SlideShare une entreprise Scribd logo
1  sur  108
Télécharger pour lire hors ligne
‫مرشوع الحزواىت ( الحكواىت )‬
‫طائر السرد‬
  ‫كتاب يوثق لنماذج من حكايات قدمت ضمن مشروع‬
    ‫الحزواتي ( الحكواتي ) لتعزيز قيم المواطنة.‬
                 ‫فريق المشروع :‬
                 ‫نبيل أحمد الخضر‬
                 ‫هيفاء ناجى صاح‬
                 ‫حنان محمد الدرم‬
                 ‫التقديم واالعداد :‬
              ‫أ/ أحمد الطرس العرامي‬
                      ‫الناشر :‬
           ‫مؤسسة إبحار للطفولة واالبداع‬
            ‫التصميم الداخلي والخارجي :‬
                ‫على صالح المطري‬
                 ‫الصور بعدسة :‬
                 ‫عبد هللا الحرازى‬
              ‫الطبعة األولى :2102م‬
           ‫تلفاكس :336165176900‬
     ‫الجمهورية اليمنية - صنعاء - أمانه العاصمة‬
                  ‫ص.ب 03321‬
             ‫‪ebhar@ebhar.org‬‬
               ‫‪www.ebhar.org‬‬
       ‫‪www.hazawati.blogspot.com‬‬
‫رقم اإليداع بدار الكتب بصنعاء ( 684 ) لسنه 2102م‬
‫جميع الحقوق للنصوص المنشورة محفوظة لمؤلفيها أو‬
‫للمصادر المنقولة منها وهى ال تعبر بالضرورة عن رأى‬
                     ‫المؤسسة‬
‫مؤسسة إبحار للطفولة واالبداع مؤسسة ثقافية غير ربحية‬
         ‫تنشط في المجال الثقافي في اليمن.‬
‫ﺑﻘﻠﻢ: أﺣﻤﺪ اﻟﻄﺮس اﻟﻌﺮاﻣﻲ‬




                  ‫1‬
‫الحكاية/اإلنسان‬
‫بقلم: أحمد الطرس العرامي‬

‫حيــن كان اإلنســان كانــت الحكايــة، وحيــن كانــت الحكايــة توطــن اإلنســان‬
‫فــي األرض، منــذ ميــاده بــدأت الحكايــة، إنهــا مرتبطــة بــه وجودي ـاً، لقــد‬
‫عــاش اإلنســان حياتــه وحكاهــا هــو واآلخــرون، لكــن فعــل الحكــي لــم يكــن‬
‫كذلــك وحســب، لقــد كان أعمــق مــن مجــرد إعــادة ســرد األحــداث بطريق ـة‬
  ‫ِ‬
‫التقريـر، فمـن خـال السـرد أو فعـل الحكـي وعـى اإلنسـان وجـوده، الحكايـة‬
    ‫ـ‬             ‫ـ‬        ‫ـ‬          ‫ـ‬        ‫ـ‬       ‫ـ‬            ‫ـ‬        ‫ـ ـ‬               ‫ـ‬
‫لــم تكــن رصــداً للحيــاة فقــط، بــل كانــت تعبيــراً عنهــا أيض ـاً، تعبيــراً عــن‬
‫الوجــود، عــن فلســفة اإلنســان األول، فــي مرآتهــا رأى نفســه، ومــن خاللهــا‬
‫كان لــه أن يعــي حياتــه بوصفهــا قصــة، أن يســرد المــكان أن يســرده...، أن‬
‫يعــي الزمــن بوصفــه خيــط الســرد صــراط الحياة/الحكايــة، أن يقــاوم الفنــاء‬
‫وتأثيــر الزمــن، أن يحتفــظ بلحظاتــه الهاربــة... أن يــرى اآلخــر، أن يفســر‬
                                                      ‫الظواهــر، أن يفكــر فــي اآلله ـةِ...‬
‫الحكايـة حكايـات، طبقـات جيولوجيـة مـن السـرد المتراكـم، تمامـا ً كاألرض،‬
                         ‫ـ‬                ‫ـ‬      ‫ـ ـ‬                  ‫ـ‬             ‫ـ‬         ‫ـ‬
‫تمامـا ً كاللغـة، كتاريـخ البشـرية، كاإلنسـان، كحكايتـه، فـي البدء كان اإلنسـان‬
       ‫ـ‬                    ‫ـ ـ‬                  ‫ـ‬              ‫ـ‬       ‫ـ‬             ‫ـ‬
          ‫األول الحكايـة األولـى، اإلنسـان األول/ األب، الحكايـة األولى/ األم...‬
                                ‫ـ‬                            ‫ـ‬           ‫ـ‬        ‫َ‬             ‫ُ‬
‫ٍ‬           ‫ـ ٍ‬      ‫ـ‬            ‫ـ‬          ‫ـ‬             ‫ٍ‬       ‫ـ ٍ‬
‫يبـدو لـي اإلنسـان كفكـرة حيـة ذات وجهيـن أحدهمـا: تفاصيـل حيـاة واقعيـة‬        ‫ـ‬            ‫ـ ـ‬
‫ملموس ـةٍ، واآلخــر هــو حكايتهــا... الجانــب الواقعــي هــو الرجــل بواقعيتــه،‬
‫واآلخـر هـي األنثـى بكينونتهـا السـردية، أفكـر فـي بدايـة الخلـق في مـا فعلته‬
         ‫ـ‬          ‫ـ‬        ‫ـ‬       ‫ـ ـ‬              ‫ـ ـ‬                  ‫ـ‬            ‫ـ ـ‬
‫حـواء فـي الجنـة، لقـد اخترقـت المحظـور فكانـت األرض، مـاذا لـو امتنعـت‬
       ‫ـ‬       ‫ـ ـ‬                      ‫ـ‬          ‫ـ‬          ‫ـ‬         ‫ـ ـ‬                ‫ـ‬      ‫ـ‬
‫حــواء عــن الشــجرة؟ بالتأكيــد كانــت ســتنتهي الحكايــة، ثــم عاشــا ســعيدين‬
                                                    ‫ً‬
‫فــي الجنــة، هكــذا تنتهــي القصــة عــادة بالســعادة/بالجنة... لكــن حــواء تمعــن‬
‫فـي غوايـة السـرد، فـي سـرد الغوايـة فـي تسـريدها فـي منحهـا امتـداداً علـى‬
      ‫ـ‬       ‫ـ ـ‬              ‫ـ‬           ‫ـ‬     ‫ـ ـ‬              ‫ـ ـ‬           ‫ـ‬        ‫ـ‬          ‫ـ‬
‫األرض، تعطيهـا الديمومـة، تصبـح أرضـا ً لهـا وهـي تتخلـق بشـراً/حكايات،‬
                ‫ـ‬      ‫ـ‬            ‫ـ ـ‬                 ‫ـ‬          ‫ـ‬          ‫ـ‬
                    ‫وهكــذا فعلــت شــهرزاد، وهكــذا كانــت الجــدات فــي قريتــي...‬
‫وهكــذا تعــددت أنــواع الســرد مــع تطــور الفكــر اإلنســاني والحيــاة البشــرية،‬

                                                 ‫2‬
‫ومـع اختـاف األمـم والشـعوب والثقافـات والحضارات، بدءاً من األسـطورة،‬
         ‫ـ‬                                 ‫ـ‬            ‫ـ‬        ‫ـ‬            ‫ـ‬     ‫ـ‬
‫ومــروراً بالقصــص الدينيــة، والمالحــم، والســير، والمأســاة والملهــاةِ،‬
‫والحكايــات والقصــص بأنواعهــا وتعــدد وظائفهــا ومرتكزاتهــا وحاجاتهــا‬
‫وأبعادهـا الفلسـفية والنفسـية والثقافيـة المختلفـة والمتباينـة مـن عصـر آلخـر،‬
    ‫ـ‬       ‫ـ‬       ‫ـ ـ‬           ‫ـ‬          ‫ـ‬           ‫ـ‬              ‫ـ‬       ‫ـ‬
‫ومــن جماعــة إنســانية ألخــرى... وصــوالً إلــى القصــة والروايــة كفنيــن‬
                                                              ‫ٍ‬          ‫ٍ‬
‫أدبييـن... وليـس بعيـداً عـن هـذا طرائـق الحكـي أو سـرد األحـداث كمـا فـي‬
   ‫ـ ـ‬          ‫ـ‬       ‫ـ‬       ‫ـ‬         ‫ـ‬         ‫ـ ـ ـ‬                  ‫ـ‬      ‫ـ‬
‫المســرحية قديم ـا ً وحديث ـاً، وكمــا فــي الســينما أو فــي طــرق الســرد التقليديــة‬
                                                       ‫مثــل ظاهــرة الحكواتــي.‬




                                          ‫3‬
‫الحكواتي‬

‫يحضـر الحكواتـي فـي التـراث والمـوروث العربـي كعالمـة معرفـة، أو نقطة‬
              ‫ـ‬         ‫ـ‬       ‫ـ‬                ‫ـ‬          ‫ـ ـ ـ‬                     ‫ـ‬
‫سـحر مضيئـة، قبـل وجـود السـينما وتقنيـات االتصـال الحديثـة....، الحكواتي‬
                    ‫ـ‬         ‫ـ‬          ‫ـ‬            ‫ـ‬        ‫ـ‬       ‫ـ ـ‬              ‫ـ ٍ‬
‫نجـم المقاهـي، وملـك السـاحات، حيـث يجتمع النـاس حوله، ليغسـلهم بحكاياه،‬
                ‫ـ‬                ‫ـ‬               ‫ـ‬           ‫ـ‬      ‫ـ‬             ‫ـ‬        ‫ـ‬
                                                                     ‫ٍ‬
‫لقــد حظــي بمكان ـة وبحضــور ملحوظيــن فــي الثقافــة العربيــة، وفــي األدب‬
‫الشــعبي العربــي، مــن اليمــن وحتــى أقصــى المغــرب، فــي مقاهــي دمشــق،‬
‫فــي ســاحات المغــرب، فــي أســمار صنعــاء، حيــث يكــون الحكواتــي متنفــس‬
            ‫ٍ‬
‫الــروح، وغيمــة المســاءات وقمرهــا المعشــب ســحر مغامــرات وشــجون‬
                                                                       ‫حيواتٍ...وأوطــان‬
‫الحكواتـي يجسـد التفاعـل بيـن المتلقي والسـارد، بين النـاص والمتلقي، وبقدر‬
                          ‫ـ‬           ‫ـ‬                   ‫ـ ـ‬             ‫ـ‬         ‫ـ‬
        ‫ـ‬         ‫ـ‬         ‫ـ‬   ‫ـ ً ـ‬
‫مـا يخلـق التلفزيـون (الحكواتـي اآللـي) فجـوة بينـه وبيـن متلقيـه ويعمـل على‬
                                                 ‫ـ‬      ‫ـ‬               ‫ـ‬            ‫ـ ـ‬
‫صناعــة ذهنيـة ســطحية، كان الحكواتــي فــي األســمار والســاحات والمقاهــي‬‫ٍ‬
‫يخلـق فضــاء مــن التفاعــل بيـن أطـراف العمليــة التواصليــة ككل، الحكواتــي‬
                                                  ‫ـ‬     ‫ـ‬                      ‫ً‬         ‫ـ‬
‫ال يكتفــي بالســرد فقــط، بــل يــؤدي الحــركات التمثيليــة المســاعدة علــى نقــل‬
                                               ‫ٍ‬
‫النــص وتصويــره فــي أبهــى صــورة وفــي أصــدق تصويــر، كمــا يمكنــه أن‬
                      ‫ٍ‬
‫يندمــج مــع القصــة (ســرنا وخليناهــم)، (ثــم تركتهــم وعــدت وحــدي)، كمــا‬
                                                                             ‫ً‬
‫يتــرك مســاحة لتفاعــل الجمهــور مــع القصــة، ومــع احداثهــا كمــا لــو كانــت‬
                                                                        ‫ً‬
                                                    ‫األحــداث معاشــة بالنســبة لهــم...‬
‫مــن القصــص الطريفــة التــي تــدور حــول عالقــة الحكواتــي بجمهــوره، أن‬
‫الجمهــور مــن شــدة انغماســه فــي القصــة، وولوجــه عوالــم تفاصيلهــا كان‬
‫مــن بيــن الجمهــور مــن يلحــق الحكواتــي إلــى بيتــه، ليكمــل لــه القصــة، بــل‬
‫إن هنـاك مـن كان يعتـرض علـى مسـار القصـة ويعـدل فـي تفاصيلهـا، كمـا‬
 ‫ـ‬      ‫ـ‬               ‫ـ ـ‬        ‫ـ‬         ‫ـ‬       ‫ـ‬           ‫ـ‬               ‫ـ‬    ‫ـ‬
‫لــو كانــت واقع ـا ً معاش ـاً، أو شــأنا ً خاص ـا ً بــه، فتــراه يصــر علــى أن يعاقــب‬
‫المجــرم، وأن يكافــئ البطــل (ذات ليلــة ختــم الــراوي فصــاً مــن فصــول‬
‫قصــة عنتــرة بدخولــه الســجن، وقــال: فلنتــرك عنتــرة الليلــة فــي الســجن،‬
‫مكب ـاً باألغــال، ومقيــداً بالقيــود، ونكمــل قصتنــا غــداً) فيأبــى جمهــوره أن‬
                                             ‫4‬
‫يظــل عنتــرة فــي الســجن، وهــو البطــل، كمــا لــو كان عنتــرة واحــداً منهــم‬
                                                       ‫والــراوي هــو الســجان...‬
‫هـذا يعنـي أن القصـة لـم يكـن يتحكـم فيهـا الـراوي، بـل كان هنـاك ثمـة جسـر‬
   ‫ـ‬      ‫ـ‬     ‫ـ‬         ‫ـ‬          ‫ـ ـ ـ‬           ‫ـ ـ ـ‬                ‫ـ‬    ‫ـ‬
‫بيــن النــاص والمتلقــي، فهكــذا كان النــاس يشــاركون فــي صناعــة حكاياتهــم‬
‫لتعبــر عــن رؤاهــم، وأحالمهــم، ولهــذا يقــال أن الحكايــات الشــعبية تتضمــن‬
                                         ‫رؤيـة الجماعـة وفلسـفتها فـي الحيـاة...‬
                                              ‫ـ‬      ‫ـ‬      ‫ـ‬      ‫ـ‬        ‫ـ‬




                                       ‫5‬
‫عالمية الحكاية‬
‫تظــل الحكايــة هــي الجامــع اإلنســاني بيــن الشــعوب، تختلــف الثقافــات‬
‫واللغــات، واألديــان، وتتصــارع الحضــارات وتتبايــن المعتقــدات، وتفتــرق‬
      ‫ـ‬       ‫ـ ـ ـ‬                 ‫َ‬
‫المجتمعـات فـي كثيـر مـن األشـياء، لكـن الحكايـة تجمعهـا هـذا مـا يمكـن أن‬
                                                  ‫ـ‬       ‫ـ‬            ‫ـ ـ‬        ‫ـ ـ‬
‫نستشـفه ممـا تقولـه لنـا الدراسـات اإلنسـانية... ومـن بينهـا دراسـة «بروب»‬
               ‫ـ‬        ‫ـ‬        ‫ـ‬              ‫ـ‬             ‫ـ‬          ‫ـ ـ‬          ‫ـ‬    ‫ـ‬
‫التــي تذهــب بعيــداً بنــا فــي الكشــف عــن عالميــة الحكايــة ووحــدة العقــل‬
                                                                ‫البشــري والثقافــة البشــرية...‬
‫فـأن يكـون لـكل أمـة حكاياتهـا فذلـك أمـر طبيعـي، لكـن أن يكـون هنـاك نوع‬
         ‫ـ‬       ‫ـ‬           ‫ـ‬         ‫ـ‬         ‫ـ ـ ـ‬                    ‫ٍ‬         ‫ـ ـ‬       ‫ـ‬
‫معيــن مــن الحكايــة يمتــاز ببني ـة خاص ـة متجــاوزاً بذلــك اللغــات والحــدود‬
                                            ‫ٍ‬           ‫ٍ‬
‫الجغرافيــة والزمانيــة، والثقافــات... فذلــك هــو األمــر العجيــب والغريــب،‬
  ‫والــذي يشــي بوحــدة اإلنســان، وتقــارب رؤاه وعالميــة أخالقــه وحياتــه...‬
‫هــذا مــا يقولــه بــروب، حيــن درس الحكايــة الشــعبية، مميــزاً بيــن أنــواع‬
‫عديــدة مــن الحكايــات مــن بينهــا (الخرافيــة) والتــي طــرح فــي كتابــه رؤيــة‬
‫جديـدة مفادهـا أن الحكايـة الخرافيـة تتميـز بـأن لهـا وظائفهـا المحـددة، وقـد‬
 ‫ـ‬          ‫ـ‬      ‫ـ‬           ‫ـ‬         ‫ـ ـ‬        ‫ـ‬                 ‫ـ‬            ‫ـ‬      ‫ـ ً‬
                                                    ‫ً‬
‫خلــص فــي ذلــك إلــى (13 وظيفــة) أو نســقاً، يشــترك فيهــا هــذا النــوع مــن‬
‫الحكايـات.... ورغـم أن بـروب كان يتحـدث عـن الحكايـات الروسـية إال أنـه‬
 ‫ـ‬          ‫ـ‬             ‫ـ‬            ‫ـ‬      ‫ـ‬                     ‫ـ‬        ‫ـ‬           ‫ـ‬
‫ســرعان مــا تمخضــت دراســة بــروب عــن انتشــار نــوع مــن الدراســات أو‬
‫تيــار مــن الباحثيــن يحــاول المقارنــة بيــن الحكايــات العالميــة فــي الثقافــات‬
                                          ‫ً‬
‫علــى اختالفهــا األمــر الــذي خلــق مســلمة أو نتيجــة مفادهــا أن الحكايــات‬
‫الخرافيــة تتشــابه فــي العالــم كلــه، لكــن أهــم الدراســات التــي أعقبــت بــروب‬
     ‫هــي دراســة (ليفــي شــتراوس) فــي كتابــه (االنثروبولوجيــا البنيويــة)...‬
‫عالميـة الحكايـات فـي المجتمعـات اإلنسـاني وتشـابهها وتقاربهـا، يـدل علـى‬
   ‫ـ‬       ‫ـ ـ‬                     ‫ـ‬          ‫ـ‬             ‫ـ‬               ‫ـ ـ‬            ‫ـ‬
‫حيـاة واحـدة عاشـها اإلنسـان وتجـارب تعبـر عـن وحدتـه وعـن سـمو حياته،‬
             ‫ـ ـ‬           ‫ـ‬          ‫ـ ـ‬             ‫ـ‬             ‫ـ‬          ‫ـ‬     ‫ـ ٍ ـ ٍ‬
‫فــي الحكايــة نشــد اإلنســان الحيــاة المثلــى، ونشــد قيــم العــدل والمســاواة‬
                                                               ‫والحريــة والمواطنــة والحــب.‬



                                              ‫6‬
‫إجماالً يمكن القول وفقا ً لكل ما سبق أن الحكاية يصبح لها قيمتها:‬
        ‫في كونها متصلة أو متربطة بالوجود اإلنساني، وبتفكيره ووعيه بوجوده.‬
  ‫الرتباطهــا بالجانــب األنثــوي فــي اإلنســان، حيــث تمثــل األنثويــة خاصيــة‬
  ‫الجمـال والحـب وهـي قيمـة مضـادة للذكوريـة التـي تسـيطر علـى مجتمعاتنا،‬
                   ‫ـ‬       ‫ـ‬      ‫ـ ـ‬                  ‫ـ‬       ‫ـ‬      ‫ـ‬       ‫ـ‬        ‫ـ‬
  ‫األمــر أشــبه باســتنطاق الجانــب الجمالــي فــي اإلنســان والذاكــرة الثقافيــة‬
                                                                                ‫والمجتمــع.‬
  ‫عالميــة الحكايــة ومــا تــدل عليــه مــن وحــدة العقــل البشــري وبنيتــه، ترتبــط‬
  ‫ارتباطــا ً وثيقــا ً باألخــاق العالميــة وبإعــاء قيمــة اإلنســان كإنســان بغــض‬
                                           ‫النظــر عــن لونــه وجنســه وثقافتــه ودينــه.‬
  ‫عالميــة الحكايــة واشــتراك البشــرية علــى مــر العصــور ومختلــف الثقافــات‬
  ‫مـن خـال حكاياتهـا علـى نشـدان الخيـر والعـدل والمسـاواة، وهـو ما تكرسـه‬
    ‫ـ‬            ‫ـ‬         ‫ـ‬           ‫ـ‬         ‫ـ‬         ‫ـ‬      ‫ـ ـ‬                ‫ـ ـ‬
           ‫ٍ‬
  ‫النهايــات الســعيدة، وانتصــار الخيــر علــى الشــر، يــدل أقــوى داللــة علــى‬
                               ‫وحــدة اإلنســانية واشــتراكها فــي القيــم والمبــادئ...‬
  ‫ارتبــاط الحكواتــي بالثقافــة العربيــة يجعــل منهــا ذات خصوصيــة عاليــة..‬
                                                             ‫يربطــه بالهويــة العربيــة...‬
  ‫إن مسـألة تدريـب حكواتييـن هـو بمثابـة إحيـاء لقيمـة ثقافيـة كادت أن تندثـر،‬
      ‫ـ‬                ‫ـ‬       ‫ـ‬         ‫ـ‬       ‫ـ‬       ‫ـ ـ‬               ‫ـ‬         ‫ـ‬
  ‫كمــا أنــه محاولــة الســتعادة مكانــة ثقافــة الكلمــة التــي بــدأت تفقــد فاعليتهــا‬
                                                      ‫وتحــل محلهــا ثقافــة الصــورة....‬
‫ولهــذا فقــد هدفــت الــدورة إلــى تكريــس هــذه القيــم بيــن فئــة الشــباب انطالقـا ً‬
  ‫مــن أهميــة الحكايــة وأهميــة مهنــة الحكواتــي، وكذلــك أهميــة تأهيــل الشــباب‬
                                                                                 ‫المجــال...‬




