الرد القضية سياسية بامتياز و الشهيد احمد الرحموني من التيار اليوسفي
1. ر د ّا على الستاذ خالد عبيد:
القضية سياسية بامتياز و الشهيد احمد الرحموني من التيار
اليوسفي
أعتقد أنّ ما نشر من حديث للستاذ خالد عبيد المختص في التاريخ السياسي
المعاصر في صيغة حوار أجراه الصحفي السيد رفيق بن عبد ا بصحيفة
الصباح يوم السبت ١٣ مارس ٢١٠٢ )ص ٤( قد أثار أكثر من جهة وتساءل حوله
أكثر من طرف وبالولى من تحدث في حقهم من عائلت الشهداء العسكريين
و المدنيين الذين أعدموا على إثر ما عرف لدى الرأي العام و بعض المؤرخين و
الصحفيين بمحاولة انقلب ديسمبر ٢٦٩١ و كذلك ربما تساءل من توجّه لهم
الخطاب دون تسميتهم ممن قاموا ـ والقول للستاذ ـ بإلباس القضية حلّة
سياسية أو رداءا توظيفيا.
و بقطع النظر عما يقصده الستاذ، ولعله يشير بذلك الى مناصري الحركة
اليوسفية أو أصحاب الدعاوى المرفوعة الن من بعض المعنيين بتلك القضية
ضد الوزير الول السابق السيد الباجي قايد السبسي، فاني أرى من الواجب
بعد التوجه بالشكر الى الستاذ خالد عبيد عن تحمسه لنصاف الشهداء و
عائلتهم ابداء بعض الملحظات بشأن ما أورده في ثنايا حديثه من تأكيدات
متعلقة بطبيعة القضية و أطرافها، استنادا لرتباطي العائلي بموضوع الحديث
بواسطة عمي المرحوم الشهيد احمد الرحموني و انارة للحقيقة و تباعدا عن
كل التباس.
فمن جهة أولى: يلحظ أن الستاذ قد حرص على التأكيد أكثر من مرة على
اعتبار القضية هي في آن واحد قضية شخصية له و انسانية خالصة ل تحتمل
التسييس و أن استرجاع رفات من تم إعدامهم من شأنه أن يرضي عائلتهم و
يؤدي حتما الى اعادة العتبار التاريخي لهم.
و من الواضح أن ذلك ل يمكن ان يعكس إل رؤية ذاتية ترتبط بنشاط الستاذ
خالد عبيد في عمله على ايجاد حل انساني لهذه القضية و تصوره أنها تهم فقط
عائلت من تم إعدام ذويهم و هذا تضييق ل مبرر له و أنه من الممكن انشاء
لجنة تكون وحدها دون غيرها المؤهلة للحديث عن هذه القضية.
2. و دون الدخول في شرعية من يملك الحديث عن ذلك، فمن الواجب التذكير أن
اعتبار القضية سياسية بامتياز ومن صنف المحاكمات غير العادلة التي اقترفت
في ظل قضاء غير مستقل وجرّت على شهدائها وضحاياها من المدنيين
والعسكريين التعذيب والقتل هي من جملة المعطيات الثابتة التى ل تتوقف عند
البعد النساني او العتبار التاريخي دون غيره.
و قد كان واضحا في الكتابات العديدة التي تناولت الموضوع أن الزمة
الخطيرة التي عرفتها البلد إثر الستقلل والتوجهات العلمانية للدولة وتصفية
التعليم الزيتوني وتهميش اللغة العربية و توحيد التعليم على يد المرحوم
محمود المسعدي هي من السباب التي أثرت في عدد من اطراف القضية
كالشيخين عبد العزيز العكرمي واحمد الرحموني وغيرهما )نورة البرصالي:
بورقيبة في اختبار الديمقراطية ٦٥٩١ ٣٦٩١ ـبالفرنسيةـ منشورات صامد صفحة
٤٦١(.
و اضافة لذلك اعتبر عدد من المؤرخين ان اضطهاد العناصر اليوسفية واغتيال
زعيمها صالح بن يوسف كان من العوامل الضافية التي لعبت دورا في انخراط
البعض في هذه القضية )عمار السوقي: عواصف الستقلل رؤية في الخلف
اليوسفي البورقيبي مارس ٦٠٠٢ صفحة ٩٤٢(.
