجته يركبان سيارتهما ويتجهان )نحو فيلا سريّة يمتلكها لسحب أموال من خزائنها وإشهار ً جنوبا )نحو المطار للسفر ن ً ثروته( وكبير الأثرياء وزوجته يتجهان شرقا حو إحدى الجامعات الشهيرة في ولاية ميشيغان لإجراء عمليات تجميل وإعادة تشكيل للزوجة(. ***
  • 71. 70 انتشرت القوات في المنطقة فاعتقلت كل ش يء حسب التعليمات من بشر وحجر وشجر وحيوانات، فجاءت الجرافات وجرفت الغابة ووضع البشر في زنزانات والحيوانات في أقفاص، قلت ُ ون محت ويات المنازل والمحال التجارية والمستودعات للتحقيق معها وبيعها! وتم تقطيع الشجر إلى حطب للتحقيق معه في مدافئ قصور القادة، وصارت المنطقة صحراء. وبينما كانت سيلينا تسأل عن فندق لتبيت فيه ليلتها الرهيبة تلك، وقفت سيارة هامر جانبها، فقال أحد ركابها: إنّها هيَ! نظرت إليه وإذ به أحد المجرمين المعتوهين السابق ذكرهم، نزل على الفور ثلاثة رجال ضخام وحملوها بخفة ووضعوها في المقعد الخلفي بجانب المجرم، وانطلقت السيارة مسرعة. استطاع المجرم أن يهمس بجدية بالغة وهم يركبون: لقد تحققت أمنياتنا يا عاهرة! فتحت سيلينا عيناه ، وهي تريد أن تسأله كيف تم ذلك؟ ً ا دهشة لكنها لم تجرؤ أن تنبس بحرف أمام الرجال الشرسين المسلحين تب عليها: الموت للأعداء! ُ الذين ارتدوا بزة موحدة ك
  • 72. 71 فكرت طيلة الطريق في اختراع جدتها، وكيف له أن يحقق أمنيات الآخرين من دون أن يحقق أمنيتها في حياة شريفة، وخطر ببالها فكرة أرعبتها سيطرت على تفكيرها: ماذا إن كان لا وجود لحياة شريفة في هذا الكوكب؟ وهل يُعقل أن تكون مشاهداتها واضحة وذات نتائج مباشرة كونها عاهرة، هل الحقيقة تظهر لها ناصعة كونها كذلك؟ هل يحيا الآخرون ممن يُظهرون الشرف أو تظهر حياتهم شريفة للآخرين كمظهر خارجي فقط، هل مظهر الحياة الشريفة هو مجرد قش رة لعهر أشد من عهر مهنتها؟ هل يعقل أن يحيا المرء طيلة سنوات بل خلف مظاهر الحياة ً إذا لم يكن العمر كله متسترا ً عقود أحيانا الشريفة بينما تسرح ديدان العهر في أوصاله وأفكاره وتصرفاته غير المرئية! نظر أحد الحراس المسلحين المخيفين نظرة شماتة لسيلينا وقال لها : ً ساخرا - فكري قدر استطاعتك الآن، أرجو لك الاستمتاع بضيافة مركزنا! ضحك الحراس الآخرين فقال أحدهم: - بخدماتنا. ً أنا واثق من أنّها ستستمع كثيرا
  • 73. 72 وقال الآخر: - لدينا طرق في الإمتاع ستعجبك وستتغيّر نظرتك إلى المتعة بشكل تام بعد التعرض إلى هذه الطرق. ً نظرت إليهم سيلينا نظرة تحدي وكراهية غريبة وقالت ساخرة بشكل استفزازي: - بجانبي مجرم حقيقي لكن هرموناتكم الغبية مثلكم لا يمكنها أن ترى مكمن الإجرام الحقيقي، بل تقودها الغريزة كما تقود جزرة بغل جائع! وجهوا خطابكم لمن يستحقه مع علمي كم مجرد مرتزقة تافهة لا تبلغون حافة ّ المسبق أن إصبعي الصغير مهما رفعتم رؤوسكم التي ينقصها آذان طويلة شأنها شأن جنسكم من الحمير والبغال! صاح الثلاثة بصوت واحد عنيف وشرس: - اخرس ي يا عاهرة! قالت بنبرة تحدي ساخر: - لم تأتوا بجديد!