                                             ‫7‬
‫استغوار الحكايات‬
‫بيــن طيــات هــذا الكتــاب ســرب مــن الحكايــات التــي أطلقهــا الطــاب فــي‬
‫فضــاءات تجربتهــم األولــى فــي الحكايــة، وقــد تنوعــت هــذه الحكايــات بيــن‬
‫االختيــار والكتابــة، أو االختيــار والمعالجــة، بمــا يتناســب مــع المحمــول‬
‫الثقافــي والوظيفــي للحكايــة كمــا يراهــا الشــباب، وبمــا يتناســب مــع الرؤيــة‬
‫التــي يجــب أن تكــرس فــي ســيبيل الوعــي الثقافــي واالجتماعــي، وتحقيــق‬
‫الوظيفــة اإليجابيــة للحكايــة تماشــيا ً مــع قيــم العصــر، وحقــوق اإلنســان‬
                                                 ‫ومفهــوم الوطنيــة والمواطنــة...‬
‫ويالحــظ القــارئ لهــذه المــادة مــن الحكايــات المتنوعــة أنهــا حكايــات قيمــة‬
‫فــي ذاتهــا راقيــة حــد الســماء فــي معالجتهــا ســهلة فــي عــرض تفاصيــل‬
‫فتنتهــا وثمارهــا وأنهــا فــي اآلن ذاتــه قــد جمعــت بوعــي مســبق كانســياب‬
‫المـاء فـي الجـداول لـدى جامعيهـا بوظيفـة الحكايـة وأهدافهـا المرجـوة بقصـد‬
  ‫ـ‬        ‫ـ‬         ‫ـ‬          ‫ـ‬       ‫ـ‬        ‫ـ‬            ‫ـ‬       ‫ـ‬      ‫ـ ـ‬
‫حــث الخطــى الواثقــة باتجــاه تحقيــق قيــم البنــاء فــي المجتمعــات واالعتنــاء‬
‫باإلنســان باعتبــاره أســاس التنميــة، وصــوال فــي المنتهــى إلــى إعــاء قيــم‬
‫المواطنــة العادلــة التــي يتســاوى فيهــا الجميــع بمــا لهــم مــن حقــوق ومــا‬
‫عليهــم مــن واجبــات ولعــل مــن أهــم الظواهــر المتفشــية فــي بلــدان العالــم‬
                                              ‫الثالــث وعالجتهــا هــذه الحكايــات :‬
‫-عمــل المــرأة وتحملهــا تبعــات اإلعالــة واإلنفــاق علــى األبنــاء واإلخــوة،‬
‫ســلمى مثــا فتــاة مغلوبــة علــى أمرهــا اضطــرت أمــام إصــرار والدتهــا‬
‫وغيــاب والدهــا وتمنــع أخيهــا عــن العمــل أن تخــرج للســوق بائعــة للحــوح‬
‫وتتعــرض للكثيــر مــن العقبــات والعراقيــل أمامهــا ففــي اليــوم األول يقــع‬
‫اللحــوح مــن فــوق رأســها ألنهــا لــم تتقبــل فكــرة الخــروج إلــى الســوق‬
‫والتعامــل مــع الرجــال فــي ســوق واحــد، وفــي اليــوم الثانــي تخــرج بنــاء‬
‫علـى طلـب والدتـه ورغبـة منهـا فـي طلـب طاعتهـا ألمهـا لكنهـا فـي السـوق‬
     ‫ـ‬      ‫ـ ـ‬        ‫ـ‬      ‫ـ‬         ‫ـ‬      ‫ـ ـ‬       ‫ـ‬         ‫ـ‬       ‫ـ‬    ‫ـ‬
‫تفاجــئ بعــراك حــاد بيــن مجموعــة مــن الشــباب األمــر الــذي يســقط اللحــوح‬
‫مــن فــوق رأســها فتعــود إلــى المنــزل مكســورة الخاطــر والجنــاح خاليــة‬
‫الوفــاض مــن المــال المنتظــر فتحظــى بعلقــة ســاخنة مــن آخيهــا المتقاعــس‬

                                         ‫8‬
‫عـن العمـل والقيـام بأعبـاء إعالتهـا أسـرته عنـد هـذه النقطـة بالتحديـد تظهـر‬
    ‫ـ‬      ‫ـ‬              ‫ـ‬         ‫ـ ـ‬          ‫ـ ـ‬              ‫ـ‬          ‫ـ‬        ‫ـ‬            ‫ـ‬
‫قيــم الذكــورة المغلوطــة والقائمــة علــى اضطهــاد األنثــى وإكراههــا علــى مــا‬
‫ال يحمــد عقبــاه، وفــي يومهــا الثالــث تحــاول ســلمى أن تهــدئ مــن روعهــا‬
‫وأن تكـون واثقـة الخطـى فـي ممشـاها إال أن الطبيعـة تقـف فـي وجههـا هـذه‬
     ‫ـ ـ‬              ‫ـ ـ ـ‬                           ‫ـ‬        ‫ـ ـ‬              ‫ـ‬          ‫ـ‬
‫المــرة وتحــول دون آمــال الفتــاة الصغيــرة ويهطــل المطــر ويتلــف اللحــوح‬
                                                  ‫ويختفــي البطــل وال يعــود إلــى عشــه‬
‫-فـي الحكايـة الثانيـة يظهـر علـى سـطح الحكايـة فتـى ينشـأ فـي أسـرة مكونـة‬
   ‫ـ‬         ‫ـ‬         ‫ـ ـ‬         ‫ـ ـ‬               ‫ـ ـ ـ‬                 ‫ـ‬        ‫ـ‬             ‫ـ‬
‫مــن أب وأم فقــط غيــر أن الوالديــن قــد انشــغال عــن تحقيــق الــدفء النفســي‬
‫لطفلهمــا الوحيــد فــاألب وكذلــك األم قــد ارتبطــا بوظيفتهمــا وحيــن يســتيقظ‬
‫الطفـل مـن نومـه ال يجـد سـوى قصاصـة مـن الـورق قـد كتـب عليهـا مـكان‬
       ‫ـ ـ‬             ‫ـ ـ‬            ‫ـ ـ ـ‬                   ‫ـ ـ‬              ‫ـ‬      ‫ـ ـ‬
‫إفطـاره وكذلـك إفـادة عـن مصروفـه الدراسـي وحيـن يعـود مـن المدرسـة ال‬
       ‫ـ‬             ‫ـ ـ ـ‬                ‫ـ‬           ‫ـ‬           ‫ـ‬         ‫ـ ـ‬                ‫ـ‬
‫يجـد أحـدا أمامـه سـوى ورقـة أخـرى يفاجـأ بهـا قـد تسـربت قبـل مجيئـه مـن‬
    ‫ـ ـ‬            ‫ـ‬           ‫ـ ـ ـ ـ‬                  ‫ـ ـ‬               ‫ـ ـ‬            ‫ـ ـ‬
‫تحـت بـاب المنـزل كمـا يتسـرب النمـل / المـوت فـي آذان التماسـيح وقد كتب‬
                ‫ـ‬                   ‫ـ‬     ‫ـ‬        ‫ـ‬          ‫ـ ـ‬               ‫ـ‬         ‫ـ ـ‬
‫علـى ظهـر هـذه الورقـة خبـر قصيـر يدلـه عـن وجبـة الغـداء وهـي مـا تبقـى‬
     ‫ـ ـ ـ‬                  ‫ـ ـ‬          ‫ـ ـ‬          ‫ـ‬        ‫ـ ـ‬                 ‫ـ ـ‬           ‫ـ‬
‫مــن غــداء اليــوم الســابق ليــس إال يعمــد الطفــل إلــى تســخين غدائــه البــارد‬
‫وبعــد تناولــه يســلم جســده للنــوم وحيــن يســتيقظ مــن نومــه تكــون والدتــه قــد‬
‫خرجـت (للتفرطـة) ووالـده قـد خـرج للمقيـل مـع أصدقائـه ويسـتمر الوضـع‬
   ‫ـ‬             ‫ـ‬          ‫ـ‬          ‫ـ ـ‬              ‫ـ ـ ـ‬                ‫ـ‬               ‫ـ‬
‫كذلـك سـنوات وينشـأ الطفـل بعيـدا عـن حنـان والدتـه وعطـف أبيـه سـنوات‬
         ‫ـ ـ‬            ‫ـ‬        ‫ـ‬         ‫ـ‬      ‫ـ ـ‬           ‫ـ‬       ‫ـ‬              ‫ـ ـ‬
‫حتـى يسـوقه القـدر للتعـرف علـى مجموعـة مـن الشـباب المنحـرف ويضبـط‬
    ‫ـ‬              ‫ـ‬            ‫ـ‬       ‫ـ ـ‬                ‫ـ‬        ‫ـ‬          ‫ـ‬       ‫ـ‬         ‫ـ‬
‫الطفــل فــي ســرقة ويكشــف أمــره أمــام النــاس وعندمــا يســأله الضابــط عــن‬
‫آبائهــم ولمــاذا ال يتابعــون أخــاق أبنائهــم يفاجــا الضابــط المحقــق بالشــاب‬
                                ‫وقــد أخــرج ورقتيــن مــن جيبــه قائــا هــذا أبــي وأمــي‬
‫-أمـا الحكايـة الثالثـة فتعـرض بجـاء مـا تتعـرض لـه فئـة المهمشـين ويتجلـى‬
     ‫ـ‬         ‫ـ‬              ‫ـ ـ‬         ‫ـ ـ‬            ‫ـ‬        ‫ـ‬        ‫ـ‬        ‫ـ‬           ‫ـ‬
‫فـي الحكايـة مـدى قسـوة العنصريـة فـي أحـد صـروح المعرفـة فالتالميـذ فـي‬
     ‫ـ ـ‬              ‫ـ‬               ‫ـ ـ‬         ‫ـ ـ‬                 ‫ـ‬           ‫ـ ـ‬                ‫ـ‬
‫المدرســة يرشــقون زميلهــم األســود ويعيرونــه بســواد جلــده ويتعــدى األمــر‬
‫ذلــك فتراهــم يعترضــون علــى خلــق هللا ويســتمر هــذا االســتهزاء ســنوات‬
‫يحــاول التلميــذ األســود أن يعــرض رأيــه فــي هــذا الموضــوع وأنــه خــارج‬

                                                  ‫9‬
‫عـن إرادتـه فتـزداد اإلسـاءة حـدة لكـن مثـل هـذه المالسـنات لم توقـف الطالب‬
               ‫ـ‬             ‫ـ‬           ‫ـ ـ ـ ـ‬                      ‫ـ‬                ‫ـ ـ‬             ‫ـ‬
‫األســمر عــن طموحــه بــل إن التوتــر الوجــودي منحــه طاقــة جعلتــه يتفــوق‬
‫علــى أقرانــه ويحصــد الدرجــات العاليــة إال أن هــذا التفــوق العلمــي كرمــاد‬
‫تــذروه الريــح فــي مجتمــع بائــس يســوده الظلــم وتســيطر علــى أحــام أبنائــه‬
‫قيـم الهـدم وأنـى للشـاب األسـود أن يفلـح وينفـذ بلـون جلـده فـي مجتمـع يـرى‬
       ‫ـ ـ‬            ‫ـ ـ‬             ‫ـ ـ‬          ‫ـ‬           ‫ـ‬             ‫ـ‬          ‫ـ‬         ‫ـ ـ‬
                                            ‫أن اللــون األســود رمــز للتخلــف والدونيــة.‬
‫- الحكايـة الرابعـة بدورهـا تظهـر مـدى تفشـي قيـم الهـدم متمثلـة فـي انعـدام‬
     ‫ـ‬       ‫ـ ـ‬             ‫ـ ـ ـ‬                   ‫ـ ـ‬           ‫ـ‬               ‫ـ‬           ‫ـ‬
‫العدالـة وتضييـع حقـوق البشـر مـن قبـل قـاض ظالـم ينتصـر للباطـل فدجاجة‬
              ‫ـ‬          ‫ـ‬         ‫ـ‬          ‫ـ ـ ـ ـ‬                        ‫ـ ـ‬                   ‫ـ‬
‫القاضـي طـارت مـع أنهـا كانـت مذبوحـة فكيـف طـارت فـي عـرف القاضـي‬
   ‫ـ‬               ‫ـ ـ‬             ‫ـ‬      ‫ـ‬      ‫ـ‬            ‫ـ ـ‬              ‫ـ‬          ‫ـ ـ‬
‫الـذي يتكـئ عنـد تمريـره الباطـل علـى النـص الديني ليقمـع أصحـاب الحقوق‬
                 ‫ـ‬         ‫ـ‬                  ‫ـ ـ ـ‬                        ‫ـ‬         ‫ـ‬       ‫ـ‬          ‫ـ‬
‫ويبتزهــم حقوقهــم، وهــل أفســد الديــن إال القضــاة وعلمــاء الســوء الذيــن‬
‫يحرفــون الكلــم عــن مواضعــه، ولعــل الــرد الناجــح علــى قضــاة بهــذا القــدر‬
‫مـن االتسـاخ صفعـة جحـا للقاضـي الظالـم الـذي قضـى بعشـرين دينـار لجحا‬
           ‫ـ‬           ‫ـ‬        ‫ـ‬          ‫ـ ـ‬         ‫ـ‬             ‫ـ‬         ‫ـ‬            ‫ـ‬           ‫ـ‬
‫كمــا -تقــول الحكايــة األخــرى- مقابــل تنازلــه عــن اللطمــة التــي تلقاهــا خــده‬
‫مـن قريـب القاضـي المداهـن. ومثـل هـذا تـرى أن قيـم المواطنـة تكاد تنحسـر‬
   ‫ـ‬                ‫ـ‬            ‫ـ‬          ‫ـ ـ ـ‬                ‫ـ‬               ‫ـ‬              ‫ـ‬       ‫ـ‬
‫مــع صمــت األغلبيــة أمــام عبــث فيــل الســلطان وهــل الفيــل هنــا إال رمــزا‬
‫لقيــم الهــدم واالضطهــاد الجاثمــة علــى صــدور األحــام الورديــة والبريئــة‬
‫لشـعوب تشـقى مـن أجـل راحـة حاكـم واحـد يبعـث بمقدراتهـا ويكـذب عليهـا‬
 ‫ـ‬             ‫ـ‬      ‫ـ‬                ‫ـ ـ‬           ‫ـ‬       ‫ـ‬           ‫ـ‬       ‫ـ ـ‬                 ‫ـ‬
‫ليـا ونهـارا سـرا وجهـارا والشـعوب تضيـع وحقوقهـا بصمتهـا المشـين ومـا‬
 ‫ـ‬        ‫ـ‬         ‫ـ‬          ‫ـ‬            ‫ـ‬            ‫ـ‬               ‫ـ‬           ‫ـ‬        ‫ـ‬        ‫ـ‬
        ‫الصمـت فـي حقيقتـه سـوى العـار أو النـار كمـا قـال الشـاعر /الشـاعر.‬
              ‫ـ‬            ‫ـ‬         ‫ـ ـ‬       ‫ـ‬           ‫ـ‬            ‫ـ ـ‬                ‫ـ ـ‬




                                                  ‫01‬
‫ً‬
‫وهكــذا تســير بقيــة النصــوص أو القصــص فــي مســار حكائــي متطرقــة‬
                                                      ‫ً‬                ‫ٍ‬
‫لموضوعــات ال تقــل أهميــة عــن الحكايــات التــي وقفنــا عندهــا، كحمايــة‬
‫األنثــى وتعــدد الزوجــات، والمواطنــة، والمســاواة باعتبارهــا حلمــا ً لــدى‬
                                           ‫الجيــل الشــبابي، ولــدى المجتمــع...‬
‫وهكـذا يحـق لنـا القـول أن هـذا العمـل يعـد عمـاً ببلوغرافيـا ً مصغـراً يمكـن‬
  ‫ـ‬         ‫ـ‬                          ‫ـ ـ‬           ‫ـ‬         ‫ـ ـ ـ‬            ‫ـ‬
‫أن يكــون فــي ذاتــه تعبيــراً عــن القيــم والمبــادئ المنشــودة التــي تشــكل فــي‬
                        ‫مجموعهــا مفهــوم المواطنــة والحلــم بالمجتمــع المدنــي.‬




                                         ‫11‬
‫ﺑﻘﻠﻢ: ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق ﻛﻤﻮن‬



              ‫21‬
‫حكايتي مع الحكاية‬
‫بقلم: عبد الرزاق كمون- تونس‬

‫الذاكــرة حيــة وخصبــة وموحيــة وهــى معطــاة كاألرض تراهــا هامــدة (فــاذا‬
             ‫أنزلنــا عليهــا المــاء اهتــزت وربــت وأنبتــت مــن كل زوج بهيــج )‬
‫الذاكــرة مكنــز المعــارف والتجــارب والخبــرات يبــدأ تراكمهــا منــذ التكويــن‬
‫وتنمـو صعـدا ثـم تفنـى االجسـاد ويبقـى مـا فـي الذاكـرة محمـوال فـي أجسـاد‬
   ‫ـ‬        ‫ـ ـ‬               ‫ـ‬       ‫ـ ـ ـ‬           ‫ـ‬           ‫ـ ـ ـ‬             ‫ـ‬
                                                                       ‫حيـة فـا يفنـى.‬
                                                                            ‫ـ‬      ‫ـ ـ‬
‫الذاكــرة يحفظهــا االبــداع وتحفظــه.. مــن نقــوش الكهــوف إلــى معلقــات‬
‫الشــعر الــى أوابــد العمــران الــى الكتــب نبحــر أو نغــوص فنســتخرج اللؤلــؤ‬
                                                                              ‫والمرجــان.‬
‫إن العمــل ونتاجــه يحفظــان الذكــر فيمنعــان انقطاعــه, وهــو الذاكــرة الولــود‬
                                     ‫تتناســل أفــكارا وســلوكا وفنــا يســحر األلبــاب.‬
‫إننـا ال ننشـأ مـن عـدم.. نـرى ونسـمع و نقـرأ ونخـزن قصدنـا أم لـم نقصـد؟!‬
     ‫ـ‬       ‫ـ ـ‬                   ‫ـ‬       ‫ـ‬      ‫ـ‬         ‫ـ‬      ‫ـ ـ ـ‬               ‫ـ‬
‫وحيــن يســتبد بنــا شــيكان اإلبــداع نأتيــه متناصيــن مــع مــا رأينــا وســمعنا‬
                                                                       ‫وقرأنــا وعشــنا.‬
‫سـألج الحديـث عـن الذاكـرة اليـوم مـن بـاب الحكايـة وهـى ضـرب مـن فنـون‬
     ‫ـ ـ‬           ‫ـ‬      ‫ـ ـ‬                ‫ـ ـ ـ‬            ‫ـ‬       ‫ـ ـ‬               ‫ـ‬
                     ‫القـول يتـوارى حتـى ال نـراه فلـوال ثـم يكتسـح متوجـا بالغـار.‬
                        ‫ـ‬       ‫ـ‬        ‫ـ‬       ‫ـ ـ‬         ‫ـ‬      ‫ـ‬           ‫ـ‬      ‫ـ‬
‫يقــول الناقــد التونســي عبــد العزيــز بــن عرفــة « يمكــن تفســير العــودة إلــى‬
‫كتابــة الخرافــات علــى أنهــا عــودة إلــى إجــال منــاخ االنســجام أو منــاخ‬
‫األحــام الــذى يخلــو مــن القطيعــة والتــأزم والتوتــر. فهــذا العــود علــى بــدء‬
‫يعنــى أننــا لــن نســتطيع أن نكبــت حنيننــا إلــى الماضــي الــذى ينــزع إلــى‬
         ‫إعــادة مــا كنــا نتصــور أننــا صفينــا الحســاب معــه بشــكل نهائــي».‬
‫وحيــن أسســنا فــي أول تســعينات القــرن الماضــي معــرض صفاقــس لكتــاب‬
‫الطفـل كان همنـا الرئيـس المسـاهمة فـي تنميـة الميـول القرائيـة لـدى األطفال‬
              ‫ـ ـ‬                 ‫ـ‬    ‫ـ‬       ‫ـ‬     ‫ـ‬          ‫ـ‬      ‫ـ‬             ‫ـ‬
‫الذيــن هجــروا القــراءة المتفاعلــة النشــطة, إلــى الفرجــة الوادعــة المريحــة,‬
‫وكان أن اســتنجدنا بالحكايــة – وهــى كتــاب مســموع - وفاجأنــا تفاعــل‬