و على هذا العتبار فإن محاكمة سياسية لنخبة من المتعلمين او المتمرسين
بالنضال السياسي على خلفية مواقفهم الوطنية تبدو كافية على القل في
اعتبار القضية ذات بعد سياسي دون ارتياب.
و يتساءل المناضل علي المعاوي في مذكراته وفي معرض حديثه عن لقاء
جمعه، بعد اعتقاله، بجلّ المدنيين من أطراف القضية في جانفي ٣٦٩١ بإدارة
المن بقوله: ل يقبل العقل أن يكون أمثال الشيخ أحمد الرحموني والكفلي
الشواشي والصحبي فرحات واحمد التيجاني وغيرهم من هذا الحجم من أبناء
تونس ممن كان على شاكلتهم من أنهم سيحملون السلح وينخرطوا في تنظيم
مدبّري النقلبات ول أنهم كانوا يجازفون بحياتهم من أجل تحقيق نفع مادي او
طمع في الوصول الى كراسي الحكم لكن السيل قد بلغ الزّبى بعد... فلم يعد
هناك بدّ من اللجوء الى حلول اليأس لنقاذ البلد والعباد من شر ما آلت اليه
أوضاعهم من التردي في أوحال الحتقار والستعلء والتكميم وإطلق ايدي
3. رعاة الشاة من المرتزقة لرتكاب جرائم القتل والغتيالت والمضايقات )علي
المعاوي: ذكريات و خواطر ـ منوبةـ ٧٠٠٢ صفحة ١٢٧(.
أما من جهة ثانية، فقد تمسك الستاذ خالد عبيد بصفته مؤرخا ان جميع من
اعدموا سنة ٣٦٩١ لم تكن لهم علقة بالتيار اليوسفي او الحركة اليوسفية
وأشار كمثال على ذلك الى الشهيد الزهر الشرايطي.
و في هذا السياق ورد في خطاب ألقاه الحبيب بورقيبة يوم ٨١ جانفي ٣٦٩١
اي بعد يوم من صدور الحكام في القضية عن هيئة المحكمة العسكرية
الدائمة بتونس برئاسة علي الشريف قوله: هذه العناصر الخبيثة )والمقصود
المحكوم عليهم( اشتملت على اناس قاوموا الحركة الوطنية في بدايتها وعلى
فلول من انصار اليوسفية التي تعمد من حين لخر للتضرع بمبادئ سياسية
وعلى اتباع الشيوعية الذين ل يفتؤون ينفثون السموم و يحيكون المناورات
)صحيفة العمل ٩١ جانفي ٣٦٩١ ص ٦(.
و يمكن ملحظة أن تحريض بورقيبة، في هذا الخطاب المرعب، على الفتك
باليوسفيين والشيوعيين والذي بلغ مداه بتنفيذ حكم العدام في عشرة من
المتهمين يوم ٤٢ جانفي ٣٦٩١ وإلغاء نشاط الحزب الشيوعي التونسي
وملحقة مناضليه، قد اعتبره بعضهم بعيدا عن المبالغة خاصة عندما يتهم نظام
أحمد بن بلّة بتقديم الدعم للنقلبيين ومن بينهم طبعا اليوسفيون واستقبال
رموزهم بالجزائر كإبراهيم طوبال وعبد العزيز شوشان )عميرة علية الصغير:
اليوسفيون و تحرر المغرب العربي ٧٠٠٢ ص ٤٩(.
و على فرض اعتبار ذلك من قبيل الدعاءات فان من بين المحكوم عليهم من
انتمى فعل للتيار اليوسفي او الحركة اليوسفية حسب بعض المؤرخين كمحمد
صالح البراطلي وعبد العزيز العكرمي احد قياديي صوت الطالب الزيتوني و
كذلك المدرس احمد الرحموني و المعلم عز الدين الشريف اضافة لعناصر
اخرى ذكرها التحقيق في القضية المذكورة )عميرة علية الصغير: المرجع
المذكور صفحة ٤٩ و ٥٩(.