  • 74. 73 كظموا غيظهم وغضبهم البركاني، وهم يعلمون أنّهم يجب أن يصلوا في الوقت المحد، لن يرحمهم أو يبرر لهم تأخرهم عن ً د وإلا فإنّ أحدا تنفيذ مهمتهم في القبض عليها. وصلوا إلى المركز الفخم التابع لقصر السلطان، ونقل وها بسرعة وأعادوا لها أمنياتهم بمتعة ولذة قصوى شامتين منها بكل ما استطاعوا بلهجة أو نظرات. ***
  • 75. 74 ُ بعد أن أملى تعليماته طلب السلطان نمنوم، فأمرها بأن ت حضّر نفسها لليلة حمراء في قصره، فانحت طائعة وقد أبرقت عيناها بشعاع النشوة، فإن لم تخلق المرأة لإمتاع هذا السلطان التاريخي فلمَ لقِت؟ ُ تكون قد خ جاءت الخادمات وخبيرات الليالي الحمراء ومعهن الكريمات والمستحضرات الخاصة، وقادوها إلى حمام فخم واسع وبدأ عملهم هناك مع إشارة من سيدة مختصة بمتع السلطان ونسائه. بعد أن انتهت تلك التحضيرات اقتيدت نمنوم إلى غرفة السلطان التي كانت تصلح كساحة وليس كغرفة، وكان هناك فراش ذهبي وثير في . ً وسط الغرفة، حيث تمدد السلطان ساهما دخلت نمنوم وقد بدت كالشمس في إشراقها فأشرقت أسارير السلطان، وقال لها وهو الذي تعوّد لغة الخطابات: - ، وكان التكريم ً وفعلا ً لطالما شددت على أهمية المرأة قولا الذي والآن سيبدأ الجزء العملي من ً حصل قبل قليل قولا ه امتداد لتاريخنا ّ التكريم بالفعل، وهذا أمر أصرّ عليه لأن الحضاري وإرثنا الساطع، ونستطيع تمييز ذلك من كون الفعل في لغتنا يأتي قبل الفاعل، وفي هذا إشارة واضحة إلى
  • 76. 75 أنّ الفعل يجب أن يسبق الفاعل، وسترين أنّ هذا ما سيتحقق على فراش ي المتواضع! وقبل أن يبدأ بفعله الذي يسبق الفاعل، أضاء ضوء أحمر في سقف الغرفة الساحة، فصاح: - ماذا هناك؟ تقرير الحالة بسرعة. دخل أحد خصيانه وقرأ تقرير الحالة: لقد تم القاء القبض على الخونة ممن تبقى من شركاء وشهود اعتداء الوزراء الاجرامي. كاد ، فقال لنمنوم: ً السلطان أن يرقص جزلا - قدرك أن تحضري إحدى انتصاراتي على الأعداء وما أكثرها، تعالي فلعلك تودين أن تشهدي فصول هذا النصر العظيم! آخر ً ثم خرجا إلى قاعة ملحقة بغرفة النوم، وفيها قرأ أحدهم بيانا ذكر فيه كيفية القبض على المجرمين واعترافاتهم حتى ا لآن، وفي آخر البيان تم ذكر ما يلي:
  • 77. 76 اعترف جمع المجرمين بمحاولتهم الاغتصاب الجماعي لعاهرة طلبها مجرم لقى حتفه قبل الحادثة، وهي تدعى سيلينا. صاحت نمنوم صيحة رعب وهرّت باكية وقد غصت بدموعها! فسألها السلطان والدهشة تغمره: - ما بك يا عزيزتي؟ - هذه الصبية تخصني يا جلالة السلطان العظيم! - اللعنة! إن من يخصك يخصني وسأخبرك لماذا بعد قليل. المجرمون الخبثاء! إنّهم يعرفون أنني أقوم بتكريمك لذا قاموا بجريمة مزدوجة بأن يهينوا ما يمثلني وما يمثل من أكرمه.. لم يسبق أن ً السفلة الأنذال سيلقون مصيرا ّ خطه التاريخ لبشاعته! - أرجوك يا سيدي أن تأمر رجالك بالتلطف وحسن المعاملة لسيلينا، فهي من أتباعك المخلصين وهي تحلف بحياتك في تفاصيل حياتها اليومية! أنا واثقة من لطف حضرتك وشهامة حراسك وتقديرهم لمواطنة صالحة مثل سيلينا لكن تعرف قلق المرء على من يحبّ هم ويعرف ولاءهم وإخلاصهم للوطن وسلطانه.
  • 78. 77 ثم اقتربت منه وهمست في أذنه المباركة، فاحمّر وجهه ثم سألها ق ً لقا: - ً أيكون هذا صحيحا؟ - لقد دونت كل المواعيد والتواريخ في دفتر موجود في منزلي! أمر السلطان بإكرام سيلينا بأفضل الأشكال، وأن يتم التعامل معها كأميرة، وأن يتم تلبية طلباتها حتى لو لم تقلها، على أن يتم إحضارها من ظروف اعتقالها! ً إلى القاعة بعد أن ترتاح قليلا ***
  • 79. 78 تم سوق سيلينا بعنف إلى داخل قاعات سوداء يتم فيها التحقيق، وقد تناهت إلى مسامعها أصوات مرعبة قادمة من الأقبية ناتجة عن التعذيب الوحش ي. وكانت أيدي جميع من مرّ في الردهة قد امتدت إليها، من هذا المصير الأسود الذي ً فتناثرت دمعاتها وهي ترتجف رعبا ستناله لسببٍ لا علاقة لها به، وأشد ما كانت تتمناه هو لقاء جدتها لتسألها لمَ يحقق الاختراع الذي وصلها منها جميع الأمنيات إلا أمنيتها. أدخلوها ً قاعة تلطخت جدرانها بدماء جف معظم ذ ً ها وبدا أسودا ا رائحةٍ نتنةٍ كريهةٍ، كادت تغمى عليها من هول الرائحة والمنظر والرعب المحيط بهذا الجو المخيف، فقالت بصوت عالٍ، وهي تتمنى في أعماقها أن يكون هذا كله كابوس أو مزحة من القدر: - أنا مجرد عاهرة تعيش من عرق جبينها، لعلكم ستسخرون من كلامي لأنّ مهنتي مصنفة على أنّها قذرة لأنّها تخضع لرغبات ونزوات وهرمونات الزبائن، لكن مهنتكم أسوأ ولست أقصد في هذا الإساءة إليكم أيها العاملون هنا، إنما أقصد أنني مجرد عاملة، مثلي مثل أي شخص ذو قدرات مهنية ضعيفة فتعلم مهنة بسيطة ليعتاش منها، فمن الناس من يجرّ عربة طيلة اليوم وينادي على بضعة حبات بندورة ومنهم من يفترش الرصيف ببعض الأدوات التافهة، وآخرون