                                           ‫31‬
‫األطفــال فجعلنــا للحكايــة فــي المعــرض حضــورا قــارا, انبريــت يومهــا‬
‫لتقديــم أولــى الحكايــات فــي معــرض كتــاب األطفــال... لــم أتــدرب قاصــدا,‬
‫ولــم أحتــرف, ولكــن المنجــدة الملهمــة حضــرت بقــوة إنْ فــي النصــوص أو‬
‫فــي طرائــق األداء. ورويــت حكايــات مــن التــراث القديــم والجديــد للصغــار‬
‫والكبـار وفـى فضـاءات أكبـر وأبعـد حتـى ذهبـت إلـى تكويـن حكائيـن شـبان,‬
      ‫ـ ـ‬              ‫ـ‬      ‫ـ ـ‬         ‫ـ ـ‬            ‫ـ‬          ‫ـ‬      ‫ـ‬      ‫ـ‬
‫لــم أبحــث عــن نظريــات وإنمــا قدمــت تجربتــي ومنابعهــا وقلــت انهلــوا...‬
‫وانهلـوا مـن ذاكرتكـم. المهـم أن يكـون الحـب دليـا مرشـدا.. وأسـتعيد اليـوم‬
    ‫ـ‬        ‫ـ‬           ‫ـ‬      ‫ـ‬      ‫ـ‬        ‫ـ‬        ‫ـ‬       ‫ـ‬           ‫ـ ـ‬
                                                               ‫حكايتــي مــع الحكايــة.‬
‫قبــل الكتــاب وقبــل المدرســة كانــت الحكايــة معلمتــي. كانــت لوالــدي عمــة‬
‫عجــوز محنيــة الظهــر إلــى األرض ولــم تكــن فــي حاجــه ألن ترفــع رأســها‬
    ‫ـ‬        ‫ـ‬       ‫ـ‬      ‫ـ‬      ‫ـ ـ‬         ‫ـ‬       ‫ـ‬        ‫ـ ُ ـ‬
‫لكـى ترانـي، كنـت مـن ضآلـة حجمـي أرفـع أنـا رأسـي إليهـا لتقبلنـي وكانـت‬     ‫ـ‬      ‫ـ‬
‫زيارتهــا إلينــا حدثــا ال يتكــرر إال مــرة فــي الســنة، ترافقهــا دائمــا ابنتهــا‬
‫وحفيدتهـا آسـيا.. صبيـة سـاحرة أكاد ال أذكـر مالمـح وجههـا ولـم أرهـا منـذ‬
  ‫ـ ـ‬          ‫ـ ـ‬            ‫ـ‬       ‫ـ‬                    ‫ـ ـ‬           ‫ـ ـ‬
‫عقــود وال أعـرف إن كانــت بعــد علـى قيــد الحيــاة ولكنهــا حيـة فــي ذاكرتــي‬
                  ‫ـ‬                           ‫ـ‬                         ‫ـ‬
                                             ‫وفــى وجدانــي وال تبــرح وال تغــادر.‬
‫كنـت أنتظـر قـدوم المسـاء وأسـتعجل العشـاء أللتحـق بهـا فـي غرفـة النـول,‬
      ‫ـ ـ‬            ‫ـ ـ ـ‬              ‫ـ‬          ‫ـ‬         ‫ـ‬         ‫ـ ـ‬           ‫ـ‬
‫جــدى نســاج, وغرفــة النــول تتحــول إلــى مضافــة لعمتــي وابنتهــا وآســيا.‬
‫وال تقاليــد عندنــا للســهر, فوســائل اإلضــاءة بدائيــة حتــى أن القمــر يخســفها‬
‫ولــو لــم يكتمــل, وأعمــال البيــت منهكــة لألمهــات, والشــغل الفالحــي فــي‬
‫حقــول اآلخريــن وبيادرهــم يهــد الرجــال وال يبقــى لهــم مزاجــا للســهر أو‬
‫للحديــث, والــكل بعــد العشــاء يــأوي إلــى فراشــة وال يبقــى غيــر األطفــال‬
‫فــي ( الحــوش ) الواســع يشــغلهم لهوهــم حتــى اإلعيــاء إال أنــا، ألتصــق‬
‫بآســيا وأكاد أقطــع النفــس كــي ال تفوتنــي فاصلــة مــن حكاياتهــا العجيبــة‬
‫والغريبــة الطويلــة المتشــعبة األحــداث المتعــددة األبطــال..» وســبعة صبايــا‬
‫فــي قصبايــة يطيــح الليــل وناكلهــم. « وعلــى ولــد الســلطان « و « عــزوزه‬
‫الســتوت ال يرحمهــا نهــار تمــوت» وهــات مــن تلــك العقبــات الــكأداء التــي‬
‫تحــول بيــن الحبيــب ومحبوبتــه والتــي تضطــره إلــى ارتيــاد بــاد األغــوال‬

                                          ‫41‬
‫واألهــوال والجــن والعفاريــت ليأتــي « بالتفــاح اللــي يفــوح ويــرد الــروح «‬
                                                        ‫ليشــفي األميــرة ثــم يتزوجهــا.‬
‫كانــت آســيا نهــرا متدفقــا مــن الحكايــات وكنــت نهمــا ال أشــبع, وال أحــب أن‬
‫تصــل الحكايــات إلــى خواتــم أبــدا. وكنــت مســتعدا لمصارعــه الغيــان مــن‬
‫أجـل أن تبقـى آسـيا لكـي تحكـى وأسـمع وال يطلـع النهـار,, لـم يكـن لحكايـات‬
     ‫ـ‬          ‫ـ ـ‬         ‫ـ‬        ‫ـ‬           ‫ـ‬       ‫ـ‬            ‫ـ ـ‬        ‫ـ‬        ‫ـ‬
‫آســيا خواتــم حتــى وهــى تختمهــا بتلــك العبــارة الشــهيرة «وخرافتنــا هابــه‬
                                               ‫هابــة... والعــام الجــاى تجينــا صابــه».‬
‫تمتــد الحكايــة فــي وجدانــي أفقــا بــا حــدود وأمشــى خائفــا أترقــب أن يطلــع‬
‫علــى الغــول أو تخطفنــي « عــزوزة القايلــه « وال بــد مــن ابتــكار الحــل‬
‫لتجــاوز المــآزق الممكنــة فغــول الواقــع كغــول الخرافــة ال فــرق, هزيمتــه‬
‫ممكنـة, وأنـا البطـل الخـارق أنتصـر كـي ال تنتهـى الحكايـة.. وهـى ال تنتهى.‬
                ‫ـ‬        ‫ـ‬          ‫ـ‬          ‫ـ ـ‬                ‫ـ‬     ‫ـ‬        ‫ـ‬      ‫ـ‬
‫وكان يومــا فاصــا حيــن دعانــا مديــر المدرســة ليــوزع علينــا القصــص -‬
‫ذلــك االســم الــذى أطلقنــاه علــى كتــب المطالعــة مــن خــارج كتــب المنهــج‬
‫– كنـت فـي الصـف الثالـث االبتدائـي, وقبـل ذلـك لـم أر غيـر كتـاب القـرآن‬
       ‫ـ‬       ‫ـ ـ‬              ‫ـ ـ ـ‬              ‫ـ‬            ‫ـ‬        ‫ـ‬         ‫ـ ـ‬
‫فـي البيـت واسـمه « الختمـة « أو « السـتين حـزب « ثـم الكتـاب المدرسـي‬
   ‫ـ‬               ‫ـ‬      ‫ـ‬          ‫ـ‬      ‫ـ‬               ‫ـ‬              ‫ـ‬          ‫ـ‬       ‫ـ‬
                                                                                     ‫المقــرر.‬
‫تسـلمت قصتـي األولـى مـن المدرسـة وعنوانهـا «حبـة القمـح « مـن إصـدار‬
     ‫ـ‬       ‫ـ‬         ‫ـ‬      ‫ـ‬        ‫ـ‬          ‫ـ‬           ‫ـ ـ‬            ‫ـ‬            ‫ـ‬
‫دار المعــارف المصريــة, ال أذكــر اليــوم مضمــون القصــة ولكنــى أتذكــر‬
‫فرحتــي العارمــة وتاريخيــة يومــي ذاك, حيــن اندفعــت إلــى مطالعتهــا تحــت‬
‫ظــال أشــجار الصفصــاف الوارفــة تنتصــب أمــام مدرســتنا وتتنــاوب مــع‬
‫المدرســة علــى إيوائنــا فــي قيــظ الصيــف أو زمهريــر الشــتاء. البيــت بعيــد‬
‫عـن المدرسـة والدراسـة حصتـان صباحيـة ومسـائية وال مجـال للتـردد علـى‬
   ‫ـ‬        ‫ـ‬        ‫ـ‬             ‫ـ‬       ‫ـ‬           ‫ـ‬            ‫ـ‬          ‫ـ‬            ‫ـ‬
                                                       ‫البيــت فــي مــا بيــن الحصتيــن.‬
‫التهمــت القصــة التهامــا وطفقــت أبــادل بهــا قصــص زمالئــي حتــى أتيــت‬
‫علـى مطالعـة كل القصـص الموزعـة آنـذاك فـي اسـتراحة مـا بيـن الحصتين.‬
                  ‫ـ ـ‬            ‫ـ‬       ‫ـ‬    ‫ـ ـ‬                  ‫ـ‬            ‫ـ‬         ‫ـ‬
‫وتأســس حــب عجيــب لــم ينقطــع بينــي وبيــن الكتــاب والمطالعــة, ووجــدت‬
‫فـي القصـص أبطـاال صغـارا مثلـى, أرانـب وسـناجيب, عصافيـر فـي منتهى‬
           ‫ـ ـ‬                      ‫ـ‬       ‫ـ‬        ‫ـ‬        ‫ـ‬         ‫ـ‬          ‫ـ‬          ‫ـ‬

                                              ‫51‬
‫العقــل والحكمــة.‬
‫شـغفني حـب القصـص فأدمنـت مطالعتهـا, ولكنـى لـم أجدها خارج المدرسـة,‬
    ‫ـ‬                            ‫ـ ـ‬              ‫ـ‬                ‫ـ‬          ‫ـ‬             ‫ـ‬           ‫ـ‬
                                         ‫وال بـد مـن العـودة اليهـا مسـتمعا حيـث ال كتب.‬
                                                       ‫ـ‬            ‫ـ ـ‬             ‫ـ‬         ‫ـ ـ‬
‫عندمـا غادرنـا «الحـوش» الكبيـر إلـى بيـت يخـص عائلتنـا الصغيـرة، بقيـت‬
     ‫ـ‬          ‫ـ‬         ‫ـ‬             ‫ـ‬       ‫ـ ـ ـ‬                       ‫ـ‬          ‫ـ‬          ‫ـ‬
‫مشـدودا إلـى ذكرياتـي فـي «الحـوش» القديـم، وكانـت طريقـي مـن المدرسـة‬
  ‫ـ‬                ‫ـ ـ‬           ‫ـ‬          ‫ـ‬              ‫ـ‬           ‫ـ ـ‬                  ‫ـ‬         ‫ـ‬
‫إلــى بيتنــا الجديــد تطــول ألنــى أعــرج دائمــا علــى جــدى، وبرنامــج الزيــارة‬
‫يتكــرر كل يــوم دون إمــال، جدتــي ال تعــرف القــراءة لكــن « الختمــة «‬
‫بأرباعهــا األربعــة تتصــدر الغرفــة فــي الــرف الخشــبي المشــغول بتخريــم‬
‫ونقــش فــي غايــة الروعــة وبجانــب المصبــاح الزجاجــي الملــون وهــذه آخــر‬
‫صيحـة حينـذاك فـي عالـم اإلنـارة بعـد قنديـل الزيـت و»الكربيلـه» مصبـاح‬
     ‫ـ‬              ‫ـ‬              ‫ـ‬        ‫ـ‬        ‫ـ‬         ‫ـ‬      ‫ـ‬         ‫ـ‬        ‫ـ‬       ‫ـ‬
‫الزجـاج يشـتغل «بالقـاز» وهـو النفـط ولذلـك نسـميه « قـازة « وجـدى الـذى‬
       ‫ـ‬       ‫ـ‬            ‫ـ‬         ‫ـ‬       ‫ـ‬         ‫ـ‬       ‫ـ‬         ‫ـ‬              ‫ـ‬        ‫ـ‬
‫ال يقــرأ فخــور بأنــى أقــراء، وهــو كل يــوم يطلــب أن أتلــو عليــه ســورة مــن‬
‫القــران ويحددهــا مــن بيــن الســور القصصيــة، فالقصــة هــي التــي تعنيــه،‬
‫يوسـف وإدريـس ومريـم والكهـف، وأشـترط عليـه المقايضـة قصـة بقصـة..‬
       ‫ـ‬         ‫ـ‬      ‫ـ‬            ‫ـ‬            ‫ـ‬          ‫ـ‬          ‫ـ‬             ‫ـ‬             ‫ـ‬
‫أتلــو الســورة ثــم أقبــل عليــه يــروى لــي مــن قصــص األنبيــاء فــي صياغــة‬
‫شـعبية مليئـة بالتفاصيـل التـي تنسـج مـن الخيـال واقعـا متجسـدا تـراه بأذنيـك‬
    ‫ـ‬             ‫ـ ـ‬         ‫ـ‬           ‫ـ‬         ‫ـ ـ‬              ‫ـ ـ‬                  ‫ـ‬             ‫ـ‬
‫وتعيشــه بكيانــك فيصبــح يوســف عزيــز مدينتنــا صفاقــس.. وشــاطئها هــو‬
‫الـذى شـهد خـروج يوسـف مـن بطـن الحـوت، والنخلـة السـامقة فـي الجـوار‬
        ‫ـ‬        ‫ـ‬      ‫ـ‬     ‫ـ‬                 ‫ـ‬        ‫ـ‬       ‫ـ ـ‬                  ‫ـ‬        ‫ـ‬         ‫ـ‬
         ‫هــي التــي هــزت مريــم بجذعهــا حيــن إنتبذتهــا مــن أهلهــا مكانــا قصيــا.‬
‫وإذ يتحــدث جــدى عــن األنبيــاء، ال يشــعرك بأنــه يتحــدث عــن المقــدس،‬
‫هــو يتحــدث عــن أنــاس حضــروا الــى هــذه الدنيــا وغــادروا ولكــن العبــرة‬
‫فــي كفاحكــم البشــرى الــذى تجــده ممكنــا حتــى وهــو خــارق.. وغالبــا مــا‬
‫تأتــى الخــوارق إلــى قصــص جــدى عــن األنبيــاء مــن الخرافــات والحكايــات‬
‫الشــعبية فــا غضاضــة عنــده فــي التقــاء نبــي وعفريــت.. والعفريــت ينبغــي‬
        ‫أن يكــون جبــارا مــن الجبابــرة، وإال فــا معنــى النتصــار النبــي عليــه.‬
‫بيتنـا الجديـد أقـرب إلـى مركـز المدينـة مـن بيـت جـدى، ولكـن المدينـة التـي‬
    ‫ـ ـ‬               ‫ـ‬         ‫ـ ـ ـ ـ‬                           ‫ـ‬       ‫ـ‬        ‫ـ ـ‬                ‫ـ‬
‫ال نعرفهــا تبــدو بعيــدة جــدا، عيديــة العيــد زيــارة المدينــة والتجــوال فيهــا،‬

                                                   ‫61‬
‫وفــى العيــد تكــون خاليــة وعديمــة الحركــة إال مــن الباعــة المتجوليــن أو‬
‫المنتصبيــن عرضيــا فــي مدخليهــا الشــمالي والجنوبــي، ورغــم ذلــك كنــا‬
                                                                     ‫نجدهــا تضــج بالحيــاة.‬
‫لــم تبهرنــي المدينــة بســورها الشــاهق أو أبوابهــا الرحبــة أو مبانيهــا‬
                                ‫المتالصقــة الممتــدة بــا أفــق وكأنهــا ال تنتهــى.‬
‫كانــت تشــدني فــي ســاحة «بــاب الجبلــي» حلقــة « الفــداوى «..رجــل‬
‫يمسـك عصـا طويلـة يقـف بين لوحـات فجة األلوان يفرشـها علـى أرضية‬
                ‫ـ‬       ‫ـ‬                          ‫ـ‬              ‫ـ ـ‬             ‫ـ‬           ‫ـ‬
‫الميـدان وحولـة حشـد مـن النـاس، كبـارا وصغـارا، أشـق طريقـي بينهـم‬
  ‫ـ‬         ‫ـ‬             ‫ـ‬         ‫ـ‬           ‫ـ‬          ‫ـ ـ ـ‬                ‫ـ‬              ‫ـ‬
‫إلــى الصــف االول.. أنشــد إلــى «الفــداوى « وهــو يحكــى عــن « ســيدنا‬
‫علــى وراس الغــول « وعــن «الزازيــة المخبلــة فــي شــعورها» وعــن‬
‫«بـو زيـد الهاللـي» فـي صوالتـه وجوالتـه ثـم يشـير إلـى الصـور حيـث‬
      ‫ـ‬        ‫ـ‬          ‫ـ ـ ـ ـ‬                      ‫ـ‬             ‫ـ‬      ‫ـ‬           ‫ـ ـ‬
‫تتجســد الشــخصيات، وتتدفــق الحكايــات مــن قمــة إلــى الــروح بــا قســر‬
‫أو فجاجـة. باهـرة تقطـع األنفـاس وال يسـتعيد النـاس أنفاسـهم المقطوعـة‬
   ‫ـ‬                 ‫ـ‬            ‫ـ‬       ‫ـ‬                ‫ـ‬        ‫ـ‬         ‫ـ‬         ‫ـ‬
‫إال حيــن يتوقــف عــن الحكــي، ويخلــع شاشــيته طائفــا بهــا علــى الجميــع‬
‫فيتســابق كثيــرون إللقــاء قطــع النقــد جــزاء وفاقــا علــى مــا اســتمعوا بــه‬
                                                                     ‫مــن ســاحر الحكايــات.‬
‫تلـك مصـادري األولـى: أسـيا والكتـاب وجـدى و»الفـداوى» ثـم أصبحت‬
                 ‫ـ‬          ‫ـ‬           ‫ـ‬          ‫ـ‬          ‫ـ‬        ‫ـ‬              ‫ـ‬            ‫ـ‬
‫الحكايـة ضالتـي حيـث مـا أجدهـا التقطهـا، وترسـخ حسـن أعيـد روايتها،‬
                 ‫ـ‬        ‫ـ‬       ‫ـ‬         ‫ـ‬          ‫ـ‬         ‫ـ ـ‬            ‫ـ‬         ‫ـ‬
‫وهـى مـن أطبـاق الضيافـة التـي كنـت أقدمهـا لتسـلية زوارنـا مـن مسـنى‬
       ‫ـ‬      ‫ـ ـ‬                ‫ـ ـ‬               ‫ـ ـ ـ‬                       ‫ـ‬         ‫ـ ـ‬
                                         ‫العائلـة: عمـات وخـاالت وأعمـام وأخـوال.‬
                                                ‫ـ‬        ‫ـ‬               ‫ـ‬        ‫ـ‬         ‫ـ‬
‫ثــم كان المرحــوم عبــد العزيــز العــروى فــي اإلذاعــة وهــو حكواتــي‬
‫مبــدع، خالــد الذكــر عنــد كل أهــل تونــس وكان حضــوره يوميــا عبــر‬
‫أسـماره المكتنـزة باألمثـال والحكـم الشـعبية، وموعـد حكاياتـه األسـبوعي‬
         ‫ـ‬         ‫ـ‬          ‫ـ‬               ‫ـ‬      ‫ـ‬            ‫ـ‬             ‫ـ‬                ‫ـ‬
‫ال يخلفــه النــاس، فينبهــرون بطريقتــه فــي الحكــي وتضمينــه لألمثــال‬
‫واألقـوال فـي حكاياتـه وثـراء قصصـه بالحكـم والعبـر التـي تنسـاب إلـى‬
     ‫ـ‬     ‫ـ‬           ‫ـ ـ‬            ‫ـ‬          ‫ـ‬              ‫ـ ـ‬                 ‫ـ‬       ‫ـ‬
                                                            ‫الــروح بــا قســر أو فجاجــة.‬
‫عبــد العزيــز العــروى محطــة التكويــن ال أتجاوزهــا، وأحيــى روحــة‬