أما من جهة أخيرة، فاني أؤكد، إمّا نقل عن مصادر عائلية أو استنادا الى
السيرة الذاتية للشهيد احمد الرحموني أو اعتمادا على وثائق خطية مخلفة عنه،
أنّ انتماءه للحركة اليوسفية أو على القل إلى التيار اليوسفي ل يرقى اليه
الشّك، من ذلك:
4. ١ ـ ما يشهد به شقيق المرحوم، وهو الستاذ الدكتور محمد الشريف الرحموني،
الذي لزمه وعرف عنه انتماءه للتيار اليوسفي إضافة لتوجهاته العربية
السلمية التي نادى بها المرحوم صالح بن يوسف لما عاد من القاهرة في
أواخر سنة ٥٥٩١ متمثل للفكار القومية الناصرية. و قد روى في ذلك أن أحد
اقرباء المرحوم وأعز اصدقاءه وهو من القضاة المعروفين قد سأله عن
تحمسه للمرحوم صالح بن يوسف رغم ما عرف عنه سابقا من صراع مع
الزيتونيين فاجابه بأن صالح بن يوسف رجع إلينا ولم نذهب اليه )أنظر كذلك
الدكتور محمد الشريف الرحموني: الشيخ أحمد الرحموني وحركة الصلح
الزيتونية، صحيفة الصدى ٦١ و ٧١ جانفي ٨٨٩١، ص ٧٢(.
٢- ما أورده بعض المختصين في تاريخ اليوسفية من أنّ الشيخ أحمد
الرحموني المولود في ٥١ جوان ٠٢٩١ قد كان في طليعة القيادات التي ناصرت
الحركة اليوسفية ووقفت وراءها وذلك: أول بحكم انتمائه للبيئة الزيتونية حيث
أنه أسس في أكتوبر ٨٤٩١ الفرع الزيتوني بتالة وباشر إدارته إلى جانب تدرجه
في رتب التدريس بجامع الزيتونة أو بالمدارس الملحقة بها وعمل على دعم
الحركة الطلبية ممثلة في لجنة صوت الطالب الزيتوني. وثانيا بحكم انضمامه
إلى اللجنة التنفيذية للحزب الحرّ الدستوري الذي عرف بالحزب الدستوري
القديم وذلك بداية من أفريل ٥٥٩١ وتعرضه بسبب مناصرته للتيار اليوسفي إلى
التهديد بالقتل بعد استهداف عدد من الناشطين في الحزب المذكور )عميرة
علية الصغير: المرجع السابق ص ٧٦ – علي الزيدي: تاريخ النظام التربوي
للشعبة العصرية الزيتونية ١٥٩١ – ٥٦٩١، تونس ٦٨٩١ ص ٧٩(. ثالثا بحكم
تعرضه إلى الضطهاد والعتقال والسجن على خلفية نضاله داخل المعارضة
اليوسفية، من ذلك بالخصوص اعتقاله مع عدد من القيادات اليوسفية وناشطيها
على إثر الحملة الموجهة ضدهم بداية من ٨٢ جانفي ٦٥٩١ وصدور الحكم
بسجنه لمدة ثلثة أعوام من محكمة القضاء العليا أو ما يسمى بالمحكمة
الشعبية بتاريخ ٣٢ ديسمبر ٧٥٩١ بسبب "تفوّهه بعبارات جارحة لكرامة أعضاء
الحكومة" حسب العلم الصادر له ثم إيقافه عن العمل بدون مرتب وانقطاعه
عن التدريس بثانوية ابن خلدون الزيتونية في ٢ فيفري ٨٥٩١.
٣- ما تحتفظ به العائلة من وثائق خطية تركها المرحوم أحمد الرحموني وهي
عبارة عن كراس يجمع بعض أشعاره التي دونها أثناء اعتقاله بالسجن المدني
بالعاصمة وبتبرسق في الفترة المتراوحة بين فيفري ٨٥٩١ إلى صائفة ٠٦٩١.
6. ورغمًا عن ثبوت انتماء الشهيد أحمد الرحموني لتيّار العروبة والسلم الذي برّر
ارتباطه بالتيّار اليوسفي ودعم مبادئه فإنّ المر يدعو إلى مزيد التقصي من قبل
المختصين ودراسة الثار المحدودة التي تركها ولم تتسع معاناته ول عمره
القصير إلى نشرها والصداع بها، فهل يتسع المستقبل لكشف الحقيقة وإنصاف
المظلومين؟
تونس في ١ أفريل ٢١٠٢
القاضي أحمد الرحموني
مستشار بمحكمة التعقيب
رئيس المرصد التونسي لستقلل القضاء
ahmedrahmouni1@gmail.com