                                                ‫71‬
‫الحيــة فــي حكاياتــه التــي تتقمصــه متوهجــة بصــوت ودفء حضــوره‬
 ‫حتــى وهــى بيــن دفتــي كتــاب تخالهــا جامــدة وهــى تضــج بالحركــة.‬
‫هــل كانــت تســتحق حكايتــي مــع الحكايــة أن أحكيهــا لكــم ؟ لكــم تقديــر‬
                            ‫ذلــك ولكنــى ســعدت إذ حكيــت والســام عليكــم.‬




                                     ‫81‬
‫الﺒﺎب اﻷول‬




    ‫91‬
‫الحكﺎﻳﺔ اﻷوﱃ:‬
                    ‫»الحﻰ الﺮمﺎدي«‬
‫إلﻬــــﺎم الحﺪاﻲﺑ‬
                          ‫02‬
‫المواطنة هي :‬
 ‫العضوية الكاملة والمتساوية في المجتمع بما يترتب عليها من حقوق‬
‫وواجبات, وهو ما يعنى إن كافة أبناء الشعب الذين يعيشون فوق تراب‬
‫الوطن سواسية بدون أدنى تمييز قائم على أي معايير تحكمية مثل الدين‬
‫أو الجنس أو اللون أو المستوى االقتصادي أو االنتماء السياسي والموقف‬
                              ‫الفكري.‬




                                ‫12‬
‫كان يــا مــا كان، هنــاك مدينــة جميلــة وكبيــرة، عُرفــت بجمــال مبانيهــا،‬
                                           ‫ُ‬
 ‫ورونــق شــوارعها، وبهــاء بســاتينها، وعــرف النــاس هنــاك بحبهــم الرتــداء‬
 ‫أجمـل المالبـس وتنـاول أفضـل أنـواع الطعـام، وكان أطفالهـم يحبـون المـرح‬
       ‫ـ‬        ‫ـ‬     ‫ـ‬                  ‫ـ‬         ‫ـ ـ‬              ‫ـ‬      ‫ـ‬          ‫ـ‬
                                                                                ‫كثيــراً...‬
                                                             ‫أطفال يلعبون الغميضة....‬
                                                       ‫وآخرون يلعبون نط الحبل.....‬
                             ‫والبعض اآلخر يلهون بالحشائش واألحجار الصغيرة.‬
                                                      ‫كانت تلك المدينة تضج بالحياة:‬
                                                                      ‫أصوات السيارات‬
                                                                       ‫وصخب الناس..‬
           ‫وضحك يمأل أرجاء الشوارع..... هكذا هي أجواء تلك المدينة الجميلة.‬
 ‫لكــن خلــف هــذه المدينــة كان هنــاك حــي صغيــر، يُدعــى (الحــي الرمــادي)،‬
 ‫أزقـة هـذا الحـي ضيقـة، ومنازلـه قديمـة جداً...والجـوع والخـوف والصمـت‬
     ‫ـ‬              ‫ـ‬         ‫ـ‬                ‫ـ‬     ‫ـ‬            ‫ـ‬      ‫ـ‬       ‫ـ ـ‬
 ‫هـو لغـة هـذا الحـي فأطفالـه ال يلعبـون. وال يمرحـون، يقبعـون فـي منازلهـم‬
   ‫ـ‬             ‫ـ ـ‬            ‫ـ‬                ‫ـ‬           ‫ـ‬         ‫ـ‬     ‫ـ ـ ـ‬
 ‫بمالبســهم الباليــة، ونســاؤهم ال تعــرف البســمة طريقهــا الــى شــفاههن، أمــا‬
                                                 ‫رجالهــم فــا يتحدثــون إال نــادراً....‬
 ‫ذات يــوم خــرج رجــل وامرأتــه وطفلهمــا الصغيــر ليتمشــوا فــي المدينــة‬
 ‫الجميلــة، كان طفلهمــا الصغيــر يلعــب بكرتــه أمامهمــا، وينــط هنــا وهنــاك..‬
 ‫انشــغل الوالــدان بحديثهمــا، وأثنــاء ذلــك تدحرجــت كــرة الصغيــر ودخلــت‬
 ‫إلـى المنفـذ الـذي يـؤدي إلـى الحـي الرمـادي، بحـث عـن كرتـه هنـا وهنـاك..‬
         ‫ـ‬      ‫ـ ـ‬         ‫ـ ـ‬              ‫ـ‬      ‫ـ‬         ‫ـ‬       ‫ـ ـ ـ‬              ‫ـ‬
                                                    ‫أين كرتي ؟..أين كرتي؟..‬                ‫-‬
                                                                                           ‫	‬
 ‫فجــأة، تراجــع إلــى الخلــف عندمــا رأى أطفــال فــي نفــس ســنه تقريب ـا ً لكــن‬
 ‫أشــكالهم غريبــة، لقــد كانــوا يرتــدون أســماالً مــن الثيــاب ونظــرات البــؤس‬
 ‫تمــأ وجوهــم الصغيــرة، كانــوا يمســكون بكرتــه بشــكل غريــب، ويتلمســون‬
                                  ‫ألوانهــا الزاهيــة... اقتــرب منهــم الصغيــر وقــال:‬
                                                       ‫يمكننا أن نلعب بها معاً..‬           ‫-‬
                                                                                           ‫	‬
‫تراجــع األطفــال إلــى الخلــف وهــم خائفــون، اقتــرب منهــم الصغيــر مجــدداً‬

                                            ‫22‬
‫وقــال مبتســماً:‬
                                                     ‫يمكننا أن نلعب بها معاً.‬           ‫-‬
                                                                                        ‫	‬
                  ‫لكنهم واصلوا تراجعهم إلى الخلف، عند ذلك قال لهم الصغير:‬
                 ‫يمكنكم أن تحتفظوا بها فأنا لدي واحدة أخرى في المنزل،‬                   ‫-‬
                                                                                        ‫	‬
‫ثــم عــاد الصغيــر أدراجــه. وأثنــاء حديــث الوالديــن افتقــدا طفلهمــا الصغيــر‬
                                                                  ‫فبــدآ بالبحــث عنــه:‬
                                      ‫محمود...محمود.. أين أنت يا محمود؟‬                 ‫-‬
                                                                                        ‫	‬
           ‫بعد قليل خرج الصغير من منفذ الحي الرمادي، صرخت األم فزعة:‬
                                                                     ‫أين كنت؟!‬          ‫-‬
                                                                                        ‫	‬
                            ‫أشار الصغير إلى ذلك المنفذ، لتصرخ به األم مجدداً:‬
                                                     ‫ولماذا ذهبت إلى هناك؟‬              ‫-‬
                                                                                        ‫	‬
                                        ‫تدحرجت كرتي إلى هناك فتبعتها..،‬                 ‫-‬
                                                                                        ‫	‬
                     ‫مرة أخرى إذا تدحرجت كرتك إلى هناك دعها وعد..‬                       ‫-‬
                                                                                        ‫	‬
                                                       ‫لكن من هؤالء يا أمي؟‬             ‫-‬
                                                                                        ‫	‬
‫هــؤالء أنــاس مجرمــون وشــريرون... حــذاري أن تذهــب هنــاك مــرة‬                     ‫-‬
                                                                                        ‫	‬
                                                                                ‫أخــرى،‬
                                                         ‫أعاد الصغير السؤال لوالده:‬
                                                             ‫من هؤالء يا أبي؟‬           ‫-‬
                                                                                        ‫	‬
                                                 ‫اسمع كالم أمك يا بني فقط.‬              ‫-‬
                                                                                        ‫	‬
‫تمــر ســنين عديــدة، وفجــأة تنتشــر الجريمــة فــي المدينــة الجميلــة، القتــل،‬
‫والســرقة وشــتى أنــواع الجرائــم، ويتعــب رجــال الشــرطة فــي البحــث عــن‬
‫المجرميــن، وبعــد بحــث طويــل يتضــح أن الفاعليــن هــم مــن ســكان المدينــة‬
‫الرماديـة. ويجتمـع كبـار المدينـة الجريمـة ليتناقشـوا فـي هـذه المشـكلة، قـال‬
   ‫ـ‬        ‫ـ‬         ‫ـ ـ ـ‬               ‫ـ‬        ‫ـ‬           ‫ـ ـ‬               ‫ـ‬
                                                                               ‫القاضــي:‬
        ‫أقترح أن نأتي بصخرة كبيرة فنسد بها منفذهم فال يأتوا إلينا أبداً‬                 ‫	‬
                                                                                        ‫-‬
                                                                        ‫وقال الطبيب:‬
             ‫أما أنا فأقترح أن نحقنهم بحقن ملوثة فيموتوا ونتخلص منهم.‬                   ‫-‬
                                                                                        ‫	‬

                                           ‫32‬
‫وقال الضابط:‬
                                           ‫أما أنا فأقترح أن ندفنهم وهم أحياء.‬             ‫-‬
                                                                                           ‫	‬
                                                                             ‫وقال الحداد:‬
          ‫وأنا أقترح أن نحرق منازلهم فيذهبوا بعيداً وال يعودوا هنا أبداً،‬                  ‫-‬
                                                                                           ‫	‬
                                                     ‫بقي المعلم صامتا ً فسأله القاضي:‬
                                                      ‫وما رأيك أنت أيها المعلم؟‬            ‫-‬
                                                                                           ‫	‬
                                                                                ‫قال المعلم:‬
            ‫أما أنا فأقترح أن نبني لهم مدرسة صغيرة تعلمهم لغة األلوان.‬                     ‫-‬
                                                                                           ‫	‬
‫ضــج المجلــس بالضحــك مــن هــذا االقتــراح الســاذج، وتفــرق الجميــع دون‬
                               ‫أن يتوصلــوا إلــى حــل، وتواصــل انتشــار الجريمــة.‬
‫وبعـد أسـابيع قـرر المعلـم أن يتوجـه إلى الحـي الرمادي، أخذ حقيبـة صغيرة،‬
               ‫ـ‬                         ‫ـ‬         ‫ـ‬           ‫ـ‬          ‫ـ‬       ‫ـ ـ‬
‫وجمــع أدواتــه وبعــض كتبــه ومالبســه ثــم توجــه إلــى منفــذ الحــي الرمــادي،‬
‫وعندمــا وصــل تذكــر كرتــه التــي تدحرجــت هنــا قبــل عشــرين عام ـاً، ثــم‬
‫تأمــل المالمــح البائســة والمنازلــة الباليــة وطلــب منهــم منــزالً صغيــراً ليبــدأ‬
                        ‫عملــه، قــام المعلــم بتعليــم ســكان ذلــك الحــي لغــة األلــوان.‬
                                                             ‫علمهم معنى زرقة السماء‬
                                                                      ‫وخضرة األرض‬
                                                                      ‫وبياض االبتسامة‬
                                                                   ‫وأن األوطان تبنى...‬
                                                                 ‫بحوار عقولها... جميعا‬
                                                             ‫وتكاتف سواعدها.. جميعا‬
‫ونبههــم إال أن اللــون األســود والرمــادي ليســا اللونيــن الوحيديــن فــي هــذه‬
‫الحيــاة، وبعــد زمــن خفــت الجريمــة فــي المدينــة الرماديــة إال أن تالشــت...‬
‫وصـار ذلـك الحـي الرمـادي يُعـرف (بحـي األلـوان)، وصـارت تلـك المدينـة‬
 ‫ـ‬            ‫ـ‬        ‫ـ‬              ‫ـ‬      ‫ـ‬         ‫ـ‬       ‫ـ‬        ‫ـ‬       ‫ـ‬      ‫ـ‬
                                                  ‫الكبيــرة تفخــر بهــذا الحــي الجميــل.‬



                                            ‫42‬
‫الحكﺎﻳﺔ الﺜﺎﻧﻴﺔ:‬
   ‫»ﻃﺎﺋﺮ اﳌﻠﻚ« مﻦ الحكﺎﻳﺎت الﺸﻌﺒﻴﺔ ﰲ »اﳌﻘﺎﻃﺮة«‬
‫ﺟﻤﻌﻬﺎ وﻧﻘحﻬﺎ: ﻳوﺳﻒ ﺷﻤﺴـــــﺎن‬
                            ‫52‬
‫(لجميــع الشــعوب حــق تقريــر مصيرهــا بنفســها وهــى بمقتضــى هــذا الحــق‬
‫حــرة فــي تقريــر مركزهــا السياســي وحــرة فــي الســعي لتحقيــق نمائهــا‬
                                         ‫االقتصــادي واالجتماعــي والثقافــي)‬
                 ‫مادة(1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية‬




                                     ‫62‬
‫كان يــا مــا كان فــي ســالف العصــر والزمــان مملكــة قامــت بيــن الجبــال‬
‫وكانــت تختلــف عــن الممالــك فــي إدارة حكمهــا كل االختــاف. فالملــك فيهــا‬
‫ال يــورث الحكــم البنــه مــن بعــده. فقــد اتفــق ســكان هــذه المملكــة مــن غابــر‬
‫األزمــان أن الملــك هــو مــن يقــف علــى رأســه طيــر يســمى (طيــر الملــك).‬
‫وطيــر الملــك هــذا لــم يكــن يظهــر أو يتواجــد دائمــا، ولكــن حينمــا يظهــر‬
‫يعــرف النــاس أنــه حــان الوقــت الختيــار ملــك جديــد حتــى وإن كان ملكهــم‬
‫مــازال قــادرا علــى الحكــم. وكان جميــع الملــوك يحترمــون هــذه القاعــدة وال‬
                                                                              ‫يخالفونهــا.‬
‫كان فــي هــذه المملكــة حطــاب فقيــر يعمــل هــو وابنــه فــي جمــع الحطــب‬
‫مـن الغابـة ويبيعونـه للنـاس لتوفيـر لقمـة عيشـهم. وقـد اشـتهر هـذا الحطـاب‬
        ‫ـ‬       ‫ـ‬     ‫ـ ـ‬           ‫ـ‬        ‫ـ‬      ‫ـ‬         ‫ـ ـ‬               ‫ـ‬         ‫ـ‬
‫بــأن الســرور ال يفــارق وجهــه وأنــه يعيــش حيــاة ســعيدة رغــم فقــره وذلــك‬
‫أنــه كان قانعــا بمــا رزقــه هللا، ولــم يكــن للطمــع أو الجشــع إلــى قلبــه مــن‬
‫ســبيل. وألنــه يــأكل مــن عــرق جبينــه وكــد يــده, فلــم يكــن عليــه ديــن ألحــد.‬
‫فــكان دائــم الســعادة والســرور وهــو مــا كان يزعــج جــاره التاجــر الجشــع.‬
‫والــذي كان يحســده علــى ســعادته وكان يتمنــى أن يجــد الفرصــة التــي يقلــب‬
‫ســعادة هــذه األســرة الــى أحــزان. وكان هــذا التاجــر صديقــا للوزيــر ودائمــا‬
                                ‫مــا يوغــر صــدره علــى هــذا الحطــاب المســكين.‬
‫فـي أحـد األيـام وبينمـا كان الحطـاب يعمـل فـي الغابـة إذا بـه يجـد عشـا فيـه‬
   ‫ـ ـ‬          ‫ـ ـ‬       ‫ـ‬          ‫ـ ـ‬           ‫ـ‬            ‫ـ‬        ‫ـ‬        ‫ـ‬      ‫ـ‬
‫بيضـة واحـدة ذات ألـوان جميلـة وأشـكال رائعـة. وكان كل مـن فـي المملكـة‬
   ‫ـ‬           ‫ـ ـ‬                ‫ـ‬             ‫ـ‬     ‫ـ‬           ‫ـ‬          ‫ـ‬       ‫ـ‬
‫يعرفـون لمـن هـذه البيضـة فهـي لطيـر الملـك. وهـذا يعنـى أن وقـت اختيـار‬
      ‫ـ‬       ‫ـ‬        ‫ـ‬      ‫ـ‬         ‫ـ‬        ‫ـ‬     ‫ـ ـ‬           ‫ـ ـ‬             ‫ـ‬
‫ملـك جديـد قـد اقتـرب. عـاد الحطـاب إلـى بيتـه وأخبـر زوجتـه بمـا رأى وأن‬
              ‫ـ ـ‬          ‫ـ‬          ‫ـ‬     ‫ـ‬      ‫ـ‬        ‫ـ‬       ‫ـ ـ ـ‬                ‫ـ‬
                                           ‫عليـه أن يخبـر الوزيـر بذلـك. فقالـت لـه:‬
                                               ‫ـ ـ‬        ‫ـ‬       ‫ـ‬        ‫ـ‬           ‫ـ‬
‫لمــاذا ال تخبــر جارنــا التاجــر بمــا وجــدت وهــو ســينقل الخبــر إلــى‬                 ‫-‬
                                                                                            ‫	‬
‫الوزيــر فهــو صديقــه وســتوفر علــى نفســك عنــاء الذهــاب إلــى القصــر.‬
‫استحسـن الحطـاب رأي زوجتـه وذهـب إلى جـاره التاجر وأخبـره بما وجده.‬
                  ‫ـ‬               ‫ـ‬             ‫ـ‬     ‫ـ‬               ‫ـ‬           ‫ـ‬
‫ارتعـب التاجـر ممـا سـمع وخـاف علـى تجارتـه التـي يديرهـا بدعـم الوزيـر‬
    ‫ـ‬       ‫ـ‬       ‫ـ‬        ‫ـ ـ‬                ‫ـ‬      ‫ـ‬       ‫ـ ـ‬        ‫ـ‬          ‫ـ‬
‫أن تنتهــى إذا قــام الملــك الجديــد بتعييــن وزيــر جديــد. ذهــب التاجــر ليخبــر‬

                                             ‫72‬
‫الوزيــر بمــا ســمعه ويتباحــث معــه فــي كيفيــة تدبــر هــذا األمــر واالســتعداد‬
       ‫َّ‬
  ‫لــه. طلــب الوزيــر احضــار الحطــاب إليــه ليتأكــد بنفســه مــن األمــر. تدخــل‬
  ‫التاجــر الجشــع عنــد الوزيــر وقــال لــه لــو طلبــت مــن الحطــاب إحضــار‬
  ‫البيضـة وأخفيناهـا سـيكون لدينـا متسـع مـن الوقـت لتدبـر األمـر. وألن طيـر‬
     ‫ـ‬             ‫ـ‬      ‫ـ‬         ‫ـ‬      ‫ـ ـ‬          ‫ـ‬        ‫ـ ـ‬                ‫ـ‬
  ‫الملــك كان ســيظهر ال محالــة, كان عليهــم أن يقومــوا بتهيئــة ملــك جديــد‬
  ‫يعلمـون أنـه سـيرعى مصالحهـم ولـن يتغيـر موقـع الوزيـر بوجـوده. وقـرر‬
          ‫ـ‬     ‫ـ‬       ‫ـ‬         ‫ـ‬      ‫ـ‬       ‫ـ ـ‬                    ‫ـ ـ‬           ‫ـ‬
  ‫الوزيــر أن عليهــم تجهيــز ابــن الملــك ليكــون الملــك مــن بعــد أبيــه, ولكــي‬
  ‫تزيــد حظوظــه عليهــم أن يقومــوا بتزويجــه مــن ابنــة ســلطان عظيــم. وحتــى‬
  ‫يضيــع خبــر طيــر الملــك كان عليهــم أن يجــدوا حيلــة للتخلــص ولــو مؤقتــا‬
  ‫مــن الحطــاب. فأمــر الوزيــر الحطــاب أن يذهــب لطلــب يــد ابنــة ســلطان‬
  ‫الصيــن العظيــم عروس ـا ً لملكهــم الجديــد وأن يعــود بهــا. كان الجميــع يــدرك‬
  ‫أن مــن يذهــب إلــى هنــاك لــن يعــود فلــم يعــد أحــد مــن تلــك الرحلــة ســابقا‬
                                      ‫بســبب الصعــاب والمخاطــر التــي تنتظــره...‬
  ‫تطــوع ابــن الحطــاب للســفر بــدالً والــده كونــه مــازال شــابا وقــادرا علــى‬
  ‫اجتيــاز الصعــاب والمخاطــر. تفاجــأ الوزيــر بمــا أقــدم عليــه هــذا الشــاب‬
  ‫ولكنـه لـم يجـد بـدا مـن ذلـك ولكنـه ادعـى أن الولـد قـد ال يعـود ولذلـك قـرر‬
          ‫ـ ـ‬        ‫ـ‬       ‫ـ ـ‬              ‫ـ‬    ‫ـ‬         ‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
  ‫أن يبقــى الحطــاب فــي ســجن القصــر حتــى يعــو ابنــه مــن رحلتــه وهــو مــا‬
‫يضمــن عــدم ذيــوع ســر طيــر الملــك. كمــا وضــع الوزيــر شــرطا تعجيزي ـا ً‬
  ‫آخــر وهــو أن يعــود ابــن الحطــاب مــن رحلتــه قبــل أن تنقضــي فتــرة ســتة‬
                                                                     ‫أشــهر مــن ســفره.‬
  ‫قبـل الحطـاب الشـاب هـذه الشـروط ولكـن خبرتـه البسـيطة لـم تكـن لتسـاعده‬
            ‫ـ‬  ‫ـ ـ‬         ‫ـ‬        ‫ـ‬        ‫ـ‬           ‫ـ‬    ‫ـ‬      ‫ـ‬        ‫ـ‬         ‫ـ‬
  ‫علـى التجهيـز لمثـل هـذه الرحلـة فلجـأ إلـى عجـوز حكيمـة ليأخـذ نصيحتهـا‬
   ‫ـ‬            ‫ـ‬       ‫ـ‬           ‫ـ‬       ‫ـ ـ‬        ‫ـ‬        ‫ـ ـ‬         ‫ـ‬           ‫ـ‬
                              ‫فـي مـا قـد يحتـاج إليـه. فقالـت لـه العجـوز الحكيمـة:‬
                                ‫ـ‬              ‫ـ‬      ‫ـ ـ‬        ‫ـ‬      ‫ـ‬         ‫ـ ـ ـ‬
  ‫عليـك أن تأخـذ أربعـة جمـال محملـة بالحبـوب وأربعـة جمـال محملـة‬
    ‫ـ‬         ‫ـ‬       ‫ـ‬           ‫ـ‬        ‫ـ‬         ‫ـ‬     ‫ـ‬       ‫ـ‬            ‫ـ‬         ‫-‬
                                                                                          ‫	‬
  ‫بالمــاء وأربعــة جمــال محملــة بالهدايــا ليزفهــا مهــرا للعــروس وأربعــة‬
  ‫جمــال محملــة بالغــذاء والثيــاب وكل مــا قــد يحتاجــه للحفــاظ علــى نفســه‬
  ‫أثنــاء الرحلــة. توجــه الحطــاب الشــاب إلــى الوزيــر وطلــب منــه توفيــر هــذه‬

                                            ‫82‬
‫الطلبــات ليتمكــن مــن القيــام برحلتــه.‬
‫أمـر الوزيـر بتجهيـز القافلـة التـي طلبهـا الحطـاب الشـاب بينما ذهب الشـاب‬
     ‫ـ‬                       ‫ـ‬        ‫ـ‬       ‫ـ‬           ‫ـ ـ‬             ‫ـ‬           ‫ـ‬        ‫ـ‬
‫لتوديـع والـده ووعـده بأنـه سـيعود وسـيخرجه مـن سـجنه. وفـي صبـاح اليـوم‬
    ‫ـ‬       ‫ـ‬       ‫ـ‬            ‫ـ ـ‬               ‫ـ‬          ‫ـ ـ‬             ‫ـ‬        ‫ـ‬     ‫ـ‬
‫التالــي ســار الحطــاب الشــاب بقافلتــه نحــو بــاد الصيــن وكان النــاس فــي‬
                   ‫توديعـه عنـد أبـواب المدينـة يدعـون لـه بالتوفيـق فـي رحلتـه.‬
                      ‫ـ‬           ‫ـ ـ‬             ‫ـ ـ‬            ‫ـ‬              ‫ـ ـ ـ‬
‫سـارت القافلـة أليـام قطعـت فيهـا الجبـال واألوديـة حتـى وصـل إلـى وادي‬
           ‫ـ ـ‬             ‫ـ ـ‬                 ‫ـ‬       ‫ـ‬         ‫ـ‬           ‫ـ ـ‬               ‫ـ‬
‫يقـال لـه وادي النمـل. وحيـن دخـل هـذا الـوادي تفاجـأ مـن حشـود النمـل التي‬
         ‫ـ‬        ‫ـ‬        ‫ـ ـ‬              ‫ـ ـ ـ‬                ‫ـ‬            ‫ـ‬             ‫ـ ـ‬
‫غطــت الــوادي بترابــه وأحجــاره وأشــجاره بأعــداد هائلــة حيــث مــا التفــت‬
                           ‫وجدهــا متحفــزة للهجــوم عليــه. فبادرهــا بالتحيــة قائــا :‬
‫الســام عليكــم يــا معشــر النمــل فــردت عليــه جمــوع النمــل لــوال‬                           ‫-‬
                                                                                                  ‫	‬
‫ســامك ســبق كالمــك ألكلنــا لحمــك وعظامــك نحــن فــي جــوع وقحــط لــم‬
         ‫نعــرف الحبــة منــذ ســنة... فمــن أنــت أيهــا الشــاب ومــاذا تريــد؟‬
‫مـا أنـا إال ابـن حطـاب فقيـر ذاهـب إلحضار عـروس السـلطان ألحرر‬
                ‫ـ‬              ‫ـ‬                 ‫ـ‬       ‫ـ‬         ‫ـ‬          ‫ـ‬      ‫ـ ـ‬          ‫-‬
                                                                                                  ‫	‬
‫أبــي مــن ســجنه وإن معــي مــن الحبــوب الكثيــر فخــذوا حمــل تلــك الجمــال‬
                                                                           ‫ً‬
                                 ‫مــن الحبــوب هديــة أقدمهــا لكــم عــن طيــب خاطــر.‬
‫فرحـت النمـل واستبشـرت بهـذه الهديـة الغاليـة وفـي دقائـق كانـت قـد نقلـت‬
    ‫ـ ـ ـ‬               ‫ـ‬          ‫ـ ـ‬           ‫ـ‬          ‫ـ‬        ‫ـ‬             ‫ـ‬         ‫ـ‬
‫كل الحبـوب إلـى أوكارهـا لتسـتفيد منهـا وبعدهـا اجتمعـت وقالت أيها الشـاب:‬
       ‫ـ‬                     ‫ـ‬         ‫ـ‬         ‫ـ‬          ‫ـ ـ‬                  ‫ـ‬        ‫ـ‬
‫إن كرمـك يحتـم علينـا أن نقـدم لـك هديـة وهـي هـذه الحبـة مـن الـذرة‬
      ‫ـ ـ ـ‬               ‫ـ ـ‬           ‫ـ‬       ‫ـ ـ‬            ‫ـ‬        ‫ـ‬        ‫ـ‬                ‫-‬
                                                                                                  ‫	‬
‫فــإذا احتجــت لنــا فــي يــوم مــن األيــام فمــا عليــك ســوى أن تقــوم بكســر هــذه‬
                                                           ‫الحبــة وســتجدنا طــوع أمــرك.‬
‫أخـذ الشـاب تلـك الحبـة ووضعهـا فـي جيبـه شـاكرا لهـم تلـك الهديـة ومضـى‬
   ‫ـ‬          ‫ـ‬         ‫ـ ـ‬            ‫ـ ـ‬           ‫ـ ـ‬               ‫ـ‬         ‫ـ‬       ‫ـ‬      ‫ـ‬
‫فــي رحلتــه الطويلــة وبعــد أيــام وصــل إلــى واد تمــأه النســور والصقــور.‬
‫تحــوم فــي ســماه وتحــط علــى أحجــاره وأشــجاره وتنضــر إليــه بعيــون كلهــا‬
                                              ‫رغبــة فــي أكلــه فبادرهــا بالتحيــة قائــا:‬
                                          ‫السالم عليكم معشر النسور والصقور.‬                       ‫-‬
                                                                                                  ‫	‬
                                                                                   ‫فردوا قائلين:‬
‫لــوال ســامك ســبق كالمــك ألكلنــا لحمــك وعظامــك نحــن فــي جــوع‬                             ‫-‬
                                                                                                  ‫	‬

                                                ‫92‬
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد
طائر السرد

Contenu connexe

Similaire à طائر السرد

الأدب الشعبي
الأدب الشعبيالأدب الشعبي
الأدب الشعبي
wasan5
 
ديوان الشعر العربي المغرب
ديوان الشعر العربي المغربديوان الشعر العربي المغرب
ديوان الشعر العربي المغرب
Mustafa Saad
 

Similaire à طائر السرد (20)

باولو كويلو و البعد الجمالي العربي في إبداعه الأدبي
باولو كويلو و البعد الجمالي العربي في إبداعه الأدبيباولو كويلو و البعد الجمالي العربي في إبداعه الأدبي
باولو كويلو و البعد الجمالي العربي في إبداعه الأدبي
 
حين تغازلنا المدينة
حين تغازلنا المدينةحين تغازلنا المدينة
حين تغازلنا المدينة
 
الصفحة 04
الصفحة 04الصفحة 04
الصفحة 04
 
محمود الكمشوشى - قصيدة زيد و عمرو و قوافى الشعر بين الاصلى و الحر
محمود الكمشوشى - قصيدة زيد و عمرو و قوافى الشعر بين الاصلى و الحرمحمود الكمشوشى - قصيدة زيد و عمرو و قوافى الشعر بين الاصلى و الحر
محمود الكمشوشى - قصيدة زيد و عمرو و قوافى الشعر بين الاصلى و الحر
 
الأدب الشعبي
الأدب الشعبيالأدب الشعبي
الأدب الشعبي
 
وداعا أخي عايش طحيمر
وداعا أخي عايش طحيمروداعا أخي عايش طحيمر
وداعا أخي عايش طحيمر
 
مؤمن سمير.كائن وحيد يقبع في لوحة
مؤمن سمير.كائن وحيد يقبع في لوحةمؤمن سمير.كائن وحيد يقبع في لوحة
مؤمن سمير.كائن وحيد يقبع في لوحة
 
تاريخ قصص الرعب باللغة العربية تراث مثير ومخيف يتجاوز الزمن.pdf
تاريخ قصص الرعب باللغة العربية  تراث مثير ومخيف يتجاوز الزمن.pdfتاريخ قصص الرعب باللغة العربية  تراث مثير ومخيف يتجاوز الزمن.pdf
تاريخ قصص الرعب باللغة العربية تراث مثير ومخيف يتجاوز الزمن.pdf
 
دور تعليم اللغة العربية في ترسيخ الهوية العربية رؤية استشرافية - د. هاني إسما...
دور تعليم اللغة العربية في ترسيخ الهوية العربية رؤية استشرافية - د. هاني إسما...دور تعليم اللغة العربية في ترسيخ الهوية العربية رؤية استشرافية - د. هاني إسما...
دور تعليم اللغة العربية في ترسيخ الهوية العربية رؤية استشرافية - د. هاني إسما...
 
6019
60196019
6019
 
نشاط ذوات النَّشاط الصّفي المسرحي الأول لطالبات كلية الآداب والتربية بجامعة ...
نشاط ذوات  النَّشاط الصّفي المسرحي الأول لطالبات كلية الآداب والتربية بجامعة ...نشاط ذوات  النَّشاط الصّفي المسرحي الأول لطالبات كلية الآداب والتربية بجامعة ...
نشاط ذوات النَّشاط الصّفي المسرحي الأول لطالبات كلية الآداب والتربية بجامعة ...
 
مجلة حوليات التراث العدد 15-2015 مستغانم.pdf
مجلة حوليات التراث العدد 15-2015 مستغانم.pdfمجلة حوليات التراث العدد 15-2015 مستغانم.pdf
مجلة حوليات التراث العدد 15-2015 مستغانم.pdf
 
خصلات من شعر مي
خصلات من شعر ميخصلات من شعر مي
خصلات من شعر مي
 
البرنامج الثقافي للمعرض الدولي 20 للنشر والكتاب بالدار البيضاء من 13 الى 23 ف...
البرنامج الثقافي للمعرض الدولي 20 للنشر والكتاب بالدار البيضاء من 13 الى 23 ف...البرنامج الثقافي للمعرض الدولي 20 للنشر والكتاب بالدار البيضاء من 13 الى 23 ف...
البرنامج الثقافي للمعرض الدولي 20 للنشر والكتاب بالدار البيضاء من 13 الى 23 ف...
 
ديوان الشعر العربي المغرب
ديوان الشعر العربي المغربديوان الشعر العربي المغرب
ديوان الشعر العربي المغرب
 
الأنثى في إبداعات الفنان عايش طحيمر
الأنثى في إبداعات الفنان عايش طحيمرالأنثى في إبداعات الفنان عايش طحيمر
الأنثى في إبداعات الفنان عايش طحيمر
 
مجلة سنا الومضة، العدد السادس نوفمبر 2014
مجلة سنا الومضة، العدد السادس نوفمبر 2014مجلة سنا الومضة، العدد السادس نوفمبر 2014
مجلة سنا الومضة، العدد السادس نوفمبر 2014
 
يوسف زيدان - الأفق الأندلسي - مقالات
يوسف زيدان - الأفق الأندلسي - مقالاتيوسف زيدان - الأفق الأندلسي - مقالات
يوسف زيدان - الأفق الأندلسي - مقالات
 
332
332332
332
 
الادب و النصوص للصف الخامس الادبي
الادب و النصوص للصف الخامس الادبيالادب و النصوص للصف الخامس الادبي
الادب و النصوص للصف الخامس الادبي
 

Plus de ebhar foundation for childhood and creativity

مشروع الأطر الإجتماعية والمعرفية لثقافة الشباب اليمني
مشروع الأطر الإجتماعية والمعرفية لثقافة الشباب اليمنيمشروع الأطر الإجتماعية والمعرفية لثقافة الشباب اليمني
مشروع الأطر الإجتماعية والمعرفية لثقافة الشباب اليمني
ebhar foundation for childhood and creativity
 
مشروع الثقافة اللونية للصغار للاطفال فى مرحلة الطفولة المبكرة
مشروع الثقافة اللونية للصغار للاطفال فى مرحلة الطفولة المبكرةمشروع الثقافة اللونية للصغار للاطفال فى مرحلة الطفولة المبكرة
مشروع الثقافة اللونية للصغار للاطفال فى مرحلة الطفولة المبكرة
ebhar foundation for childhood and creativity
 

Plus de ebhar foundation for childhood and creativity (20)

Calendar2016
Calendar2016Calendar2016
Calendar2016
 
دراسة ميدانية أولية لتتبع سياسات وآليات التوظيف واستطلاع أراء الجهات ذات العل...
دراسة ميدانية أولية لتتبع سياسات وآليات التوظيف واستطلاع أراء الجهات ذات العل...دراسة ميدانية أولية لتتبع سياسات وآليات التوظيف واستطلاع أراء الجهات ذات العل...
دراسة ميدانية أولية لتتبع سياسات وآليات التوظيف واستطلاع أراء الجهات ذات العل...
 
دراسة حول الكيانات المؤثرة في سياسة التوظيف فى التعليم فى اليمن
دراسة حول الكيانات المؤثرة في سياسة التوظيف  فى التعليم فى اليمندراسة حول الكيانات المؤثرة في سياسة التوظيف  فى التعليم فى اليمن
دراسة حول الكيانات المؤثرة في سياسة التوظيف فى التعليم فى اليمن
 
الدستور والمثقفين
الدستور والمثقفينالدستور والمثقفين
الدستور والمثقفين
 
حقوق الملكية الفكرية فى الدستور اليمنى
حقوق الملكية الفكرية فى الدستور اليمنى حقوق الملكية الفكرية فى الدستور اليمنى
حقوق الملكية الفكرية فى الدستور اليمنى
 
مجلة قزح - العدد الثانى
مجلة قزح - العدد الثانى مجلة قزح - العدد الثانى
مجلة قزح - العدد الثانى
 
مجلة قزح للاطفال العدد الاول
مجلة قزح للاطفال  العدد الاول مجلة قزح للاطفال  العدد الاول
مجلة قزح للاطفال العدد الاول
 
أنا طفل
أنا طفلأنا طفل
أنا طفل
 
لنصنع الدمى
لنصنع الدمىلنصنع الدمى
لنصنع الدمى
 
حكايه الولد الذي أخافته قصته
حكايه الولد الذي أخافته قصتهحكايه الولد الذي أخافته قصته
حكايه الولد الذي أخافته قصته
 
حكايه الولد الذي أخافته قصته
حكايه الولد الذي أخافته قصتهحكايه الولد الذي أخافته قصته
حكايه الولد الذي أخافته قصته
 
فى مكان ما
فى مكان مافى مكان ما
فى مكان ما
 
الأطر الإجتماعية والمعرفية لثقافة الشباب اليمني
 الأطر الإجتماعية والمعرفية لثقافة الشباب اليمني الأطر الإجتماعية والمعرفية لثقافة الشباب اليمني
الأطر الإجتماعية والمعرفية لثقافة الشباب اليمني
 
مشروع الأطر الإجتماعية والمعرفية لثقافة الشباب اليمني
مشروع الأطر الإجتماعية والمعرفية لثقافة الشباب اليمنيمشروع الأطر الإجتماعية والمعرفية لثقافة الشباب اليمني
مشروع الأطر الإجتماعية والمعرفية لثقافة الشباب اليمني
 
خطوات
خطواتخطوات
خطوات
 
يد بيد نشكل الغد
يد بيد نشكل الغديد بيد نشكل الغد
يد بيد نشكل الغد
 
الحماية أولا العرض التقديمى الخاص بإبحار فى المؤتمر الاقليمى لحماية الطفل
الحماية أولا العرض التقديمى الخاص بإبحار فى المؤتمر الاقليمى لحماية الطفلالحماية أولا العرض التقديمى الخاص بإبحار فى المؤتمر الاقليمى لحماية الطفل
الحماية أولا العرض التقديمى الخاص بإبحار فى المؤتمر الاقليمى لحماية الطفل
 
طريق التغيير السريع
طريق التغيير السريعطريق التغيير السريع
طريق التغيير السريع
 
الحق فى الحماية من النزاعات المسلحة
الحق فى الحماية من النزاعات المسلحةالحق فى الحماية من النزاعات المسلحة
الحق فى الحماية من النزاعات المسلحة
 
مشروع الثقافة اللونية للصغار للاطفال فى مرحلة الطفولة المبكرة
مشروع الثقافة اللونية للصغار للاطفال فى مرحلة الطفولة المبكرةمشروع الثقافة اللونية للصغار للاطفال فى مرحلة الطفولة المبكرة
مشروع الثقافة اللونية للصغار للاطفال فى مرحلة الطفولة المبكرة
 

طائر السرد

  • 1.
  • 2.
  • 3. ‫مرشوع الحزواىت ( الحكواىت )‬
  • 4. ‫طائر السرد‬ ‫كتاب يوثق لنماذج من حكايات قدمت ضمن مشروع‬ ‫الحزواتي ( الحكواتي ) لتعزيز قيم المواطنة.‬ ‫فريق المشروع :‬ ‫نبيل أحمد الخضر‬ ‫هيفاء ناجى صاح‬ ‫حنان محمد الدرم‬ ‫التقديم واالعداد :‬ ‫أ/ أحمد الطرس العرامي‬ ‫الناشر :‬ ‫مؤسسة إبحار للطفولة واالبداع‬ ‫التصميم الداخلي والخارجي :‬ ‫على صالح المطري‬ ‫الصور بعدسة :‬ ‫عبد هللا الحرازى‬ ‫الطبعة األولى :2102م‬ ‫تلفاكس :336165176900‬ ‫الجمهورية اليمنية - صنعاء - أمانه العاصمة‬ ‫ص.ب 03321‬ ‫‪ebhar@ebhar.org‬‬ ‫‪www.ebhar.org‬‬ ‫‪www.hazawati.blogspot.com‬‬ ‫رقم اإليداع بدار الكتب بصنعاء ( 684 ) لسنه 2102م‬ ‫جميع الحقوق للنصوص المنشورة محفوظة لمؤلفيها أو‬ ‫للمصادر المنقولة منها وهى ال تعبر بالضرورة عن رأى‬ ‫المؤسسة‬ ‫مؤسسة إبحار للطفولة واالبداع مؤسسة ثقافية غير ربحية‬ ‫تنشط في المجال الثقافي في اليمن.‬
  • 5. ‫ﺑﻘﻠﻢ: أﺣﻤﺪ اﻟﻄﺮس اﻟﻌﺮاﻣﻲ‬ ‫1‬
  • 6. ‫الحكاية/اإلنسان‬ ‫بقلم: أحمد الطرس العرامي‬ ‫حيــن كان اإلنســان كانــت الحكايــة، وحيــن كانــت الحكايــة توطــن اإلنســان‬ ‫فــي األرض، منــذ ميــاده بــدأت الحكايــة، إنهــا مرتبطــة بــه وجودي ـاً، لقــد‬ ‫عــاش اإلنســان حياتــه وحكاهــا هــو واآلخــرون، لكــن فعــل الحكــي لــم يكــن‬ ‫كذلــك وحســب، لقــد كان أعمــق مــن مجــرد إعــادة ســرد األحــداث بطريق ـة‬ ‫ِ‬ ‫التقريـر، فمـن خـال السـرد أو فعـل الحكـي وعـى اإلنسـان وجـوده، الحكايـة‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫لــم تكــن رصــداً للحيــاة فقــط، بــل كانــت تعبيــراً عنهــا أيض ـاً، تعبيــراً عــن‬ ‫الوجــود، عــن فلســفة اإلنســان األول، فــي مرآتهــا رأى نفســه، ومــن خاللهــا‬ ‫كان لــه أن يعــي حياتــه بوصفهــا قصــة، أن يســرد المــكان أن يســرده...، أن‬ ‫يعــي الزمــن بوصفــه خيــط الســرد صــراط الحياة/الحكايــة، أن يقــاوم الفنــاء‬ ‫وتأثيــر الزمــن، أن يحتفــظ بلحظاتــه الهاربــة... أن يــرى اآلخــر، أن يفســر‬ ‫الظواهــر، أن يفكــر فــي اآلله ـةِ...‬ ‫الحكايـة حكايـات، طبقـات جيولوجيـة مـن السـرد المتراكـم، تمامـا ً كاألرض،‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫تمامـا ً كاللغـة، كتاريـخ البشـرية، كاإلنسـان، كحكايتـه، فـي البدء كان اإلنسـان‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫األول الحكايـة األولـى، اإلنسـان األول/ األب، الحكايـة األولى/ األم...‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ـ ٍ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ٍ‬ ‫ـ ٍ‬ ‫يبـدو لـي اإلنسـان كفكـرة حيـة ذات وجهيـن أحدهمـا: تفاصيـل حيـاة واقعيـة‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ملموس ـةٍ، واآلخــر هــو حكايتهــا... الجانــب الواقعــي هــو الرجــل بواقعيتــه،‬ ‫واآلخـر هـي األنثـى بكينونتهـا السـردية، أفكـر فـي بدايـة الخلـق في مـا فعلته‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫حـواء فـي الجنـة، لقـد اخترقـت المحظـور فكانـت األرض، مـاذا لـو امتنعـت‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫حــواء عــن الشــجرة؟ بالتأكيــد كانــت ســتنتهي الحكايــة، ثــم عاشــا ســعيدين‬ ‫ً‬ ‫فــي الجنــة، هكــذا تنتهــي القصــة عــادة بالســعادة/بالجنة... لكــن حــواء تمعــن‬ ‫فـي غوايـة السـرد، فـي سـرد الغوايـة فـي تسـريدها فـي منحهـا امتـداداً علـى‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫األرض، تعطيهـا الديمومـة، تصبـح أرضـا ً لهـا وهـي تتخلـق بشـراً/حكايات،‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫وهكــذا فعلــت شــهرزاد، وهكــذا كانــت الجــدات فــي قريتــي...‬ ‫وهكــذا تعــددت أنــواع الســرد مــع تطــور الفكــر اإلنســاني والحيــاة البشــرية،‬ ‫2‬
  • 7. ‫ومـع اختـاف األمـم والشـعوب والثقافـات والحضارات، بدءاً من األسـطورة،‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ومــروراً بالقصــص الدينيــة، والمالحــم، والســير، والمأســاة والملهــاةِ،‬ ‫والحكايــات والقصــص بأنواعهــا وتعــدد وظائفهــا ومرتكزاتهــا وحاجاتهــا‬ ‫وأبعادهـا الفلسـفية والنفسـية والثقافيـة المختلفـة والمتباينـة مـن عصـر آلخـر،‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ومــن جماعــة إنســانية ألخــرى... وصــوالً إلــى القصــة والروايــة كفنيــن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أدبييـن... وليـس بعيـداً عـن هـذا طرائـق الحكـي أو سـرد األحـداث كمـا فـي‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫المســرحية قديم ـا ً وحديث ـاً، وكمــا فــي الســينما أو فــي طــرق الســرد التقليديــة‬ ‫مثــل ظاهــرة الحكواتــي.‬ ‫3‬
  • 8. ‫الحكواتي‬ ‫يحضـر الحكواتـي فـي التـراث والمـوروث العربـي كعالمـة معرفـة، أو نقطة‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫سـحر مضيئـة، قبـل وجـود السـينما وتقنيـات االتصـال الحديثـة....، الحكواتي‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ٍ‬ ‫نجـم المقاهـي، وملـك السـاحات، حيـث يجتمع النـاس حوله، ليغسـلهم بحكاياه،‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ٍ‬ ‫لقــد حظــي بمكان ـة وبحضــور ملحوظيــن فــي الثقافــة العربيــة، وفــي األدب‬ ‫الشــعبي العربــي، مــن اليمــن وحتــى أقصــى المغــرب، فــي مقاهــي دمشــق،‬ ‫فــي ســاحات المغــرب، فــي أســمار صنعــاء، حيــث يكــون الحكواتــي متنفــس‬ ‫ٍ‬ ‫الــروح، وغيمــة المســاءات وقمرهــا المعشــب ســحر مغامــرات وشــجون‬ ‫حيواتٍ...وأوطــان‬ ‫الحكواتـي يجسـد التفاعـل بيـن المتلقي والسـارد، بين النـاص والمتلقي، وبقدر‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ً ـ‬ ‫مـا يخلـق التلفزيـون (الحكواتـي اآللـي) فجـوة بينـه وبيـن متلقيـه ويعمـل على‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫صناعــة ذهنيـة ســطحية، كان الحكواتــي فــي األســمار والســاحات والمقاهــي‬‫ٍ‬ ‫يخلـق فضــاء مــن التفاعــل بيـن أطـراف العمليــة التواصليــة ككل، الحكواتــي‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ً‬ ‫ـ‬ ‫ال يكتفــي بالســرد فقــط، بــل يــؤدي الحــركات التمثيليــة المســاعدة علــى نقــل‬ ‫ٍ‬ ‫النــص وتصويــره فــي أبهــى صــورة وفــي أصــدق تصويــر، كمــا يمكنــه أن‬ ‫ٍ‬ ‫يندمــج مــع القصــة (ســرنا وخليناهــم)، (ثــم تركتهــم وعــدت وحــدي)، كمــا‬ ‫ً‬ ‫يتــرك مســاحة لتفاعــل الجمهــور مــع القصــة، ومــع احداثهــا كمــا لــو كانــت‬ ‫ً‬ ‫األحــداث معاشــة بالنســبة لهــم...‬ ‫مــن القصــص الطريفــة التــي تــدور حــول عالقــة الحكواتــي بجمهــوره، أن‬ ‫الجمهــور مــن شــدة انغماســه فــي القصــة، وولوجــه عوالــم تفاصيلهــا كان‬ ‫مــن بيــن الجمهــور مــن يلحــق الحكواتــي إلــى بيتــه، ليكمــل لــه القصــة، بــل‬ ‫إن هنـاك مـن كان يعتـرض علـى مسـار القصـة ويعـدل فـي تفاصيلهـا، كمـا‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫لــو كانــت واقع ـا ً معاش ـاً، أو شــأنا ً خاص ـا ً بــه، فتــراه يصــر علــى أن يعاقــب‬ ‫المجــرم، وأن يكافــئ البطــل (ذات ليلــة ختــم الــراوي فصــاً مــن فصــول‬ ‫قصــة عنتــرة بدخولــه الســجن، وقــال: فلنتــرك عنتــرة الليلــة فــي الســجن،‬ ‫مكب ـاً باألغــال، ومقيــداً بالقيــود، ونكمــل قصتنــا غــداً) فيأبــى جمهــوره أن‬ ‫4‬
  • 9. ‫يظــل عنتــرة فــي الســجن، وهــو البطــل، كمــا لــو كان عنتــرة واحــداً منهــم‬ ‫والــراوي هــو الســجان...‬ ‫هـذا يعنـي أن القصـة لـم يكـن يتحكـم فيهـا الـراوي، بـل كان هنـاك ثمـة جسـر‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫بيــن النــاص والمتلقــي، فهكــذا كان النــاس يشــاركون فــي صناعــة حكاياتهــم‬ ‫لتعبــر عــن رؤاهــم، وأحالمهــم، ولهــذا يقــال أن الحكايــات الشــعبية تتضمــن‬ ‫رؤيـة الجماعـة وفلسـفتها فـي الحيـاة...‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫5‬
  • 10. ‫عالمية الحكاية‬ ‫تظــل الحكايــة هــي الجامــع اإلنســاني بيــن الشــعوب، تختلــف الثقافــات‬ ‫واللغــات، واألديــان، وتتصــارع الحضــارات وتتبايــن المعتقــدات، وتفتــرق‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫َ‬ ‫المجتمعـات فـي كثيـر مـن األشـياء، لكـن الحكايـة تجمعهـا هـذا مـا يمكـن أن‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫نستشـفه ممـا تقولـه لنـا الدراسـات اإلنسـانية... ومـن بينهـا دراسـة «بروب»‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫التــي تذهــب بعيــداً بنــا فــي الكشــف عــن عالميــة الحكايــة ووحــدة العقــل‬ ‫البشــري والثقافــة البشــرية...‬ ‫فـأن يكـون لـكل أمـة حكاياتهـا فذلـك أمـر طبيعـي، لكـن أن يكـون هنـاك نوع‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ٍ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫معيــن مــن الحكايــة يمتــاز ببني ـة خاص ـة متجــاوزاً بذلــك اللغــات والحــدود‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الجغرافيــة والزمانيــة، والثقافــات... فذلــك هــو األمــر العجيــب والغريــب،‬ ‫والــذي يشــي بوحــدة اإلنســان، وتقــارب رؤاه وعالميــة أخالقــه وحياتــه...‬ ‫هــذا مــا يقولــه بــروب، حيــن درس الحكايــة الشــعبية، مميــزاً بيــن أنــواع‬ ‫عديــدة مــن الحكايــات مــن بينهــا (الخرافيــة) والتــي طــرح فــي كتابــه رؤيــة‬ ‫جديـدة مفادهـا أن الحكايـة الخرافيـة تتميـز بـأن لهـا وظائفهـا المحـددة، وقـد‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ً‬ ‫ً‬ ‫خلــص فــي ذلــك إلــى (13 وظيفــة) أو نســقاً، يشــترك فيهــا هــذا النــوع مــن‬ ‫الحكايـات.... ورغـم أن بـروب كان يتحـدث عـن الحكايـات الروسـية إال أنـه‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ســرعان مــا تمخضــت دراســة بــروب عــن انتشــار نــوع مــن الدراســات أو‬ ‫تيــار مــن الباحثيــن يحــاول المقارنــة بيــن الحكايــات العالميــة فــي الثقافــات‬ ‫ً‬ ‫علــى اختالفهــا األمــر الــذي خلــق مســلمة أو نتيجــة مفادهــا أن الحكايــات‬ ‫الخرافيــة تتشــابه فــي العالــم كلــه، لكــن أهــم الدراســات التــي أعقبــت بــروب‬ ‫هــي دراســة (ليفــي شــتراوس) فــي كتابــه (االنثروبولوجيــا البنيويــة)...‬ ‫عالميـة الحكايـات فـي المجتمعـات اإلنسـاني وتشـابهها وتقاربهـا، يـدل علـى‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫حيـاة واحـدة عاشـها اإلنسـان وتجـارب تعبـر عـن وحدتـه وعـن سـمو حياته،‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ٍ ـ ٍ‬ ‫فــي الحكايــة نشــد اإلنســان الحيــاة المثلــى، ونشــد قيــم العــدل والمســاواة‬ ‫والحريــة والمواطنــة والحــب.‬ ‫6‬
  • 11. ‫إجماالً يمكن القول وفقا ً لكل ما سبق أن الحكاية يصبح لها قيمتها:‬ ‫في كونها متصلة أو متربطة بالوجود اإلنساني، وبتفكيره ووعيه بوجوده.‬ ‫الرتباطهــا بالجانــب األنثــوي فــي اإلنســان، حيــث تمثــل األنثويــة خاصيــة‬ ‫الجمـال والحـب وهـي قيمـة مضـادة للذكوريـة التـي تسـيطر علـى مجتمعاتنا،‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫األمــر أشــبه باســتنطاق الجانــب الجمالــي فــي اإلنســان والذاكــرة الثقافيــة‬ ‫والمجتمــع.‬ ‫عالميــة الحكايــة ومــا تــدل عليــه مــن وحــدة العقــل البشــري وبنيتــه، ترتبــط‬ ‫ارتباطــا ً وثيقــا ً باألخــاق العالميــة وبإعــاء قيمــة اإلنســان كإنســان بغــض‬ ‫النظــر عــن لونــه وجنســه وثقافتــه ودينــه.‬ ‫عالميــة الحكايــة واشــتراك البشــرية علــى مــر العصــور ومختلــف الثقافــات‬ ‫مـن خـال حكاياتهـا علـى نشـدان الخيـر والعـدل والمسـاواة، وهـو ما تكرسـه‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ٍ‬ ‫النهايــات الســعيدة، وانتصــار الخيــر علــى الشــر، يــدل أقــوى داللــة علــى‬ ‫وحــدة اإلنســانية واشــتراكها فــي القيــم والمبــادئ...‬ ‫ارتبــاط الحكواتــي بالثقافــة العربيــة يجعــل منهــا ذات خصوصيــة عاليــة..‬ ‫يربطــه بالهويــة العربيــة...‬ ‫إن مسـألة تدريـب حكواتييـن هـو بمثابـة إحيـاء لقيمـة ثقافيـة كادت أن تندثـر،‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫كمــا أنــه محاولــة الســتعادة مكانــة ثقافــة الكلمــة التــي بــدأت تفقــد فاعليتهــا‬ ‫وتحــل محلهــا ثقافــة الصــورة....‬ ‫ولهــذا فقــد هدفــت الــدورة إلــى تكريــس هــذه القيــم بيــن فئــة الشــباب انطالقـا ً‬ ‫مــن أهميــة الحكايــة وأهميــة مهنــة الحكواتــي، وكذلــك أهميــة تأهيــل الشــباب‬ ‫المجــال...‬ ‫7‬
  • 12. ‫استغوار الحكايات‬ ‫بيــن طيــات هــذا الكتــاب ســرب مــن الحكايــات التــي أطلقهــا الطــاب فــي‬ ‫فضــاءات تجربتهــم األولــى فــي الحكايــة، وقــد تنوعــت هــذه الحكايــات بيــن‬ ‫االختيــار والكتابــة، أو االختيــار والمعالجــة، بمــا يتناســب مــع المحمــول‬ ‫الثقافــي والوظيفــي للحكايــة كمــا يراهــا الشــباب، وبمــا يتناســب مــع الرؤيــة‬ ‫التــي يجــب أن تكــرس فــي ســيبيل الوعــي الثقافــي واالجتماعــي، وتحقيــق‬ ‫الوظيفــة اإليجابيــة للحكايــة تماشــيا ً مــع قيــم العصــر، وحقــوق اإلنســان‬ ‫ومفهــوم الوطنيــة والمواطنــة...‬ ‫ويالحــظ القــارئ لهــذه المــادة مــن الحكايــات المتنوعــة أنهــا حكايــات قيمــة‬ ‫فــي ذاتهــا راقيــة حــد الســماء فــي معالجتهــا ســهلة فــي عــرض تفاصيــل‬ ‫فتنتهــا وثمارهــا وأنهــا فــي اآلن ذاتــه قــد جمعــت بوعــي مســبق كانســياب‬ ‫المـاء فـي الجـداول لـدى جامعيهـا بوظيفـة الحكايـة وأهدافهـا المرجـوة بقصـد‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫حــث الخطــى الواثقــة باتجــاه تحقيــق قيــم البنــاء فــي المجتمعــات واالعتنــاء‬ ‫باإلنســان باعتبــاره أســاس التنميــة، وصــوال فــي المنتهــى إلــى إعــاء قيــم‬ ‫المواطنــة العادلــة التــي يتســاوى فيهــا الجميــع بمــا لهــم مــن حقــوق ومــا‬ ‫عليهــم مــن واجبــات ولعــل مــن أهــم الظواهــر المتفشــية فــي بلــدان العالــم‬ ‫الثالــث وعالجتهــا هــذه الحكايــات :‬ ‫-عمــل المــرأة وتحملهــا تبعــات اإلعالــة واإلنفــاق علــى األبنــاء واإلخــوة،‬ ‫ســلمى مثــا فتــاة مغلوبــة علــى أمرهــا اضطــرت أمــام إصــرار والدتهــا‬ ‫وغيــاب والدهــا وتمنــع أخيهــا عــن العمــل أن تخــرج للســوق بائعــة للحــوح‬ ‫وتتعــرض للكثيــر مــن العقبــات والعراقيــل أمامهــا ففــي اليــوم األول يقــع‬ ‫اللحــوح مــن فــوق رأســها ألنهــا لــم تتقبــل فكــرة الخــروج إلــى الســوق‬ ‫والتعامــل مــع الرجــال فــي ســوق واحــد، وفــي اليــوم الثانــي تخــرج بنــاء‬ ‫علـى طلـب والدتـه ورغبـة منهـا فـي طلـب طاعتهـا ألمهـا لكنهـا فـي السـوق‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫تفاجــئ بعــراك حــاد بيــن مجموعــة مــن الشــباب األمــر الــذي يســقط اللحــوح‬ ‫مــن فــوق رأســها فتعــود إلــى المنــزل مكســورة الخاطــر والجنــاح خاليــة‬ ‫الوفــاض مــن المــال المنتظــر فتحظــى بعلقــة ســاخنة مــن آخيهــا المتقاعــس‬ ‫8‬
  • 13. ‫عـن العمـل والقيـام بأعبـاء إعالتهـا أسـرته عنـد هـذه النقطـة بالتحديـد تظهـر‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫قيــم الذكــورة المغلوطــة والقائمــة علــى اضطهــاد األنثــى وإكراههــا علــى مــا‬ ‫ال يحمــد عقبــاه، وفــي يومهــا الثالــث تحــاول ســلمى أن تهــدئ مــن روعهــا‬ ‫وأن تكـون واثقـة الخطـى فـي ممشـاها إال أن الطبيعـة تقـف فـي وجههـا هـذه‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫المــرة وتحــول دون آمــال الفتــاة الصغيــرة ويهطــل المطــر ويتلــف اللحــوح‬ ‫ويختفــي البطــل وال يعــود إلــى عشــه‬ ‫-فـي الحكايـة الثانيـة يظهـر علـى سـطح الحكايـة فتـى ينشـأ فـي أسـرة مكونـة‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫مــن أب وأم فقــط غيــر أن الوالديــن قــد انشــغال عــن تحقيــق الــدفء النفســي‬ ‫لطفلهمــا الوحيــد فــاألب وكذلــك األم قــد ارتبطــا بوظيفتهمــا وحيــن يســتيقظ‬ ‫الطفـل مـن نومـه ال يجـد سـوى قصاصـة مـن الـورق قـد كتـب عليهـا مـكان‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫إفطـاره وكذلـك إفـادة عـن مصروفـه الدراسـي وحيـن يعـود مـن المدرسـة ال‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫يجـد أحـدا أمامـه سـوى ورقـة أخـرى يفاجـأ بهـا قـد تسـربت قبـل مجيئـه مـن‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫تحـت بـاب المنـزل كمـا يتسـرب النمـل / المـوت فـي آذان التماسـيح وقد كتب‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫علـى ظهـر هـذه الورقـة خبـر قصيـر يدلـه عـن وجبـة الغـداء وهـي مـا تبقـى‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫مــن غــداء اليــوم الســابق ليــس إال يعمــد الطفــل إلــى تســخين غدائــه البــارد‬ ‫وبعــد تناولــه يســلم جســده للنــوم وحيــن يســتيقظ مــن نومــه تكــون والدتــه قــد‬ ‫خرجـت (للتفرطـة) ووالـده قـد خـرج للمقيـل مـع أصدقائـه ويسـتمر الوضـع‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫كذلـك سـنوات وينشـأ الطفـل بعيـدا عـن حنـان والدتـه وعطـف أبيـه سـنوات‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫حتـى يسـوقه القـدر للتعـرف علـى مجموعـة مـن الشـباب المنحـرف ويضبـط‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫الطفــل فــي ســرقة ويكشــف أمــره أمــام النــاس وعندمــا يســأله الضابــط عــن‬ ‫آبائهــم ولمــاذا ال يتابعــون أخــاق أبنائهــم يفاجــا الضابــط المحقــق بالشــاب‬ ‫وقــد أخــرج ورقتيــن مــن جيبــه قائــا هــذا أبــي وأمــي‬ ‫-أمـا الحكايـة الثالثـة فتعـرض بجـاء مـا تتعـرض لـه فئـة المهمشـين ويتجلـى‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫فـي الحكايـة مـدى قسـوة العنصريـة فـي أحـد صـروح المعرفـة فالتالميـذ فـي‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫المدرســة يرشــقون زميلهــم األســود ويعيرونــه بســواد جلــده ويتعــدى األمــر‬ ‫ذلــك فتراهــم يعترضــون علــى خلــق هللا ويســتمر هــذا االســتهزاء ســنوات‬ ‫يحــاول التلميــذ األســود أن يعــرض رأيــه فــي هــذا الموضــوع وأنــه خــارج‬ ‫9‬
  • 14. ‫عـن إرادتـه فتـزداد اإلسـاءة حـدة لكـن مثـل هـذه المالسـنات لم توقـف الطالب‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫األســمر عــن طموحــه بــل إن التوتــر الوجــودي منحــه طاقــة جعلتــه يتفــوق‬ ‫علــى أقرانــه ويحصــد الدرجــات العاليــة إال أن هــذا التفــوق العلمــي كرمــاد‬ ‫تــذروه الريــح فــي مجتمــع بائــس يســوده الظلــم وتســيطر علــى أحــام أبنائــه‬ ‫قيـم الهـدم وأنـى للشـاب األسـود أن يفلـح وينفـذ بلـون جلـده فـي مجتمـع يـرى‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫أن اللــون األســود رمــز للتخلــف والدونيــة.‬ ‫- الحكايـة الرابعـة بدورهـا تظهـر مـدى تفشـي قيـم الهـدم متمثلـة فـي انعـدام‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫العدالـة وتضييـع حقـوق البشـر مـن قبـل قـاض ظالـم ينتصـر للباطـل فدجاجة‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫القاضـي طـارت مـع أنهـا كانـت مذبوحـة فكيـف طـارت فـي عـرف القاضـي‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫الـذي يتكـئ عنـد تمريـره الباطـل علـى النـص الديني ليقمـع أصحـاب الحقوق‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ويبتزهــم حقوقهــم، وهــل أفســد الديــن إال القضــاة وعلمــاء الســوء الذيــن‬ ‫يحرفــون الكلــم عــن مواضعــه، ولعــل الــرد الناجــح علــى قضــاة بهــذا القــدر‬ ‫مـن االتسـاخ صفعـة جحـا للقاضـي الظالـم الـذي قضـى بعشـرين دينـار لجحا‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫كمــا -تقــول الحكايــة األخــرى- مقابــل تنازلــه عــن اللطمــة التــي تلقاهــا خــده‬ ‫مـن قريـب القاضـي المداهـن. ومثـل هـذا تـرى أن قيـم المواطنـة تكاد تنحسـر‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫مــع صمــت األغلبيــة أمــام عبــث فيــل الســلطان وهــل الفيــل هنــا إال رمــزا‬ ‫لقيــم الهــدم واالضطهــاد الجاثمــة علــى صــدور األحــام الورديــة والبريئــة‬ ‫لشـعوب تشـقى مـن أجـل راحـة حاكـم واحـد يبعـث بمقدراتهـا ويكـذب عليهـا‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ليـا ونهـارا سـرا وجهـارا والشـعوب تضيـع وحقوقهـا بصمتهـا المشـين ومـا‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫الصمـت فـي حقيقتـه سـوى العـار أو النـار كمـا قـال الشـاعر /الشـاعر.‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫01‬
  • 15. ‫ً‬ ‫وهكــذا تســير بقيــة النصــوص أو القصــص فــي مســار حكائــي متطرقــة‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫لموضوعــات ال تقــل أهميــة عــن الحكايــات التــي وقفنــا عندهــا، كحمايــة‬ ‫األنثــى وتعــدد الزوجــات، والمواطنــة، والمســاواة باعتبارهــا حلمــا ً لــدى‬ ‫الجيــل الشــبابي، ولــدى المجتمــع...‬ ‫وهكـذا يحـق لنـا القـول أن هـذا العمـل يعـد عمـاً ببلوغرافيـا ً مصغـراً يمكـن‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫أن يكــون فــي ذاتــه تعبيــراً عــن القيــم والمبــادئ المنشــودة التــي تشــكل فــي‬ ‫مجموعهــا مفهــوم المواطنــة والحلــم بالمجتمــع المدنــي.‬ ‫11‬
  • 16. ‫ﺑﻘﻠﻢ: ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق ﻛﻤﻮن‬ ‫21‬
  • 17. ‫حكايتي مع الحكاية‬ ‫بقلم: عبد الرزاق كمون- تونس‬ ‫الذاكــرة حيــة وخصبــة وموحيــة وهــى معطــاة كاألرض تراهــا هامــدة (فــاذا‬ ‫أنزلنــا عليهــا المــاء اهتــزت وربــت وأنبتــت مــن كل زوج بهيــج )‬ ‫الذاكــرة مكنــز المعــارف والتجــارب والخبــرات يبــدأ تراكمهــا منــذ التكويــن‬ ‫وتنمـو صعـدا ثـم تفنـى االجسـاد ويبقـى مـا فـي الذاكـرة محمـوال فـي أجسـاد‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫حيـة فـا يفنـى.‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫الذاكــرة يحفظهــا االبــداع وتحفظــه.. مــن نقــوش الكهــوف إلــى معلقــات‬ ‫الشــعر الــى أوابــد العمــران الــى الكتــب نبحــر أو نغــوص فنســتخرج اللؤلــؤ‬ ‫والمرجــان.‬ ‫إن العمــل ونتاجــه يحفظــان الذكــر فيمنعــان انقطاعــه, وهــو الذاكــرة الولــود‬ ‫تتناســل أفــكارا وســلوكا وفنــا يســحر األلبــاب.‬ ‫إننـا ال ننشـأ مـن عـدم.. نـرى ونسـمع و نقـرأ ونخـزن قصدنـا أم لـم نقصـد؟!‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫وحيــن يســتبد بنــا شــيكان اإلبــداع نأتيــه متناصيــن مــع مــا رأينــا وســمعنا‬ ‫وقرأنــا وعشــنا.‬ ‫سـألج الحديـث عـن الذاكـرة اليـوم مـن بـاب الحكايـة وهـى ضـرب مـن فنـون‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫القـول يتـوارى حتـى ال نـراه فلـوال ثـم يكتسـح متوجـا بالغـار.‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫يقــول الناقــد التونســي عبــد العزيــز بــن عرفــة « يمكــن تفســير العــودة إلــى‬ ‫كتابــة الخرافــات علــى أنهــا عــودة إلــى إجــال منــاخ االنســجام أو منــاخ‬ ‫األحــام الــذى يخلــو مــن القطيعــة والتــأزم والتوتــر. فهــذا العــود علــى بــدء‬ ‫يعنــى أننــا لــن نســتطيع أن نكبــت حنيننــا إلــى الماضــي الــذى ينــزع إلــى‬ ‫إعــادة مــا كنــا نتصــور أننــا صفينــا الحســاب معــه بشــكل نهائــي».‬ ‫وحيــن أسســنا فــي أول تســعينات القــرن الماضــي معــرض صفاقــس لكتــاب‬ ‫الطفـل كان همنـا الرئيـس المسـاهمة فـي تنميـة الميـول القرائيـة لـدى األطفال‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫الذيــن هجــروا القــراءة المتفاعلــة النشــطة, إلــى الفرجــة الوادعــة المريحــة,‬ ‫وكان أن اســتنجدنا بالحكايــة – وهــى كتــاب مســموع - وفاجأنــا تفاعــل‬ ‫31‬
  • 18. ‫األطفــال فجعلنــا للحكايــة فــي المعــرض حضــورا قــارا, انبريــت يومهــا‬ ‫لتقديــم أولــى الحكايــات فــي معــرض كتــاب األطفــال... لــم أتــدرب قاصــدا,‬ ‫ولــم أحتــرف, ولكــن المنجــدة الملهمــة حضــرت بقــوة إنْ فــي النصــوص أو‬ ‫فــي طرائــق األداء. ورويــت حكايــات مــن التــراث القديــم والجديــد للصغــار‬ ‫والكبـار وفـى فضـاءات أكبـر وأبعـد حتـى ذهبـت إلـى تكويـن حكائيـن شـبان,‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫لــم أبحــث عــن نظريــات وإنمــا قدمــت تجربتــي ومنابعهــا وقلــت انهلــوا...‬ ‫وانهلـوا مـن ذاكرتكـم. المهـم أن يكـون الحـب دليـا مرشـدا.. وأسـتعيد اليـوم‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫حكايتــي مــع الحكايــة.‬ ‫قبــل الكتــاب وقبــل المدرســة كانــت الحكايــة معلمتــي. كانــت لوالــدي عمــة‬ ‫عجــوز محنيــة الظهــر إلــى األرض ولــم تكــن فــي حاجــه ألن ترفــع رأســها‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ُ ـ‬ ‫لكـى ترانـي، كنـت مـن ضآلـة حجمـي أرفـع أنـا رأسـي إليهـا لتقبلنـي وكانـت‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫زيارتهــا إلينــا حدثــا ال يتكــرر إال مــرة فــي الســنة، ترافقهــا دائمــا ابنتهــا‬ ‫وحفيدتهـا آسـيا.. صبيـة سـاحرة أكاد ال أذكـر مالمـح وجههـا ولـم أرهـا منـذ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫عقــود وال أعـرف إن كانــت بعــد علـى قيــد الحيــاة ولكنهــا حيـة فــي ذاكرتــي‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫وفــى وجدانــي وال تبــرح وال تغــادر.‬ ‫كنـت أنتظـر قـدوم المسـاء وأسـتعجل العشـاء أللتحـق بهـا فـي غرفـة النـول,‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫جــدى نســاج, وغرفــة النــول تتحــول إلــى مضافــة لعمتــي وابنتهــا وآســيا.‬ ‫وال تقاليــد عندنــا للســهر, فوســائل اإلضــاءة بدائيــة حتــى أن القمــر يخســفها‬ ‫ولــو لــم يكتمــل, وأعمــال البيــت منهكــة لألمهــات, والشــغل الفالحــي فــي‬ ‫حقــول اآلخريــن وبيادرهــم يهــد الرجــال وال يبقــى لهــم مزاجــا للســهر أو‬ ‫للحديــث, والــكل بعــد العشــاء يــأوي إلــى فراشــة وال يبقــى غيــر األطفــال‬ ‫فــي ( الحــوش ) الواســع يشــغلهم لهوهــم حتــى اإلعيــاء إال أنــا، ألتصــق‬ ‫بآســيا وأكاد أقطــع النفــس كــي ال تفوتنــي فاصلــة مــن حكاياتهــا العجيبــة‬ ‫والغريبــة الطويلــة المتشــعبة األحــداث المتعــددة األبطــال..» وســبعة صبايــا‬ ‫فــي قصبايــة يطيــح الليــل وناكلهــم. « وعلــى ولــد الســلطان « و « عــزوزه‬ ‫الســتوت ال يرحمهــا نهــار تمــوت» وهــات مــن تلــك العقبــات الــكأداء التــي‬ ‫تحــول بيــن الحبيــب ومحبوبتــه والتــي تضطــره إلــى ارتيــاد بــاد األغــوال‬ ‫41‬
  • 19. ‫واألهــوال والجــن والعفاريــت ليأتــي « بالتفــاح اللــي يفــوح ويــرد الــروح «‬ ‫ليشــفي األميــرة ثــم يتزوجهــا.‬ ‫كانــت آســيا نهــرا متدفقــا مــن الحكايــات وكنــت نهمــا ال أشــبع, وال أحــب أن‬ ‫تصــل الحكايــات إلــى خواتــم أبــدا. وكنــت مســتعدا لمصارعــه الغيــان مــن‬ ‫أجـل أن تبقـى آسـيا لكـي تحكـى وأسـمع وال يطلـع النهـار,, لـم يكـن لحكايـات‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫آســيا خواتــم حتــى وهــى تختمهــا بتلــك العبــارة الشــهيرة «وخرافتنــا هابــه‬ ‫هابــة... والعــام الجــاى تجينــا صابــه».‬ ‫تمتــد الحكايــة فــي وجدانــي أفقــا بــا حــدود وأمشــى خائفــا أترقــب أن يطلــع‬ ‫علــى الغــول أو تخطفنــي « عــزوزة القايلــه « وال بــد مــن ابتــكار الحــل‬ ‫لتجــاوز المــآزق الممكنــة فغــول الواقــع كغــول الخرافــة ال فــرق, هزيمتــه‬ ‫ممكنـة, وأنـا البطـل الخـارق أنتصـر كـي ال تنتهـى الحكايـة.. وهـى ال تنتهى.‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫وكان يومــا فاصــا حيــن دعانــا مديــر المدرســة ليــوزع علينــا القصــص -‬ ‫ذلــك االســم الــذى أطلقنــاه علــى كتــب المطالعــة مــن خــارج كتــب المنهــج‬ ‫– كنـت فـي الصـف الثالـث االبتدائـي, وقبـل ذلـك لـم أر غيـر كتـاب القـرآن‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫فـي البيـت واسـمه « الختمـة « أو « السـتين حـزب « ثـم الكتـاب المدرسـي‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫المقــرر.‬ ‫تسـلمت قصتـي األولـى مـن المدرسـة وعنوانهـا «حبـة القمـح « مـن إصـدار‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫دار المعــارف المصريــة, ال أذكــر اليــوم مضمــون القصــة ولكنــى أتذكــر‬ ‫فرحتــي العارمــة وتاريخيــة يومــي ذاك, حيــن اندفعــت إلــى مطالعتهــا تحــت‬ ‫ظــال أشــجار الصفصــاف الوارفــة تنتصــب أمــام مدرســتنا وتتنــاوب مــع‬ ‫المدرســة علــى إيوائنــا فــي قيــظ الصيــف أو زمهريــر الشــتاء. البيــت بعيــد‬ ‫عـن المدرسـة والدراسـة حصتـان صباحيـة ومسـائية وال مجـال للتـردد علـى‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫البيــت فــي مــا بيــن الحصتيــن.‬ ‫التهمــت القصــة التهامــا وطفقــت أبــادل بهــا قصــص زمالئــي حتــى أتيــت‬ ‫علـى مطالعـة كل القصـص الموزعـة آنـذاك فـي اسـتراحة مـا بيـن الحصتين.‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫وتأســس حــب عجيــب لــم ينقطــع بينــي وبيــن الكتــاب والمطالعــة, ووجــدت‬ ‫فـي القصـص أبطـاال صغـارا مثلـى, أرانـب وسـناجيب, عصافيـر فـي منتهى‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫51‬
  • 20. ‫العقــل والحكمــة.‬ ‫شـغفني حـب القصـص فأدمنـت مطالعتهـا, ولكنـى لـم أجدها خارج المدرسـة,‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫وال بـد مـن العـودة اليهـا مسـتمعا حيـث ال كتب.‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫عندمـا غادرنـا «الحـوش» الكبيـر إلـى بيـت يخـص عائلتنـا الصغيـرة، بقيـت‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫مشـدودا إلـى ذكرياتـي فـي «الحـوش» القديـم، وكانـت طريقـي مـن المدرسـة‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫إلــى بيتنــا الجديــد تطــول ألنــى أعــرج دائمــا علــى جــدى، وبرنامــج الزيــارة‬ ‫يتكــرر كل يــوم دون إمــال، جدتــي ال تعــرف القــراءة لكــن « الختمــة «‬ ‫بأرباعهــا األربعــة تتصــدر الغرفــة فــي الــرف الخشــبي المشــغول بتخريــم‬ ‫ونقــش فــي غايــة الروعــة وبجانــب المصبــاح الزجاجــي الملــون وهــذه آخــر‬ ‫صيحـة حينـذاك فـي عالـم اإلنـارة بعـد قنديـل الزيـت و»الكربيلـه» مصبـاح‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫الزجـاج يشـتغل «بالقـاز» وهـو النفـط ولذلـك نسـميه « قـازة « وجـدى الـذى‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ال يقــرأ فخــور بأنــى أقــراء، وهــو كل يــوم يطلــب أن أتلــو عليــه ســورة مــن‬ ‫القــران ويحددهــا مــن بيــن الســور القصصيــة، فالقصــة هــي التــي تعنيــه،‬ ‫يوسـف وإدريـس ومريـم والكهـف، وأشـترط عليـه المقايضـة قصـة بقصـة..‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫أتلــو الســورة ثــم أقبــل عليــه يــروى لــي مــن قصــص األنبيــاء فــي صياغــة‬ ‫شـعبية مليئـة بالتفاصيـل التـي تنسـج مـن الخيـال واقعـا متجسـدا تـراه بأذنيـك‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫وتعيشــه بكيانــك فيصبــح يوســف عزيــز مدينتنــا صفاقــس.. وشــاطئها هــو‬ ‫الـذى شـهد خـروج يوسـف مـن بطـن الحـوت، والنخلـة السـامقة فـي الجـوار‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫هــي التــي هــزت مريــم بجذعهــا حيــن إنتبذتهــا مــن أهلهــا مكانــا قصيــا.‬ ‫وإذ يتحــدث جــدى عــن األنبيــاء، ال يشــعرك بأنــه يتحــدث عــن المقــدس،‬ ‫هــو يتحــدث عــن أنــاس حضــروا الــى هــذه الدنيــا وغــادروا ولكــن العبــرة‬ ‫فــي كفاحكــم البشــرى الــذى تجــده ممكنــا حتــى وهــو خــارق.. وغالبــا مــا‬ ‫تأتــى الخــوارق إلــى قصــص جــدى عــن األنبيــاء مــن الخرافــات والحكايــات‬ ‫الشــعبية فــا غضاضــة عنــده فــي التقــاء نبــي وعفريــت.. والعفريــت ينبغــي‬ ‫أن يكــون جبــارا مــن الجبابــرة، وإال فــا معنــى النتصــار النبــي عليــه.‬ ‫بيتنـا الجديـد أقـرب إلـى مركـز المدينـة مـن بيـت جـدى، ولكـن المدينـة التـي‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ال نعرفهــا تبــدو بعيــدة جــدا، عيديــة العيــد زيــارة المدينــة والتجــوال فيهــا،‬ ‫61‬
  • 21. ‫وفــى العيــد تكــون خاليــة وعديمــة الحركــة إال مــن الباعــة المتجوليــن أو‬ ‫المنتصبيــن عرضيــا فــي مدخليهــا الشــمالي والجنوبــي، ورغــم ذلــك كنــا‬ ‫نجدهــا تضــج بالحيــاة.‬ ‫لــم تبهرنــي المدينــة بســورها الشــاهق أو أبوابهــا الرحبــة أو مبانيهــا‬ ‫المتالصقــة الممتــدة بــا أفــق وكأنهــا ال تنتهــى.‬ ‫كانــت تشــدني فــي ســاحة «بــاب الجبلــي» حلقــة « الفــداوى «..رجــل‬ ‫يمسـك عصـا طويلـة يقـف بين لوحـات فجة األلوان يفرشـها علـى أرضية‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫الميـدان وحولـة حشـد مـن النـاس، كبـارا وصغـارا، أشـق طريقـي بينهـم‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫إلــى الصــف االول.. أنشــد إلــى «الفــداوى « وهــو يحكــى عــن « ســيدنا‬ ‫علــى وراس الغــول « وعــن «الزازيــة المخبلــة فــي شــعورها» وعــن‬ ‫«بـو زيـد الهاللـي» فـي صوالتـه وجوالتـه ثـم يشـير إلـى الصـور حيـث‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫تتجســد الشــخصيات، وتتدفــق الحكايــات مــن قمــة إلــى الــروح بــا قســر‬ ‫أو فجاجـة. باهـرة تقطـع األنفـاس وال يسـتعيد النـاس أنفاسـهم المقطوعـة‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫إال حيــن يتوقــف عــن الحكــي، ويخلــع شاشــيته طائفــا بهــا علــى الجميــع‬ ‫فيتســابق كثيــرون إللقــاء قطــع النقــد جــزاء وفاقــا علــى مــا اســتمعوا بــه‬ ‫مــن ســاحر الحكايــات.‬ ‫تلـك مصـادري األولـى: أسـيا والكتـاب وجـدى و»الفـداوى» ثـم أصبحت‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫الحكايـة ضالتـي حيـث مـا أجدهـا التقطهـا، وترسـخ حسـن أعيـد روايتها،‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫وهـى مـن أطبـاق الضيافـة التـي كنـت أقدمهـا لتسـلية زوارنـا مـن مسـنى‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫العائلـة: عمـات وخـاالت وأعمـام وأخـوال.‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ثــم كان المرحــوم عبــد العزيــز العــروى فــي اإلذاعــة وهــو حكواتــي‬ ‫مبــدع، خالــد الذكــر عنــد كل أهــل تونــس وكان حضــوره يوميــا عبــر‬ ‫أسـماره المكتنـزة باألمثـال والحكـم الشـعبية، وموعـد حكاياتـه األسـبوعي‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ال يخلفــه النــاس، فينبهــرون بطريقتــه فــي الحكــي وتضمينــه لألمثــال‬ ‫واألقـوال فـي حكاياتـه وثـراء قصصـه بالحكـم والعبـر التـي تنسـاب إلـى‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫الــروح بــا قســر أو فجاجــة.‬ ‫عبــد العزيــز العــروى محطــة التكويــن ال أتجاوزهــا، وأحيــى روحــة‬ ‫71‬
  • 22. ‫الحيــة فــي حكاياتــه التــي تتقمصــه متوهجــة بصــوت ودفء حضــوره‬ ‫حتــى وهــى بيــن دفتــي كتــاب تخالهــا جامــدة وهــى تضــج بالحركــة.‬ ‫هــل كانــت تســتحق حكايتــي مــع الحكايــة أن أحكيهــا لكــم ؟ لكــم تقديــر‬ ‫ذلــك ولكنــى ســعدت إذ حكيــت والســام عليكــم.‬ ‫81‬
  • 24. ‫الحكﺎﻳﺔ اﻷوﱃ:‬ ‫»الحﻰ الﺮمﺎدي«‬ ‫إلﻬــــﺎم الحﺪاﻲﺑ‬ ‫02‬
  • 25. ‫المواطنة هي :‬ ‫العضوية الكاملة والمتساوية في المجتمع بما يترتب عليها من حقوق‬ ‫وواجبات, وهو ما يعنى إن كافة أبناء الشعب الذين يعيشون فوق تراب‬ ‫الوطن سواسية بدون أدنى تمييز قائم على أي معايير تحكمية مثل الدين‬ ‫أو الجنس أو اللون أو المستوى االقتصادي أو االنتماء السياسي والموقف‬ ‫الفكري.‬ ‫12‬
  • 26. ‫كان يــا مــا كان، هنــاك مدينــة جميلــة وكبيــرة، عُرفــت بجمــال مبانيهــا،‬ ‫ُ‬ ‫ورونــق شــوارعها، وبهــاء بســاتينها، وعــرف النــاس هنــاك بحبهــم الرتــداء‬ ‫أجمـل المالبـس وتنـاول أفضـل أنـواع الطعـام، وكان أطفالهـم يحبـون المـرح‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫كثيــراً...‬ ‫أطفال يلعبون الغميضة....‬ ‫وآخرون يلعبون نط الحبل.....‬ ‫والبعض اآلخر يلهون بالحشائش واألحجار الصغيرة.‬ ‫كانت تلك المدينة تضج بالحياة:‬ ‫أصوات السيارات‬ ‫وصخب الناس..‬ ‫وضحك يمأل أرجاء الشوارع..... هكذا هي أجواء تلك المدينة الجميلة.‬ ‫لكــن خلــف هــذه المدينــة كان هنــاك حــي صغيــر، يُدعــى (الحــي الرمــادي)،‬ ‫أزقـة هـذا الحـي ضيقـة، ومنازلـه قديمـة جداً...والجـوع والخـوف والصمـت‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫هـو لغـة هـذا الحـي فأطفالـه ال يلعبـون. وال يمرحـون، يقبعـون فـي منازلهـم‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫بمالبســهم الباليــة، ونســاؤهم ال تعــرف البســمة طريقهــا الــى شــفاههن، أمــا‬ ‫رجالهــم فــا يتحدثــون إال نــادراً....‬ ‫ذات يــوم خــرج رجــل وامرأتــه وطفلهمــا الصغيــر ليتمشــوا فــي المدينــة‬ ‫الجميلــة، كان طفلهمــا الصغيــر يلعــب بكرتــه أمامهمــا، وينــط هنــا وهنــاك..‬ ‫انشــغل الوالــدان بحديثهمــا، وأثنــاء ذلــك تدحرجــت كــرة الصغيــر ودخلــت‬ ‫إلـى المنفـذ الـذي يـؤدي إلـى الحـي الرمـادي، بحـث عـن كرتـه هنـا وهنـاك..‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫أين كرتي ؟..أين كرتي؟..‬ ‫-‬ ‫ ‬ ‫فجــأة، تراجــع إلــى الخلــف عندمــا رأى أطفــال فــي نفــس ســنه تقريب ـا ً لكــن‬ ‫أشــكالهم غريبــة، لقــد كانــوا يرتــدون أســماالً مــن الثيــاب ونظــرات البــؤس‬ ‫تمــأ وجوهــم الصغيــرة، كانــوا يمســكون بكرتــه بشــكل غريــب، ويتلمســون‬ ‫ألوانهــا الزاهيــة... اقتــرب منهــم الصغيــر وقــال:‬ ‫يمكننا أن نلعب بها معاً..‬ ‫-‬ ‫ ‬ ‫تراجــع األطفــال إلــى الخلــف وهــم خائفــون، اقتــرب منهــم الصغيــر مجــدداً‬ ‫22‬
  • 27. ‫وقــال مبتســماً:‬ ‫يمكننا أن نلعب بها معاً.‬ ‫-‬ ‫ ‬ ‫لكنهم واصلوا تراجعهم إلى الخلف، عند ذلك قال لهم الصغير:‬ ‫يمكنكم أن تحتفظوا بها فأنا لدي واحدة أخرى في المنزل،‬ ‫-‬ ‫ ‬ ‫ثــم عــاد الصغيــر أدراجــه. وأثنــاء حديــث الوالديــن افتقــدا طفلهمــا الصغيــر‬ ‫فبــدآ بالبحــث عنــه:‬ ‫محمود...محمود.. أين أنت يا محمود؟‬ ‫-‬ ‫ ‬ ‫بعد قليل خرج الصغير من منفذ الحي الرمادي، صرخت األم فزعة:‬ ‫أين كنت؟!‬ ‫-‬ ‫ ‬ ‫أشار الصغير إلى ذلك المنفذ، لتصرخ به األم مجدداً:‬ ‫ولماذا ذهبت إلى هناك؟‬ ‫-‬ ‫ ‬ ‫تدحرجت كرتي إلى هناك فتبعتها..،‬ ‫-‬ ‫ ‬ ‫مرة أخرى إذا تدحرجت كرتك إلى هناك دعها وعد..‬ ‫-‬ ‫ ‬ ‫لكن من هؤالء يا أمي؟‬ ‫-‬ ‫ ‬ ‫هــؤالء أنــاس مجرمــون وشــريرون... حــذاري أن تذهــب هنــاك مــرة‬ ‫-‬ ‫ ‬ ‫أخــرى،‬ ‫أعاد الصغير السؤال لوالده:‬ ‫من هؤالء يا أبي؟‬ ‫-‬ ‫ ‬ ‫اسمع كالم أمك يا بني فقط.‬ ‫-‬ ‫ ‬ ‫تمــر ســنين عديــدة، وفجــأة تنتشــر الجريمــة فــي المدينــة الجميلــة، القتــل،‬ ‫والســرقة وشــتى أنــواع الجرائــم، ويتعــب رجــال الشــرطة فــي البحــث عــن‬ ‫المجرميــن، وبعــد بحــث طويــل يتضــح أن الفاعليــن هــم مــن ســكان المدينــة‬ ‫الرماديـة. ويجتمـع كبـار المدينـة الجريمـة ليتناقشـوا فـي هـذه المشـكلة، قـال‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫القاضــي:‬ ‫أقترح أن نأتي بصخرة كبيرة فنسد بها منفذهم فال يأتوا إلينا أبداً‬ ‫ ‬ ‫-‬ ‫وقال الطبيب:‬ ‫أما أنا فأقترح أن نحقنهم بحقن ملوثة فيموتوا ونتخلص منهم.‬ ‫-‬ ‫ ‬ ‫32‬
  • 28. ‫وقال الضابط:‬ ‫أما أنا فأقترح أن ندفنهم وهم أحياء.‬ ‫-‬ ‫ ‬ ‫وقال الحداد:‬ ‫وأنا أقترح أن نحرق منازلهم فيذهبوا بعيداً وال يعودوا هنا أبداً،‬ ‫-‬ ‫ ‬ ‫بقي المعلم صامتا ً فسأله القاضي:‬ ‫وما رأيك أنت أيها المعلم؟‬ ‫-‬ ‫ ‬ ‫قال المعلم:‬ ‫أما أنا فأقترح أن نبني لهم مدرسة صغيرة تعلمهم لغة األلوان.‬ ‫-‬ ‫ ‬ ‫ضــج المجلــس بالضحــك مــن هــذا االقتــراح الســاذج، وتفــرق الجميــع دون‬ ‫أن يتوصلــوا إلــى حــل، وتواصــل انتشــار الجريمــة.‬ ‫وبعـد أسـابيع قـرر المعلـم أن يتوجـه إلى الحـي الرمادي، أخذ حقيبـة صغيرة،‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫وجمــع أدواتــه وبعــض كتبــه ومالبســه ثــم توجــه إلــى منفــذ الحــي الرمــادي،‬ ‫وعندمــا وصــل تذكــر كرتــه التــي تدحرجــت هنــا قبــل عشــرين عام ـاً، ثــم‬ ‫تأمــل المالمــح البائســة والمنازلــة الباليــة وطلــب منهــم منــزالً صغيــراً ليبــدأ‬ ‫عملــه، قــام المعلــم بتعليــم ســكان ذلــك الحــي لغــة األلــوان.‬ ‫علمهم معنى زرقة السماء‬ ‫وخضرة األرض‬ ‫وبياض االبتسامة‬ ‫وأن األوطان تبنى...‬ ‫بحوار عقولها... جميعا‬ ‫وتكاتف سواعدها.. جميعا‬ ‫ونبههــم إال أن اللــون األســود والرمــادي ليســا اللونيــن الوحيديــن فــي هــذه‬ ‫الحيــاة، وبعــد زمــن خفــت الجريمــة فــي المدينــة الرماديــة إال أن تالشــت...‬ ‫وصـار ذلـك الحـي الرمـادي يُعـرف (بحـي األلـوان)، وصـارت تلـك المدينـة‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫الكبيــرة تفخــر بهــذا الحــي الجميــل.‬ ‫42‬
  • 29. ‫الحكﺎﻳﺔ الﺜﺎﻧﻴﺔ:‬ ‫»ﻃﺎﺋﺮ اﳌﻠﻚ« مﻦ الحكﺎﻳﺎت الﺸﻌﺒﻴﺔ ﰲ »اﳌﻘﺎﻃﺮة«‬ ‫ﺟﻤﻌﻬﺎ وﻧﻘحﻬﺎ: ﻳوﺳﻒ ﺷﻤﺴـــــﺎن‬ ‫52‬
  • 30. ‫(لجميــع الشــعوب حــق تقريــر مصيرهــا بنفســها وهــى بمقتضــى هــذا الحــق‬ ‫حــرة فــي تقريــر مركزهــا السياســي وحــرة فــي الســعي لتحقيــق نمائهــا‬ ‫االقتصــادي واالجتماعــي والثقافــي)‬ ‫مادة(1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية‬ ‫62‬
  • 31. ‫كان يــا مــا كان فــي ســالف العصــر والزمــان مملكــة قامــت بيــن الجبــال‬ ‫وكانــت تختلــف عــن الممالــك فــي إدارة حكمهــا كل االختــاف. فالملــك فيهــا‬ ‫ال يــورث الحكــم البنــه مــن بعــده. فقــد اتفــق ســكان هــذه المملكــة مــن غابــر‬ ‫األزمــان أن الملــك هــو مــن يقــف علــى رأســه طيــر يســمى (طيــر الملــك).‬ ‫وطيــر الملــك هــذا لــم يكــن يظهــر أو يتواجــد دائمــا، ولكــن حينمــا يظهــر‬ ‫يعــرف النــاس أنــه حــان الوقــت الختيــار ملــك جديــد حتــى وإن كان ملكهــم‬ ‫مــازال قــادرا علــى الحكــم. وكان جميــع الملــوك يحترمــون هــذه القاعــدة وال‬ ‫يخالفونهــا.‬ ‫كان فــي هــذه المملكــة حطــاب فقيــر يعمــل هــو وابنــه فــي جمــع الحطــب‬ ‫مـن الغابـة ويبيعونـه للنـاس لتوفيـر لقمـة عيشـهم. وقـد اشـتهر هـذا الحطـاب‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫بــأن الســرور ال يفــارق وجهــه وأنــه يعيــش حيــاة ســعيدة رغــم فقــره وذلــك‬ ‫أنــه كان قانعــا بمــا رزقــه هللا، ولــم يكــن للطمــع أو الجشــع إلــى قلبــه مــن‬ ‫ســبيل. وألنــه يــأكل مــن عــرق جبينــه وكــد يــده, فلــم يكــن عليــه ديــن ألحــد.‬ ‫فــكان دائــم الســعادة والســرور وهــو مــا كان يزعــج جــاره التاجــر الجشــع.‬ ‫والــذي كان يحســده علــى ســعادته وكان يتمنــى أن يجــد الفرصــة التــي يقلــب‬ ‫ســعادة هــذه األســرة الــى أحــزان. وكان هــذا التاجــر صديقــا للوزيــر ودائمــا‬ ‫مــا يوغــر صــدره علــى هــذا الحطــاب المســكين.‬ ‫فـي أحـد األيـام وبينمـا كان الحطـاب يعمـل فـي الغابـة إذا بـه يجـد عشـا فيـه‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫بيضـة واحـدة ذات ألـوان جميلـة وأشـكال رائعـة. وكان كل مـن فـي المملكـة‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫يعرفـون لمـن هـذه البيضـة فهـي لطيـر الملـك. وهـذا يعنـى أن وقـت اختيـار‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ملـك جديـد قـد اقتـرب. عـاد الحطـاب إلـى بيتـه وأخبـر زوجتـه بمـا رأى وأن‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫عليـه أن يخبـر الوزيـر بذلـك. فقالـت لـه:‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫لمــاذا ال تخبــر جارنــا التاجــر بمــا وجــدت وهــو ســينقل الخبــر إلــى‬ ‫-‬ ‫ ‬ ‫الوزيــر فهــو صديقــه وســتوفر علــى نفســك عنــاء الذهــاب إلــى القصــر.‬ ‫استحسـن الحطـاب رأي زوجتـه وذهـب إلى جـاره التاجر وأخبـره بما وجده.‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ارتعـب التاجـر ممـا سـمع وخـاف علـى تجارتـه التـي يديرهـا بدعـم الوزيـر‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫أن تنتهــى إذا قــام الملــك الجديــد بتعييــن وزيــر جديــد. ذهــب التاجــر ليخبــر‬ ‫72‬
  • 32. ‫الوزيــر بمــا ســمعه ويتباحــث معــه فــي كيفيــة تدبــر هــذا األمــر واالســتعداد‬ ‫َّ‬ ‫لــه. طلــب الوزيــر احضــار الحطــاب إليــه ليتأكــد بنفســه مــن األمــر. تدخــل‬ ‫التاجــر الجشــع عنــد الوزيــر وقــال لــه لــو طلبــت مــن الحطــاب إحضــار‬ ‫البيضـة وأخفيناهـا سـيكون لدينـا متسـع مـن الوقـت لتدبـر األمـر. وألن طيـر‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫الملــك كان ســيظهر ال محالــة, كان عليهــم أن يقومــوا بتهيئــة ملــك جديــد‬ ‫يعلمـون أنـه سـيرعى مصالحهـم ولـن يتغيـر موقـع الوزيـر بوجـوده. وقـرر‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫الوزيــر أن عليهــم تجهيــز ابــن الملــك ليكــون الملــك مــن بعــد أبيــه, ولكــي‬ ‫تزيــد حظوظــه عليهــم أن يقومــوا بتزويجــه مــن ابنــة ســلطان عظيــم. وحتــى‬ ‫يضيــع خبــر طيــر الملــك كان عليهــم أن يجــدوا حيلــة للتخلــص ولــو مؤقتــا‬ ‫مــن الحطــاب. فأمــر الوزيــر الحطــاب أن يذهــب لطلــب يــد ابنــة ســلطان‬ ‫الصيــن العظيــم عروس ـا ً لملكهــم الجديــد وأن يعــود بهــا. كان الجميــع يــدرك‬ ‫أن مــن يذهــب إلــى هنــاك لــن يعــود فلــم يعــد أحــد مــن تلــك الرحلــة ســابقا‬ ‫بســبب الصعــاب والمخاطــر التــي تنتظــره...‬ ‫تطــوع ابــن الحطــاب للســفر بــدالً والــده كونــه مــازال شــابا وقــادرا علــى‬ ‫اجتيــاز الصعــاب والمخاطــر. تفاجــأ الوزيــر بمــا أقــدم عليــه هــذا الشــاب‬ ‫ولكنـه لـم يجـد بـدا مـن ذلـك ولكنـه ادعـى أن الولـد قـد ال يعـود ولذلـك قـرر‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫أن يبقــى الحطــاب فــي ســجن القصــر حتــى يعــو ابنــه مــن رحلتــه وهــو مــا‬ ‫يضمــن عــدم ذيــوع ســر طيــر الملــك. كمــا وضــع الوزيــر شــرطا تعجيزي ـا ً‬ ‫آخــر وهــو أن يعــود ابــن الحطــاب مــن رحلتــه قبــل أن تنقضــي فتــرة ســتة‬ ‫أشــهر مــن ســفره.‬ ‫قبـل الحطـاب الشـاب هـذه الشـروط ولكـن خبرتـه البسـيطة لـم تكـن لتسـاعده‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫علـى التجهيـز لمثـل هـذه الرحلـة فلجـأ إلـى عجـوز حكيمـة ليأخـذ نصيحتهـا‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫فـي مـا قـد يحتـاج إليـه. فقالـت لـه العجـوز الحكيمـة:‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫عليـك أن تأخـذ أربعـة جمـال محملـة بالحبـوب وأربعـة جمـال محملـة‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫-‬ ‫ ‬ ‫بالمــاء وأربعــة جمــال محملــة بالهدايــا ليزفهــا مهــرا للعــروس وأربعــة‬ ‫جمــال محملــة بالغــذاء والثيــاب وكل مــا قــد يحتاجــه للحفــاظ علــى نفســه‬ ‫أثنــاء الرحلــة. توجــه الحطــاب الشــاب إلــى الوزيــر وطلــب منــه توفيــر هــذه‬ ‫82‬
  • 33. ‫الطلبــات ليتمكــن مــن القيــام برحلتــه.‬ ‫أمـر الوزيـر بتجهيـز القافلـة التـي طلبهـا الحطـاب الشـاب بينما ذهب الشـاب‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫لتوديـع والـده ووعـده بأنـه سـيعود وسـيخرجه مـن سـجنه. وفـي صبـاح اليـوم‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫التالــي ســار الحطــاب الشــاب بقافلتــه نحــو بــاد الصيــن وكان النــاس فــي‬ ‫توديعـه عنـد أبـواب المدينـة يدعـون لـه بالتوفيـق فـي رحلتـه.‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫سـارت القافلـة أليـام قطعـت فيهـا الجبـال واألوديـة حتـى وصـل إلـى وادي‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫يقـال لـه وادي النمـل. وحيـن دخـل هـذا الـوادي تفاجـأ مـن حشـود النمـل التي‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫غطــت الــوادي بترابــه وأحجــاره وأشــجاره بأعــداد هائلــة حيــث مــا التفــت‬ ‫وجدهــا متحفــزة للهجــوم عليــه. فبادرهــا بالتحيــة قائــا :‬ ‫الســام عليكــم يــا معشــر النمــل فــردت عليــه جمــوع النمــل لــوال‬ ‫-‬ ‫ ‬ ‫ســامك ســبق كالمــك ألكلنــا لحمــك وعظامــك نحــن فــي جــوع وقحــط لــم‬ ‫نعــرف الحبــة منــذ ســنة... فمــن أنــت أيهــا الشــاب ومــاذا تريــد؟‬ ‫مـا أنـا إال ابـن حطـاب فقيـر ذاهـب إلحضار عـروس السـلطان ألحرر‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫-‬ ‫ ‬ ‫أبــي مــن ســجنه وإن معــي مــن الحبــوب الكثيــر فخــذوا حمــل تلــك الجمــال‬ ‫ً‬ ‫مــن الحبــوب هديــة أقدمهــا لكــم عــن طيــب خاطــر.‬ ‫فرحـت النمـل واستبشـرت بهـذه الهديـة الغاليـة وفـي دقائـق كانـت قـد نقلـت‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫كل الحبـوب إلـى أوكارهـا لتسـتفيد منهـا وبعدهـا اجتمعـت وقالت أيها الشـاب:‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫إن كرمـك يحتـم علينـا أن نقـدم لـك هديـة وهـي هـذه الحبـة مـن الـذرة‬ ‫ـ ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫-‬ ‫ ‬ ‫فــإذا احتجــت لنــا فــي يــوم مــن األيــام فمــا عليــك ســوى أن تقــوم بكســر هــذه‬ ‫الحبــة وســتجدنا طــوع أمــرك.‬ ‫أخـذ الشـاب تلـك الحبـة ووضعهـا فـي جيبـه شـاكرا لهـم تلـك الهديـة ومضـى‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫فــي رحلتــه الطويلــة وبعــد أيــام وصــل إلــى واد تمــأه النســور والصقــور.‬ ‫تحــوم فــي ســماه وتحــط علــى أحجــاره وأشــجاره وتنضــر إليــه بعيــون كلهــا‬ ‫رغبــة فــي أكلــه فبادرهــا بالتحيــة قائــا:‬ ‫السالم عليكم معشر النسور والصقور.‬ ‫-‬ ‫ ‬ ‫فردوا قائلين:‬ ‫لــوال ســامك ســبق كالمــك ألكلنــا لحمــك وعظامــك نحــن فــي جــوع‬ ‫-‬ ‫ ‬ ‫92‬